هذا الكتاب إسهام هام ومثير للجدل في المناظرات المعاصرة المهمة التي أثارتها النظريات المؤثرة التي قدمها فرانسيس فوكوياما فيما كتبه عن نهاية التاريخ وصمويل هنتيغنتون فيما كتبه عن صدام الحضارات . يبحث دييتر سينغاس بعض أهم القضايا السياسية التي نواجهها اليوم مثل:
كيف تتأقلم المجتمعات مع التعددية؟
هل يمكن أن يكون التسامح ناجحاً؟ ما دور الثقافة في الصراعات الراهنة التي توصف بأنها وليدة الثقافات؟
هل ستغرق السياسات العالمية في القرن الحادي والعشرين في الصراعات الثقافية على مستوى كبير؟
يستكشف دييتر سينغاس هذه الأسئلة في سياق المناطق الثقافية الرئيسية خارج منطقة الغرب – في الفلسفة السياسية – الصينية ، والإسلام ، والبوذية ، والهندوسية – ويمضي في تأمل إمكانية ظهور شكل بناء من أشكال الحوار بين الثقافات . إن النهج المميز والراديكالي الذي ينتهجه سينغاس مواكباً للأحداث وذو أهمية شديدة لكل العاملين بالسياسة والعلاقات الدولية ، والعلوم الاجتماعية ، والدراسات الثقافية ، ودراسات التنمية ، والديانات ، والاقتصاد السياسي الدولي .
لأكون صادقا أعجبني الكتاب في بدايته وتعجبت كيف تنشر مكتبة الأسرة كتابا كهذا ظنا مني أن الكاتب سيسعة فعليا إلى تناول القضية من جهة غير التي تناولها والتي سأمنا الرد عليها..
أفضل ما جاء في هذا الكتاب والذي أفادني كثيرا هو الحل السداسي لمشكلة الفوضى ص ٣٦
جعل المؤلف التوجه السلفي الأصولي مناهضا كل المناهضة للغرب وهذا غير صحيح إذ أن هذا التوجه لا يرى بأسافي الاستفادة من الغرب في غير ما يناقض الأسس الدينية لديه وقد نسب المؤلف غاندي إلى هذه الفئة كذلك ولست أدري مدى صحة قوله هذا.
لكنني أرى أن أي حديث عن أناس يرفضون التقدم العلمي لمجرد أنه من الغرب سواء كانوا في العالم الإسلامي أو روسيا هو ضرب من الخبل إلا أن يكونوا مخدوعين بأن هذا التقدم لابد وأن يصاحبه انصياع لسلوكيات وثقافة الغرب فحينها يكونون معذورين.. وهذا أمر لا يصح.
يتناول المؤلف مسألة الشورى في الإسلام - لست أدري أمن نفسه أم نقلا عن الأستاذ المشار إليه في كلامه (سيف الدين عد الفتاح) بشيء من النقد السريع فيزعم أنه مبدأ مفروض دينيا لكنه كان مقرر قبليا وأن تطبيقه في العصر الحديث سيواجه صعوبة.. ولعل المؤلف يجهل أن الإسلام جاء فعلا في مجتمع قبلي لكنه لم يؤصل مبدأ الشورى على هذا النحو القبلي فالنبي لم يكن زعيم قبيلة ولا تابعا لقبيلة بل كان زعيم أمة تختلف طبائعها وقبائلها بل وفيهم العربي والأعجمي كسلمان الفارسي وصهيب الرومي الذي أشار على النبي بحفر الخندق... أما مسألة الشورى ذاتها فيرجع في تطبيقها إلى كتب السنة واجتهادات أهل العلم قديما وحديثا.
من الملاحظ أن المؤلف يتناول صراع الثقافات من منطلق الثقافة الواردة والثقافة الأصيلة وقابلية صاخب الثقافة الأصيلة لتبني الثقافة الواردة أو قدرته على النهوض بثقافته الأصيلة لكنه يغفل تماما دور صاحب الثقافة الواردة والذي غالبا ما يكون داعيا لها سواء كانت تلك الدعوة تعريفية أو إجبارية كما هو الحال في الدعم العسكري أو الاقتصادي لتوجه معين يخدم المصلحة الغربية أو ممارسة ضغوط اقتصادية لإجبار الدول على تبني الثقافة الواردة أو بعض مفرداتها.. ربما تكون هناك دول أو مناطق أخرى مرت بمثل هذه الظروف وتجاوزتها لكن ذكرها ضروري لأنها تؤثر.
كما أن مشكلة المنطقة العربية والإسلامية سياسية في المقامة الأول.. نعم قد تكون السياسة مرتبطة بالثقافة لكن الأزمات السياسية ابتداءا من التدهور الذي لحق بكيان الخلافة ثم الاستعمار وما فعله وما خلفه ثم الحكم الدكتاتوري المتلاحق كلها خارجة بشكل ما عن سيطرة المجتمعات.. لست هنا بصدد الدفاع عن تلك المجتمعات فهي بلا شك إحدى الأسباب لكنني فقط أحببت أن أوضح أمور أغفلها المؤلف.
في ص ٧٨ تناول المؤلف توصيف ما اعتبره المشكلة الإسلامية بشيء من الحياد والتفاهم غير أنه لم يستطع التنكر لاعتقاده فيها وهو لا يزال في بداية طرحه وهذا يؤثر سلبا على قبول كلامه إلا أن يكون كتابه موجها للقارئ الألماني فقط فحينها يكون مؤثرا على مصداقيته كمؤلف يطرح مشكلة من منطلق حيادي لا حكمي.. يقول عن المنهج الذي يقر أنه إلهي مبدئيا بالنسبة لمعتنقي الإسلام أنه يحارب ما وصفه بـ (التأويلات الأكثر عقلانية) وهذه معضلة ابن سينا وابن رشد وكل العقلانيين ولعل في تعقيبي على كتاب "فصل المقال" لابن سينا كفاية في هذا الأمر لكن ما أغفله الكاتب فقلب كلامه عليه هو ذكر أن هناك تأويلات وتأويلات أكثر عقلانية حتى ينفي أن يكون التعارض بين نص إلهي وتأويل بشري غير أن ما قاله هو الصواب فالأمر أن هناك نص إلهي يرعى البعض أنه غير عقلاني غير أنهم يؤمنون بأنه إلهي وحتى يخرجوا من هذه المعضلة جعلوا لهذا النص تأويلات تخرج به عن المعنى الطبيعي المتبادر من النص وبهذا ناقضوا النص الإلهي "بلسان عربي مبين" وجعلوا من أنفسهم أوصياء على النص وفتحوا باب التأويل بلا ركيزة إلا العقل الذي يختلف في تقديره من شخص إلى آخر، وتقرير هذا الأمر اضطرهم بعد ذلك إلى الزعم بأن صحابة النبي لم يفهموا النص من النبي بشكل صحيح ولا الذين جاؤوا بعدهم حتى جاء هؤلاء العقلانيون بل وزعم بعضهم أن النبي لم يفهم النص بشكل صحيح وأن وظيفته كان تبليغ النص فقط.. وعلى كل حال فإن أي عاقل يقرأ هذا الكلام كما ذكرته هنا سيقول عن هؤلاء مجانين أو كفرة.. ولذا يقرر ابن سينا وقرر الغزالي من قبله أن هذا العلم أو الفهم لا ينبغي أن يتاح إلا للخاصة فقط لأن العوام لا يعقلونه.. وهذا ومثله مما ذكره المؤلف يجعله غير مؤهل لتناول هذه القضية على الأقل من جهة عدم إلمامه أو إدراكه للملابسات هذه الثقافة.
يتحدث المؤلف فيما يشبه الحوار الصحفي عن رجل يدعى "صادق العظم" والذي يسأله هل الإسلام قابل للعلمنة؟" فيجيبه.. "عقائديا لا وتاريخيا نعم"... وأقول أن الإسلام بوصفه القرآن الكريم غير قابل للعلمنة لا عقائديا ولا تاريخيا.. المسلمون على خلاف ذلك أشخاص قابلون للعلمنة والردة والإلحاد... ولعله صوّب ذلك عندما عاد إلى التحدث عن المجتمعات الإسلامية لا الإسلام.
ولعل مما أثارني قول المؤلف "ثمة قول بإمكانية أن أنماط الفكر المهيمنة على العقل الإسلامي كانت منحازة للقابضين على السلطة"، فالمؤلف يجهل أن الانحياز ليس لمن يسميه قابض على السلطة بل إلى الحاكم وليس بصفته فرد بل بصفته قائد ورمز للأمة وفي هذا يُحتاج إلى مراجعة فقه الحاكمية ليكون في هذا جواب على من سيتبادر إلى ذهنه السؤال التقليدي "فماذا إذا كان حاكما ظالما؟".. ما ذكرته هنا إنما هو تقرير لما أغفله المؤلف وهذا لا يعني أن هناك من انحاز للسلطة رجاء منفعة لكن هذا ليس في عموم المنحازين أيا كانت اتجاهاتهم فإنهم إنما كانوا ينحازون لما ينصر عقيدتهم وفكرهم كذلك لا ينحازون لشخص وإذا كان ثمة حاكم داهية لربما كان يستخدمهم.
ثم يقول دفاعا عن العقلانيين "علاوة على هذا فقد كان هؤلاء العقلانيين بطبيعة الحال حريصين على الالتزام بنص الشريعة الإسلامية وبالفهم الجوهري للمجتمع الإسلامي الصادق"، وهذا من العجب وكان الأولى به أن يقول "حريصين على مخالفة ظاهر النص بما يرونه تأويلا له".
وبين هذا وذاك يزعم المؤلف أن ما سماهم بالمتشددين أو الجامدين يرفضون التعامل مع الحداثة الغربية ومقتضيات الحضارة والنهضة وهذا جهل فاحش منه فهو يتكلم عن فئة لا تكاد تذكر.. كيف وحتى الجهاديين بل والقاعدة حريصون على تعلم التكنولوجيا والإبداع فيها حتى ولو على سبيل الاستخدام لا الاختراع بل ويستخدمونها ضد أمريكا.. من يتحدث عنهم المؤلف فئة يسميها البعض "جماعة التكفير والهجرة" وهذه الفئة تكاد تكون منقرضة وتعميمها وجعلها الأصل السائد في المجتمعات الإسلامية ثم نقدها في محاولة لإيجاد حلول لمشكلة هو في حد ذاته مشكلة تحتاج إلى حل.
ولست أعلم ولم أسمع من أحد من الذين سمعت لهم حتى من السلفيين أن ثمة مشكلة في التواصل الحضاري إذا اختزلنا الحضارة فيما ذكره المؤلف في بداية كتابه من تقدم علمي وصناعي .. أما ما أقره المؤلف في بداية كتابه من الابتعاد عن التقاليد أو العقائد وحاول التوصل في الشأن الصيني إلى حل وسط فإنه يتجاهله هنا ويحاول فتح الباب عل مصراعيه وتفريغ المجتمع الإسلامي من مفهوم الثقافة الإسلامية حتى وإن زعم أنه يبحث عن توافق فإنما هو يهدم شيئا فشيئا.. فكل ما يذكره وما يزعم أنه يحتاج إلى تحديث أو تأويل إنما هو في صميم الفكر الإسلامي والنص الإلهي لا علاقة له بتقدم علمي لكنه كما هي عادة أصحاب هذا الاتجاه العقيم يحاولون الربط بين التقدم الحضاري في مجمله وهذه النقاط التي يطرحونها كأسباب ينبغي تجاوزها بالتوصل إلى حلول للقدرة على التواصل الحضاري مع الغرب.. يذكر منها على سبيل المثال..
يقول المؤلف "ذلك لأن التوجهات الجوهرية التي تنطوي عليها الشريعة لم تعد تلائم الخبرة الحياتية المعيشية للناس من مثل افتراض عدم المساواة بين الجنسين أمام القانون وفي مجالات أخرى، والإجراءات التشريعية المثيرة للشك خاصة في قانون العقبات الإسلامي"
وهذه الجملة باختصار توضح انتقال المؤلف من تناول الحضارة بصفتها تركيب مزدوج من تغيرات علمية وأخلاقية إلى جعلها مركبا واحدا ينبغي الأخذ به كله.. يقول "من مثل عدم افتراض عدم المساواة بين الجنسين أمام القانون وفي مجالات أخرى" يقصد بهذا في مسألة أن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين.. ويقصد بـ "مجالات أخرى" تعدد الزوجات والميراث وغيرها.. ويقول "والإجراءات التشريعية المثير ة للشك في قانون العقوبات الإسلامي" ويقصد بهذا قطع يد السارق ورجم الزاني بل وقانون العقوبات كله وهذا يوضح أنه لا يريد تقريب وليس كما زعم في بداية كتابه أنه يسعى إلى وجود اتصال حضاري وتجند للصدام مع الحفاظ على الثقافة الداخلية والهوية الحضارية للمجتمعات المتصادمة بل هو يسعى إلى محو أو تشويه أحد الحضارتين –تجديدا التي وصفها بالأضعف- لتكون قابلة للغزو الحضاري والفكري والثقافي والأخلاقي من الحضارة الأخرى.. هو في الحقيقة يسعى إلى هذا محافظا على النص الإلهي كنص مجرد لا فائدة منه غير أنه شيء يجمع الناس حوله بينما يقوم سدنة هذا الفكر بتحريفه وتأويله حسب هواهم وحسب ما يتفق مع الحضارة الغربية حتى لو بلغ بهم الأمر أن يذهبوا كما زعم ابن سينا –بطريق غير مباشر- أن الله استغفلنا وخدعنا وأنزل كلاما غير مباشر وغير واضح وزعم فيه أنه مباشر وواضح.
وعند هذه النقطة (ص84) توقفت عن المتابعة لأنني وجدت أن الكتاب غير مجدي وأن ما فيه قد قرأته وأكثر منه لبعض أتباع هذا الفكر من العرب وممن ينتسبون إلى الإسلام فخلاصة كلامهم أن هذا الدين خاطئ في مجمله لا فائدة منه وينبغي تعديله كله ليتوافق مع مقتضيات الحداثة والقوانين والتشريعات الغربية وأتعجب كثيرا من تمسك أمثال هذا الرجل ممن ينتسبون إلى الإسلام بهذا الدين فمقتض كلامهم أن الكفر به أفضل بل وأولى من الإيمان به فلا مبرر لبقائهم عليه إلا أنهم وسائل وأدوات للتغيري بأبنائه الذين لا يؤمنون بمنهجهم أي أنهم وسيلة لتحطيمه. رحم الله الشيخ أبا فهر محمود شاكر فقد أتى على ما ينبغي في هذا الشأن.
كما أنني وبناء على ما سبق غير قادر على الحكم على ما ذكره في الشأن الصيني لجهلي بطبيعة تلك الثقافة..
تقييمي لما قبل الحديث عن الإسلام 4 وفيما بعده نجمة واحدة ... التقييم الكلي نجمتان
مقتطفات من كتاب الصدام داخل الحضارات للكاتب دييتر سنغاس ------------------------------- يلاحظ في كل انحاء العالم غير الأوروبي أن الهزائم الفعلية و الوشيكة أثارت ردود أفعال كضارة فكرية و سياسية , وتباينت نتيجة لذلك من حيث القضايا التي تؤكد عليها , و نجد ان من بين الخيارات المطروحة قضية محاكاة الغرب , و انعقد الامل بذلك على اللحاق بالتطور الاوروبي , ثم الحاق الهزيمة بعد ذلك بالغرب مستعينين بأسلحته , و نجد في مجتمعات كثيرة خياراً آخر و هو اعادة التفكير من جديد في تراثها الخاص و محاولة احيائه و تجديده , و ثمة خيار ثالث يتمثل في الجمع بين الاثنين الاولين بهدف الحفاظ على القيم الخاصة للمجتمعات مع العمل في الوقت نفسه على تبني التكنولوجيات و الخبرات الجديدة , و الخيار الرابع يعود الى الظروف المواتية اكثر مما يعود إلى أرادة اصحابه : الابتكار باعتباره استجابة غير مسبوقة ازاء تحديات لا نظير لها ----------------- ينبغي ان يكون منطلق الحوار الثقافي الدولي هو عمليات الاختلاف و التباين التي تجري بالفعل داخل الثقافات التقليدية و تشمل عملياً العالم كله , بيد أن عمليات الاختلاف الثقافي الحقيقية بما في ذلك ما يجري في الثقافات غير الغربية هي نتيجة تحديات خارجية المنشأ , و محاولات التلاؤم معها و مرحلة التحديث المترتبة على هذه المحاولات , و سواء شئنا أم أبينا فإن هذه الضغوط الخارجية و الداخلية تؤسس لعملية تحول ثقافي ------------------- يلاحظ أن الضغوط الناجمة من اجل التكيف و احداث قطيعة مع الثقافة التقليدية تفضي أيضاً إلى المزيد من الاختلاف الثقافي --------------------- الحوار الثقافي الدولي الدائر , اعني الخلاف بين دعاة النظرية الكلية و دعاة النظرية النسبية أو النسبويون في النظر إلى الثقافة , إذ بينما يؤكد الفريق الاول على دعوى الصواب الكلي و العالمي للقيم الاوروبية و بخاصة تلك التي تركز على حماية و حق حرية تطور الفرد نجد الفريق الآخر يبرز قيمة التوجهات التي تختلف اختلافاً كبيراً من حضارة إلى أخرى , و يؤكد بخاصة على الفارق بين القيم الفردية و الجمعية , إذ بينما النزعة الجمعية , حسبما هو مفترض , تطابق الثقافات غير الغربية فإن الفردانية تقترن بأوروبا دون سواها ---------------------- يمثل الاشتغال بالسياسة جزءا متكاملاً لعملية التحديث المجتمعي , مما يجعل بعض الخواص المميزة للمجتمعات التقليدية مثل الوضع الهامشي للسياسة و اللامبالاة السياسية , ظاهرة من ظواهر الماضي . و جدير بالذكر انه كلما كانت عملية التغير اطول زمنا و ابعد مدى اصبح ظهور المجتمعات المتشظية او المفتتة التي تعيش مثل هذا التحول اكثر احتمالا , حيث تتكاثر و تتعدد المصالح و الهويات والافكار المتصارعة حول معنى العدالة و المساواة و الحق ---------------------- لنا أن نؤكد بأنه لم تكن جميع الانجازات الحضارية ممكنة – حتى في اوروبا – إلا بعد صراع مع الماضي و صراع قاس طويل ضد سطوة اوروبا القديم . و نذكر انه في البداية على الاقل صادفت هذه الانجازات تسامحاً فاتراً ثم اصبحت مقبولة تدريجياً , ثم تدعمت و رسخت آخر الامر في مفهوم التسامح المثالي الذي يلخص الثقافة السياسية ----------------------- حيتما تقع تغيرات سياسية اجتماعية جذرية يظهر على المسرح حراس الماضي سدنة كل عقيدة من العقائد : التقليديون و الرجعيون او المحافظون بشكل عام , و هدف هؤلاء اعادة عقارب الساعة و التاريخ الى الوراء او العمل على اقل تقدير على ايقاف جهود التحديث ----------------------- لنتحدث عن مدرسة سنغافورة , هذه المدرسة معنية بفتح النوافذ على مصراعيها لدخول الخبرة التكنولوجية و العلمية المتقدمة مع فرض حواجز فكرية كثيفة جدا للحيلولة دون دخول القيم الغربية التي هي موضع الازدراء , و يتمثل هذا بوضوح في الرقابة المفروضة , و تستبعد الرقابة بوجه خاص النزعة الفردية الغربية بغية الحفاظ على التوجه الاسيوي تجاه الاسرة او العشيرة او الجماعة او الفريق , و انصار هذه المدرسة يقدمون الاحساس بالواجب و الفضائل العامة في صورة تكشف تباينهما الشديد بالنسبة لما يبديه الغرب من اولوية لحماية حقوق الناس كأفراد دون الحقوق الجمعية , و يضعون التوافق العام للآراء و التناغم و الوحدة في مقابل ما يزعمون انها مبادئ تفرقة , مثل قرارات الاغلبية . و يرون الشغف بالتعلم و العمل الجاد والادخار فضائل مناقضة لقيم السعادة السائدة في المجتمع الغربي بعد الحداثي , و هكذا يقبلون و يتبنون بالكامل البعد التكنولوجي للحداثة الغربية بينما يرفضون تماما البعد الآخر أي القيم الفردية الخاصة و القيم العامة الحداثية ------------------------- نستطيع أن نشهد في كل مكان , خارج العالم الاوروبي و الغربي الصراعات الاصولية بشأن اتجاه التطور المجتمعي و بخاصة هيكل النظام العام , و هذه جميعها صراعات ثقافية بكل ما في الكلمة من معنى , انها لم تعد موجودة داخل الغرب اليوم ولكنها هي التي حددت بوسائل عديدة التاريخ الاوروبي الحديث , و ها هي ذي التجربة الاوروبية تتكرر ثانية في كل انحاء العالم , اذ ما ان تواجه الثقافات التقليدية عملية التحديث و تصبح المجتمعات بصدد تحول هيكلي , و من ثم تحول ذهني حتى تغدو هذه الثقافات ساحة لصراع داخلي عميق ---------------------- السناريو معروف جيداً : يبدأ بشكوك حول ما إذا كانت الثقافة التقليدية يمكنها ان تدعم تطوراً مستقبلياً في ضوء التحديات الجديدة , و تمثل العودة الى التفكير و التأكيد على تراث ثقافي حقيقي او متخيل , رد فعل دفاعي واضح , اذا كان تحدي التحديث طاغياً إلى حد كبير , علاوة على هذا فإن الردة الى ثقافة تقليدية اسلوب للحفاظ على هوية المرء بينما هو منغمس بصورة لا عودة منها في التقدم التكنولوجي --------------------- علينا أن نألف استخدام كلمة الاسلام في صيغة الجمع , كما يتعين علينا وفاء لمقتضيات الحوار الثقافي ان نعي دائما كل درجات طيف الحقائق الاسلامية , و هم : التقليديون و الاصوليون الدينيون اصحاب التوجه السياسي لإقامة دولة , و الاصلاحيون الذي يعقدون آمالهم على العقل و العلم , و كذا العلمانيون و الصوفيون و أولئك الذين يرون النص القرآني وحده هو السلطة و المرجع المقبول ---------------- جميع الثقافات تعاني اليوم المزيد من الصراع و الاضطراب الداخلي اكثر مما عانت في الماضي , و أدى هذا الى انها اصبحت أكثر تأملاً لذاتها -------------- يتميز النموذج الموهي لصاحبه مو دي أنه توجه كلي شامل , لذلك نراه يركز على الحب العام دون الفوارق بين الحالات و المكانات , و تتمثل جاذبيته في انه يجمع في داخله كلا من المكونات الاخلاقية و المادية , و ينطلق من فرضية جوهرها ان الحب العام يفضي الى النفع العام , و توسيعاً لهذه الفرضية نقول : اذا اشربت نفس كل أمرئ حباً , سيكون كل أمرئ نافعا لكل أمرئ آخر , والنتيجة الطبيعية لهذا هي التنظيم الذاتي الاجتماعي , و جدير بالذكر ان النموذج لا يحدثنا فقط عن الحب ذاته بل عن توليفة من الحب المتبادل الذي يتجلى في النفع المتبادل ---------------- يبدو من المشكوك فيه ان نفهم الحضارات باعتبارها كيانات متجانسة و مغلقة , و يشير الفحص الدقيق عن كثب , خاصة فحص الفلسفة الصينية الى اختلافات في مظاهر التنوع و الى مواقف متناقضة بصورة مذهلة , و يؤكد هذا لنا امتداد تراث نقدي متسق , و هذا هو واقع النقد الذاتي الذي مهد الطريق , كما نعرف للعصر الحديث في اوروبا ------------------- تواجه كل الثقافات التقليدية مشكلة التعامل مع عالم يتزايد تعددية باطراد , و نتيجة لذلك تدخل كل ثقافة بسبب تشددها في صراع مع التعددية المتزايدة من اساليب الحياة و القيم , و ثمة طريقان لكل هذا الصراع : الدفاع او التجديد , و طبيعي انه في الحالة الاولى تتضاعف درجة التشدد , و تسود النزعة التقليدية و الحرفية , و تفضي الحالة الثانية الى التجديد عن طريق تكييف الذاتية للوفاء بمتطلبات الظروف و التحديات الجديدة , و يواجه العالم الاسلامي بخاصة هذه المشكلة أكثر فأكثر باطراد --------------- طبيعي ان يبدو الموقف الدفاعي واضحاً مميزاً ليس فقط داخل الطبقات الدنيا بل وايضاً داخل الطبقات الوسطى , و سبب ذلك ان الطبقات الوسطى تنزع الى ان تكون اكثر حراكاً اجتماعياً , و من ثم تولد عندها الظروف السائدة مشاعر الاحباط , و يفضي هذا الوضع الى نتيجة محددة هي ان الطبقات الوسطى تنتمي هي الاخرى للقطاعات الاجتماعية التي يخرج منها الاصوليون --------------- نشأت في المجتمعات حركات اسلامية اصبحت الان نشطة و استحوذت على قدر من الاهمية و الاهتمام اكثر مما هو الحال بالنسبة للأجنحة التي تعتمد على التعبير عن نفسها شفاهيا بصراحة , و ليس بالإمكان باي حال من الاحوال اختزال هذه الحركات الى صفة اساسية مشتركة نظرا لأنها تتميز بقسمات مختلفة : الوصول الى السلطة السياسية متذرعة بالدين , تحريك المجتمع المحلي الديني طمعاً في التضامن معها , احياء القيم الدينية الخاصة بكل منها , و النضار ضد شيطان الغرب , او الجميع بين مزيج من هذه العناصر , و طبيعي ان تعددية القيم لن تحظى بتقدير كبير في ظل مثل هذه الظروف , و لعل الاصوب ان الفهم السائد عادة هو ان مثل هذه التعددية هي لب المشكلة اعني تعبيراً عن التحلل الثقافي و بالتالي تمثل ردة و تكرارا لجاهلية ما قبل الاسلام و الفساد الاخلاقي و ليست ابداً رصيدا مثمراً ------------------ اصبح التأويل المحدد للإسلام مهيمنا لان تاريخ الصياغات العقلانية البديلة ابتداء من المعتزلة و مرورا بابن رشد و كذا من اواخر القرن التاسع عشر و مطلع العشرين حتى يومنا هذا , كان و ظل تاريخ حالات فاشلة , و هذا تاريخ مصبوغ بالمآسي , إذ تأسيساً على المقدمات الاولية لفهم الاسلام في ضوء الشريعة فإن أي آراء منحرفة عن ذلك أو تأويلات جديدة بل و أي محاولات لتقديم تأويل حديث او نقدي للقرآن توصم جميعها بأنها ردة : مما يمثل خطراً يتهدد المنشقين ------------------ اذا انتفت مظاهر العلمنة التدريجية المتزايدة ببطء فان الحركات الاسلامية الراهنة لن تكون مفهومة , اذ بدون تيارات العلمنة بعيدة المدى فان الاتهام الاسلامي للمجتمعات بالجاهلية اي التحلل الاخلاقي للمجتمعات الاسلامية القائمة سيكون اتهاما غير ذي اساس على الاطلاق ------------------- مشكلة نقد العقل الاسلامي داخل نطاق العقيدة مشكلة بغيضة على مدى تاريخ الاسلام , لذلك فان المواقف العقلانية التي ظلت هامشية على مدى هذا التاريخ يتعين اكتشافها من جديد او على الاقل تنشيطها ثانية لاستخدامها الان كشواهد و بينات تاريخية على وجود تأويلات بديلة --------------------- بدون نقد ذاتي موضوعي هدفه الوصول الى توجه مفاهيمي جديد لا مجال لتصور حدوث اي توافق او تلاق بين الاسلام و المبادئ التشريعية الحديثة ---------------------- ان العلمانية ضرورة يفرضها العقل ��النسبة لأي مجتمع حديث , و انها ضرورة سياسية و اجتماعية للمجتمع الاسلامي الراهن , و اذا كانت الاديان تتطلع الى الشمولية العالمية فان التنوع بالنسبة للسياسة امر جوهري , و من ثم فان مهمة السياسة افساح مجال للآراء المتعددة المشارب و تنظيمها باسلوب ديموقراطي , لهذا فان الخلط بين السياسة و الدين يفضي بنا حتماً الى طريق مسدود , و غني عن البيان ان المثل العليا الدينية تفسدها و تدمرها السياسة و العكس صحيح ايضاً , إذ يعجز الدين عن تنظيم عالم تهيمن عليه آليات علمانية , علاوة على هذا يتجلى واضحاً ان الحرية و الديموقراطية تزدهران على احسن وجه في ظل نظام حكم علماني اكثر مما هو الحال في ظل نظام ديني ---------------------------- يرى الاسلاميون ان الخطيئة الاولى و الاصلية في السياسة هي الاقرار بشرعية الاستقلال الذاتي للسلطة السياسية للأفراد او الجماعات , و جدير بالملاحظة ان هذا الاحتقار و الايمان بنقص الانسان و كذا كراهية الديمقراطية نجد اوضح تعبير عنه في مبدأ الشورى , حيث الشورى تأتي بديلاً عن الديموقراطية , و لكن حري بنا ان ندرك ان الشورى ليست ملزمة باي حال من الاحوال , انها تتمثل في حق التصرف المطلق للحاكم الاعلى او عاهل البلاد , و تؤدي دورها عبر مسار من القمة الى الاسفل و ليس من القاعدة الى اعلى , و هذا ما لا يمكن اعتباره مشروعاً ديموقراطياً ----------------------------- ان العلمانية لا تتطابق بالضرورة كما يظن بعضهم احيانا , مع التجربة الفرنسية حيث الغلو في نزعة الفصل بين الدين و الدولة , ولذا نرى ان العلمنة في المنطقة الاسلامية يمكن ان تأخذ الخبرة الالمانية كمثال لها , او التجربة الاسكندنافية او البريطانية – اذ في هاتين الحالتين الاخيرتين توجد دور العبادة بما في ذلك دور عبادة تابعة للدولة - واذا اخذنا الدول العلمانية القائمة كشواهد تجريبية فسوف تختفي تماما الصورة السيئة عن دولة علمانية لا دينية كالتي يتصورها الاسلاميون ----------------------------- الإسلام اراد أم أبى , خلق عديداً من التأويلات التي بلغت حد الفرقة و الانشقاق , و تعيش المجتمعات الاسلامية اليوم ايضا عملية تعبئة اجتماعية لا رجعة عنها , اي تعددية اقتصادية اجتماعية و تعددية ثقافية اجتماعية , و لم يعد بالإمكان الان الانعزال عن تأثيرات العالم التعددي سواء في الغرب ام في الشرق الاقصى , لذلك لا بديل امام العالم الاسلامي عن مواجهة التحدي اعني ان يهتدي الى الاشكال الملائمة للتعبير عن نفسه و اتخاذ التدابير المؤسسية المناظرة لإدارة الصراع داخل مجتمعات تتزايد فيها باطراد مظاهر التعددية ---------------------------- البوذية ليست محصنة ضد الروح القتالية على الرغم مما في هذه الملاحظة من مفارقة , و هكذا يكون لها المصير نفسه الذي تعاني منه الديانات و الفلسفات الاخرى المعنية بحياة الانسان حيث يظهر فريق يتذرع بالقتال او يتحول هو ذاته الى حركة سياسية عسكرية ----------------------------- تدعو البوذية الى تعاليم الفداء – نظرية الخلاص – إذ تفيد ان حياة المرء زاخرة بالمعاناة ولكن ثمة سبيلا للخروج من المعاناة والابتلاء في الحياة , و سبيل المرء للاهتداء اليها هو الانفصال عن العالم و قهر المركزية الذاتية , و اذا ما تحقق له الاثنان يمكن ان يكون في ذلك نهاية الدورة اللانهائية للمعاناة و التناسخ , و هنا يتحول المرء الى بوذا , اي الى وجود مستنير ---------------------------- ان السبيل الوحيد لاستئصال شأفة العنف و الجريمة هو نجاح الحاكم في التصدي للفقر و القضاء عليه , ذلك لان الفقر , تأسيسا على هذا القانون , ناتج عن السرقة التي تقود الى اعمال معادية تستعين بالسلاح , و ان استخدام السلاح يقود الى القتل , و يؤدي القتل الى الكذب , لذلك اذا امكن القضاء على الفقر فسوف يحول هذا دون ظهور هذه الدائرة الخبيثة ---------------------------- من حق كل مؤمن ان يعتقد بأنه على المنهج القويم , و انه من قبيل التطاول و الغطرسة و الكفر الاعتقاد بأن الآخر على النهج الخطأ , اعتقد ما تشاء و دع غيرك حرا في اعتقاده , التزم اداء صلاتك و عباداتك و دع غيرك حراً في اداء صلواته و عباداته , هذه هي المواقف الاساسية التي تشيع الحياة في الروح المسكونية بين ديانات العالم , بيد ان هذا الاتجاه نفسه ليس ديناً , و انما يغرس في العقل روح التسامح التي ينبغي ان تكون حافزاً وهادياً و رائداً لجميع الاديان ---------------------- يدعو شارما الى تحويل المفهوم السكوني الى مفهوم دينامي , و يرى ان امكانية تحقيق الحراك الاجتماعي مقترنة بما يبذله المرء من جهد كاف يمكنه من تحقيق حيوات عدة على مدى حياة واحدة , و من ثم الافلات من المكانة الاجتماعية المقدرة مسبقاً , اي الخلاص من قيد طائفي معمر يمتد طول حياته , و نلاحظ ان هذا المفهوم الدينامي يؤكد حرية الارادة على عكس القيود الجبرية التي يقضي بها مفهوم كارما التقليدي السكوني الاستاتيكي , معنى هذا ان المرء بوسعه ان يتغلب ليس فقط على المكانة التي حددها الميلاد مسبقاً بل وايضاً على مكانته طوال حياته على الارض و ذلك بفضل ما يبذله من جهد متصل و العمل على زيادة اهليته و كفاءته , و التغلب بشكل دائم على كل مستوى سابق له , و حسب هذا الفهم لمعنى كارما يتحقق الميلاد الجديد للناس في مجتمع يعيش حراكا اجتماعيا مطردا خلال مسيرة حياة الناس نفسها --------------------- دارسة التراث السياسي الغني للباحثين الاسلاميين تكشف لنا عن مفهوم للسيادة بعيد تماما عن الاستبداد الذي غالبا ما يعزوه المراقبون من الخارج الى الاسلام , و يرى فقهاء السنة ان الخلافة , باعتبارها القيادة الاسمى للمجتمع , تقوم على التعاقد و الاجتماع , و يأتي تنصيب خليفة جديد بالاتفاق على اساس بيعة بين الحاكم و الرعية , ونلاحظ ان هذه الكلمة يترجمها عادة الباحثون الى عبارة قسم الولاء مما يكشف عن سوء فهم , ان كلمة بيعة مشتقة عملياً من الكلمة العربية التي تفيد البيع و الشراء و لذلك نرى من الافضل ترجمتها الى عقد او حتى صفقة عمل , و تؤسس البيعة عهد التزام متبادل , اذ ان الرعية تلتزم بالطاعة للحاكم , و لكن الحاكم بالمقابل عليه التزامات تجاه رعيته --------------------- ان النخبة الفاسدة المتربحة خلال فترة ما بعد الاستعمار تسد الطريق امام الاجيال التالية لذلك بات شبه حتمي ان يصبح الصراع ضدها مواجهة مع الغرب أيضاً --------------------- تنشب النزاعات الثقافية ايضا عندما تكون ثمة حاجة الى مصادر قوة اخرى و تجري تعبئة اللغة و الدين و التاريخ و توظيفها جميعا لتحقيق اغراض بعينها , و لكن اللجوء الى المصادر الثقافية ليس من اجلها و لخاطرها هي بل من اجل السلطة , و لهذا فان تأويل المصادر لا يستلهم النص ذي الصلة بالموضوع بل يستلهم اسباب و وسائل الوصول الى السلطة , ان التأويل الأرثوذكسي او النصي الحرفي لما يعتبر مصادر مرجعية إجماعيه معتمدة يصبح هو موضوع الصراع الثقافي , و نذكر بالمناسبة ان الوضع في اوروبا في باكر عصر النهضة لم يمكن مختلفاً عن ذلك ابدا ---------------------- نعم سوف تنشأ صراعات ثقافية في اماكن كثيرة , و لكننا نخطئ اذ نضخم حقائق مثل هذه الصراعات الثقافية و نصوغها في صورة اطار ثقافي كوكبي او ان نخلط نظرية صدام الحضارات بالواقع و نشوشه , و هذه هي النتيجة التي تلزمنا بها و تؤكدها الاكتشافات التجريبية , و علاوة على هذا فإنها نتيجة صائبة فنحن نجد ما يدعمها بقوة من منظور سياسي و خاصة من وجهة نظر سياسة السلم ------------------------- نلحظ اليوم ان القيم الاسيوية اخذة في الانتشار بوجه خاص في شرق اسيا و جنوب شرق اسيا وهي مختلفة عن الفردانية الغربية , حيث تؤكد على مفهوم اندماج الفرد داخل الكيان الجمعي الشامل , و قد يكون هذا الكيان الجمعي حسبما هو مفترض الاسرة او بمعنى اصح العشيرة العائلية او شبكة العمل , و تعتبر الجماعة شأنا مهما في الحياة العملية , و يعتبر الفرد سواء داخل الاسرة او داخل فريق العمل جزءاً لا يتجزأ او غرساً بكل كيانه حسب مصطلحات هيجل , حيث كرامة الفرد كما هو مفترض تنبني بشكل اساسي على علاقة التكافل و التعاضد مع الكيانات الجمعية الحاضنة ------------------------ اذا كنت تعني ديمقراطية امريكية او المانية الجذور فإنني أقول : نعم التطور بدون ديمقراطية ممكن , انت لست بحاجة ماسة للانتخابات و ان تصارع الآراء و التغيير المنتظم للأحزاب في السياسة , ولكن اذا كنت تعني التصنيع و التجديد و الابتكار في المجتمع فان عليك ان تدعم و تنهض بالقرارات الانتاجية لكل جيل من الاجيال , هنا انت بحاجة الى عقول و امخاخ تستطيع ابتكار منتجات جديدة و خدمات جديدة و تصميمات فنية جديدة , معنى هذا انك بحاجة الى قدر معين من الانتاج و المرونة في نظامك التعليمي و في مجتمعك حتى يتمكن الافراد و الجماعات صغيرها و كبيرها من اتخاذ القرارات بحريتهم و على مسؤوليتهم , لذلك فان ما نحن بحاجة اليه هو نقيض المجتمع القائم على التخطيط الكامل او الاقتصاد القائم على التخطيط الكامل ------------------- السوق الحرة تستلزم تفكيراً حراً يوجهها اعداد كبيرة من الناس , و فرق كبيرة من المديرين و المهندسين و الخبراء الذين اعتادوا على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم , و احسب انهم سيرغبون في ان تكون لهم كلمتهم في المجال الاجتماعي و في الحياة الاقتصادية و عن كيفية الحكم في البلد الذي نتمون اليه , لذلك ستكون المشاركة السياسية امراً حتمياً , ان نظام الحكم الصالح بحاجة دائما الى المشاركة ------------------- من الجدير بالذكر ان اخفاق المشروع الوطني في فترة ما بعد الاستعمار اسهم في صبغ المسرح السياسي بصبغة الثقافة , و هذا هو ما نشهده اليوم بوضوح شديد في مناطق واسعة من العالم الاسلامي , و لقد شاهدناه ايضا في مناطق هندوسية في الهند او مناطق بوذية في سريلانكا , و نجد في غالبية هذه الحالات ان صراع السلطة هو اساس اضفاء الطابع الثقافي على الصراع , و يظهر هذا الاخير حيثما تسارعت عمليات التحول – الحراك الاجتماعي – و حشد الطاقات , و العجز في الوقت نفسه عن التنبؤ بنجاحات التطوير بعيدة المدى في المستقبل القريب , و نلحظ في هذا السياق تكرار الحديث عن القيم التقليدية الاسلامية او غيرها , و يأتي هذا تعبيراً عن احباط و يأس لهما اسباب موضوعية كثيرة نابعة من ازمات التطوير التي تشكل هي الاساس ---------------------- تصور شيطان جديد للدلالة على عدو جديد اعني إبدال الاسلام بالشيوعية , انما هو الى حد كبير تصور خيالي , بيد انه لن يتوفر مفهوم واقعي عن الاسلام إذا ما رأي الناس انفسهم هنا في الغرب يواجهون عدواً متخيلاً و ليسوا إزاء حقائق الاسلام , أو لتكون العبارة اكثر صواباً نقول الصور المختلفة للإسلام ---------------------- الملاحظ أن التقليديين يلتزمون شكلاً او آخر من الصيغ المختلفة للفكر القديم , و من ثم يعيشون اسرى رؤى وهمية تفيد امكانية اطراد بقاء النظام القديم في ظل الظروف و الاوضاع السائدة في مجتمع متغير , و يستخدم الاصوليون الموجودون بالفعل بغض النظر عن مدى صواب و ملاءمة المصطلح من عدمه , الامراض الاجتماعية وليدة عملية التحديث مبرراً لاستراتيجيتهم الميكافيللية للاستيلاء على السلطة . و جدير بالذكر ان استجابتهم ازاء حالة التعقد المتزايدة بسيطة نسبياً وواحدة عن جميع الاصوليين : التغلب على الوضع بتطبيق شكل أو آخر من اشكال خفض المستوى الاستبدادي و الشمولي للتعقد ------------------------ نحن لن نرى مجتمعا في العالم يقف على أعتاب التحديث بوسعه تجنب مشكلة التعايش، وإن افتراض قيام كيانات جمعية متجانسة كما هو الحال فيما يتعلق بالأمة الإسلامية أو غير ذلك من مفاهيم مماثلة، إنما هو سوء تقدير أو قمع للمشكلة مما يضاعف من عبء مهمة التغلب عليها، علاوة على هذا نجد في أغلب أنحاء العالم غلبة وكثافة الاشتغال بالسياسة دون أن يقترن هذا بما يستوجبه من توفير الآليات المؤسسية التي تساند وتدعم النتائج المترتبة عليه، وإن من دواعي الأسف أن نشهد في أنحاء كثيرة من العالم تقلص القاعدة المادية التي تمثل ضرورة لازمة دائما لمثل هذه الآليات، ولهذا فإن احتمالات الصراع السياسي تنذر بالانفجار ويصبح من المرجح جدا معها سيادة وسائل أصولية أو قيام نظام استبدادي أو ديكتاتوري، وغني عن البيان أن أوروبا عانت الكثير من هذا في الماضي، ومن ثم يمكن أن نتعلم الكثير من الدروس في ضوء هذه التجربة أيضا.
الكتاب يناقش عدة مسائل ويبحث عن حلول لكيفية انتقال "المجتمعات التقليدية" إلى "مجتمعات حديثة"
في رأيه أن ليس أمام المجتمعات الإسلامية أي حل آخر سوى اعتناق العلمانية وإعادة تأويل النصوص الدينية بطريقة تتماشى مع العصر الحديث أو "تجاهلها" لأنها ستكون عائقاً أمام اتجاه الدول نحو الحداثة
تحدث عن الكونفوشية والبوذية والهندوسية مع نبذة عن معتقدات كل منهم
ورأى أن الخطر الذي يهدد اليوم المسلمين في العالم هو الصراع بين الأقلية المسلمة والهندوس في الهند وليس الصراع الإسلامي-المسيحي حيث يرى أن الإسلام والمسيحية يحملان قيم ومعتقدات مشتركة أكبر من الإسلام والهندوسية
ومن وجهة نظره أن "القيم الآسيوية" لا تخص آسيا وحدها بل هي قيم اعتنقتها أوروبا قديماً وتعتنقها جميع "المجتمعات الإسلامية" اليوم وأنها تتطابق مع القيم الإسلامية وتشابه القيم الاشتراكية، وأنها في الحقيقة موجهة للآسيوين وليس للغرب حيث الهدف من الترويج لتلك القيم - من وجهة نظر الكاتب - هو احتفاظ السياسيين الآسيوين بمناصبهم التي اعتادوا عليها خوفاً من التحول للديموقراطية ..الخ
الكاتب انتهج أسلوب فلسفي في كتابة الكتاب واستخدم مصطلحات معقدة كثيرة جداً جداً وكتابه مليئ بالتكرار ولا ينفك يطلب الاستفادة من تجربة أوروباو ومخاضها نحو الحداثة وأنها نتيجة صراعات دامية وأزمات مريرة ولم تأتي كنتيجة منطقية لما كانت تمر به
ويعطي المؤلف لمحة بسيطة تجعلنا نفهم ما يدور في المجتمعات حول العالم، وما تواجهه حالياً أو ما واجهته سابقاً، حيث يؤكد أن كل المجتمعات لابد وأنه تتجه للحداثة وأنه أمر لا فكاك منه، وأن كل مجتمع يحتوي على شريحة محافظة تخشى التغيير وترفضه وشريحة تدعو للتطوير، بالإضافة لأنه كان محايد تماماً في الحديث عن كل الثقافات والأطياف وعلى معرفة عميقة بكل منها
بالنسبة لي الصفحات الأولى من الكتاب والفصل الأخير أمتع - نوعاً ما - مما بينهما