الأستاذ عبد العزيز حمودة، أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، له قيمة نقدية كبيرة في الوطن العربي. أحدث زلزالا ثقافيا مدويا بتدشينه ملامح نظرية نقدية عربية حديثة في ثلاثيته: المرايا المقعرة، المرايا المحدبة والخروج من التيه والتي نشرت في سلسلة عالم المعرفة عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت.
ولد عام 1937م بقرية دلبشان مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية بمصر وتلقى تعليمه الأولي بمدينة طنطا، ثم التحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة القاهرة حتى تخرج عام 1962م ليبتعث إلى جامعة كورنيل الأمريكية للحصول على درجة الماجستير في الادب المسرحي عام 1965 ثم حصل على الدكتوراة من نفس الجامعة عام 1968م، وعاد إلى جامعة القاهرة ليعمل بتدريس النقد والدرامل والأدب المسرحي.
تدرج في عمله الأكاديمي حتى تم اختياره عميدا لكلية الآداب عام 1985م وحتى يوليو 1989م ثم عمل مستشارا ثقافيا لمصر بالولايات المتحدة الأمريكية وبعد العودة عمل بكلية الآداب ثم تولى رئاسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا حتى توفي سنة 2006م عن عمر يناهز الثامنة والستين.
هل حاولت مرة أن تَتتبّع كيف استقر كتاب ما بين يديك؟
هذا الكتاب قمت بتنزيله بالخطأ بدلاً من كتاب "المرايا المقعرة"، الكتاب الذي أردت تنزيله بسبب اقتباس منه جاء في مقال كانت كاتبة أخرى قد أشارت له في مقال آخر! وهكذا استقرت النسخة الإليكترونية بين يداي دون قصد
المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك
عنوان يثير القلق حقاً، لا أدر إن كنتَ قد تعّرضت لهذا النوع من الكتب أم لا؟ إنه ذلك النوع الذي يعرض موضوعاً جديداً تماماً عليك، ولكن بتفاصيل لا تفهم أكثرها، فيخالجك شعوران: الأول الامتنان للصدفة التي قادتك له، والثاني الحنق لأنك عبثاً تحاول أن تفهم، فلا يجانبك الكثير من النجاح، رغم ذلك تنجح في إنهائه وقد تكللت قراءتك بفهم السياق العام .. تقول لنفسك: لم يكن الأمر سيئاً أبداً!
كنت قد قابلت هذا النوع من الكتب عند قراءتي لكتاب: نظرية الفوضى، كان مدخلي لنظرية الفوضى، وعلى الرغم من عدم فهمي للكثير من النظريات الفيزيائية، إلا أنني تعلمت منه الكثير، هذا هو حالي بالضبط مع المرايا المحدبة ، وجاء التقييم مطابقاً أيضاً أعتقد أن تقييمي كان سيرتفع لو كنت متخصصة في هذا المجال
ما الذي يمكنني قوله عن هذه المرايا المحدبة؟
لنبدأ بالكاتب، د. عبد العزيز حمودة -رحمه الله- كان أستاذاً للأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة، مراياه المحدبة يعتبر كتاباً متخصصاً يناقش بالتحديد مذهبين من مذاهب النقد الأدبي الحداثية؛ البنيوية والتفكيك، ونظراً لبعدي التام عن النقد الأدبي ومذاهبه وجدتني أضرب أخماساً في أسداس عند الثنائيات التي جاءت خلال المناقشة: الداخل والخارج، الدال والمدلول، الحضور والغياب وغيرها! أما لماذا أكملته رغم هذه الصعوبات؟ لأن الكاتب من البداية أوضح الهدف من هذه المناقشة، هو لا يستعرض فقط هذه المذاهب بل يهدف إلى ما هو أبعد من ذلك.
لنبدأ .. ما هو الغرض من النقد الأدبي؟ النقد هو فن إضاءة النصوص، أي لفت إنتباه القاريء لجوانب الجمال التي لم يلتفت لها في الشعر أو الرواية، وهذا يستتبع أن يكون القارئ قادراً على فهم هذا النقد والاستفادة منه ولكن ما أوصلنا إليه النقاد العرب عن طريق تقليدهم لمذاهب النقد الغربية سواء البنيوية أو التفكيكية هو: حجب النص
يعرض د. عبد العزيز مثالاً للمذهب البنيوي الذي استخدمه الناقد كمال أبو ديب لنقد معلقة امرئ القيس بإيراده الرسم "التوضيحي" لنقده، ويعلق عليه قائلاً: يقف الإنسان في ارتباك أمام تلك الدوائر محاولاً فك طلاسمها، وتثور في الذهن اسئلة مقلقة: أين القصيدة من كل هذا؟ ثم هل تحولت رائعة امرئ القيس إلى ذلك الطلسم الذي يلفت الأنتباه إلى نفسه أولاً وأخيراً؟
ملحوظة: المفترض أن هذا الرسم "توضيحي"، فما بالك بالكلام؟
الحقيقة أن هذا الطلسم المأساة يُلَخّص كل شيء.. كيف؟
أولاً اختفى النص الأدبي تماماً وراء هذه الطلاسم وبتعبير د. عبد العزيز: تم حجبه
أنا كقارئة لم أفهم شيئاً على الإطلاق! مع أن المفترض أن يجعلني النقد أكثر فهماً
هذا الطلسم الهدف منه هو جذب الإنتباه، أن يُصبح النقد الأدبي عملاً إبداعياً ينافس العمل الأدبي الأصلي، أصبح النص النقدي "غاية" في حد ذاته وليس وسيلة لإضاءة النص الأدبي، هذا ليس استنتاجاً بل هو اعتراف لكثير من هؤلاء النقاد أنفسهم، هم لا يخفون طموحهم بالقبول النهائي للنقد باعتباره أدباً، بل أصبحت هناك دراسات نقدية للنقد! يمكن القول إذن أن النقاد أصبحوا يخاطبون أنفسهم وأصبحنا نعيش في عصر نقد النقد.
ذكرني موضوع الكتاب بتساؤل عندي يتردد عند مطالعة أي رواية هو: ما هو مقصد الكاتب؟ وجدت لدهشتي الشديدة أن هذه المذاهب تنادي ب"موت المؤلف"، والمناداة بما يسمى: "انتفاء القصدية"، يعني نقرأ النص كوحدة مستقلة تماماً عن الكاتب، لا تبحث فيه عن مقصد الكاتب، عن ظروف الكتابة، كيف؟ لا أدر! يلخص أحد النقاد هذا الموقف بعبارة بليغة جداً: إن مولد القارئ يجب أن يعتمد على موت المؤلف
الأنكى أن هناك من نادى بموت النص أيضاً! فالقارئ أو المتلقي هو الذي يصنع النص ويعيد كتابته، ليس مجرد اكتشاف له، النص إذن لم يعد نصاً بل بين - نص، ينتظر كل مرة قارئ جديد ليعيد كتابته، وهكذا لا يوجد "تعدد" في التفسير بل تفسيرات لا نهائية، لا يوجد معنى نهائي، هذه هي الفوضى التي يدعو لها المذهب التفكيكي
وبعيداً عن حجب النص وتفكيكه، وهي النتيجة الطبيعية عند محاكاة هذه المذاهب؛ فإن دكتور عبد العزيز يلفت نظرنا لأمر في غاية الأهمية:
النقطة الهامة للغاية أن هذه المذاهب النقدية تكتسب شرعيتها من المذاهب الفلسفية الغربية التي تأثرت بها على مدار مئات السنين، هنا يستعير الناقد العربي النظرية، يخرجها من تربتها ليزرعها في تربتنا المختلفة تماماً في تاريخها وتراثها الأخلاقي والديني، وتكلل المأساة عندما يحاول البعض تطبيق النظريات ليس فقط على الإنتاج الأدبي بل على النصوص الدينية المقدسة أيضاً! يقول د. عبد العزيز: إن الواقع الثقافي العربي يرفض أن تنسحب مظلة الحداثة، بمفاهيمها الغربية والمشاريع النقدية التي أفرزتها على النصوص الدينية بصفة محددة في محاولات لأنسنة الدين .. إذا كانت الثقافة الغربية بتطوراتها الفكرية عبر مئات لسنين قد قدمت شرعية ثقافية لهذه المحاولات، فإن واقعنا الثقافي غير مستعد للتعايش مع هذه المحاولات
وهذا في رأيي هو لب الكتاب، إن انبهار مثقفينا سواء كانوا نقاداً أدبيين، أو كُتاباً، أو صحفيين، أو أساتذة جامعة أو قراء مثل قراء هذا الموقع بالإنتاج الغربي في أي مجال، واللهاث خلفه وتقليده دون النظر إلى جذور هذا الإنتاج وسياقه الفلسفي والتاريخي، هو ارتماء في أحضان هذا الغرب بدلا من الانتقاء الذكي من ثمرات إنتاجه التي لابد أن يكون منها ما هو فاسد ولا يناسبنا، كما أنه تغييب كامل للعقلية النقدية ورفع لراية: "هو غربي، إذا هو على حق"
كانت رحلة مرهقة بين البنيوية والتفكيك والداخل والخارج (لم أفهم بعد إيه الداخل والخارج)، إلا أنها كانت ممتعة ومفيدة، وأتمنى أن أكمل الجزأين المكملين "المرايا المقعرة" و"الخروج من التيه"، ﻷن فشل النقاد العرب في الخروج بمنهج نقدي يلائم ثقافتنا وديننا يستدعي محاولة صياغة لهذا المنهج، وهذه هي محاولة د. عبد العزيز في هذين الجزأين على حد ما فهمت. ــــــــــــــــــ
أعدت تقييم هذا الكتاب بخمسة نجوم، لأن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر. كما كتبت كان تقييمي له منخفضاً منذ نحو أربع سنوات لأنه كان ينقصني الفهم لكثير من المصطلحات التي جاءت فيه، أما الآن فأجد أنني دون أن أشعر كنت مدينة طوال هذه السنين لدكتور عبد العزيز حمودة الذي مهد لي طريقاً لم أكن لأطرقه لولا كتابه.
يُعد هذا الكتاب دراسة لمظاهر النقد الذي انتجته الحداثة وما بعد الحداثة في الغرب وهما البنيوية والتفكيكية. يبدأ الكاتب بعرض النسخة العربية المشوهة من الحداثة وتأثير الكتابات الحداثية في النقاد العرب وتخاذهم لها منهج، يوضح الكاتب مدى تهافت المفكرين العرب ممن ادّعوا انتسابهم للبنيوية في الحين الذي تحجرت فيه البنيوية كنظرية في الغرب. نشأت هذه النطريات النقدية في الغرب بناءً على تداعيات كثيرة في الفكر الفلسفي وتطورات مختلفة مر بها الكفكرين الغربين للوصول إلى ما وصلوا إليه مما أدى إلى فجوة بينة حينما حاول المفكر العربي القفز فوق كل هذه التداعيات المشكِّلة للفكر الغربي وابتعادهم عن المشكلات الرئيسية العربية. في الفصل الثاني يتناول الكاتب الحداثة في نسختها الأصلية بالعودة إلى جذورها الفلسفية وتحولاتها الفكرية وما تمخضت عنها من نظريات نقدية متعددة، فيتناول كل نظرية بتلخيص سريع كتمهيد لما ستناوله في الفصلين اللاحقين. الفصل الثالث البنيوية وسجن اللغة. وعند الحديث عن البنيوية يرجع الحديث للغويات في بدايات القرن العشرين وكتاب سوسير وتأسيسه للبنيوية اللغوية حيث المحور الأساسي لكل شيء هو اللغة وأنساقها ووحداتها الداخلية وأن أي نص يتم تفسيره من داخله لا من خارجه، وقد تصادم هذا مع البنيوية الأدبية الماركسية وقولها بتفاعل النص مع البنى التحتية للمجتمع، أما البنيوية الأدبية الأخرى لا تختلف في كثير مع سوسير في قولها بانغلاق النص على ذاته وأنه يحمل تفسيره في داخله. يتناول الكاتب الأسس التي اتخذها البنيويين لبناء نظريتهم مع خلال توضيحه للبنية والنسق في شكله اللغوي وغير اللغوي (الأدبي) وتناوله للمشكلة الأهم التي هدمت البنوية وهي القصور عن إيجاد معنى أو عدم قدرة النص على الدلالة، وتناوله لإشكالية الخروج من سجن العقل إلى سجن اللغة، فقد تمرد البنيويون على فكرة الذات وحطموا القول بقدرة العقل لكنهم وضعوا المعرفة في سجن من نوع آخر وهو سجن اللغة. ثم يتناول فكرة الاستبدالي والتعاقبي ومن بعدها العلامة داخل النسق البنيوي، ويختتم هذه الدراسة عن البنوية بفصل نقدي في تحليل لماذا لم تستطيع البنيوية تقديم حل يجعلها تستمر؟ وكان هذا بداية تمهيد للمرحلة اللاحقة من الفكر النقدي الغربي بتناوله للتفكيكية وهي النقيض من البنوية. يضع الكاتب عنوان لهذه الدراسة وهو: التفكيك والرقص على الأجناب، ويمثل هذا العنوان مدخل جيد لفهم غرض التفكيك. في البنيوية كان النص منغلقًا على ذاته لا يتأثر بأي عامل خارجه، أما التفكيك فيعتمد على لانهائية الدلالة حيث أن كل القراءات هي إساءة قراءة، فالنص هو نتاج للنصوص الثقافية الذي سبقته فيما يسميه التفكيكيون بالبينصية. بعد تناول الكاتب لجذور التفكيك وتطوراته وأهم أعلامه والأعمال الأولى فيه يتحدث عن أركان التفكيك كما حاول تبسيطها للقارئ، بداية بجدلية العلاقة بين المتلقي والنص وفكرة إعادة خلق القارئ لما يقرأه فيما يُدعى عند التفكيكيين ومن قبلهم البنيويين بموت المؤلف، وعلاقة اللغة والمعنى وتتمثل في وجود دال وغياب المدلول، وهي نظرية لا نهائية المعنى، فالمدلول ليس حاضرًا في اللغة بل هو يتحول إلى دال أيضًا، وسيتناول الكاتب في وقت لاحق ثنائية الاختلاف/الإرجاء، الغياب/الحضور وتبسيطها بشكل أكبر وتوضيحها في كتابات دريدا وخصوصًا في مؤلَفَيه: الاختلاف وميتافيزيقا الحضور، بعد علاقة اللغة يتناول أحد المصطلحات التفكيكية وهي ما يُدعى الميتالغة أو اللغة الشارحة، ومعها يتناول مفهوم الميتانقد وإصرار التفكيكيون على اعتبار النص النقدي هو نص أدبي إبداعي بحد ذاته وقد يخضع أيضًا للنقد التفكيكي، وبعدها يعيد التركيز على مفهوم البينصية والتأكيد على احتواب النص على ترسبات ثقافية ممتدة في القدم، فليس النص للمؤلف بقدر ما هو نتاج الثقاقات القديمة، كما أن القارئ يُعد أيضًا أحد عوامل البينصية بمدى ثقافته، فهذا ما سيحدد قراءته، وفي نهاية الفصل والكتاب يعيد الكاتب في تلخيص سريع للرؤية التفكيكية مع نقدها للمبالغات التي يتعمدها مفكروها وإبراز أن مصطلحاتهم هي تجليات مختلفة لآراء قديمة في أزياء جديدة، لكنه ينصفهم أيضًا في جانب فوضوية النقد بشرح نظريتهم في لا نهائية المدلول وربطها بالنظريات السابقة لهم.
كتاب شاق ومرهق كما هي عادة الكتب التي تتناول الفكري البنيوي والتفكيكي، لكنه ممتع مع ذلك لما فيه من تبسيط دون أي تسطيح لنظرياتهم وكتاباتهم وعصرهم.
الشيء الجميل الذي لمسته في هذا الكتاب هو قدرة عبد العزيز حمودة على التبسيط دون ان يبخس حق اي نظرية وخاصة ان الموضوع يتعلق بالفلسفة البنيوية والتفكيكية والتي تكون مرهقة بالحالة العادية!
أول رحلة معرفية لي في متاهات النقد الأدبي الحديث ، المجال الأدبي الحافل بالإثارة اللفظية، والتشويق الدلالي ، والغموض المعرفي . وتوفيرا لوقت القارئ فلا أنصحه بالولوج إلى عالم البنيوية والتفكيك عبر هذا الكتاب ذو الطابع الأكاديمي الصارم ، وإن ادعى المؤلف في مقدمة الكتاب بأنه نحى في تحرير موضوعاته منحى التيسير . وكأي قارئ مبتدئ فقد وجدت عسرا بالغا في استيعاب بعض الفصول، نظرا لطبيعة الموضوع الذي يعالجه الكاتب ، إذ يكتنفه الكثير من الغموض والتعقيد، هذا الغموض قد يبلغ أحيانا إلى درجة يستحيل معها الفهم ، باعتراف النقاد أنفسهم.
يتكون الكتاب من أربعة فصول ، وهي كالتالي :
الفصل الأول : الحداثة العربية الفصل الثاني : الحداثة الغربية الفصل الثالث : البنيوية وسجن اللغة الفصل الرابع : التفكيك والرقص على الأجناب.
في الفصل الأول استعرض الكاتب مذاهب الحداثة الأدبية (البنيوية والتفكيك) في نسختها العربية عبر مقولات أبرز دعاتها وسدنتها في العالم العربي ، (حكمت الخطيب ، وكمال أبو ديب ، وجابر عصفور ..) ثم كر على تلك المقولات بالنقض والتفنيد ، وأسس نقده على تبصير القارئ بحجم الهوة الفكرية التي تفصل المجتمع العربي الغارق في الفقر والجهل والأمية ، وبين المجتمع الغربي المترفل في حلل النعيم المادي والتقني ، ثم يخلص من تلك المقارنة إلى إتهام الحداثيين العرب بتضليل وعي الإنسان العربي ، عبر نشر العبثية في المسرح كما فعل توفيق الحكيم ، وإعادة قراءة الشعر الجاهلي على ضوء البنيوية التي تقوم على نفي القصدية ، وموت الشاعر ، كما فعل أبو ديب ، متناسين أن الحداثة الغربية ما هي إلا متداد طبيعي لحالة الشك والعبث التي سيطرت على أوروبا في خميسينيات وستينيات القرن الماضي بسبب سطوة العلوم التجريبية ، وتضاؤل حجم الإنسان أمام الوحش المادي الذي تفرد بصناعة المشهد ، ونحى الإنسان جانبا ، مورثا إياه الشكوك وعدم الثقة بذاته ، وهذا ما يتجاهله الحداثيون العرب عن عمد لتنفق سلعتهم في السوق العربية !
في الفصل الثاني استعرض الكاتب البنيوية والتفكيك في نسختها الأم ، عبر وصلها بتاريخ الفلسفة الغربية ، وأشار إلى حجم التغيير الذي طرأ على النقد ، حين خرج من عباءة الأدب ، والتحم بالفلسفة ، وكان نتيجة هذا الالتحام أن أصبحت الرؤية الأدبية النقدية رؤية شاملة للوجود ، بدل أن تكون رؤية مقتصرة على النص فقط ، ومن أطرف المقولات التي تؤكد هذا التوجه هي مقولة هيدجر السخيفة : (اللغة سابقة للوجود ) .
تأمل أخي القارئ حجم السخف والتناقض الذي تنطوي عليه هذه المقولة ، وكيف يعدها بعض المتثاقفين العرب عندنا ضربا فريد من الإبداع الفلسفي ؟!
في الفصل الثالث شرح المؤلف المنهج البنيوي وشرح مقولاته الشائعة على وجه مفصل :(النموذج اللغوي) ، (الثنائيات) ، (الدال والمدلول) ، ( مناطق الصمت والفراغ) ، ثم أسهب في نقد تلك المقولات ، تارة بالمواجهة المباشرة مع رموز البنيوية ، وتارة بالإستشهاد بمقولات نقدية ترجمها الكاتب عن خصوم البنيوية ، والمحصلة التي يستنتجها القارئ من تلك النقود هي أن قراءة النص الأدبي على ضوء النقد البنيوي يخلق فوضى عجيبة داخل النص ويجعل تحقيق المعنى أمرا مستحيلا . من أطرف ما وقفت عليه في هذا الفصل هو مطالبة البنيويين بتحويل النقد الأدبي إلى نص أدبي ، ليدخل هو الآخر في عملية النقد، فيصبح عندنا نقدا للنقد ، ثم يتحول هذا النقد الثاني إلى نص ، وهكذا إلى ما لا نهاية ، تبقى النصوص مفتوحة ، قابلة لكل القراءات ، وكل قراءة هي إساءة قراءة !
في الفصل الرابع ، وضح الكاتب كيف أن المؤلف قد مات في مرحلة البنيوية قبل أن يصل إلى مرحلة التفكيك ، فمقولة مؤت المؤلف التي نادى بها رولان بارت _الناقد الذي بدأ بنيويا وانتهى تفكيكيا_ ، ليست بدعة مستحدثة في استراتيجة التفكيك ، بل هي تحققت في البنيوية تحققا تاما ، كل ما في الأمر أن دريدا سيطبقها هنا على نحو أكثر عنفا وتطرفا ، وسيتحول القارئ إلى ثور هائج ، يرقص مع المؤلف على أجناب النص .
رائع رائع رائع! كان مرآة عادية صادقة، تعكس ما تقرؤه بصدق، ولم يقع في فخ المرايا المقعرة والمحدبة. أمسك بيدي في خفة وهدوء، وانتقل بين المفاهيم انتقالا تاريخيا منطقيا واحدا تلو الآخر. من البنيوية إلى التفكيك أحسن عبدالعزيز حمودة قراءة نصوص كل منهج، ولم يسئ قراءة كل من جوهرها وثغراتها كما قد تدعي التفكيكية.
كتاب أثار ضجة حين صدوره، يفضح ما يسمى بأدب الحداثة، كالبنيويين والتفكيكيين. باختصار يعتبر المؤلف أدبهم أكذوبة تعتمد على الغموض إلى حد جهالة المقصود من النص.
لم أنهِ الكتاب، قرأته لاعتقادي بأنه مدخل لدراسة البنيوية والتفكيكية لكن تبين أنه خلاف ذلك، الكاتب تناول الاستقبال العربي لهذين الاتجاهين -إن صح التعبير- وتطبيقه على النصوص العربية. لايخلو الكتاب من فائدة حتى مع عدم اطلاعي الجيد على الموضوع.
كان شيئاً عظيماً أن أنهي هذا الكتاب، وهو الأول من ثلاثية حمودة، بقدر صراعي مع المصطلحات والأسماء ، إلا أنني في المقابل كنت أتشبع بالأفكار العامة التي قصدها المؤلف. كان الفصل الأول من الكتاب شارحاً لفكرة المؤلف ومبرراته من تأليف هذا الكتاب، ورغم تعهد المؤلف بالتبسيط، إلا أن الصعوبة تكمن في ذات المصطلحين (البنيوية والتفكيك). كانت خطوة هامة من المؤلف أن يربط ما بين الأصول الفلسفية للمصطلحين وما استقرا عليه في علم اللغة، فهي متداخلات ومتاهات نظن أنه لا صلة لها ببعضها، إلا أن هذه تنبني على هذه. أرجو أن يكون الجزء الثاني، وهو المرايا المقعرة أخف وطأة.
يبدأ د. عبد العزيز كتابه بتناول الحداثة العربية كانعكاس لظلال الحداثة الغربية، وما ظهر عنها من مشاكل تاريخية المصطلح وصلاحية تداوله في الثقافة العربية، ذاك أن الحداثة الغربية كانت ولازالت نتاج مشوار فلسفي تاريخي فكري لدى أوروبا مهد الطريق لظهور العديد من المصطلحات اللغوية الجديدة، والتيارات الفلسفية المتطورة باستمرار، تلك التي لم يستطع المناخ العربي أن يتقبلها أو يفسح لها مكاناً ضمن ثقافته، فاختلاف الأمزجة الثقافية المولّدة للتيارات الفلسفية جعل من التفكيكية والبنيوية مثلاً تيارات غريبة على الذهن والتجربة العربية، حيث تطلعنا التركيبة الثقافية للحداثة لكل من التجربة الأمريكية والفرنسية على أن استيعاب مفاهيم وأدوات وأفكار الحداثة لا يتم إلا بالارتباط بالتجربة التاريخية معها، وليس باستقبالها في آخر مراحلها من بيئات مختلفة، كما فعل العرب.
إن إلقاء النظرة السريعة على مزاج الثقافة الأوروبية قبيل البنيوية مثلاً، يطلعنا على اعتبار أن الحقيقة الفلسفية الأدبية والحقيقة العلمية التجريبية ما هما إلا وجهان لعملة واحدة، كما أن تطور الفلسفية الأوروبية كان يتبعه دائماً النظر في النص الأدبي واعتبار حقائقه المدركة ضمن استراتيجية واحدة، فالفيلسوف الغربي كان لديه دائماُ ما يقوله حول قراءة الأدب، وبتطور المذاهب الأدبية في قراءة النص، أصبح لدى اللغة حقيقة ما ترسيها في الذهن الإنساني، أو زيف ما، حسب رؤية نيتشه، بالتالي الثقل الكافي لتكون فرعاً فلسفياً متفرداً، كما حمل النص الأدبي من كونه مجرد كلمات تشير إلى معان، إلى فضاءات من الدلالات تحتمل التأويل والإبحار في المعاني وتأثيرها على المتلقي، وحرية القراءة والكتابة لدى سارتر، ثم الظاهراتية وتوسع الدلالات بناء على ثقافة القارئ المسبقة حيث يسير القارئ مع ��لنص سيراً متوازياً يؤثر بعضهما على الآخر، انتهاء إلى النظر في النظام الكلي للنصوص الأدبية وفهمها اعتماداً على فهم غيرها، كل هذه السنين من البحث والتفلسف وخلق المصطلحات لا يمكن للعقل العربي أن يتجاوزها ليحصل على الثمرة ويقنع نفسه بامتلاك أسرارها، فحتى على مستوى المصطلح اللغوي، لن يجد العربي ما يعينه في لغته على ترجمة أبسط المفاهيم الفلسفية التي وجدت لتصف فكرة جديدة في ذهن فيلسوف أوروبي، فلكل مصطلح تاريخه، ولكل تاريخ جغرافيته.
أما تاريخ وجغرافية فرنسا، فقد مكنها من تطوير المنهج البنيوي في تحليل النص الأدبي: الوصول للمعنى الحقيقي والواحد للنص من خلال دراسة العلاقات بين أجزاءه، باعتباره نظاماً ثابتاً له عناصره، يمكن دائماً تحليله بالطريقة ذاتها، انبهار العالم بقدرات العلم انعكس على نظرته للنص الأدبي، فقد عامل النص على أنه آلة يمكن فهم آليتها بالبحث في العلاقة التي تربط بين أجزائها، جاعلين من اللغة الثابت الذي لا يتغير، والمؤثر الوحيد والأكثر قوة في الوصول للمعنى داخل نسقه الأدبي الخاص، فلا مكان لقصدية المؤلف ولا لثقافة المتلقي ولا لتاريخية النص، وبسبب آلية البنيوية في التفكير بوساطة اللغة ومن خلال اللغة وبالاعتماد على اللغة، أصبحت اللغة تقيد فكر القارئ وتسجن عقله ضمن مطالبها.
وكما كان للبنيوية مزاجها الثقافي الذي أنتجها، كان للتفكيكية مزاجها الذي جعلها مرحب بها في أمريكا، ولكن كحال كل أيديولوجيا وتيار نقدي ينتج من مزاج ثقافي معين، كان لا يمكن تطبيقه على النصوص الأدبية بشكل عام، ذاك أن لكل ثقافة مزاجها الذي قد لا يتوافق مع ذلك المزاج المنتج للتيار النقدي، أما المزاج الثقافي المنتج للتفكيكية فكان فلسفة الشك التي طالت العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والتمرد على النظام وعلى المفاهيم التقليدية المتحجرة حول اللغة والوجود، أنتج الاستراتيجية التفكيكية في تحليل النص الأدبي، تقول التفكيكية بلانهائية التفسير للنص الادبي، وبالعلاقة الصوفية المتوحدة بين المدلول العميق للنص وبين القارئ الذي سيفهمه، حيث يشكل أهم ركن من أركان التفكيك بمعارفه السابقة ومرجعياته الأدبية والثقافية التي ستعطي دائماً للنص شيئاً جديداً ليقوله، اعتماداً على التجربة الإنسانية المشتركة بين كل من الكاتب والقارئ، نعم! نحن في طريقنا للظاهراتية، حيث يسير كل من النص والقارئ سوياً مؤثرين ببعضهما البعض، وتغدو البينصية أهم من النص، والمدلول أهم من الدلالة، والحقيقة التي تنتظر دائماً قارئاً جديداً يكشف سترها وينجب منها الدلالات الجديدة.
متعة كبيرة حقا في أن تصل إلى أصعب كتاب تقرؤه كتاب نقدي يشرح البنيوية والتفكيك بشكل قريب إلى القارئ العادي ورغم التبسيط الذي انتهجه المؤلف إلا أن مادة الكتاب في حد ذاتها صعبة واضطررت إلى تلخيص أفكار البنيوية والتفكيك حتى أستطيع هضم المحتوى وفهمه ومن الرائع أن يعترف المؤلف أنه كان يشعر أيضا مثلنا بأنه لا يفهم الطلاسم التي يكتبها مدّعو الحداثة وهذا أشعرني بالتفاؤل ورفع من معنوياتي :) وسأعيد الكرة مع كتب من هذا النوع
يكشف زيف النقاد الحداثيين، كما يفضح تقليدهم الساذج لنظريات ولدت في رحم الغرب فحاولوا استنباتها في وسطنا الثقافي ففشلوا وأخرونا عقوداً وما يزالون يجترون ما يخلفه الغربيون..
على نقيض ما تفعل المرايا المقعرة، تقوم المرايا المحدبة بتزييف حجم الشخوص والأشياء، وتلك هي نقطة الانطلاق الأساسية للدراسة الحالية للتجليات النقدية البنيوية، والتفكيك للحداثة. ومن ثم فالكتاب ليس دراسة في الحداثة، بل في المشروعين النقديين اللذين أثارا الكثير من الجدل في الأربعين عاما الأخيرة في العالم الغربي، والكثير من الصخب في السنوات الخمس عشرة الأخيرة في العالم العربي. وتهدف الدراسة إلى تقريب البنيوية والتفكيك من القارئ العربي في أسلوب مبسط، قد يرفضه الحداثيون العرب بقدر ما تسمح به تعقيدات وتداخلات المدارس الفلسفية واللغوية، التي أفرزت هذين المشروعين في المقام الأول.
وهكذا يناقش هذا الكتاب النسخة العربية للتجليات النقدية للحداثة الغربية، متخذا موقف الرفض ليس للحداثة والتحديث في حد ذاتيهما، بل لنقل مدارس نقدية أفرزها مناخ ثقافي بعينه وفكر فلسفي محدد، إلى مناخ ثقافي وفكر فلسفي مغايرين تماما، وهو ما يؤكد أن اغتراب الحداثي العربي لا يرجع إلى ما يسمى بأزمة المصطلح.
ثم تناقش الدراسة بعد ذلك العلاقة العضوية بين النقد الحداثي البنيوي والتفكيكي والفكر الفلسفي الغربي الذي أنتجه.
وفي النصف الثاني من الكتاب يقدم المؤلف دراسة مبسطة للمشروعين النقديين، ليؤكد فشلهما في نهاية المطاف في تحقيق دلالة النص، أو تقديم بدائل نقدية متقنة للمدارس النقدية التي تمردا عليها، وهكذا تجئ إنجازتهما التي كثر الحديث عنها في المحافل الأدبية والنقدية أشبة بالصور المكبرة داخل المرايا المحدبة، وهي تزيف واقعا أقل حجما وأكثر تواضعا
كنت أنوي قراءة هذا الكتاب في أيام دراستي الجامعية لكني لم أعثر عليه ورقيا .. والآن بعد أن أعيدت طباعته في دار رؤية مع بقية كتب مشروع د.عبدالعزيز حمودة .. أتيح لنا الاطلاع عليه ..
الكتاب يتحدث عن المناهج النقدية الغربية وتلقي النقاد العرب لها .. هذا التلقي الذي اتسم بالانبهار وبعدم الموضوعية في التعاطي .. امتاز الكتاب ببسطه لبعض المناهج كالبنيوية والتفكيك .. وتتبع أسباب نشوئها وذكر أبرز نقادها وأهم أفكارها .. وقد بين المؤلف موقفه من استيراد هذه المناهج وتطبيقها على النصوص العربية، المؤلف يرى أن هذه المناهج قد تناسب البيئة الغربية التي أنتجتها ولكنها لا تناسب بيئتنا الشرقية ولا تراثنا العربي.
حاول المؤلف توضيح أفكار المناهج قدر استطاعته ومع جهده في ذلك إلا أنني أعترف بعجزي عن استيعاب بعض تقنيات وأفكار هذه المناهج !
الكتاب قد يكون مبهر الي اولئك الذين يخافون من نزع اليقين الذين يحبون ان يتم املاءهم عن ماهي الحقيقه خوفا من رؤيه العالم النصي كما هو
الكتاب يقدم حججا ميتافيزيقيا لدحض الاتجاهات النقدية
مثل اعتراض الكاتب عن لانهائيه الدلاله ...لماذا .. لا يوجد لماذا هو فقط يدحضها ويعتمد علي الحدس السطحي لكل احد لكي يوافقوه الرأي دون التساؤول عن المانع العقلي ان كانت تلك هي الحقيقه او عندما اعترض علي انكار الذاتيه عند البنيوين دون ان يقول ببساطه ما الحجه لوجود الذاتيه وكأن العلم عليه ان يعطينا نتائج تريح انحيازاتنا لا ان تحطم كل ظن ساذج
الكتاب مشحون بفوبيا اللايقين والخوف من الحداثه اقل كتاب مقنع بنقد الحداثه ومنحاز باسلوبه النقدي الغير مبني علي اساس سوي ان حدس الكاتب يقول له هذا خاطئ
من أفضل الكتب التي قرأتها في النقد الأدبي الحديث على الإطلاق. يستعرض الكتاب بشكل يتسم بالسلاسة والعمق نظريات النقد الجديد والشكلانية الروسية والبنيوية وما بعد البنيوية والتفكيكية ونظرية التلقي ونظرية استجابة القارئ. الكتاب أضاف الكثير لنظرتي وفهمي لتلك المدارس النقدية.
لعل أكثر ما يميز هذا الكتاب هو أنه يجعلنا نفتح أعيننا جيدا ونزيح نظرة "التأليه" لرموز النقد.الكتب القاسية _بأدلتها وبراهينها بالطبع_شهية حتى وإن لم نوافقها تماما.
يتحدث المؤلف في بداية الكتاب عن النسخة العربية للحداثة وظروف نشأتها، وأبرز اشكالاتها . ثم ينتقل إلى الحديث عن بداية الحداثة الأوروبية وأزمة الإنسان الغربي التي انتجتها ، ومن ثم يقدم نقدا تفصيليا لبعض افرازات الحداثة الأدبية وهي البنيوية والتفكيك .
الكتاب يقدم مادة نقدية عميقة ، بلغة تسهل على القارئ غير المتخصص . لكن في المقابل يفترض على القارئ قبل البدء في قراءة مثل هذه النصوص (النقدية)الالمام ولو بشيء بسيط بمناهج قراءةالنصوص القديمة والحديثة ، وبعض المفاهيم الفلسفية التي ترتبط ارتباطا وثيقا بتطور المناهج النقدية ، كثنائية الداخل والخارج ، والواقعية والمثالية ، والشك واليقين .....
أنقصت نجمة في تقييمي للكتاب لأني أشعر بأنه يحتاج إعادة ترتيب في بعض فقراته (؛