رغم أن الكتاب يعالج مشكلة محدودة في الزمان والمكان، حيث يعالج التخوف من عودة الديكتاتورية إلى الجمهورية الفرنسية في حال تحرر الجزائر، وعودة الجيش الفرنسي إلى وطنه؛ إلا أنه يحوي العديد من المعلومات المفيدة حول عموميات الفكرة.
وربما ما كان ينبغي لي قراءة هذا الكتاب، لأنه جعلني أزيد من تأكدي السابق حول أننا كلنا طغاة ولكننا ننتظر الفرصة المناسبة. فجاري أبو ماهر، ورغم أنه أمي لا يفك الحرف هو ديكتاتور، لأنه يشغل مضخة المياه ذات الصوت الشادي من منتصف الليل وحتى ما قبل الظهيرة، مما يحرمني النوم ليلاً. بينما يتابع الدكتاتور جاري أبو خليل ما بدأه أبو ماهر حيث يشغل مولدة الكهرباء، ذات الصوت العندليبي مما يحرمني النوم نهاراً. جيراني يلي فوق بيتي مباشرةً دكاتير (جمع مؤنث وغير سالم)، لأنهم يحرموني من القراءة والنوم في آن، رغم أنني لا أعرف ماذا يفعلون، ولكن من الأصوات التي اسمعها أعتقد أنهم يشكلون فرقة جديدة للدبكة، وتستمر تدريباتهم من التاسعة والنضف صباحاً وحتى مثلها مساءً.. بقال حارتنا دكتاتور، جوزة عفواً زوجة جارنا دكتاتورة.. الفران بحارتنا.. الموظف الحكومي أثناء أدائه لواجبه الوطني (وربما خارج الدوام أيضاً، ولكني غير متأكد)، مختار ضيعتنا منذ تسلم توزيع الغاز والمازوت، الدكتور المشرف على رسالتي بالدكتوراة (والتي لم أتابعها) و.. و.. و.. كلهم دكاتير. ولذلك بسبب ديموقراطيتي أعتزلت العالم.
ومن المفيد أن تعرف أن الكاتب ركز أكثر من مرة على نوعين من الدكتاتوريات، هما الدكتاتورية الرجعية، والدكتاتورية الثورية. وهذا سمح لي بتفسير أن معظم ما يحدث في عالمنا العربي، على مستوى كل دولة وعلى مستوى الدول وبل حتى على مستوى الأفكار (إن وجدت)، ما هي إلا صراع بين هاتين الدكتاتوريتين، وليس بينهما أدنى نوع من الدمقرطة (اشتقاق جديد امتلك براءة اختراعه).
وحتى لا اتهم بأنني لا أفكر إلا على المستوى الإقليمي، فدعني أخبرك أنه حتى أمريكا، بلد الحريات، ديكتاتورة، فهي تمارس بعض الديموقراطية في داخلها، أما على صعيد السياسات الخارجية فهي دكتاتورة بامتياز..
كل هذا اكتشفته من تعريف مونيسيكو للدكتاتور: "هو ذاك الذي يقطع شجرة ليقطف تفاحة". وهذا هو السبب الحقيقي أن نسبة الصحراء في الوطن العربي حوالي 70%، منذ أن بدأ آدم بأكل التفاح...