"زغاريد الموت" رواية جديدة للأديب الروائي المغربي "عبد الكريم جويطي"، ارتكز فيها على التاريخ، لينسج من تلافيفه رواية تحكي قصة نضال شعب أبى أن يستسلم في رحلة البحث عن وجوده وكيانه واستقلاله.
فمن خلال شخصيات وأحداث ومحطات متعددة يستحضر الروائي - تاريخ المغرب العربي - في مشهد يتداخل فيه السياسي مع الديني في إطار مركب يحيكه بنسيج درامي - إنساني متشابك مع زمن الرواية أحداث 1916 في المغرب العربي وبداية حرب الجبل مع المستعمر الفرنسي ومقاومة القبائل: "شاهرين صدورهم في وجه الرصاص المنهمر. إنهم يدركون بأنهم لن يصلوا عدوهم أبداً بخناجرهم ومداريهم وطلقات بنادقهم التي لا تتجاوز أعراف خيلهم".
في هذه الرواية أراد المؤلف أن يرمز إلى سيطرة الاعتقادات الدينية والماورائيات على عقول الناس وأذهانهم في تلك الفترة من الزمن والتي لا زالت آثارها باقية حتى عصرنا الراهن، وهي الاعتقاد بأن الولي هو الذي سيغير حياتهم، وتشبثهم بالزيارة حتى لو كلفتهم هذه الرحلة إلى المجهول حتفهم: "إنه توق إلى ما وراء مدهش وسعيد، يغذيه باستمرار الدين والثقافة والشعائر الاحتفالية المرافقة لاندفاعهم (...) لقد جعل اللاتكافؤ الكبير بين المدفع والخنجر الحروب أعراساً مريرة للدم، وهذياناً للغرائز الوحشية الأكثر عتمة...".
وهنا تتلازم الرغبة في البقاء مع محاولة اكتشاف القدرات الغيبية والخفية للجدود والأولياء: "هناك في القبة المعلقة بين السماء والأرض، رغم ضعف أكثر من ضعفه، وعذاب وخوف كعذابه وخوفه، لم يستطع أن يقاوم رغبته في اختبار قوى الجد الخفية، وشهادة الصياغة الملغزة التي سيعدل بها مصير أحفاده القاسي (...) فأدوا شعائر لقائهم بالولي غارقين في وقار كئيب. وأخذ منهم البواب، وباقي خدام القبة حق الزيارة، وتركوهم يبللون بدموعهم غطاء القبر ويتلون مطالبهم الكثيرة والتي تفترض الاستجابة لها من طرف الولي ببساطة تغيير العالم".
"زغاريد الموت" شهادة جديدة على اجتهاد كاتب روائي موهوب يكتب بأمانة وحسٍ نقدي جذري للواقع وتعليق عليه ليكشف للقارئ صفحات من ماضي ولى، وحاضر ما زال يحتضر، وهكذا نرى أديبنا دائماً، يجدد في عمله، ويأتي جديده واضحاً وكثيفاً ونوعياً في آن.
كاتب ومترجم مغربي. صدرت له أعمال روائية، من بينها: "ليل الشمس" (1992)، و"زغاريد الموت" (1996)، و"زهرة الموريلا الصفراء" (2002)؛ و"كتيبة الخراب" (2007)، و"المغاربة" (2016). كذلك له ترجمات سردية من الفرنسية من بينها "الموريسكي" لـ حسن أوريد، و"نظافة القاتل" لـ آميلي نوثومب.
بدأت في هذه الرواية منذ مدة طويلة، لكني لم أكملها بسبب قسوة بدايتها تبدأ هذه الرواية بمشهد دخول المستعمر الفرنسي إلى بني ملال، كعادة كل مستعمر، يدخل الفرنسيون مدججين بأعتى الأسلحة والعدة مقابل المُستعمَر عاري الصدر، شامخا بكرامته شاهرا روحه للشهادة. لم تكون بنو ملال هي المكان الوحيد الذي حدثت فيه وقائع النص، بل كانت الجبال بكهوفها الموحشة، بنباتاتها وأشواكها مِمّا جعل البيئة تتفاعل مع الإنسان وتقف شاهدةً على كل شيء. لغتها شعرية جدا هذه الرواية، أحيانا للدرجة التي لا أستطيع منها فهم ما حدث وما يحدث بالضبط، لكنها لغة لا تكاشف، تظهر ضبابية الصورة أحيانا وضبابية المشاعر في كل شخصية وضبابية العلاقة بين الشخصيات، جاءت هذه الضبابية منسجمةً مع بدايات الاستعمار وما يحدثه من تصدعات في المجتمع الواحد وفي البيت الواحد.