: تأثر المستشرق الكبير مايكل كوك بكلام الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين، حيث قال إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل الإسلام، وجوهر الدين، فكان ذلك من دوافع إقدام كوك على بحث هذا الأمر في الموروث الفقهي والكلامي الإسلامي المكتوب كله. وقد التزم كوك في عمله ظاهراً بالطرائق الفيلولوجية فاستوعب كل ذكر لهذين المفردين عن طريق القراءة الهائلة، والتنظيم الدقيق. بيد أن إشكالية الكتاب هي المواطنة المعاصرة التي تقول بحق الجميع في المشاركة والإسهام في تحقيق الخير العام، والتدخل من أجل التصحيح والتغيير. وهو يرى أنها توافرت في التجربة الإسلامية الكلاسيكية بسبب إصرار المسلمين عليها ولا تزال لها تأثيرات في الإسلام الحديث والمعاصر، ولدى سائر الفرق والمذاهب. إن هذا الكتاب لا يمكن تلخيصه بل لا بد من قراءته، والتمعُّن في مقاصده، فالنص عميقٌ وشاسع، ويرتكز على مئات المصادر المطبوعة والمخطوطة، التي رجع إليها المؤلف بكفاية ومسؤولية عاليتي الوتيرة ولكي يصل إلى استنتاجات بعيدة المدى في موضوعه، والموضوعات المجاورة. إن الواقع أن هذا الكتاب في أحد وجوهه هو قراءةٌ عميقةٌ لروح الإسلام كلّه، من منظور إشكاليات الضمير الديني والأخلاقي، وأبعاد المسؤولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة.0
Michael Allan Cook (born in 1940) is a British historian and scholar of Islamic history.
He studied History and Oriental Studies at King's College, Cambridge 1959-1963 and did postgraduate studies at the School of Oriental and African Studies (SOAS) of the University of London 1963-1966 under the supervision of Professor Bernard Lewis. He was lecturer in Economic History with reference to the Middle East at SOAS 1966-1984 and Reader in the History of the Near and Middle East 1984-1986. In 1986 he was appointed Cleveland E. Dodge Professor of Near Eastern Studies at Princeton University. Since 2007 he has been Class of 1943 University Professor of Near Eastern Studies. He was a Guggenheim Fellow in Spring 1990.
In 2001 he was chosen to be a member of the American Philosophical Society.
In 2002 he received the prestigious $1.5 million Distinguished Achievement Award from the Mellon Foundation for significant contribution to humanities research.
In 2004 he was chosen to be a member of the American Academy of Arts and Sciences.
In 2006 he won Howard T. Behrman Award for Distinguished Achievement in the Humanities at Princeton.
In 2008 he won Farabi Award in the Humanities and Islamic Studies.
In 2013 he was awarded an honorary doctorate at Leiden University.
في الثمانينات حدثت حالة اغتصاب في مترو الأنفاق في شيكاغو في ساعة الازدحام، و لم يهب أحد لنجدة المرأة و منع الأمر... هذه الحادثة كانت سببا لنقاش أخلاقي عن سلبية الحاضرين في منع الفعل... بهذه الواقعة ابتدأ مايكل كوك كتابه هذا عن الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في الفكر الإسلامي، حيث يذكر أنه في الدين الإسلامي هناك نظرية أخلاقية متكاملة تحمل اسما و تأصيلا و شروحا و نماذج سلوكية، لمثل هذه المسؤولية الجماعية تجاه المجتمع...0 مايكل كوك هو مستشرق بريطاني معاصر مختص بالدراسات الإسلامية، و حاصل على عدة جوائز، و أستاذ في جامعة بريستون... نشر كتابه هذا عام 2001...0 الكتاب عبارة عن دراسة طويلة و مسهبة لهذا المصطلح عبر التاريخ الإسلامي (900 صفحة)، كيف نشأ ثم تطور و تأصّل و تقعـّد و تشعب، و كيف طبق و تفاعلت العقول معه ممارسة و تنظيرا، عبر كافة المذاهب و الفرق الإسلامية على طول التاريخ، حتى المتصوفة و فلاسفة المسلمين كان لهم نصيب من البحث... وصولا للعصر الحديث، و الذي بدا نقاشه أفقر من غيره، ربما لفقر المادة أصلا... فلا يملك المرء إلا أن يلاحظ الفرق في مستوى نتاج العلماء المتأخرين عن أسلافهم حيث افتقر للتجديد و بات يركن أكثر للتقليد و التكرار و الجمود... 0 الجهد المبذول في الكتاب مدهش بشكل غريب، فالمسح شامل لكل شيء تطرق لهذه الشعيرة، من كتب مطبوعة و مخطوطات محفوظة، و مراجع باللغات العربية و الفارسية و التركية التي يتقنها جميعا، و حتى مرجع للفقيه الأندلسي عيسى بن جابر كان كتبه بالقشتالية و قد ترجم للانكليزية، ناهيك عن محاضرات و أشرطة دروس لعلماء معاصرين، بل حتى تقارير للحكومة البريطانية...0 الكتاب ليس مجرد سرد تاريخي، بل فيه الكثير من التحليل و المقارنات و محاولة تبيان من تأثر بمن، و من سابق على من... و حتى الاستثناءات من مذهب يذكرها مبينا أن العالم الفلاني قد برز رأيه و كأنه مستثنى من مذهبه و متأثرا بالعالم الفلاني من المذهب الآخر... و يلاحظ تركيزه على الإمام الغزالي معتبرا إياه القمة التي وصل إليها التأصيل لهذه الفريضة، بحيث يعتبر نقطة فاصلة، فما بعد الغزالي غير ما قبله، و تأثر به الكثيرون من بعده على اختلاف توجهاتهم و حتى دياناتهم كالنصارى! و يقارن بين ما كتبه الغزالي بالعربية في إحياء علوم الدين، و ما كتبه بالفارسية، و أيضا بين مختصرات الغزالي التي قرأها كلها كما ذكر و ما سبب ما اختصر منها... و هذا مثال بسيط لمقارناته و دقته البحثية...0 لديه الكثير من الملاحظات الحادة و التي تلفت نظرك لكثير من الأمور و تجعلك ترى الموضوع من زوايا أخرى غير معتادة... فضلا عن انتباهه لما هو روايات قوية أو روايات ضعيفة مشكوك فيها، و ما يعتبر موثوقا عند السنة أو الشيعة مثلا... و لواقع العصر الحديث و الاشكالات فيه، و أيضا تأثر بعض الكتابات بالأفكار الغربية... و هو ما لم أعتد دقته في البحوث الإستشراقية التي اطلعت عليها حتى الآن... 0
أسلوب الدراسة موضوعي، و لا تخلو لهجته من ود، و هو يبتعد عن الأدلجة قدر الإمكان، و يقرأ حسب سياقات التاريخ كما هي... و إن كنت تستطيع أن تستشف ما تميل نفسه إليه من فرق أو علماء أكثر من غيرهم... بأية حال أفضل من بعض الباحثين العرب المعاصرين و تحليلهم للتراث و تحميلهم إياه ما لا يحتمله... على سبيل المثال، حين تقرأ عن المعتزلة و ابن حنبل، ترى كيف أن المعتزلة هم في نهاية المطاف فرقة إسلامية، تعتبر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر من أصولها الخمسة، بل اعتبرهم بعد المقارنات في المواقف و الشروح أنهم أكثر تشددا من ابن حنبل الذي اعتبره مدنيا بشكل مميز...0 و طبعا، هناك ما يمكن أن يـُجادل فيه، فليس من كتاب كامل، فبعض الملاحظات لم أجدها مقنعة، بل شعرت بأن تفاصيله معاكسة لملاحظته التي استنتجها، على سبيل المثال و ليس الحصر، يقول في بداية حديثه في فصل الغزالي: "لا يبلغ في الاتساق شأو المعتزلة و لا في البراعة مبلغ الإمامية." و كأنه يناقض نفسه حين يعرض بعد ذلك التفاصيل التي تبين عكس ذلك، معتبرا إياه النقطة الفاصلة لدى الجميع، حيث يقسم نتاج الجميع إلى ما قبل الغزالي و ما بعده، و قد كان في مبحث المعتزلة قد تحدث عن كثير من الاستثناءات و عن عدم كون التنسيق يبلغ مبلغ الكمال... أو مثلا يقارن بين شخصيتين أو فكرتين، و اللتين تبدوان لي متشابهتين، و لكنه يقول هذه عرضها أفضل، فأصاب بالحيرة و أنا أحاول معرفة الفرق... و ربما أكثر ما حيرني، هو حين يتحدث عن مذهب تكثر فيه الاستثناءات فيقول لا يمكن أن نستشف تيارا محددا حول هذه الفكرة، ثم في مكان آخر نفس الاستثناءات، يقول يمكن أن نستشف تيارا مع الاستثناءات... لكن هذه ملاحظات عابرة على أية حال لا تؤثر في روعة الكتاب... 0
من الأمور الممتازة أيضا ذكره لتأثير عصر ما بمفرزاته الاجتماعية و السياسية... فابن حنبل و الحنابلة الأوائل الذين اعتبرهم كصورة لحركة مدنية، يختلفون عن حنابلة بغداد زمن التتار و انهيار السلطة، عن حنابلة دمشق في وسط أكثر تنوعا، عن حنابلة نجد المتأثرين بالمجتمع البدوي فيما بعد... فلم تكن كل الفترات التاريخية و الأمكنة و الأزمنة متشابهة... مما أثر حتما على الممارسة و الفكر... و لكنه للأسف لم يكن حظ جميع المذاهب بهذه العناية كما اعتنى بالمذهب الحنبلي... فمثلا لم يحظ مجتمع الإمام مالك بمثل هذا التحليل، و مقارنته بمجتمع مالكية شمال إفريقية و الأندلس... و الحنفية قبل الفترة العثمانية لم تحظ بكثير من العناية، كما أن المذهب الشافعي هو الأفقر بالاعتناء من بين كل المذاهب، اللهم إلا الغزالي الذي أفرد له ذكرا خاصا... و قد أرجع هو الأمر بمقدار توفر المراجع لديه... و أقول هذه الملاحظة مقارنة بمنهجه مع الحنابلة الذي جعلني أطمع لو تحدث بنفس التفصيل لدى الجميع، و إلا فإن الفصول كلها جيدة... كما يبدو أن أكثر الكتب التي سهل توفرها و كانت مراجعها أكثر من غيرها هي كتب الشيعة و الحنابلة... ربما السبب لوجود جهات رسمية ترعى توفير الاثنين... مع تأكيده أن بحثه انتهى قبل اتساع ثورة المعلومات التي كانت ستسهل الكثير من المراجع... و قد اعتذر لطول بحثه و وعد بأن لا يطيل بحوثه الأخرى كذلك، بيد أني أتمنى أن لا ينجز وعده و يكتب بحوثا أخرى هكذا و أطول...0
هذا المسح الموسوعي على طول الكتاب، و مشاهدتك كيف تطورت الفكرة من قوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر، و حديث المنازل الثلاث _كما سماه_ (التغيير باليد و اللسان و القلب) و كيف تفاعلت معها العقول عبر الزمان و المكان اجتهادا و نظرا و تأملا و استنباطا و سلوكا، و مئات من الكتب و الحوادث التاريخية... يجعلك تدرك مدى ثراء إرثنا الإسلامي و مدى عظمة هذه الشعيرة الصغيرة في فكرتها العامة و لكنها الكبيرة في عمقها و أثرها على حياة المجتمع... فهي ما تضمن بقاءه قائما ما بقيت... و هذا التراث الفقهي الهائل الذي بني على الآية الكريمة و الحديث، ليس عبئا على النص، و لا هو سرقة للنص و تعتيم عليه و استبدال له و بث للخلاف و النزاع، كما يخبرنا بعض أصحاب الدعوات الحديثة، فيحتقرون النظر في هذا التراث و يدعون لتجاهله و رميه باسم التجديد... و إنما هذا نتاج لكيفية تفاعل العقول مع النص... و الذي لو شئنا أن نعبر عنه بمصطلحات كوك لوجدناها أسسا قانونية و فلسفية و أخلاقية و اجتماعية للحضارة الإسلامية... و مثل ما أن تقديس هذا النتاج هو أمر قاتل، فإن تسطيح قيمته بتلك الدعوات و تسفيهه و إفراغه من معناه هو أمر قاتل أيضا... كيف لحضارة أن تـُبنى إن عمدت إلى نسف تراثها و نبذه دون تحليله و دراسته و استخلاص مناهج و نتائج منه تساعدنا على فهم تاريخنا و أنفسنا و كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه... من ضمن ما يتعلمه المرء من بحث كهذا، هو أهمية دراسة كل ما كتب و قيمته... فمثلا حتى كتاب طريف عتيق مثل رواية (حديث عيسى بن هشام) لمحمد المويلحي من القرن التاسع عشر كان لها نصيب من المسح... 0
الكتاب رائع أيضا بهوامشه، و أنا ممتنة لدار النشر التي أثبتتها رغم أنها تشكل نصف الكتاب تقريبا و لم تفكر بحذفها اختصارا... فقد كنت أقرأ ما فيها من فوائد... و مما أعجبني بشدة أيضا أن كوك لا يفتأ يذكر أن هذه الفكرة أو الكتاب قد أشار عليه به فلان من الباحثين و فلان قد سهل له الحصول عليه و آخر قد لفت نظره لتلك الفقرة و آخر و آخر... حتى تستطيع أن تستخرج موسوعة أخرى للعلماء الذين تضافروا لمساعدته في إنجاز بحثه هذا... 0
حين شاهد أخي عنوان الكتاب، قال ساخرا: (إن أردت أن تعرفي عن الأمر اذهبي للسعودية...) 0 عبارته لم تكن إلا تعبيرا عن كيف بات المصطلح في الذهن لدى شريحة كبيرة من الناس... و هو أمر مؤسف اختزال الفكرة هكذا... لذلك أنصح بقراءة الكتاب كاملا، و ليس فقط مقتطفات منه... ذلك يجعل المرء يفهم المصطلح منذ البداية و كيف تطور و تغير حتى تمأسس بهذه الطريقة... كما أن كون الكتاب صادر من شخص خارج دائرة الإسلام... يجعلك تقرأ عن الفريضة بأسلوب خطاب مغاير عم اعتدته...0
كوك كان بارعا في استبصار المعنى من هذه الفريضة و عمق أثرها... و ما عني به منها هو الجانب الفردي فيها... لأنه شكل متطور من إحياء المواطنة و الإيجابية و المدنية في الفرد، بحيث تجعله مسؤولا عن مجتمعه و منتميا له بشكل مباشر... و بالتالي ضمان بقاءه و عدم تخلخله حتى في أوقات الأزمات و توقف المؤسسات و الهيئات... 0
يختم كوك كتابه مقارنا لهذه الفكرة في المسيحية و اليهودية و في ديانات أخرى، ثم مقارنا إياها بالمجتمع الغربي المعاصر... و الحقيقة أنه لا يخلو مجتمع من فكرة الإغاثة، اتسعت أو ضاقت بحسب ثقافة المجتمع... لكنما هناك مسافة فاصلة بين الإغاثة حين النجدة و بين القيام بفعل ما قبل طلب النجدة كما تقتضيها هذه الفريضة، و كما في المثال الذي ابتدأ به كتابه عن حادثة شيكاغو، يختتم به... فهناك رجل واحد قد لاحق المجرم، و لكن بعد أن انتهى كل شيء و هرب فصرخت المرأة... ثم ليخلص ببعض المقارنات، إلى أنها ميزة إسلامية حقا...0
جدير بالذكر أن الترجمة عظيمة أيضا، فثلاثة من المترجمين قد عكفوا على ترجمته، من بينهم رضوان السيد... و هو من نشر الشبكة العربية للأبحاث التي تعنى بترجمة هذا النوع من الدراسات... 0 بأية حال أعتبره أفضل عمل استشراقي قرأته حتى الآن... ليس بسبب لهجته الودية فحسب، بل أيضا لدقته و ملاحظاته الحاذقة... و لست أدري عن بقية أعماله إن كانت بهذا المستوى و الأسلوب... فقد قرأت أن لديه أعمالا استشراقية ذات النظرة المعتادة المسفهة و المشككة في المراجع الإسلامية، و لكني لم أطلع عليها، فلا أستطيع أن أتحدث فيما لا أعرف... و لكن في هذا الكتاب لم يرد شيء كهذا أبدا، بل كان يبني على المصادر الإسلامية، و يدرسها بموضوعية كدراسة أي باحث لقانون ما، مع تأثر و إعجاب في كثير من المواضع... و أتساءل إن كان هذا ��وجه جديد في الدراسات الإستشراقية، أو أنه طور في أسلوبه؟ على كل كوك في هذا الكتاب تحديدا، قد اقترب كثيرا من فهم جوهر الدين، كما قرأ المجتمعات الإسلامية و استطاع التفريق بين القديمة منها و المعاصرة بشكل جيد... و هذه نقطة قوية في صالح الدراسات المخصصة لفهمنا... فثمرة أي بحث تعود في المقام الأول إلى منتجها و من أنفق عليها... و هو أمر إيجابي أو سلبي على حسب كيف سيستثمر... و ربما الاثنين معا... 0 لا أنكر أيضا أن عمله الموسوعي هذا قد جعلني حزينة... و لم أتساءل كثيرا عن لماذا لدينا قصور في مثل هذه الدراسات... فصحيح أنه عمل فردي، و لكنما هناك مؤسسة تدعمه و تقدم له التسهيلات، حتى نال جائزة بسببه... و مقارنة بين هذا الوضع و وضع باحث عربي دؤوب، تجعلني أتساءل كيف لباحثنا أن ينتج شيئا شبيها بنفس المدة و الشمولية و البراعة و ثلاثة أرباع طاقته مهدورة على أمور جانبية في مكابدة ظروف الحياة و البحث عن المراجع، ثم ليس من مؤسسات ترعاه اللهم إلا نادرا... 0
ليس أن الكتاب علمني و أمتعني... بل جعلني أدرك ما لم أدركه مسبقا في معنى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر... و جعلني أفهم لماذا ربط الله الخيرية في هذه الأمة بهذا الأمر تحديدا... 0 قد أثر بي أيما أثر... و كيف لكتاب أكاديمي مسهب أن يؤثر بك حد جعلك تبكي... كم هي أمة عظيمة... 0 أو ربما تبكي واقع الحال... كم نحن جيل مسكين و مبتلى... فرج الله عنا جميعا...0
أنصح بالكتاب كاملا... و لا يروعنّكم حجمه... فهو ممتع و سلس لمن يحب المعرفة...0
بعد حادثة اغتصاب في محطة الأنفاق بشيكاغو، لم يتدخل فيها أحد، ولم يبد على أوجههم الشعور بالتأنيب، في عالم تبدو فيه هذه نتيجة متوقعة لارتفاع "الفردانية"، وانعدام المروءة والمسؤولية الأخلاقية، وارتفاع شعار "لا وصاية لأحد على أحد"، يعود مايكل كوك ليقرأ كتاب "الإحياء" للغزالي، ويذهل بفصل "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ليتتبع مفهوم وتطبيقات هذه الشعيرة عبر تاريخ الفكر الإسلامي، وأدبه المنثور ما بين القرآن والتفاسير والحديث، والمذاهب الإسلامية، الفقهية والعقدية، حنابلة وشافعية ومالكية وحنفية ومعتزلة وشيعة وإمامية وإباضية وصوفية، في شتى الأمكنة، وعلى مختلف الأزمنة! بل والحاضر الفكري والحركي، متبوعا بمقارنة مبسطة ببقية الأديان، الكتابية منها والوضعية، والقوانين والواقع الغربي المعاصر، والذي أبان فيه بإلماحة دقيقة اهتمامه بالإغاثة -التي تتعلق غالبا بالكوارث والخسائر المادية- لا إنكار المنكر -والذي يتبين أنه أشمل من خلال دراسته تحت ضوء الفكر الإسلامي، فمنطلقه عقدي، وتطبيقاته تشمل الدين والخلق والإغاثة وكل ما يدخل تحت ما ينكره الدين ويحث على تغييره-، في دراسة مسحية تحليلية مذهلة التوسع، تصيبك بالذهول من شمول مراجعه فيها، بل ومعرفته للمطبوع منها، والمفقود، والقريب النشر، والذي تعقب بالتصحيح وإعادة الطباعة، لدرجة لا تشعر معها إلا بالذهول المطلق، والدهشة البالغة.
لم أظن في يوم ما أنني سأخرج بصورة متكاملة عن شعيرة “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” تأصيلا، وتنظيرا، وتتبعا شموليا دارسا أشكاله وأنواعه وتطبيقاته على مدى الأزمان من مصدر أجنبي! عنوان الكتاب لوحده كان فاتحا لشهيتي، فما بالك بالتفاريع التي اعتنى بها، والدقة التي تناول بها هذا الموضوع الحساس والهام، ومن جميع جوانبه. أنا مدهوشة مذهولة مرة أخرى من كمية المراجع في الهامش في كل صفحة! يا رجل يخرب بيتك.. يخرب بيت الست والدتك! ما هذه الأمانة والدقة العلمية التي بلغت بك إلى مرحلة توثيق كل كلمة، وما هذه السعة في الوقت والجهد وتعدد المراجع التي أتاحت لك توثيق العبارة الواحدة من عشرات المصادر! ما هذه الخطا الطويلة في الوصول لغوامض المؤلفات من تراثنا، وغريب الكتب التي لا يعرفها إلا جهابذتنا! بل قد كان يعرف ويصنف ويبين تأثير الأقوال وأصل قائليها ومذاهبهم لدرجة تشككني هل المؤلف مايكل كوك أم أبو قتادة؟ يكفيك أن تعرف أن صفحات المراجع فاقت ال٧٠ صفحة..لله دره ما أطول نفسه وحلمه! ثم ما أجمل هذا الأدب العلمي الذي تبدى في موضوعيته، واحترامه، واعتذاره عن بعض العلماء، وتوثيقه لمساعدة أي أحد في الوصول لمرجع أو التنبيه لفكرة وذلك عبر الهامش. أرجو -وبعيدا عن موضوع الكتاب- أن يعكف الباحث العلمي على بحثه ليتعلم قليلا من منهجيته، ويتأدب بطريقته في الصبر والاجتهاد والسعي الحثيث ليخرج بحثا كهذا البحث.
أخيرا على هامش هذا الموضوع الحساس الهام لا سيما في عصر “لا وصاية لأحد على أحد” أذكر الناصح والمنصوح: بأن "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” من الشعائر الثقيلة على النفس، التي قد يلحقك منها ألم نفسي أو حتى جسدي، ولن أتحدث عنه على مستوى الدول وأمام ظلم الحكام، فهذه الله المستعان ما يلقاها إلا ذو حظ عظيم، بل دعوني أتحدث عن صعوبتها على مستوى محيطك ومعارفك، إرغام نفسك على هذه الشعيرة لاسيما بين أقران يبادلونك أحاديث النفس، وتشاطرهم اللهو والضحك، يعرضك للشعور بثقل وجودك بينهم، وفي مجتمعك قد يجعل هذا من رؤيتك في مناسباتهم شؤما، ناهيك عن الخسائر الافتراضية من حظر وحذف من المشاهدة في مواقع التواصل :) ما أعنيه أنه وعلى الرغم من قلة الخسائر في مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على مستوى محيط الفرد، إلا أن لها أثرا شديدا على النفس، ولعل هذا هو داعي الربط بين “وأمر بالمعروف وانه عن المنكر” و”اصبر على ما أصابك” في الآية، فلا يكاد يخلو أمر بمعروف أو نهي عن منكر من ذلك، لذا ولمعرفتي بمدى مرارة هذا الشعور، فإنني أصبحت لا أثلب على كل آمر أو ناه لي عن أمر أخالفه في حكمه، وأتفهم منطلقاته جدا وأشكره جزيل الشكر وائدة ذلك الشعور الكاره لتلقي النصح، المتلهف للرد بقسوة، لأنني أعلم حينها أن شعور الآمر أو الناهي أشد على نفسه حين أمر من شعوري، ولولا وضوح النصوص على وجوبه لما أقدم مقدم عليه لثقله على النفس، وعدم قبوله في المجتمع، ومن هنا أذكر نفسي وإياكم بتقبل النصائح مهما ثقلت، ومهما كان حال ملقيها، تعويدا للنفس على تلقي النصح، ورد جزيل الناصح المتعني بفعل أمر لم يفعله غيره ممن يدعي حبك ونصرتك، بشكره وإعانته على بقاء تلك الشعيرة. كما أن أغلب العبادات وإن ثقلت، فإنك قد تجد فيها معينا، فالصدقة يحييك عليها المجتمع، والصلاة تورثك طمأنينة وسكينة، وقراءة القرآن والكرم والإحسان والبشاشة كلها مما قد يعينك عليها محيطك ويصفق لك، لكن عبادة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العبادات التي قد تخسر فيها صداقة عزيز، أو اجتماع قريب، أو بشاشة مرحب، أو حضن مجتمع بأسره، بل قد تخسر فيها دعة النفس وراحة البال، لكنك ستربح “وأولئك هم المفلحون” “وأولئك من الصالحين” “أنجينا الذين ينهون عن السوء” “أولئك سيرحمهم الله” “وبشر المؤمنين”. اخسر الدنيا بمتاعها وأهلها واكسب رضا مولاك .. وما ألذه من مكسب حينما لا يخالطه أي نفع أو لذة أو مصلحة دنيوية! فكل عمل كان فيه الإخلاص أرجى كان لك أنفع وأصلح.
*الترجمة ممتازة، والمراجعة ممتازة، والإخراج العام للكتاب ممتاز! ولا يستغرب هذا من دار نشر كالشبكة العربية التي عودتنا على الدقة والإتقان وحسن الاختيار والإخراج.
أولاً، كان لي في مسألة الأمر بالمعروفِ والنهيِ عن المُنْكَر بعض الملاحظات أو النظرات وهي كالتالي: • الأمر لعموم المسلمين.. لعموم المجتمع. وسيلة لحماية المجتمع من الداخل ومن الخارج. وأي محاولة لتعبئة هذا المبدأ "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في صندوق، سواء أكان جهازاً تنفيذياً تابع للدولة أو غير تابع لها فهو يحرم عموم المسلمين من التعوّد على ممارسة هذا الحق الأصيل. • اختزال "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" إلى جهاز من أجهزة الدولة يحوله بالضرورة إلى ذراع لها، وتتحول ممارسته إلى ممارسة فوقية رأسية لا إلى ما كان من المفترض أن تكون ممارسته رأسية تبادلية (من الأعلى إلى الأسفل والعكس على حدٍّ سواء) وأفقيّة تبادلية أيضاً بين أفراد المجتمع المسلم. أي جهاز تابع للدولة قائم على هذا المبدأ يتحول إلى أداة لممارسة السلطة ويُرى مع الوقت من قبل أفراد المجتمع كوسيلة قهر، مما قد يعرّض المبدأ نفسه لخطر الرفض بالكلّية من قبل أفراد المجتمع، لأنّه أصبح يرى كتجلّي من تجلّيات السلطة الحاكمة، وهو ليس كذلك في حقيقته بالطبع. • كنت أحسب أنّ ممارسة هذا المبدأُ ستنشئُ مع الوقتِ مجتمعاً يتخلله كثيرٌ من المنافقين الذين يتظاهرون بالتقوى وهم يتفننون في الباطن بارتكاب الفواحش والمعاصي، لكنّي فَطِنْتُ أخيراً إلى حكمة ممارسته المجتمعية (المفترضة) التي تؤدّي إلى الإبقاء على الذنب في صورته واستقرار ذلك في العقل الجمعي المسلم.. أنّ الذنب حتى وإن ارتكبه الجميع في الباطن سيبقى ذنباً لأنّه ينكرُ ظاهراً في الفضاء العلني.. وتلك، حسبما أرى، هي حكمة الأمر العظمى.. الإبقاء على الذنب في صورته وحماية المجتمع من "التطبيع" معه.. وليس الحلّ في انفصاليّة الباطن عن الظاهر، على الجانب الآخر، هو بالمجاهرة بالفعل من باب "الاتساق مع الذات" كما يُروّجُ له هذه الأيام. • امتداداً للنقطة السابقة، يحقّ للمرء أن ينهى غيره عن ارتكاب المعصية حتّى ولو كان هو نفسه منغمس فيها (باطناً) لأنّ الفكرة، كما أشرنا آنفاً، هي في الإبقاء على الشعور بأنّ ما يرتكب، وإن شاع باطناً خارج مساحات الفضاء العلني، هو ذنب وسيظلّ كذلك.. حينها تصبح مسألة "هو حرّ طالما لم يؤذني" باطلة من هذه الجهة، وفي نفس الوقت تدلّ المقولة الآنفة على ظاهرة "المجتمع الذرّي" أو ما هو في صورة المجتمع بينما يحوي أفراداً في حالة تشظٍّ وانعزال وذلك، كما أشار المرحوم بإذن الله د. عبد الوهاب المسيري، من لوازم طريقة المعيشة الحداثيّة.
ثانياً، نأتي للكتاب: الكتابُ إجمالاً جيّدٌ للغاية فيما يتعلّقُ بالسرد التاريخي لتناول العلماء لمفهوم "الأمر بالمعروفِ والنهي عن المُنكرِ" وكيف تطوّرت الأفكار حول هذا المفهوم الرئيس والحيويّ بالنسبة إلى حضارة عمودها الرئيس هو الدين. يستعرضُ الكتاب تناول شتّى الفرقِ الإسلاميّةِ للمفهوم وكيف أنّ الظرف التاريخي/الجغرافي/السياسي يؤثّر بشكل كبير على تنوّع صياغة آليّات التنفيذ بل ودرجاته. فالخوارج على سبيل المثال لا يرمش لهم جفنٌ ليخبروننا أنّ إعمال السيف لا شك فيه ولا حرج إن كان الأمر يقتضي ذلك لإزالة المُنكر. والمعتزلةُ، على سبيل المثال، لا يتوانوْن عن التصريح بأنّه يجب رفع السيف على الإمام الجائر إن اقتضى الأمر إزالة للمنكر بل للمنكرات الناتجة عن وجوده على كرسيّ الخلافة، وهذا عكس ما انطبع به ذهني عن المعتزلةِ كنخبةٍ مثقّفة تأنف وتتحرّج من استخدام العنف.. بل إنّ المعتزلة قد جعلوا "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" من الأركان الخمسة للإيمان، وذك شيءٌ ليس بالهيّن على الإطلاق. نجدُ منهاج ابن حنبل، رحمه الله، في البُعد عن السُلطة والنصح بعدم الاستعانة بها في إقامة النهي عن المُنكَرِ ثمّ تغيّر الآراء الحنبليّة تدريجيّاً لنجد أنّ الاستعانةَ بالسُلْطَةِ صار مباحاً بل ومطلوباً في حالات اقتضاء العنف لإزالة ذلك المُنكر. ما لفتَ نظري، وسيلفت انتبهاء كلِّ قارئٍ لهذا الكتاب في ظنّي، موضوع تلك الأزمانِ التي تُرفعُ فيها فريضة الأمر�� بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكَرِ.. أزمانٌ سَيُقال فيها على الناهي عن المنكر "فضوليّاً". عندما تناول المؤلّف مسألة الإغاثة وهل هي مشمولةٌ داخل مظلّة مفهومنا محلّ النقاشِ هنا ظنّ أنّ الأمر منفصلٌ من حيث كونه ليس أمراً بالمعروفِ ولا نهياً عن مُنكَر من الناحية الدينية (ارتكاب معصية، وحضّ على طاعة)، وهذه سذاجة نوعاً ما من حيثُ كون فعل الإغاثةِ داخلٌ في فعل المعروفِ والذي هو الهدف التامّ الوحيد لباب "الأمر بالمعروف" من الملاحظات اللطيفة أيضاً بالكتاب هو عدم انفراد الإسلام بهذا المبدأ، كمبدأٍ فقط، ووجوده في أقوال بعض الفلاسفة أمثال أرسطوطاليس.. لكن، على الجانبِ الآخرِ، نجد انفراد الإسلام بوجود منهجيّة كاملة ومخاض فكري كبير عن هذه المسألة كونها، كما هو معلومٌ، مذكورة بالنصّ الذي قام عليه بناء هذه الحضارة.. والأميزُ هو أنّ ذلك الباب مكفولٌ لآحاد المسلمين ممارسته بعيداً عن وجود السلطة أو الكهنوتية أو التراتبيّة.. بلا حظر أفقي أو رأسي، بمعنى أنّه يمكنُ، نظريّاً، للفرد نهي أعلى رأس في الدولة عن منكرٍ يفعله، مع مراعاة الشروط وقياس حجم الضرر الناتج عموماً والواقع على النفسِ مما قد يُفضي إلى إهلاكها (وفي هذا الأمر قول كثير). لم يُجب الكتاب على كلّ ما يشغل بالي في هذه المسألة من حيث القدرةِ على تطبيق هذا المبدأ في مجتماعتنا اليوم، حيث تضخّمت الدولة وصارت متحكماً رئيسيّاً، بل وحيداً، في مناحي الحياة وقيّما على اختيارات الأفراد في بعض الأحوال ما يجعل مساحة المجتمع ضئيلة للغاية بالمقارنة بمساحتها في الماضي تحت ظلّ الحكم الإسلامي. لم يتعرّض أي فقيه أو عالم أصول حينما تحدّث عن هذا الباب عن مسألة التغيّر العمراني الحاصل اليوم وكيف أنّ هذا التغيّر قد أثّر بشكلٍ رهيبٍ وقويٍّ على طبيعة العلاقات البشرية داخل المجتمع وكيف ساعد على ترسيخ مبدأ التشظّي الذي أشرتُ له بالأعلى، مما يزيد من صعوبةِ ممارسة الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المُنكرِ بل قد يجعلهُ مستحيلاً. إجمالاً، الكتاب جيّدٌ للغاية وأنصح بقرائته وفيه من التفاصيل ما أغفلته أو نسيته. تحيّاتي.
كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلامي لمايكل كوك وترجمه وراجعه علي المصادر وقدم له : الدكتور رضوان السيد الدكتور عبد الرحمن السالمي الدكتور عمار الجلاصي والكتاب طبعة :الشبكة العربية للأبحاث والنشر عدد الصفحات :910
يبدأ المصنف في المقدمة بذكر حادثة اغتصاب وقعت في مترو الأنفاق في الولايات المتحدة بشيكاغو عام 1988 نهارا أمام الركاب ولم يتدخل أحد لإنقاذ الفتاة من المغتصبين ويستنكر ذلك ثم يذكر أن الإسلام جاء بشعيرة وآلية تضمن للمجتمع أن يحمي نفسه بنفسه حتي مع عدم وجود سلطة رادعة من قبل الدولة أو تأخر الردع والحماية من الدولة ...ويؤكد معني أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخاطب بها عموم الأمة وليس لفئة دون فئة . ثم عرض في المقدمة قصة "صائغ مرو" أبو إسحاق ابراهيم بن ميمون الذي تصدي لأبي مسلم الخرساني بطل الثورة العباسية لردعه عن الظلم ففقد حياته استنادا لاعتقاده بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الكتاب فيه مجهود يذهل المرء منه بل مجهود لايصدر الا من مركز بحوث وليس مؤلف واحد والمؤلف يجيد اللغة العربية والتركية والفارسية وأطلع علي كل التراث الإسلامي فيما يخص شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مصنفات ومخطوطات غير منشورة حتي وصل الي كل الأطروحات المعاصرة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصريحات العلماء والدعاة المعاصرين حولها ..وبالطبع قام بسرد كل نصوص الوحي المتعلقة بهذه الشعيرة مارا علي التاريخ الاسلامي وعلي المذاهب الفقهية من أهل السنة ( وأفرد للحنابلة أربعة فصول : فصل عن الامام أحمد وفصل عن حنابلة بغداد وفصل عن حنابلة دمشق ودور ابن تيمية وفصل عن حنابلة نجد وتكلم عن قيام الدولة السعودية علي مراحلها الثلاث ودور الامام محمد عبد الوهاب في الأمر بالمهروف والنهي عن المنكر وخاصة الشركيات التي كات فاشية في الجزيرة العربية )ثم الشيعة ثم الخوارج وغيرها من الفرق كل ذلك في سياق تحليلي عميق للغاية يسبر خلفية كل مذهب والصراعات التاريخية التي كانت في عصره ومدي قربه وبعده من الحاكم ،والرجل يري أن أفضل من تكلم عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علي الإطلاق في تاريخ الإسلام حتي الان الإمام محمد الغزالي في كتاب الإحياء في باب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...حتي أنه جعله علامة فارقة للتأريخ لمؤلفات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيقول ما قبل تصنيف الغزالي للحسبة وما بعده وكذلك علي المستوي المذهبي كون الغزالي شافعي فيقول الفقه الشافعي حول الحسبة ما قبل الغزالي وما بعده حيث ان الغزالي صكّ مصطلح الحسبة وقسم وأوضح بشكل لم يُسبق إليه من قبل ..وكذلك المؤلف منبهر بتجربة الشيعة فيما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويري أنهم أعملوا الاجتهاد من انتظار الإمام وتعطيل الشعائر كالجهاد والحسبة واستئنافها مع ظهور الامام الي إيجاد تكييف فقهي يتمثل في"ولاية الفقيه" وممارسة هذه الشعائر وبالطبع يسرد بشكل تفصيلي واستقصائي كيفية هذا التحول والاجتهاد (وهذه عادته طيلة الكتاب استقصاء الاقوال في كل مذهب وعزوها وتحليلها) . وأثناء اطلاعي ودهشتي الشديدة بموسوعية العمل صرت أبحث عن ثغرة أو تفصيلة غفل عنها المصنف فوجدت أنه لم يتعرض بعد ل(النساء والامر بالمعروف والنهي عن المنكر) فإذ به يفاجئني بأنه أفرد جزء لذلك شاكياُ ان التراث الاسلامي ليس فيه مادة غنية عن مباشرة المراة لهذه الشعيرة ولكنه ذكر بعض الصحابيات والتابعيات وأدلي بدلوه من حيث التحليل . ومن الظريف أن المؤلف ذكر بعض تفسيرات المعاصرين (ومنهم شيخ الازهر الأسبق محمد سيد طنطاوي وغيره) الحديث من (رأي منكم منكر...الخ) بأن الانكار باليد للحاكم فقط واللسان للعلماء والقلب لباقي العامة وقال أنه قول لم يقله أحد من السابقين قط بل وذكر رد الدكتور عبد العظيم المطعني رحمه الله علي هذا الإدعاء ..وكذلك تعرض الرجل للدكتورة محمد عمارة وقام بتحليل موقفه في كتبه من هذه الشعيرة وأستغرب أنه مباين لجمهور أهل السنة فيما يتعلق بالإنكار علي الحاكم والخروج عليه وقال مذهبه في ذلك أقرب للخوارج والمعتزلة منه لأهل السنة (وقد حضرت ندوة من قبل للدكتور محمد عمارة وطرحت عليه ملاحظة المؤلف فلم يجيبني بشكل مباشر ولكنه ذكر أنه ربما يكون بحكم دراسته لمذهب المعتزلة واعداد رسائل اكاديمية حولها) .. الكتاب عمل موسوعي ضخم مراجعه كثيرة للغاية هامشه ثري طرحه مبهر ..حتي شعرت بعد انتهائي منه أنه أفضل ما كتب عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكما قال الدكتور رضوان السيد كان عمله مستوعبا لكل التراث الاسلامي فيما يتعلق بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطريقة القراءة الهائلة للتراث والتنظيم الدقيق قبل أن يسهّل الكومبيوتر والانترنت الأعمال الاستقصائية وان هذا الكتاب لا يمثل وحسب استقصاءً واسعاَ وشاملا للتجربة الإسلامية في رؤية العالم والدور والمسؤولية فيهما وعنهما من جانب المسلمين بل هو أيضا قراءة عميقة ومستوعبة لروح الإسلام ..وعكس ودا بالغا من الكاتب للاسلام لم يكن موجود قبل ذلك حيث كان له مؤلف اسمه(الهاجريون) نسبة إلى هاجر-عليها السلام- والمقصود بذلك تأثير القبائل الشمالية في تكوين الإسلام عبر العصور منذ إبراهيم وهجراتهم التدريجية نحو الجزيرة العربية وهذا الكتاب يطرح فكرته بشكل غريب في التخيل بأن الإسلام نشأ كحركة دينية مشتركة بين اليهود والعرب متحدين معاً تهدف لاستعادة بيت المقدس من البيزنطيين، وأن النبي محمداً -صلى الله عليه وسلم- كان يعظ بالمواعظ اليهودية خلال بداية الفتوحات وهذا هو التأسيس الذي انشأ عليه التشريع الإسلامي المتشابه مع الأديان الإبراهيمية. وأن هذه الحركة انقسمت وتخلى العرب عن اليهود، ولم يحدث هذا الانشقاق في المدينة كما هو معلوم في المدينة المنورة بل في القدس بفلسطين وأخفي ذلك الحدث عندما تحول الإسلام إلى دين إمبراطوري متفرد!! المآخذ أولا: ادعاؤه ان الامام الأعمش كان شيعيا حيث قال في صفحة 153( سليمان بن مهران كان محدثا شيعيا) وهذا ما نفاه الامام الذهبي وقال انه صاحب سنة . ثانيا: من عرضه يظهر ان الإباضية(فرقة من الخوارج) والمعتزلة والشيعة كانوا أفضل اجتهادا حول شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهل السنة ...وهذه عادة المستشرقين في إبراز وتلميع الفرق البدعية في الإسلام علي حساب أهل السنة. ثالثا: أنه عندما صار يسرد الأحاديث النبوية قسمها الي أحاديث تحض بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلي رأسها حديث المنازل الثلاثة (كما سماها) ويقصد به حديث من رأي منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فقلبه وذلك أضعف الإيمان ..وقسم لأحاديث أسماه هو (الأحاديث ذات النزعة المضادة) مثل حديث( اذا رأيت شحا مطاعا وهوي متبعا .....فعليك بنفسك ودع عنك العامة) والاحاديث التي تحث أنه لا ينبغي للمؤمن بأن يتعرض من البلاء ما لا يطيقه وأحاديث فتن اخر الزمان وزعم ان طبيعة الاحاديث التي تقلص من شعيرة الأمر بلمعروف والنهي عن المنكر (معظم الرواة فيها من الشام) حيث مركز الخلافة الأموية والأحاديث الأخر المعظمة للشعيرة من الكوفة حيث مركز المعارضة للأمويين ..فجعل الجغرافية السياسية من حيث تمركز السلطة وتمركز المعارضة كان لها اثر في نقل الاحاديث !!
نقد الكتاب: بداية: تجدر الإشارة إلى أنَّ المؤلِّف قد بذَل جهدًا كبيرًا في جمْع مادَّة هذا الكتاب وتأليفها، وفي رجوعه إلى مصادر كثيرة جدًّا مطبوعة ومخطوطة، وبلغات متعدِّدة كذلك، ممَّا يَعجِز - للأسف - عن الوقوف عليها، أو على غير قليل منها كثيرٌ من كُتَّاب المسلمين أنفسهم. كذلك ممَّا امتاز به الكتاب المبالغة في دِقَّة التوثيق، حتى إنَّه أحيانًا ما يَذكُر رقم السَّطر، مع ذِكر البيانات الوافية للمصادر التي ينقُل منها، ونسبة كل فائدة لصاحبها والامتنان له. لهذا اعطيت الكتاب 3 نجمات - وبما أنَّ مؤلِّف الكتاب من المستشرِقين، ويصدُق عليه في كتابه ما يصدُق عليهم في كتاباتِهم؛ فيحسُن الإشارة - باختصار - إلى طبيعة منهج المستشرقين، وطبيعة دِراساتهم عن الإسلام:
فالمستشرقون هم الكتَّاب الغربيُّون الذين يكتُبون عن الف��كر الإسلامي وعن الحضارة الإسلاميَّة، وجُلُّهم - إنْ لم يكن كلهم - يَدرُسون العلوم الإسلاميَّة العربية ويضعون النظريات، ويكوِّنون الآراء في أثناء ما يقومون به من دِراسات، ويهتمُّون بتقديم أدلَّة هذه الآراء والنظريات وأسانيدها، مستمدين إيَّاها من المراجع الإسلامية نفسها، وهذا العمل وإن كان في ظاهره عملًا علميًّا سليمًا، إلا أنه بعد الفحص الدقيق والتأمُّل لأعمالهم ثبت أنَّ كثيرًا منه ليس كذلك، وكثيرًا ما يكون الدافع إليه الرغبة في التجريح، وتوهين العقيدة الدينية والشَّريعة الإسلاميَّة. وهدفهم: التعرف على الإسلام والحضارة العربية؛ لتكوِّن معرف��ُهم صورةً ينقُلونها إلى بُلدانهم وشعوبهم, فتُشكِّل تلك الصورة مجموعةً من المعارف الحضاريَّة, والنفسيَّة, والتاريخيَّة, والثقافيَّة، ثم تُعاد إلى المسلمين تلك الصورة التي كوَّنوها عنهم بعد إيجاد هوَّة سحيقة تفصِل بين الماضي وبين الحاضر الذي أهملوه، وهم في ذلك يَعتمِدون على عددٍ معيَّن ومحدود من المصنَّفات دون غيرها، وغالبًا لا يُفرِّقون بين الروايات الصَّحيحة والضَّعيفة، بل أحيانًا ما يتعمَّدون انتقاء الضعيف؛ إذا كان موافقًا لِمَا يُريدون، وهم كذلك يُفسِّرون الوقائع والنصوص وَفقَ انطباعاتهم حسبَ بيئتهم الثقافيَّة، فيضعون في أذهانهم صورةً معيَّنة يحاولون إسقاطها على صُور ووقائع معيَّنة يُخضِعونها لما ارتضتْه مخيَّلتُهم وانطباعاتهم.
وأيضًا هم بعيدون كلَّ البُعد عن البحث العِلمي النزيه، ولم يتخلَّوا قطُّ في كتاباتهم عن الإسلام عن النزعتين: الدِّينيَّة، والاستعماريَّة؛ لأنَّ التحوُّل عنهما إنَّما يعنى التحولَ إلى الإسلام، وهذا التحوُّلُ إلى الإسلام يعني في الوقت نفْسِه التحولَ عن الاستشراق وأهدافه الخبيثة، وهذا ما حدَث بالفعل لبعض المستشرقين ممَّن أكرمهم الله تعالى بهدايتهم إلى الإسلام. حتى مَن أنصف الإسلام منهم ظاهرًا، أو حتى ممَّن كانوا مسلمين؛ لا يجوز الاغترارُ بإنصافهم هذا، ولا الاعتمادُ - في فَهم دِيننا - على ما يكتبون؛ فكثيرٌ منهم قد دسَّ السمَّ في الدَّسم، وبعضهم أسلم ظاهرًا ثم ارتدَّ بعدما أدَّى الدور الذى كان مطلوبًا منه! وقد أوضح العلَّامة محمود شاكر في رسالته الفذة ((رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)): أنَّ المستشرق عارٍ من شروط المنهج العِلمي السَّديد، التي حدَّدها بـثلاثة شروط: (اللُّغة، والثقافة ورأسها الدِّين، والبراءة من الأهواء)، كما أوضح أنَّ نشأته تمنعُه من الدُّخول تحتَ هذه الشروط الثلاثة، ثم قال رحمه الله تعالى: (وظاهرٌ من كلِّ ما كتبتُه لك آنفًا أنَّ الاستشراق مِن فَرْع رأسه إلى أَخمُص قدميه غارقٌ في الأهواء، والثقافة الأوروبيَّة والحضارة الأوروبيَّة تستقبلُ الأهواءَ بلا نكيرٍ ولا أَنفَة، بل هي تسوِّغ استعمالَ رذيلة الأهواء في الدنيا وفي الناس بلا حرَجٍ؛ لأنَّها حضارة قائمة على المنفعة والسَّلْب ونهْب الأمم، وإخضاعها بكلِّ وسيلة لسلطانها المتحضِّر! والدَّلائل على ذلك لا تَخفَى على بصيرٍ ذي عينين تُبصِران؛ فهي تسوِّغ ذلك في العِلم، وفي الثقافة، وفي السِّياسة، وفي الدِّين، وفي كلِّ شيء، ما دام جالبًا للمنفعة، أو دافعًا للمضرة!)، ثم قال عن كتابات المستشرق: (وهو شيءٌ لا يَعنينا، أو كان يَنبغي أنْ لا يَعنينا هو ولا ما كتَبَه في ثقافتنا قُلامةَ ظُفر؛ لِمَا عرفتَ من استحالة قُدرته على معرِفة العربيَّة إلَّا مِثْل تحلَّة القسم - أي: قليلًا بمقدار ما يُكفِّر المرء قَسَمه ولا يُبالغ - ومِن عجزه المطلَق عن استبانةِ وجه الحق في دِيننا وثقافتنا؛ لأنَّه مكفوفٌ عنهما بحِجابٍ من ثقافته التي نشأ فيها وليدًا، واستمرَّ حتى شابتْ قرونُه) [رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (ص: 78 - 79)، وينظر للتفصيل في هذه القضيَّة: ((أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها)) لعبد الرحمن بن حبنكة الميداني، ((المستشرقون والإسلام)) لمحمَّد قطب، ((الرد على مزاعم المستشرقين)) لعبد الله بن عبد الرحمن الخطيب، و((الاستشراق وموقفه من السُّنَّة النبويَّة)) لفالح بن محمد الصغير، وغيرها].
وإليك أهمَّ المؤاخذات على مايكل كوك في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفِكر الإسلامي: - فمِن هذه المؤاخذات: القصور الشَّديد والاختزال في البَحث عمومًا، وفي عرْض الموضوع في القُرآن والتفسير والحديث وعند الحنابلة خُصوصًا؛ ذلك أنَّ المؤلِّف اقتصر على البحث المعجمي عن عِبارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد اعترِف المؤلِّف نفسه بهذا القصور، حيث قال (ص: 27): (ولم أعتنِ إلَّا قليلًا بالمادَّة التي لا تتضمَّن أيًّا من العِبارتين [الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر]. وهكذا فإنَّ تطلعاتي المبنيَّة على أساس مبدئي سليم لم تخدمْها بوجهٍ مُرْضيٍّ طريقتي العمليَّةُ القائمةُ على البَحث المعجمي). ثم يقول (ص: 28): (ولا أحسَبُ أنَّ أحدًا سيُفاجأ إذا اكتشف محدوديَّةَ إنجازي في هذا المجال، وهي تعود أحيانًا إلى محدوديَّة معرفتي؛ فما كنتُ مثلًا، سأُنهي هذا الكتاب قط، لو لم أقتصرْ عند قراءتي لكتابٍ ما على الفصل المخصَّص فيه للنَّهي عن المنكَر - وذلك يَعني بالتَّحقيق أنَّه ربما فاتني اكتشافُ ملامحَ أخرى، من المصادر ذات الصِّلة بموضوعي). وهذا أدَّى به الخَطأ في استخلاص النتائِج المتوصَّل إليها، وإعطاء تصوُّر غير دقيق، ومخالِف لحقيقة الأمر.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله (ص: 54): (مَن تستهدف الفريضة؟ الآية الوحيدة التي توضِّح ذلك هي الآية 157 من سورة الأعراف، حيث يأمر الرسول النبي الأمي ويَنهى الذين اتَّبعوه؛ لا نجِد حالةً واحدة يظهر فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجَّهًا إلى شخص معيَّن، أو إلى أشخاص معيَّنين، ولا توضِّح الآيات هذا الأمر بوجه عام).
وقوله (ص: 57): (باختصار لا يُقدِّم لنا القرآن إلَّا القليل عن فريضة النَّهي عن المنكر، في ما عدا التسمية طبعًا). ثم يُكرِّر الشُّبهة نفسها لكن عند المفسِّرين، حيث يقول (ص: 65): (أمَّا عن المستهدفين بالأمر والنهي، فإنَّ المفسرين كالآيات نفسها، يُقدِّمون نزرًا يسيرًا. وفيهم من ذهب إلى أن مفعول (أمر) هو (الناس) -وهو مفهوم لا يخلو من غموض). وهو زعْم باطل ناشِئ عن الضَّعف والمحدوديَّة في البحث، إنْ لم يكُن ناشئًا عن سوء نيَّة؛ للطعن في القرآن الكريم، وهو هنا لا يُحسِن فَهم دلالات اللُّغة العربيَّة، وما يُعرَف بحذف المعمول للدَّلالة على العموم. وهذه بعض الآيات التي تتحدَّث عن النهي عن المنكر، ولم يذكرها المؤلِّف ولم يتعرَّض لها، ولا لِمَا ذكره المفسِّرون عنها: قوله عزَّ وجلَّ: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 116، 117] وقوله جلَّ شأنه: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41]. وقوله تعالى عن نبيِّه شعيب: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88] وقوله تعالى عن نبيِّه صالح: {قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ} [هود: 62]. - كما لم يتطرق المؤلِّف إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر عند الأنبياء والمرسَلين قبل نبيِّنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا احتسابهم على أقوامهم، مع أنَّ القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة قد اشتملَا على كثيرٍ من أخبارهم في ذلك، ومِن ذلك: إنكار نوح عليه السَّلام على قومِه واستخدامِه شتَّى الوسائل في أمْرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكَر، واحتساب إبراهيم عليه السَّلام وتكسيره الأصنام بيدِه، واحتسابه على أبيه، وإنكار موسى عليه السلام على فِرعون، وكذا بقيَّة الرسل عليهم الصَّلاة والسَّلام، ممَّا فيه تفصيلٌ لهذه الشريعة العظيمة، ولآدابها، كما يَحتوي على أصول واستنباطات جليلة القدْر.
في البداية أحب التوضيح بأنني لم أقرأ الكتاب كاملاً ؛ قرأت الفصل الأول (المدخل) والثاني (الحنابلة) وبعض الرابع (الفرق الأخرى) والفصل الأخير (العصر الحديث, واجتزت البعض لأنني لم أحتجه فعلاً إنما أردت تكوين صورة مكاملة للمفهوم في عقلي. الكتاب بشكل عام جداً رائع, يعيبه عدد صفحاته الكثيرة, والتي كانت لكثرة الهوامش والمراجع في الكتاب, فأعتقد بأن الكتاب يمكن حصره في 350 صفحة كمادة, أي بدون الهوامش والمراجع وإلخ
إن هذا الكتاب للمؤلف والمستشرق أستاذ قسم دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنستون، "لا يمثل وحسب استقصاء واسعاً وشاملاً للتجربة الإسلامية في رؤية العالم والدور والمسؤولية فيهما وعنهما من جانب المسلمين، بل هو أيضاً قراءة عميقة ومستوعبة لروح الإسلام كله، من منظور إشكاليات المسؤولية بين الدولة والمواطن في التجربة العالمية المعاصرة". وإن الإشكالية التي يطرحها هي "إشكالية المواطنة المعاصرة والتي تقول بحق الجميع في المشاركة والمحاسبة والمراقبة لمسائل الشأن العام، والإسهام في تحقيق الخير العام، والتدخل من أجل التصحيح والتغيير. وهو يرى أنها توافرت وبعمق ديني وأخلاقي في التجربة الإسلامية الكلاسيكية بسبب إصرار المسلمين عليها وما تزال لها تأثيرات في الإسلام الحديث والمعاصر، ولدى سائر الفرق والمذاهب".
اعتمد المؤلف في بحثه القيّم والشامل لهذا الموضوع، على عدد من مكتبات البحث في بلدان عدة، كمكتبة المتحف البريطاني، ومكتبة جامعة ليدن، ومكتبة الدولة في برلين، ومكتبة الفاتيكان، والمكتبة السليمانية في اسطنبول، ومكتبة الأسد في دمشق، كما على"مجموعة المخطوطات الإسلامية الرائعة في مكتبة فايرستون في برنستون".
تتبع الباحث مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في النص القرآني، ثم في نصوص المفسرين الأوائل، وفي الأحاديث النبوية، وفي سلوكيات المحتسبين المتميزين الأوائل. كما أنه غاص في تجليات هذا المبدأ في التجربة الكلامية والفقهية الإسلامية، اهتم "بالإمام أحمد بن حنبل وحركته الدينية الاجتماعية والسياسية، ثم بالحنابلة في بغداد ودمشق، ملقياً ضوءاً على خصوصية ابن تيمية ثم الوهابية والدول السعودية الثلاث حتى السبعينات من القرن العشرين"، ومن ثم بالمعتزلة وأصولهم الخمسة، والزيدية والإمامية والحنفية والشافعية، ثم أنهى قراءة المرحلة الكلاسيكية بفقرة متميزة عن الإمام الغزالي.
كما بحث في هذا المبدأ من خلال التطورات الحديثة لدى السنة والشيعة، وبحث في "شيء من الخفر والتردد" إمكانية تأثيره في ظهور الأصوليات الإسلامية المعاصرة. ينتهي البحث "بعقد مقارنات بين الجاهلية والإسلام فيما يتصل بالمسؤولية الاجتماعية ودوافعها، ثم بين المسيحية أو المسيحيات في القديم والحديث من جهة، والإسلام من جهة ثانية".
تتضمن هذه الدراسة الشاملة والمعمقة أيضاً، ملحقاً بأهم الآيات والأحاديث، وملحقاً آخر عن رؤية ابن العبري لمبدأ النهي عن المنكر، إضافة إلى فهرس بالمراجع والمصادر
بغض النظر عما إذا كان قارئ هذا الكتاب يوافق مؤلفه في كل أو بعض ما ذهب إليه، خصوصا في الفصل الأخير منه والذي ذكر فيه المؤلف رؤيته الشخصية لموضوع الكتاب بخلاف بقية فصول الكتاب التي كانت نوعا ما رؤية موضوعية ودراسة أكاديمية، فإن القارئ للكتاب ليذهل من حجم الجهد الذي بذله المؤلف في تتبع مصادر البحث وحجم الأمانة التي تحلى بها لدرجة أن يذكر بالأسماء ليس من أعاره كتابا أو ساعده للحصول عليه فقط، بل حتى من أشار عليه بمطالعة كتاب معين ذَا صلة بموضوع البحث كما أن الشكر ينبغي أن يكون للمترجمين الذين بذلا جهدا استثنائيا لدرجة أن يظن القارئ أن الكتاب كتب باللغة العربية ابتداء وليس مترجما وأخيرا، من المعيب ألا تذخر مكتبتنا العربية بكتب لمؤلفين عربا فيها هذا الحجم من الجهد
الكاتب جاهل في الفقه الاسلامي ولديه تصور ان الاسلام بدا مثل المسيحية مالقيصر فهو لقيصر وما لله فهو لله وقسم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ثلاثة أقسام القسم الاول احمد ابن حنبل وانه لا يتدخل في أمور الناس وأفعالهم ثم القسم الثاني ابن تيمية وانه تبنا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر جهارا بين الناس قولا ولم يطبقه عملا ثم القسم الثالث محمد ابن عبدالوهاب حيث طبقه قولا وعملا ولأنه جاهل بالكتاب والسنة والشريعة ظن ان هؤلاء ابتدعوا طرقهم الخاصة وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وكونه فريضة على كل مسلم حسب استطاعته ولان ما بني على باطل فهو باطل فلن يجد من يريد الاستفاده والبحث عن الجديد فيه شيء مفيد
يدعونا هذا الكتاب -هامشه قبل متنه- إلى كثير من التواضع. لا أعلم من أين أبدأ في الحقيقة، ولكن الحديث عن المؤلف قد يبدو فكرة حسنة. تواصلت مع المؤلف مرتين. مرة من خلال الزوم فترة كورونا، ومرة أخرى قبل أمس. كان اللقاء الأول هو مناقشة لكتابه هذا، وحيث أني لم أجرد كله في ذلك الوقت ، قررت قرائته مرة أخري لتقييد فوائده والتفكير مرة أخرى. وهذا ما جعلني أتراسل معه عبر الايميل ، ورد علي عقب ساعة، مشكورا. بعد هذا العمر كله في التحصيل والدأب، لا يزال يرد بنفس التواضع.
حسنا، فيما يتعلق بالكتاب. لقد سبرت هذا الكتاب الموسوعي في أسبوع عاكف عليه متأملا تارة، وجاردا له تارة أخرى. إن الرجوع الى تعليق سلمى هنا مفيد فيما يتعلق بالتصوير الأولي للكتاب، وكذلك تعليق أحمد مفيد من زوايا أخرى.
حاول المؤلف الموازنة بين النظرية والممارسة، متمسكا بمعايير لفظية وسياقية في الأدوات، ومذهبية في الاستشهاد والتحليل. غياب جيل الصحابة أفقده كثير من التحليل المفسر للمدارس التالية لهذا الجيل، ؛ نعم أحاط ببعض الشذرات ولكن استمساكه بالمعايير المحددة ، قلصت كثيرا من القدرة على التنبؤ.
إذا كان لدينا شخصين هما الركنين الأساسين في هذه الموسوعة فلا يخالجني شك أنهما الامام أحمد - في جانب الممارسة، والغزالي في جانب التنظير والتفلسف حيث أثرا ولا شك في جميع الحقب والمدارس التي أتوا بعدهما.
المسكوت عنه او الغائب مهم بقدر المكتوب والحاضر: نجد ان المنكرات الشائعة كانت تدور حول ثلاث امور الخمر واللهو والغناء بشقيه الادوات والصوت. ثم بعد ذلك افعال الحاكم نفسه و العورات والنساء. ولكن اين ذهب النزاع الطويل بين اهل البدع والباطنية ؟ يجيب المؤلف بجوابات تحتاج الى إحكام ، لعل أكثرها وضوحا هو نخبوية هذه المواضيع في مقابل المواضيع الأخرى إن هذا الكتاب بحاجة الى زيادات قانونية وسياسة تبين هذه المعضلة التي حاول أن يبرزها الكاتب.
في الأخير ، هذا الكتاب بحاجة الى جلسات نقاشية في أقسامنا العلمية في جامعتنا: يتعلمون منه : ، تعاونه الزملاء ، الوصول للمعلومة، الاعتراف بالفضل، التوقف في بعض المسائل، الاستقراء التاريخي نقودات في محلها، مثل نقده لطبيعة تعامل السبت في كتابه عن شروط وجوب الستر، او حقوق اصحاب المعاصي وأهم من ذلك كله: التواضع المعرفي، والدأب في التحصيل.
This is definately a scholarly, erudite, and well-documented work with tidbits of insights on the nature of the pre-modern Islamic cultural world.
I am currently on the chapter on the Hanbalites of Najd.
The best chapter so far is the one on Ibn Hanbal himself. It is rich in biographical and close to the streets of Baghdad details.
The comparisions between the Ibn Hanbal, the Hanbalites of medieval Baghdad and those of Damascus were also quite enlightening. The main object of analysis is what can explain the activism/passivism of these communities in there respective locales and time periods.
Here is my question - why do the Hanbalites get four separate chapters, while the rest of the schools only get one each - unless you count the Ghazali chapter as part of that of the Shafites? This is especially significant given the fact that in comparison to the Hanafis and Shafi'is, they were institutionally quite marginal.
رغم ما فيه من الملاحظات لكون المؤلف من المسشترقين، إلا أنه كتاب مذهل يبهرك حجم الجهد الذي بذله المصنف في جمع المعلومات وسرد الأحداث وترتيبها لتصبح من أهم الكتب المصنفة في المكتبة الإسلامية في هذا المجال. فقد جمع كل ما كتبه المسلمون وغير المسلمين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحلل تحليل دقيقا. والباحث الجاد يمكن أن يأخذ هذا الكتاب نموذجا للبحث العلمي المتقن.
I don't know how you rate what is essentially a textbook, so I just gave it five stars. Cook spent more than a decade searching old Arabic books and monographs and then writing one of the most painstakingly thorough analytic works I've ever come across. He deserves five stars for that.
The bottom line is that this volume is for academics and serious students of Islamic philosphy. A casual reader will find little that is understandable and still less that is very interesting. But for readers with a strong grasp of the history of Islamic thought, Cook's tome could very well be rewarding.
الكتاب رائع، فهو يستعرض مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لدى جميع المذاهب الاسلامية القائمة اليوم سواء الأصولية أم الفقهية، وهو يقارن أيضاً بين المفهوم النظري والتطبيق العملي لدى كل مذهب. الكاتب أمريكي وهو خبير ومتخصص في الفكر والتاريخ الاسلامي، ولذلك هو يستعرض المفاهيم في سياق تاريخي غير ممل. الكتاب ضخم لكن نصفه هوامش، لذلك ستكون قرائته سريعة، كما أن الترجمة ممتازة.