عبد الله بن محمد بن عُبيد بن سفيان بن قيس، الأموي،أبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي (208/281)هجري، من موالي بني أمية،الحافظ، المحدث، صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، كان مؤدب أولاد الخلفاء. وكان من الوعاظ العارفين بأساليب الكلام وما يلائم طبائع الناس، إن شاء أضحك جليسه، وإن شاء أبكاه. وثقه أبو حاتم وغيره. صنّف الكثير حتى بلغت مصنفاته 164 مصنفاً منها: العظمة؛ الصمت؛ اليقين؛ ذم الدنيا؛ الشكر؛ الفرج بعد الشدة وغيرها. مولده ووفاته ببغداد.
قال عنه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية: " المشهور بالتصانيف الكثيرة، النافعة، الشائعة، الذائعة في الرقائق وغيرها، وكان صدوقاً، حافظاً، ذا مروءة ".
لطيف، كباقي كتب ابن أبي الدنيا. أضحكتني قصة لأمنا عائشة مع أمنا سودة و بينهما رسول الله عليه السلام في الفصل قبل الأخير. تقول أمي عائشة رضي الله عنها:
"دخلتُ على سودة بنت زمعة، فجلست ورسول الله عليه السلام بيني و بينها، و قد صنعتُ حريرة، فجئتُ بها فقلت: كلي.
فقالت: ما أنا بذائقتها.
فقلت: واللهِ لتأكلين منها أو لألطخن منها وجهك!.
فقالت: ما أنا بذائقتها.
فتناولت منها شيئا، فمسحتُ بوجهها، فجعل رسول الله عليه الصلاة و السلام يضحك و هو بيني و بينها. فتناولتْ منها شيئا لتمسح به وجهي، فجعل رسول الله عليه الصلاة و السلام يخفص عنها ركبته -و هو يضحك- لتستقيد مني، فأخذتْ شيئا فمسحت به وجهي، و رسول الله صلى الله عليه و سلم يضحك."
سرحتُ بعدها أتخيل نفسي بينهم، و أتخيل ماذا كنت لأفعل حين ألتقي بهم و... . أسأل الله أن يجمعنا بهم في فردوس جنته.
--
اقتبست:
من مقدمة المحقق محمد يوسف:
- "المداراة من أخلاق المؤمنين، و هي خفض الجناح للناس، و لين الكلمة، و ترك الإغلاظ لهم في القول، و ذلك من أقوى أسباب الألفة." --ابن بطال.
- "و ظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغلط؛ لأن المداراة مندوب إليها، و المداهنة محرمة. و الفرق أن المداهنة من الدهان، و هو الذي يظهر على الشيء و يستر باطنه. و فسرها العلماء بأنها معاشرة الفساق و إظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه. و المداراة هي الرفق بالجاهل في التعليم، و بالفاسق في النهي عن فعله، و ترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، و الإنكار عليه بلطف القول و الفعل، و لا سيما إذا احتيج إلى تألفه، و نحو ذلك."
-
من نص الكتاب، جمع ابن أبي الدنيا:
- "لا تكون عالما حتى تكون فيك خصال: لا تَبْغِ على من فوقك، و لا تحقر من دونك، و لا تأخذ على علمك دنيا." --أبو حازم، سلمة بن دينار الأعرج الأفرز
- عن رسول الله عليه السلام في مسند الإمام أحمد: "يا يزيد بن أسد، أحِبَ للناس ما تحب لنفسك."
- "التمس لأخيك العذر بجهدك، فإن لم تجد له عذرا فقل: لعل لأخي عذرا لا أعلمه!" --أبي قلابة، عبد الله بن زيد الجرمي
- "لا تظن بكلمة خرجت من في مسلم شرا و أنت تجد لها في الخير محملا" --ابن الخطاب رضي الله عنه
- "إذا رأيت من هو أكبر منك فقل: هذا سبقني بالإيمان و العمل الصالح فهو خير مني، و إذا رأيت من هو أصغر منك فقل: سبقته إلى الذنوب و المعاصي فهو خير مني، فإنك لا ترى أحد إلا أكبر منك أو أصغر منك. و إذا رأيت إخوانك يكرمونك أو يعظمونك، فقل: هذا فضل أخذوا به. و إذا رأيت منهم تقصير فقل: هذا ذنب أحدثته." --بكر بن عبد الله.
- " لولا مخافة الوسواس، لدخلت إلى بلاد لا أنيس بها. و هل يفسد الناس إلا الناس؟!" --ابن عباس رضي الله عنه.
- "إذا أردت أن تذكر عيوب صاحبك، فاذكر عيوب نفسك." --ابن عباس رضي الله عنه.
- "ما أحسب أحدا تفرغ لعيوب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه." --عون بن عبد الله
- "من رأى أنه خير من غيره فهو مستكبر؛ و ذلك أن إبليس قال: "أنا خير منه" فكان ذلك استكبارا." --أبو حازم بكر بن عبد الله المزني.
كتاب لطيف في بابه، لعله من أوئل من صنف فيه، وأبو بكر هذا -أي ابن أبي الدنيا- كان من أوئل من صنف المصنفات، وأفرد الموضوعات، فرتبها وبوبها، فأحسن وأجاد وأفاد. موضوعه واضح من عنوانه (مداراة الناس)، وصلنا منه جزآن، جعله على أبوابٍ، وهي: - مداراة الناس الصبر على آذاهم. - التودد إلى الناس. - المداراة بطلاقة الوجه وحسن البشر. - جميل المعاشرة بحسن الخلق. - المداراة بلين الجانب طيب الكلام. - الحذر من الناس واتقاء شرهم والمداراة لهم. - اعتزل الشر وأهله. - الإصلاح بين الناس. - مداراة الرجل زوجته وحسن معاشرته إياها. - مداراة المرأة لزوجه وحسن معاشرتها إياه. إلى هنا ما وصلنا من الكتاب، فالكتاب لطيف في محتواه، وإن كان في بعض أخباره كلام..