Jump to ratings and reviews
Rate this book

أماكن خاطئة

Rate this book
قصائد مبهرة منفتحة على ثقافات العالم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حيّرني هذا الديوان منذ قرأته للمرة الأولى، واستمرت حيرتي في كل قراءة تالية، ذلك أنه بقدر ما سلبني، مستدعيا إعجابي بنصوصه، فإني لم استطع تعيين أسباب هذا الإعجاب بسهولة. نعم خطفني ديوان "أماكن خاطئة" للشاعر أحمد يماني، الصادر أخيرا عن "دار ميريت" في القاهرة، بعوالمه ولغته، ومزيجه المبهر بين الخيال والاسطورة والواقع، كما أدهشني بكونه مخاتلا. فهو يبدو نثرا بينما لا يفيض بسوى الشعر، كما يبدو بسيطا وقريبا لكنه سرعان ما يكشف أن بساطته الخادعة ليست سوى تعبير فني عن موهبة أحمد يماني الذي يبدو أنه يلمح الى حالة وجدانية أو الى معنى في عينه، لكن، سرعان ما يبدو المعنى عصيا؛ يتراكم لدلالات عدة خلف كل صورة شعرية مما يختلقه الشاعر بكل التأويلات المحتملة.
أدركت بعد قراءات عدة أن سر الديوان في انه متخلص من أي تأثيرات أخرى، وبينها تجربة يماني الشعرية السابقة نفسها، ومن تجارب أيّ من الشعراء المجايلين. كما قدّمَ اليَّ دليلا حيا على ما كنت أفكر فيه منذ فترة حول علاقة النص الذي يكتبه الشاعر بالبيئة التي تحيط به، بالطبيعة، بالمناخ العام. ويبدو هذا الديوان "متحررا" من قيود المكان، وتراث الكليشيهات التي تشيع بين أبناء الجيل الواحد، ومستفيدا من عناصر الحياة الجديدة في اوروبا حيث يعيش يماني في إسبانيا منذ فترة.
لم يعد يماني في هذا الديوان مهموما باليومي، فقط، وإنما امتد الهمّ الى أسئلة وجودية كبيرة، عن معنى الاغتراب، وعن المشتركات الإنسانية، وعن العنصرية التي تمارس في العالم ضد الملوّنين، وعن الحنين، بل وحتى وصولا الى بعض المشاعر التي تعكس شفقة الشاعر على نماذج مهزومة أو مجروحة من البشر، وسواها من التيمات، يعبر عنها بإيحاءات ميلودرامية. لكنه مع ذلك يبدو بعيدا عن فخ الميلودراما.
ثمة شيء خاص في هذا الديوان يتمثل في أن نصوصه جميعها تقطر شعرا، حتى لو بدت بعض المفردات عادية أحيانا. وبقدر ما تبدو القصائد مشهدية، تبتعد عن التجريد والذهنية، لكنها في المقابل، تعكس قدرة الشاعر على تركيب الصور والمشاهد، بوجوه البشر ولفتات شاردة من حياتهم، وبصرخات قد يرددونها، وبهمسات تنفلت منهم، أو بعواء ذئبة، أو رفيف طيور غامضة، وغيرها من عناصر الكائنات التي تبدو مصائرها معلّقة مثل مصائر البشر.
بإحكام، يضفر يماني الصور والتراكيب اللغوية والروائح والأصوات وحركة القطارات ولوحات الفن التشكيلي، والتماثيل والأقنعة الإفريقية والخرائط والأحلام وصور الوجوه، وسواها، لكي تعبّر هي عن المعنى العميق، التجريدي أحيانا، والمركّب، في أحيان أخرى، والعصيّ على التدليل في مرات ثالثة.
تتجلى قدرات يماني في صوغ الشعر من خلال تركيب المشاهد وتطويع اللغة واللعب مع خيال القارئ، كما تتجلى في تلك الشظايا الحادة المباغتة التي يفتتح بها العديد من القصائد؛ فتسترعي انتباهنا بحيث لا يمكن للوهلة الأولى أن نفكر في أن شيئا آخر يحدث في العالم، في هذه اللحظة، سوى ما يدعونا الشاعر للإنصات اليه أو رؤيته أو الالتفات إليه.
وفي تركيبه لتلك العلاقات التي تعكس همّاً حقيقيا بالآخر، أيا يكن لونه أو جنسه أو طبقته، ينطلق الشاعر دائما من لمسته الذاتية، وفكرته، وإحساسه، مكوّنا باستمرار، علاقة تناغم مدهشة بين الأنا والاخر، وتقريبا على مدى نصوص هذا الديوان؛ الذي لا يمكن أن تغني عن قراءته أي محاولات للتفسير أو التوضيح؛ بسبب التعدد الدلالي الواسع للقصائد، الذي يمكن أن يختلف من قارئ الى آخر وفقا لثقافته وذوقه.
تستجيب الذات الفردية هنا للأسئلة الإنسانية، عن مأساة الأخت - الأنثى في مجتمع ذكوري قامع وقاتل، وعن تواصل الأجيال، وعلاقة المعرفة الذهنية بالمعرفة الحياتية في علاقة الإبن بالأم، وما يتضمنه ذلك من أسئلة وجودية عمن يمنح الوجود، ومن يحاول إدراك معناه، وعن حياة البسطاء، والمعوقين، وغير ذلك. لكنها كلها لا تتوقف عند المستوى العاطفي الدرامي، وإنما تنسجه بحلى شعرية قوامها الصور الجديدة، واللعب، كما يفعل مثلا في قصيدة "حقل".
أما الذاتية فليست مغلقة على نفسها كما شأن غالبية ما دوّنه الشعراء في القصيدة الحديثة العربية، بل يستبدلها يماني بذاتية مستندة الى الآخر، في تلمسها لعزلتها او حتى في رثائها لعلاقة حب ضائع واصبح رمادا.
في قصيدة "الحبال" يقول الشاعر: "في قاع النهر/ الجاف/ تحت جسر العذراء/ أجلس وحيدا/ بالأعلى يقف أصدقائي/ يلقون إليَّ حبلا مجدولا/ اصدقائي يتماسكون/ ويلقون الحبل/ اتشبث جيدا واصعد/ في ربع المسافة يطفر الدم/ من اصابعي/ فألوّث الحبال/ اصدقائي لا يحبون الدماء/ اصدقائي يفلتون الحبل/ ويمضون آسفين/ يدي اليمنى/ تلطخ الدرابزين الحجري/ في طريقي من قاع النهر الى الجسر/ حيث لا اعرف احدا في هذا الليل".
من قصيدة "سماد" نستلّ المقطع الآتي: "في برطمان زجاجي علّقته بداخل خزانة المطبخ كنت قد حرقت حبي وجمعت رماده. في نهاية الأسبوع أرّشُ منه على نباتاتي فأراها تهتز. في اليوم التالي تنتعش قليلا ثم لا تلبث أن تموت تاركة صفارا محروقا في كل أصيص. آخذ الصفار وألقيه بعيدا وأوشوش للنباتات أن تنسى الأمر برمته".
تتحرك القصائد بين مشاهد اليومي في ثقافة غربية يعايشها الشاعر، وبين ذكريات بعيدة، تلتقط لحظات من الماضي البعيد: لحظات الحب المسروقة، صورة الأب، أو أيام المراهقة المشبوبة بالشبق والرغبة. لكنه يغزل الصور جميعا، بالصور الشعرية المدهشة التي يبرع في مزج فطريتها بثقافته، وبلمحة الأسطورة التي تبدو كإطار شفاف في خلفية القصائد كلها، مبديا قدرة كبيرة على التكثيف، وعلى بث الروح الإنسانية المتعاطفة مع شخوص اللحظات الشعرية جميعا، وعلى تثبيت اللحظة على ذروة تألقها بالشعر، كما يفعل في العديد من القصائد وبينها قصيدة "بائعة الزيت": "بينما تدخل حاملة عبواتها كنت ألحق بها على العتبة كي اضع عنها حملها رافعا العبوة الثقيلة. كنا نتقدم نحن الاثنين كتفا بكتف في اللحظة نفسها انفلتت نقطة من عبوتها الصغيرة. النقطة سقطت في منتصف المسافة بين اقد...

112 pages, Paperback

First published January 1, 2009

1 person is currently reading
60 people want to read

About the author

أحمد يماني

14 books35 followers
مواليد القاهرة 1970
ليسانس آداب لغة عربية - جامعة القاهرة 1992
مقيم في إسبانيا منذ العام 2001
طالب بالدراسات العليا جامعة كومبلوتنسي - مدريد

صدر له:

شوارع الأبيض والأسود، طبعة خاصة 1995
تحت شجرة العائلة، طبعة خاصة 1998
وردات في الرأس، دار ميريت 2001
أماكن خاطئة، دار ميريت 2008

Ratings & Reviews

What do you think?
Rate this book

Friends & Following

Create a free account to discover what your friends think of this book!

Community Reviews

5 stars
9 (12%)
4 stars
11 (15%)
3 stars
19 (26%)
2 stars
20 (28%)
1 star
12 (16%)
Displaying 1 - 13 of 13 reviews
Profile Image for Islam.
Author 2 books553 followers
June 13, 2011
الجنازة
ـــــ

مات تشيمو هذا الصباح.
تشيمو ليس صديقى. لكنه مات.
كان يتحدث بلا انقطاع كمن يسدّد ديناً قديماً للكلمات
التى على وشك أن تهجره.
غداً سألبس معطفى الأسود و أمضى إلى الجنازة
و عندما أعود إلى البيت سأبتسم لنفسى.
اليوم مات تشيمو،
أحد معارفى،
و ها انا لم أعد غريباً فى هذه البلاد.

أحمد يمانى
Profile Image for مصطفي سليمان.
Author 2 books2,200 followers
June 2, 2020
اتنين قاعدين بيذاكرو
دخل التنين
أكل الزبادي ومشي

نموذج مني محاكي للي ف الكتاب دا
كلام مريب
مريب عجيب فريد حسين اي صفة انت عاوز تقولها
موجة الشعر الجديدة الملبوسة دي
عمري ما عرفت استوعبها
ممكن علشان انا حمار قراري
ولا افهم ف اي شئ ممكن والله
بس الاكيد
بالنسبة ليا اني احس
حتي لو كاتب الاهلي فوق الجميع
او اشوف انا كل كنت ما بكون صورة في دماغي وانا بقرأ
يقوم لطشاني بالقلم
يخبطني ف الحيطة
فيه ايه يا عم مش دا شعر يعني وكدا
اخرس يا كلب
عاوز تفهم
اخلص الكتاب علي امل انه يعني ف الاخر اطلع باي جملتين ليهم اي معني
لا
شكرا
ام الشعر الحديث
Profile Image for Mohamed Hussien.
115 reviews38 followers
February 25, 2021
أحببت بعض القصائد .. أحببت في الديوان توق الشاعر للآخر حتى الغريب - جارتي تموت و صديق قديم - .. لم أستطع تذوق الشعرية في الأشياء و المواقف العادية اتي تملئ قصائد الديوان - عدا بعض من القصائد التي إستطعت تذوق العادية فيها مثل " ملابسي" - .. في كثير من القصائد أنهيها بقولي "وبعدين يعني ؟ " .. بعض القصائد لم أفهمها أصلاً ..
أحببت تصويره لمعاناة المرأة "أخته" في المجتمع الذكوري -الصرخة-
و أحببت تصويره للغربة و الإغتراب .. و الأصدقاء الذين يخذلونه .. و الأصدقاء الذين جائوا من العدم لينقذوه
Profile Image for Ahmad Abdel Hamid.
79 reviews61 followers
December 15, 2012
ديوان مختلف شوية، بس في الغالب الديوان ممكن يُصدك بسبب الرمز العالي جداً فيه كتاباته اللى احتجت جهد مضني عشان أفهمه، ومع ذلك مفهمتش حاجات كتير. والأمل إنه يعجبك إحدى القصائد، فتبدأ في محاولة فك الرموز في الكتابات الأخرى. بس في النهاية سعيد إني قرأته لأنه برغم الرمزيّة اللى فيه، إلا إنه فيه إضافة بشكل ما.
Profile Image for Marwa Eletriby.
Author 5 books3,028 followers
May 31, 2016
هو مش شعر عمومًا ده نثر
المقاطع الشعريه قليلة جدًا
الكتاب كله نثري
.
في اجزاء جيده
Profile Image for Mohab.
207 reviews27 followers
March 2, 2023
كالعادة في شيء شاعري، لأنه شعر يعني أكيد، بس عجزت عن فهم معظم النصوص أو حتى تذوقها، أو الشعور بها، سوى القليل جدا منها..
Profile Image for Omar Magdi.
110 reviews1 follower
June 28, 2023
هذا ليس بشعر ،فلا يضبطه ضوابط لغوية كانت او شكلية او جمالية.
و ليس هذا بفن فإنه لا يصور شيئا و لا يعرض فكرا.
فإذا سمي اليوم بالشعر الحديث فذلك الانتساب يظلم الشعر و يعيب الحداثة.
فما هذا اللون من الصناعة إذا؟ إنه عبث مشتق من أوهام.
Profile Image for Heaven   .
22 reviews3 followers
December 28, 2022
سيء جدا!!
مقدرتش اكمله بس مفيش حاجة ليها معني
Profile Image for د.محمد رضا.
Author 6 books149 followers
September 14, 2025
فكرني باللي بيقول
لم أجد وقتا لأكتب لك رسالة قصيرة
فكتبت رسالة طويلة

شاعر ممتاز ومترجم قدير كسل يكمل الديوان
فملاه نصوص نثرية
Profile Image for Ahmed Fathelbab.
29 reviews
July 18, 2014
كلما مرت قدمي أمام كرسي متحرك
أو أمام رجل ملقاة في الطريق،
أو نصف رجل،
فإنها تبدأ في التلكؤ وتنثني وأخيرا تتوقف
تحرن أن تعطي خطوة واحدة
أجرها كجوال رمل والعرق على جبيني.
Displaying 1 - 13 of 13 reviews

Can't find what you're looking for?

Get help and learn more about the design.