أجد نفسي يائسا لكني فجأة أضحك وأنا اتذكر سنة 1968 أيام الشباب الأول حين كنا في منظمة الشباب، وفي دورة من دوراتها الثقافية كنا في معسكر في حلوان منقسمين إلى مجموعات، وجاء إلينا باحث اجتماعي يناقش معنا شعاراتنا في الحياة. كان معنا ولد نحيل جدا لا يزيد وزنه عن خمسين كيلو جرام سأله عن شعاره في الحياة فقال له "الغلط " طبعا احنا بلمنا ومسكنا نفسنا من الضحك. سأله الباحث الاجتماعي "يعني إيه؟"، فالولد قال له "يافندم الدولة رافعة شعار "التجربة والخطأ" في كل اللي بتعمله. ليه أنا أجرب واتعب علشان اوصل للخطأ. أنا أروح للخطأ على طول. أنا احب الغلط".
الكتاب هو مبحث طويل عن حال مصر وأوضاعها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية- التي عاشها وعاصرها الكاتب إبراهيم عبد المجيد - منذ ثورة يوليو 1952 وحتى عصرنا الحاضر.
يفند فيه عصر عبد الناصر والأممية والحكم الشمولي، وأسباب إنهيار هذا الحكم وما تلاه من عصر السادات، الذي يراه أنه كان ديمقراطية زائفة، وإطلاق يد الجماعات الإسلامية لتحجيم الجماعات اليسارية، وما إنتهى إليه
وحذو مبارك لحذوه بديمقراطية أكثر إنفتاحاً، لضمان إستمرارية الحكم، مع إطلاق يد الجماعات الإسلامية
فانتهت بثورة يناير وحكم مرسي ثم العصر الحاضر وكل هذا وهو يحلل ويفند ويضع الأسباب والنتائج، في عدة مباحث وبإسلوب راقٍ، يشدك.
ثم تظل تتسائل ما علاقة هذا بالعنوان، فيجيبك في آخر صفحات الكتاب.
الكتاب أشبه ما يكون بتأريخ لما حدث في مصر منذ ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ حتى عصرنا الحاضر، متطرقًا للكثير من الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية وكيف تأثرت على مدار ما يزيد عن ٧٠ عامًا سعيًا إلي الديموقراطية…
صدقت مقولة أن التاريخ يعيد نفسه وكأنها دائرة مفرغة نعيش بداخلها تنقلنا من فترة إلى أخرى دون أي اختلاف يذكر…
يعتبر أول قراءاتي للكاتب وأول قراءاتي في السياسة بوجه عام وعلى الرغم من ذلك فقد فتح لي الكثير من الحوادث والقرارات والمواقف التي أسمع عنها للمرة الأولى، وهذا شئ عظيم يثير بداخلي الكثير من التساؤلات عن تفاصيل هذه المواقف وحيثياتها بشكل أوسع ولا أبالغ إن قلت أن هذا الكتاب سيكون بمثابة المرجع التاريخي لي لهذه الفترة بترتيب وتتابع أحداثها…
كما أن الكاتب أحال الكثير من المواقف إلي العديد من مؤلفاته وغيرها من مقالات وكتب لكُتاب ومؤلفين عدة وهذه من الأمور الجيدة جدًا التي نحتاجها…
من أجمل اقتباساته:
"يافندم الدولة رافعة شعار "التجربة والخطأ" في كل اللي بتعمله. ليه أنا أجرب واتعب علشان اوصل للخطأ. أنا أروح للخطأ على طول. أنا احب الغلط"
■ هل كل هذا التاريخ القائم على خطأ كبير، وهو إغلاق باب الديموقراطية وفتح نوافذها فقط، بدرجات تتفاوت بين مرحلة وأخرى، أكبر من أن يدركه أحد؟ لم يكن أكبر أبدا لماذا لم يأخذ حاكم العظة من هذا الخطأ الذي صار خطيئة، والخطيئة حين تحل بالبلاد تحل بها اللعنات.
سؤال يطرحه كاتبنا الكبير في ختام هذا الكتاب الرائع بعدما فند لنا حال البلاد بدايةً من ثورة 1952 وختاماً لما وصل إليه حالنا الآن.
عادةً لا أجد رغبةً في قراءة شيء عن السياسة ولكن هذا الكتاب جذبني بشدة فبالرغم من تناولة لما يقرب من أحداث ال 70 سنه الماضيه إلا أنني كنت أستمع له وكأنني أجلس مع والدي رحمه الله وهو يحكي لي عن نشأته فوجدت نفسي أستمع بكل كياني شوقاً إلى حديثه العذب رحمه الله.
تحدث كاتبنا الكبير عن فترة طفولته وشعرت بفخر أني من نفس مدينته وأني أعلم الأماكن التي كان يحكي عنها شاهدته وهو طفل يلعب مع أقرانه وحين كان يذهب إلى مدرسته ودهشت لما وجدت من معلومات عن أن المدارس كانت تقوم بتوزيع سلع مثل السمن والجبن الفلامنكو على الأطفال وأنهم كانوا يطهون اللحم لهم في المدارس الثانوية.
عاصرت معه القومية العربية والثورة ومفهومها وعرفت ميزتها من وحدة وآفتها من عدم إعتراف بخصائص كل شعب على حده.
بكيت في جنازة عبد الناصر وشيعته بدموعي مع الملايين فقد شيعه قرابة ال 5 ملايين من أصل 30 مليون مواطن وعرفت الفرق بين جنازته وجنازة السادات.
شاهدت نشأة الأحزاب وتبعاتها على البلاد وعاصرت الإنفتاح والخصخصه من بعده وآثارها المدمرة وعرفت مكر الساسه مع الشعوب فمن قمع الإخوان في عهد عبد الناصر وبين إطلاق المارد من قمقمه مع السادات حتى قاموا بإغتياله حدث الكثير للشعب المسكين وكيف قدموا لنا ديموقراطية زائفة ديموقراطية لها أنياب وكله بالقانون.
رأيت كيف سار مبارك على نهج سابقه مع بعض التخفيف في بعض المجالات وكيف قامت زوجتة بمشروعات رائعه ولكن تظل الحاشية السيئه والتي تسعى لنهب البلاد هي السائدة وكيف كان شعار مبارك مع الإخوان لكم الشارع ولنا السلطة.
شاهدت تأثير الإرهاب وكيفية إستخدامه سواء لصالح الحكومات المختلفه أو لصالحه الشخصي وكيف كان له ضحايا كثر مثل رجب فوده ونصر حامد ابو زيد وأحداث الزاوية الحمراء وتفجيرات الكنائس وغيرها.
كما عرفنا فساد الحكومات من خصخصه وبيع شركات رائجه بأقل من عشر ثمن أرضها أحياناً وكيف دفعت بالعمال لما يسمى بالمعاش المبكر لتحقيق غرضها وضحايا حوادث القطارات التي لا تعد ولا تحصى وجور الشرطة وقوانينها المجحفه من إعتقالات وحبس مفتوح وغيرها وكيف عانى المثقفون على مر الحكومات فلم ينجو أحد من انياب الحكومة حتى الآن.
وكيف تمكن الإخوان من الحكم بعد ذلك وأنهم كان من الممكن أن يستمروا لولا تعاميهم عن أن الدولة العميقة من جيش وشرطه لم تعد تساندهم وخطأهم في إعتمادهم على الدولة العميقة وليس الثوار في بقائهم في الحكم.
وبعد كل ما عانيته مع كاتبنا العظيم وقد تسألت في نفسي إذا كنا نحن لم نعاصر أو نعي بمعنى أدق سوى فترتين فقط للحكم ونعاني من أحوال البلاد فكيف بما عاشوه هم من معاناة وغلاء أخبرني زوجي ذات يوم أن والده لو كان عاصر هذه الحياة لكان مات كمداً وقهراً وحين قرأت الكتاب تأكدت وصرت أشفق على من في سن أبي وأمي رحمهم الله .
ومع ذلك لم يتركني دعوني أقول أبي بعدما شعرت تجاهه في يأس بل آثر أن يضحكني بموقف هو نفسه يستعيد به بشاشته كلما تملك منه اليأس .
أنصح بالكتاب لمن هم مثلي حديثي عهد بالقراءة في السياسة نظراً لسهولة لغته وعدم تحيزه لفئة عن أخرى هو في النهاية سرد على لسان أحد أفراد الشعب ممن عاصروا الأحداث التي أودت بالبلاد.
البيان الأخير ضد فيلم أحب الغلط - لإبراهيم عبد المجيد لا أحد يقرأ التاريخ ______________________
لماذا لا يأخذ أحد الدرس من الماضي لماذا تبدو معارك الدولة مثل معارك دون كيخوته مع طواحين الهواء
إن كانن يمكن وضع عنواناً للكتاب فلربما كان هذا هو العنوان المناسب في هذا الكتاب بقدم الكاتب إبراهيم عبد المجيد ما يمكن وصفه بجرد صغير لعدد من حقب الحكم التي تتالت وتوالت على الدولة المصرية , مفنداً ومبيناً بعض الأخطاء التي تجلت جليةً في تلك الحقبة وما أدت وآلت إليه الأوضاع من بعضها في سلسلة لا تنتهي من الأخطاء أوصلت مصر إلى ما هي عليه اليوم من تدهور اقتصادي وانحسار لدورها الإقليمي
"كيف كان لدينا أعداء واضحون تحشد لهم الدولة والشعب معها , ثم فجأة صار الشعب في نظر الدولة و سبب كل المشكلات"
ينطلق إبراهيم من فترة عبد الناصر مبيناً ما لها وما عليها متحدثاً عن الكثير من محاسن تلك الفترة لكن لا يهمل أيضاً مساؤها وهزائمها التي جرت على مصر الكثير ثم ينطلق بعدها إلى عهد السادات الذي تلقف ما ورث من مشاكل ثم أضاف إليها أضعافها فسمح للإخوان بالتوسع على حساب غيرهم ظاناً بقدرته على الله فوق رؤوس الأفاعي ليذهب ضحية ذلك العفريت الذي أطلقه من قمقمه , ثم جاء بعده مبارك والذي كم اتفقنا أنه ورث أيضاً مشاكل السادات ثم أضاف إليها مشاكله فدخلت مصر في ضائقة وتوسعت سلطة الداخلية حتى أدت إلى أحداث كانت الشرارة في اشتعال الثورة المصرية , ثورة ما لبثت حتى وؤدت نتيجة لأخطاء الأخوان المسلمين وحكومتهم فأبعدوا شباب الثورة فودجدتهم الدولة العميقة غنيمة سهلة دون سند شعبي كمان كان في الثورة
"وإضافة إلى ذلك استطاع الإعلام أن يجعل الناس تكره الثورة"
من أكثر ما ألمني في الكتاب هو المشابهة التي قد تكون متماثلة تماماً لما حدث ويحدث في السودان , فيتحدث عن ما يجنيه الحكم العسكري على الدولة فيقول "كل حكم عسكري يؤدي إلى كارثة" ويقول أيضاً " لمن يقول بأن حكام عسكريين حكموا بلاداً وقادوها أقول بأن ديجول كان عسكرياً وكذلك ايزنهاور أمريكا لكن هؤلاء يعرفون أن في بلادهما تراثاً ديموقراطياً فتوليهم الحكم يأتي بالانتخابات لا بالانقلابات , وأثناء حكهمهم ينسون البدلة العسكرية ويصبحون مدنيي الشكل والمضمون"
ثم يعرج على أخطاء حكومة الثورات التي تأتي مندفعة متأملة تحذوه الأحلام فتنسى الواقع والسنوات الطويلة من الدمار والخراب والفساد فيقول " بعد الثورة لم يكن هناك نظام حكم مستقر لسبب بسيط , أن الثورات لا تنتهي في يوم أو أسبوع روح الثورة تستمر لوقت طويل "
ليبين أن لا حل لهذه الحالة المستمرة من الخراب إلا الديموقراطية الحقيقة والتي لابد أن يصبر عليها الجميع في البداية فشعوبنا والتي ظلت تحت حكم عسكري طويل لا تعرف حقيقة من الديموقراطية إلا اسمها فيقول " كان لدخول الجيش في السياسة على بلداننا أثره السلبي , الديموقراطية كانت غائبة وهو السبب خلف كل هذا الاهتزاز"
الكتب رغم قصره فهو يعد مدخلاً لطيفاً لفهم الكثير من الخفايا والإلمام ببعض ما قد يكون غائباً وقد لا يكون مبحثاً متوسعاً يمكن الاعتماد عليه كمصدر وحيد لكنه أضاف الكثير من المراجع لمن أحب التوسع في الأمر حيث يأتي في 118 صفحة فقط لكنه يظل كتاباً لطيفاً مفيداً وممتعاً وكأنك في جلسة مع جدك يحكي لك ماكان وكيف حصل
"يمكن أن تسميه عملاً فنيا, أو أدبياً سيسعدني ذلك , ويمكن أن تسميه عملاً فكرياً وسيسعدني ذلك أيضاً ,ويمكن أن تسميه نفثة ارتياح لإنسان عاش حاته واثقاً في الأمل , لكنه حين ينظر حوله يرى وطناً لم يعد وطناً , ويسمع أفكاراً لا قيمة لها , علاجاً كاذباً , أفكار تجعل الأوهام حقائق والحقائق أوهام"
يمكنك تصنيف الكتاب مقالات أو حكاية أو شهادة لشاهد عيان على نقاط تحول حدثت ي تاريخ مصر الحديث والمعاصر . هذا كتاب لن تجد فيه دراسة تحليلية معقده أو معمقة في السياسة أو دراسة سيكولوجية اجتماعية. إنما كان حكاية قصيرة كتبت بأسلوب ولغة بسيطة تصل بالقارىء لمفاصل مهمة لتاريخ طويل من الاحداث اللامنتهية والأخطاء المتكررة للسلطات السياسية . يلخص فكرة الكاتب من كل هذا جملة واحدة لاحدى اعمال منيف "الديمقراطية أولا… الديمقراطية دائما."
البيان ألأخير هو تأريخ سياسى اجتماعى لأديب شاهد على عصور عبد الناصر، السادات، مبارك، مرسى و العصر الحالى، كتاب اعتقد ان أهميته ستزداد بمرور الوقت، كتاب مهم للأجيال القادمه.
لم يعجبني الكتاب، فالغالبية العظمى منه معلومات عامة يعرفها الجميع، ولكن أحيي أستاذ ابراهيم على شجاعته وجرأته في وصف النظام الحالي، شجاعة يفتقدها كثيرون