دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلام، وهذا الكتاب هو استمرار لجزء من كتاب سبق نشره منذ أعوام للمؤلف نفسه تحت عنوان ((العرب وتوازن القوى في القرن الحادي والعشرين))، وهو دراسة استشرافية لواقع القوى العظمى في التسعينيات، وقد انطلقت تلك الدراسة من افتراضات نظرية معينة تذهب الى وجود ثوابت ومتغيرات في السياسة الدولية، والثوابت هي ما أطلق عليه المؤلف (قوانين التاريخ) وهي عبارة عن استنتاجات متكررة طوال التاريخ، لا تمتلك الدول تغيير كنهها لكنها تستطيع استخدامها في أثناء تعاملها الدولي. ويرجح الكاتب أن نجاح السياسة الخارجية لأية دولة يعتمد على مقدار فهمها لهذه القوانين التاريخية ومدى قدرتها على التعامل معها. وغاية هذه الدراسة أكاديمية وسياسية، فهي محاولة لوضع دراسة علمية أكاديمية تتناول ظاهرة سياسية مهمة، ومحاولة لخدمة السياسة العربية ولفت عنايتها الى أهمية تحليل هذه الظاهرة، وقد بدا للمؤلف أن بعض حالات فشل السياسة العربية تعود الى عدم ادراك أهمية التوازن الدولي.
يشرح الكتاب نظرية توازن القوى وأنواع توازن القوي بين الدول. يسرد الكاتب أحداث تاريخية لتدعيم فكرة توازن القوي في الحرب والسلام. يحتوي الكتاب علي بعض الدروس المفيدة في عصرنا. مثلا خروج العراق من توازن القوي الإقليمي أدي لمشاكل كثيرة. فعدو الأمس من الممكن أن يكون حليف اليوم إذا تم دمجه بصورة صحيحة في النظام الحالي. والسلام لا يأتي عن طريق تدمير دولة قوية في توازن القوى طبقاً لمفهوم ميترنيخ.
ولكن بخروج العراق من توازن القوي أدي ذلك لنشئة توازن قطبي بين معسكرين في الإقليم توازن يرى الكاتب أنه غالبا يؤدي إلي حروب. وهو ما يحدث بين المعسكر الإيراني والمعسكر السعودي.
الكتاب يلفت النظر لبعض الكتب والمراجع المهمة وبعض الكتاب المؤثرين في السياسة مثل هنري كيسنجر ومثل هانز مورغنثاو وبعض الأحداث التاريخية المهمة مثل ما يطلق عليه القرن الدبلوماسي في أوروبا بعد هزيمة نابليون.
يساعد الكتاب أيضاً علي فهم دور أوروبا الحالي كصانع التوازن بين أمريكا والصين أو أمريكا وروسيا. دور يبدوا أن أوروبا تريد لعبه وهي قادرة عليه بحكم الخبرة الديبلوماسية العريقة لديها.
أعيب علي الكتاب تقيمه لبعض الأحداث بصورة مشبعه بنظرية المؤامرة الغربية علي دول الشرق مثل أحداث 11 سبتمبر وطيارة لوكيربي ورؤيته لدولة ليبيا القذافي علي أنها قطب ضد سيطرة أمريكا في الشرق بينما هي كانت مجرد شبه دولة يحكمها مخبول.
الكتاب قلل من قدرة روسيا علي النهوض مجدداً بعد يلسين بينما الأن لا أحد ينكر قوة روسيا وطموحها في إستعادة مجدها السابق. ولكن من الممكن بعد بوتين والمشاكل الإقتصادية المتراكمة تتراجع قوة روسيا. تراجع إن حدث سوف يضر بالسلام في العالم لأن السلام طبقا للكاتب يصنعه توازن قوي متعدد الأقطاب.
في المجمل كتاب مميز وأنصح بقرائته والإستفادة من دروسه.