Histoire autobiographique dans laquelle le narrateur apprend à son retour de voyage, que son père est décédé en son absence. Il décide d'analyser les rapports qu'il entretenait avec son père et leurs évolutions. Ce récit personnel est lié à l'histoire de l'Egypte contemporaine : la féodalité rurale, la révolution des Officiers de 1952, l'avènement de Nasser, les espérances sociales, etc.
اولا انا رأيي ان جمال الغيطانى مبيكتبش زي اي حد معاصر ... ممكن تلاقي اسلوبه ومفرداتة فيها نفحة صوفية قديمة او فيلسوف عربي من عصور الإسلام الأولى كلامه العادى تتعلم منه بس لو كتب افكار تبهرك مع انك متأكد انك فهمت بس جزء صغير ولسه ناقصك كتير.... انا فاكر حتى الأن موقف شرائي للكتاب ده: انا كنت واقف في معرض الكتاب وماسكة في ايدى ودماغي بتودي وتجيب اشترية ولا لأ ضخم وغالي وجمال الغيطاني محتاج دماغ رايقة عشان تستمتع معاه.. شاب عدى من جنبي وقالي الكتاب ده لو مقريتهوش لازم تقراه (انا سمعت الجملة دي عن كتب كتير بس اول مره اسمعها مع تعبير الوجه بتاعة كان فعلا مبهور)... اخراً لو قبل متقرا الكتاب ده معندكش نيه انك تتغير وتفتح خلايا عقلك لحاجات جديدة متقراهوش لو مش عايز تبذل مجهود فيه متقراهوش ... اناالسفر الأول قتلنى بجد والكتاب ده حسسنى اني انسان احسن طول ماكنت بقراه وكل لما افتكره يعملى حالة سكينة
الكتاب على ما أذكر يتجاوز الثمانمائة صحيفة... استعرته من سلمى بعد أن سمعتُ عنه منها أولاً –بعد حرصها الشّـديد على اقتنائه- ومن آخرين أثق برأيهم في مجال الثـّقافة والكتب.. شـدّني الكتاب في البداية ، ولكنّني كدت أن ألفظ أنفاسي الأخيرة مع آخر حرف قرأتـُه فيه.. ومع حرصي الشّـديد على متابعة أيّ كتاب مهما كان سيئاً أو جيّـداً، راق لي أم لم يرق.. إلاّ أنّـي –وبصراحة – كسرتُ القاعدة وتخلّـيتُ عن مصداقـيتي مع هذا الكتاب وتركتُ آخر مائة صحيفة منه غير نادمة على ما اقترفتـُه من خطيئة.. لا أنكر أنّ فكرة الكتاب جميلة وغريبة نوعاً ما وفيه الكثير من العبارات والخيالات والأفكار الـرّائعة.. ولكنّـه للأسف موغـل جداً جداً في التّـفاصيل التي تغدو أحياناً مملّـة إلى حـدٍ بعيد، وهذا ما دفعني لتركه، حيث تبينت لي الخاتمة دون أن أتابع.. فمفردات الكاتب واسعة جـداً، وخياله خصبٌ جـداً.. وكل ظنّـي أنّـه استخدم جميع مفردات القاموس –المحيط ربّـما- دون أن يترك مفردة أو مرادفة تعتب عليها أو تـزعـل منه .. وأنا بطبعي أميل للاختصار والوصول للخاتمة وزبدة القـول بسرعة ودون طول كلام وتفصيل مسهب، وهذا ما لم أجده في ذاك الكتاب..
التجليات ، أعمق من أن يكون كتاباً أو رواية ،، هو رحلة نحو الماضي ، نحو الداخل ، نحو الأعلى ، لغة باذخة ومعان كثيفة ورؤية صوفية قد لا يستطيع البعض استيعابها خاصة الذين لم يتعرفوا على هذه الروحانيات عن قرب ،، الكتاب يحدثنا عن سيرة حياة لشخص وأسرة هي شخص وأسرة الكاتب هو وأبوه وأمه لكنه يتخطى ذلك ليتجلى له التاريخ والماضي والحاضر وكل الذين تأثر بسيرتهم وعاش يستحضر سيرتهم فكانوا له الأدلاء في رحلته ،، ومع ضخامة العمل وقوة لغته وكمية الكشف من خلال الحجب داخله فهو تحفة أدبية لا ينتمي لنوعية الكتابات التي نعرفها بل هو تجربة فريدة لا تنسى
لغته العربية باذخة و أعتقد أني أبخسه حقه بوضع نجمة واحدة، و لكنه من الكتب القليلة التي لم أطق معها صبرا و أكملها، فأسلوبه قتلني أحسبه يناسب الذين يعشقون المحسنات البديعية و التزيينات اللغوية
"عند هذا الحد أضطر إلى التوقف، فلم يكن بوسعي إلا الامتثال، بعد أن بدأت صيرورتي تلقى ما لا قبل لي بوصفه أو التعبير عنه، لذا أنهي هذا السفر على غير رغبة مني، أما إذا سنحت الفرصة، وسمحت الوسيلة، فربما جمعت ما تبدد، ولملمت ما تشظى، عليَّ أن أصوغ يوماً القول والمخاطبات والسرائر، فينكشف من السر قدر جلل، أما الآن، فأدنوا مني، وحنّوا عليَّ، ففقداني قريب، ولا تبخلوا بدموعكم لتكون تأنيساً فى وحشتي، ورحمة بي فى غربتي التي لا تنتهي إلا لتبدأ، ولا تنقطع إلا لتتصل، فيا حسرتي على القرب بعد بدء البعاد."
" أي كتاب هائل هو كتاب التجليات ، هو كتاب يحكي لنا من أسرار الحياة قدرًا عظيمًا ، إنه عمل أدبي خطير يستخدم فيه الكاتب أسلوبًا له مذا خمر جاءت قبل أن تُخلق أشجار الكرْم " *أحمد بهجت لا قول لي فوق هذا ، الكتاب تجلياته عظيمة ووقعها علىٰ النفس شديد .. لا يفهمه الجهّال المتعصبون المتطرفين و لايصحّ لهم ، الكتاب به مفاجآت أدبية خطيرة .. بدييع
الكتاب عبارة عن ثلاث أجزاء , أجملهم الجزء الأول يتحدث بشكل سلس وممتع بالجزء الأول عن ثلاث او اربع حكايات يجعلهم متصلين برغم انفصالهم التام بالزمان والمكان واختلاف وتباعد الشخصيات يتحدث عن نفسه وطفولته وشقاء والده ويتحدث عن مأساة الحسين واستشهاده ويتحدث عن عبد الناصر وحبه له مع الكراهية التامة للسادات مع انه اتسجن في عهد ناصر مش السادات ! مع خلط ودمج السابق وظهور خاص لقاتل السادات كأنه المهدي المنتظر :) بغض النظر عن اتفاقي معاه في حبه لناصر اللي هو سبب الهزيمة والنكسة وكراهيته للسادات اللي رجع الارض وعمل السلام حديثه عن والده هو الاجمل والافضل والاحلي , تجلياته والروحانيات بكلامه حلوة
& الموتُ موتان،موتٌ أعظم وموت أصغر،أما الموت الأعظم فيتمثّل في السكوت على الجور،والتغاضي عن الزيف،وإخماد الضمائر،وغض البصر عن الحق المهضوم والتشاغل عنه بطلب المنصب الزائل،والمال المكتنز،كذا الرضا بالأمر الواقع،والنأي عن محاولة تغييره،والتقاعس عن الجهاد،أما الموت الأصغر فهو بطلان الحواسّ،وتوقّف الأنفاس،وهجوع القلب،وبرودة الجسد عند مفارقة الروح ويبوسة الأطراف
& أصعب أنواع الرحيل عندما يرحل الانسان داخل ذاته , فتمر به الدنيا ولا ينالها وهذا من عذاب الدنيا
& يعاودني ذلك الجوع الذي لا تحركه معدة , هذا الحرمان الذي لا تغذيه شهوة
& الأشياء تتبدل حتي ما نظن أنه يستعصي علي التغيير , والأسوأ يتغير إلي الأحسن كما يتبدل الأفضل إلي الأردأ , وإلا لما كان التغير والتبدل في الأصل
السفر الثاني أقل من السابق , حتي باللغة والاسلوب , الحياة بين ما هو فعلا وبين ما كان يمكن أن يكونه لو له حياة مختلفة بمكان وزمان آخر . حتي الربط مفقود بين المقامات وبين ما يوجد بالمقام الواحد احيانا & تأكد لي أن ليس كل من رأي عرف ما رأي , وإن من رأي ليس كمن علم
& من نبع حنيني أروي أحاسيسي علها تتكرر , لكنني أشبه بمن يحاول ري ظامئ من ظل الماء أو ينحت من أريج زهرة شمها يوما تمثالا لمن أحب
السفر الثالث يتحدث عن أمه وذكرياته معها وذكرياته بالبيوت اللي عاش فيها وطفولته بوجود الاب والام والاهم والاجمل فترة سجنة برغم الحزن اللي فيها وبعض الحشو لكن حلوة جميل صبر امه وابوه برغم معاناتهم , وكل ما يتعلق بوالديه جميل جمال لا يوصف & من يدلنا دون أن ندري , يغير قسماتنا بغير إعلامنا , شئ ما يحيط بنا متغلغل فينا كطعم الثمرة في الثمرة , كاللون في المتلون , كالاسم في المسمي به
& القلوب ثلاث : قلب مثل جبل لا يزيله شئ , وقلب مثل النخلة أصلها ثابت والريح تميلها وقلب كالريشة يميل مع الريح يمينا وشمالا
& ليس من تكلم عن نفسه كمن اخبر عن غيره , ليست الثكلي كالنائحة المستأجرة وليس من شرب ماء بئر واحد كمن شرب من آبار
& لكثرة ما رغب ولم ينل , لطول ما تمني ولم يصل , ولشدة الاخفاق الذي أصبح تراثا مكتملا
& إن النفوس تنكر ما لا تعرفه وتدفع ما لا تألفه
& كم من ضحكة فيها عبوس كامن
& أخاف عماء البصيرة , أخشي الجهل الأتم
& عندما تنعدم الحركة ينتفي الزمن , يتشابه الوقت وبتشابهه يتلاشي
وقعت يداي على هذا الكتاب أثناء زيارة لمكتبة الهيئة العامة للكتاب وكنت أتجول في المكتبة ولم يكن قصدي شراء شيء محدد ثم رأيت كتابا ضخما يقف مواربا دون أن يفصح عن اسمه واسم صاحبه فأمسكت به لأعلم ما هو وما اسمه ولجهلي الشديد حينها لم أكن أعلم من هو جمال الغيطاني ولكني شخص لا يهتم باسم الكاتب عادة وما يحذبني محتوى الكتاب أكثر من اسم صاحبه.
وبدأت اتصفح الكتاب لأعلم إن كان يستحق أن اقرأه أم لا ولم أشعر بنفسي إلا وأنا غارق تماما في القراءة لمدة ساعة كاملة ولم أنتبه إلا على صوت أحد العاملين في المكتبة وهو يقول لي: هل ستشتريه أم لا؟.
لم أكن أتوقع أن اقرأ ألف صفحة تقريبا في يومين ولكني قرأته بالفعل في يومين وأنا في حالة تامة من الوجد والذوبان التام في كلمة مكتوبة.
في هذا الكتاب تحدى الغيطاني قيود الزمان والمكان وتحرر منها تماما، ستجد نفسك في عالم لا بداية له ولا نهاية ولا قرار ولا استقرار د، تتنقل بحرية بين الأزمنة والأمكنة بل بين السماوات والأرض وأنت طائر، محلق، مخترق كل الحواجز وكأنك روح بلا جسد متحررة من كل مادة!
في هذا الكتاب أنطق الغيطاني الحجر والشجر والنخل والثمر وكل ما هو حي وغير حي بلغة سهلة منسابة تتسلل إلى الروح وتجعلك في تواصل مع كل شيء
البعض يحيي ذكرى الموتى من أحبائه أم الغيطاني فتشعر معه كما ولو أنه أحيى الموتى أنفسهم لا ذكراهم! أحيى أبيه وأمه بكل ما يتعلق بهم، جعلني أسمعهم، وأكلمهم، وأشم روائحهم، بل جعلني استعيد والدي في مخيلتي وكأنه جالس معي حي يرزق!
أكتب هذا الكلام وقد مر على قرائتي للكتاب أكثر من ثلاثة أعوام ولكن يظل الكتاب بكل تفاصيله عالقا في عقلي وروحي.
انا مش من قراء السيرة الذاتية ..والتجليات تاني سيرة اقراها بعد وقفة قبل المنحدر لعلاء الديب ..ومع قلة قرايتي في النوع ده من الكتابة الا اني مظنش ان في حد كتب سيرته او سيرة غيره بالاسلوب ده هذا الخليط الفشيخ ما بين جمال الواقعية السحرية وحلولية الحلاج والفانتازيا والتصوف ولغة هي حكرا لجمال الغيطاني ..التجليات ولكن ..الكتاب وهو مفرط في عظمته في اجزاء الا ان في اجزاء تانية مش قليلة ممل ..يعني يا عم جمال اظبط ايقاع ومساحات السرد صح كنت هتضرب مئة عام من العزلة ٣٤ جزمة بعمل اصلا لا يصنف رواية كتاب التجليات (طبعة الشروق -٣اجزاء)خد مني سنتين عشان اخلصه ..سنتين يا مؤمن بس نقول في الاخر بردو ان الراجل بيكتب مذكراته ..هو حر في انه يطول الحكي في مناطق ويقصره في مناطق تانية ..في الاول والاخر دي حياته هو ...وهو حر
نتفق او نختلف حول التجليات لكنها العمل الاول والفريد من نوعه في كتابة السيرة الذاتية
لن يسعك سوى الإمتثال و الإعجاب و التعجّب من كل هذه العظمة التي حواها هذا النّص (العظيـــــــــــم) بكل ما تحمل الكلمة من معنى !! و لن يكون لي المتّسع أو القدرة على كتابة مراجعة له ، هو أكبر من أن أكتب فيه مجرّد مراجعة بسيطة ، فلن أفعل . ................................... و ما مرّ يومٌ أرتجي فيه راحةٌ فأذكرَه إلا بكِــيتُ على نفسِي . (مقام الحزن)
يوم وفاة الغيطانى ربما لا أحب الغيطانى لكثير من الأسباب الفكرية والسياسية لكن تجلياته تلك أثر باقى لإنسان اختبر مشاعر حقيقية و غاص عميقا فى خبايا النفس و انتزع معانى الجمال من بين طبقات القبح و انتبه لكثير من حقائق الحياة ومعانيها هنا دليل على انسان قد عاش فى زمن ما وفى مكان ما اسمه الغيطانى
هذا سفر عظيم ، وعبرة لمن يعتبر ، لن أزيد ولن أفصل ولكنني أدرك تماما أنني لست نفسي بعد أن أتممته . فقط نجمة واحدة تنقص التقييم لكل الهراء السياسي الذي كتبه الكاتب ، ولو أنه ابتعد عن إقحام السياسة في سفره هذا ، ولو أنه لم يمجد قتلة السادات لكان الكمال بعينه .
التجليات: حين تُكتَب الذات على المقام الصوفي - محمد فتحي علي
حين كتب جمال الغيطاني (1945-2015) "التجليات"، لم يكن يؤلّف رواية بالمفهوم التقليدي المتعارف عليه، بل كان يخوض مغامرة الكتابة في أعمق مستويات النفس، حيث تتداخل الحقيقة بالوهم، وتتماهى الذات مع ظلّها في مساحات غير محدّدة المعالم؛ تلك المنطقة الضبابية الواقعة بين الحضور والغياب، بين التذكّر والنسيان، بين "الأنا" كما هي، و"الأنا" كما تتفتّت وتتوزّع في مرآيا الذات المتكسّرة. في هذا العمل الفريد، يتخلّى الغيطاني عن صلابة السرد وعن انتظام الزمن، بل يتخلّى كذلك عن الحبكة بوصفها مسارًا خطّيًّا يتقدّم نحو ذروة ما. كل ما في النص يتجلّى لا باعتباره واقعة محدّدة، بل بوصفه حالة شعورية عميقة؛ تجربة روحية وأدبية يحاول فيها الغيطاني أن يجعل من اللغة وسيلة للحفر في طبقات الوعي، محاولة لبلوغ ما يتعذّر الإفصاح عنه: الروح في لحظات افتتانها وتصدّعها، بما تحمله من اضطراب داخلي لا يُفصح عن نفسه إلا على هيئة انجذاب غامض أو انسحاب صامت. التجليات هي سيرة غير مكتملة، عن أشياء لا تُروى عادة في السير، عن الجوانب المعتمة التي نمرّ بها ولا نملك لها وصفًا. سيرة تتخفّى خلف ثلاثة أقنعة: الراوي، المدوِّن، والشاهد؛ وكل قناع من هذه الأقنعة يُطلّ على تموّج داخلي عميق، حيث تتحوّل الذات من كيان سرديّ يمكن تتبّعه إلى سؤال وجوديّ مفتوح. ما الذي نكتبه حقًّا حين نكتب عن أنفسنا؟ وما الذي يُمحى من الذاكرة لحظة محاولة استعادتها على الورق؟ وهل تستجيب اللغة لما نخزّنه في أعماقنا من انفعالات متردّدة ومشاعر متوارية؟ كتاب التجليات -(الأسفار الثلاثة)- ليس مجرّد استبطان فردي لعالم خاص، بل هو دعوة تأملية مفتوحة في معنى الذات، وفي ماهية اللغة، ثمة خوف لا يُقال، يتسلّل بين الكلمات، لا يسكنها بل يراوغها. علاقة مشتبكة، لا تنفكّ تنبعث بين الإنسان وتراثه، لا باعتباره تركة، بل كندبة قديمة لا تهدأ. لا ذاكرة فردية هنا، بل تراكُمٌ يصعب نسبته إلى شخصٍ واحد؛ كأن الذات ليست ذاتًا خالصة، بل مرآة لعشرات الظلال التي عبرت من خلالها. التجليات ليست رواية تُروى، بل نصٌّ يتهجّى الحضور ببطء، يكتب الصمت لا ليكسره، بل ليصغي إليه. لا أسرار هنا تُروى، بل أنصاف بوحٍ يتردّد كالصدى في غرفة خالية. بين السيرة واللا-سيرة: بنية النص وتعدّد الذوات في التجليات، لا يقدّم الغيطاني سردًا خطّيًا لحياة تبدأ من الطفولة وتمتد إلى النضج، بل يبتكر ما يشبه الدوّامة السردية؛ حركة لولبية تنبع من الداخل وتعود إليه، حيث تدور الذات حول نفسها، وتتكشّف عبر ثلاث شخصيات: الراوي، المدوِّن، والشاهد. ليست هذه الشخصيات كيانات منفصلة، بل وجوهًا متعدّدة للذات نفسها، تتجاور وتتقاطع وتتجادل، كأنما الوعي يُعيد إنتاج ذاته على هيئة أصوات تتوزّع بين القول، والتسجيل، والتأمّل. هذا التعدّد الصوتي لا يأتي بوصفه زخرفة سردية، بل هو امتداد طبيعي لفلسفة الرواية نفسها: أن الإنسان لا يملك وعيًا واحدًا بذاته، بل يتحرّك داخل شبكة من الإدراكات المتداخلة، حيث يُعيد سرد حياته لا ليسترجعها، بل ليعيد تشكيلها في كل مرة، بوهم الوصول إلى اكتمال لا يتحقق. ولعلّ هذه البنية المتشظية التي تقوم عليها التجليات تُحاكي في جوهرها التجربة الصوفية كما تتجلّى عند ابن عربي أو الحلاج؛ حيث لا تسير الذات نحو يقين مطلق، بل تغوص في طبقاتها بحثًا عن فهم ذوقيّ يتجاوز الإدراك العقلي المباشر. الذات في الرواية، مثل سالك الطريق الصوفي، تتشظّى بين طبقات الوعي، وتتطهّر من سردياتها الأولى، لتتأمل جراحها لا بوصفها عطبًا، بل كبوابة عبور نحو إدراكٍ باطنيّ لا يُمسَك دفعة واحدة، ولا يُقال إلا كاشتباه أو تلميح. والمثير أن "الراوي" في التجليات لا يبدو صاحب القرار السردي المطلق، بل يظهر أحيانًا متردّدًا، يكتب كما لو أنه يخشى ما يتفجّر في داخله. أما "المدوِّن"، فيبدو أكثر وعيًا بالفعل الكتابي، أشبه بمَن يُمسك بزمام اللغة دون أن يملك مصيرها. في حين أن "الشاهد" يقف على حافة النص، لا يروي ولا يدوّن، بل يكتفي بالحضور الوجداني، ذاك الذي يراقب التجلّي من الداخل، دون أن يتدخّل في مجراه. وبين ��ذه الأصوات الثلاثة، تتشكّل "اللا-سيرة": سرد لا يهدف إلى استعادة الماضي كما كان، بل إلى إعادة بناء الحاضر الذاتي عبر تأمل ما لم يُقل، وعبر مواجهة الذات في أكثر حالاتها هشاشةً وصدقًا.
اللغة الصوفية والتناص مع التراث: كتابة بالحواس والسرّ "ما من شيء يثبت على حاله، لو حدث ذلك لصار العدم، كل شيء في فراق دائم، المولود يفارق الرحم، الإنسان يفارق من دنيا إلى آخرة مجهولة بلا آخر، البصر يفارق العين إلى المرئى، ثم يفارق المرئى إلى البصر، الليل يفارق النهار، والنهار يفارق الليل، والساعة تفارق الساعة"، بهذه العبارة المفتاحية التي تتكرّر فيها أفعال الفِراق والتحوّل، يُبرز الغيطاني (التجلي اليقيني) على إيقاع وجوديّ يذكّر بأسلوب المتون الصوفية القديمة، لا سيّما عند ابن عربي، حيث التبدّل هو الثبات، والانفصال هو طريق الإدراك. فالمولود يفارق الرحم، والإنسان يفارق دنيا إلى آخرة، والبصر يفارق العين إلى المرئي، ثم يعود ليفارق المرئي إلى الداخل. الزمن نفسه لا يثبت: الليل يفارق النهار، والساعة تفارق أختها، في دوّامة لا تقبل الاستقرار. في هذا السياق، لا تبدو اللغة في التجليات أداةً سردية محايدة، بل تتحوّل إلى طاقة روحية مشبعة بالإيحاء، تتلمّس ما هو أبعد من الحكاية، وتكتب لا لتقول، بل لتوقظ. منذ الصفحات الأولى، يجد القار�� نفسه في مناخ لغوي متخم بالإيقاع والترميز: نبرة تقترب من الدعاء، وإيقاع يجاور التراتيل، ومفردات تتجه نحو الباطن لا الظاهر. لا يكتب الغيطاني التجليات بلغة تشير، بل بلغة تتورّط. الجملة لا تُلقي ضوءًا على المعنى بل تتورّط فيه، تُلامسه وتنفلت منه في الآن ذاته. وكأن كل فقرة في النص لا تريد أن تُفسَّر، بل أن تُعاش. هنا، لا تعود اللغة وسيلةً للتعبير، بل فضاءً للعبور، تُصاغ الجملة بوصفها تجربة روحية قائمة بذاتها. في هذا المناخ، تتراجع اللغة الوظيفية، ويحلّ محلّها توتر دائم بين الحضور والغياب، بين الإشارة والتجلّي. كل عبارة تبدو كأنها تسير على حدّ التأويل، لا تبوح بما فيها بقدر ما تدفع القارئ للتأمّل فيما لم يُكتب. هكذا تتحوّل التجليات من عمل يُقرأ إلى نصّ يُرافق القارئ، يوقظه ويُربكه، ويفتح له أبوابًا لا توصل إلى نهايات، بل إلى المزيد من الأسئلة. الزمن في التجليات: الحاضر الذي لا يمضي في التجليات، لا يتقدّم الزمن على خط مستقيم، بل يدور حول نفسه كما لو كان في حالة "ذكر صوفي". ما يُكتب لا يُؤرّخ لحياة بترتيبها الزمني، بل يُفكك الوعي كما يتكشّف في لحظة، ويُعيد ترتيب التجربة وفق إيقاعها النفسي لا وفق تسلسلها الخارجي. ليست الأعوام، ولا الأحداث الكبرى، هي ما يُقاس به الزمن هنا، بل تلك الارتجافات التي لا يلتقطها التقويم: رعشة في الجسد، ظلّ في الذاكرة، أو جملة تمرّ ولا تُنسى. هذا الحس الزمني المشحون بالعاطفة يقترب كثيرًا من التصوّف، حيث يُنظر إلى الزمن لا كمجرى خطّي، بل كحالٍ يُستعاد عبر الذكر والتأمل، ويتبدّى كلحظة حاضرة لا تزول. ولهذا لا تأتي الطفولة أولًا، ولا تتبعها الشيخوخة، بل تتجاور الأزمنة كطبقات شفافة تُرى في آنٍ واحد. تظهر الحرب كما يظهر الحنين، يظهر العشق كما يظهر الموت، لا كأحداث مرتبة، بل ككثافة شعورية تنبثق حين يشاء النص لا حين يقتضي المنطق. الراوي لا يحاول ربط ما حدث بما سيحدث، بل يفسح المجال للذاكرة كي تتنقّل بحرّيتها، فتقفز بين الأمكنة والأعمار والمواقف، كما لو كان الوعي هو مَن يكتب، لا الراوي. وهكذا لا يتكوّن الزمن من ماضٍ وحاضر ومستقبل، بل من توترٍ دائم بين ما يُتذكّر وما لا يُراد تذكّره، بين ما حدث فعلًا وما يُعاد تخيّله.
المكان كمرآة داخلية: القاهرة في التجليات إذا كان الزمن في التجليات يتشكّل كاهتزاز داخلي لا يخضع لتسلسل زمني تقليدي، فإن المكان هو الآخر لا يُبنى كجغرافيا مرسومة، بل كصدى للنفس، كامتداد شعوريّ يتكثّف في تفاصيل هامسة أكثر منه في خرائط واضحة. القاهرة لا تُروى عبر شوارعها أو مبانيها، بل عبر رجع الصوت في داخل البطل، عبر ارتجاف الطفولة، وخجل المراهقة، وتشققات الحاضر. ليست المدينة حاضرة بما فيها من ناس وأصوات، بل بما تستدعيه من إحساس دفين. سطح البيت، زاوية المدرسة، محراب المسجد، رائحة الجير، صوت المؤذن عند الغروب… كلها لا تُعرض كوقائع، بل تظهر بوصفها مشاهد شعورية مقنّعة في هيئة أماكن. يتخفّى الانفعال في الظلال، وتتحوّل الجغرافيا إلى مرآة تعكس ما تراكم في الجسد من تجارب، وما ظلّ معلّقًا بين التوق والفقد. القاهرة في التجليات لا تُقرأ بوصفها مدينة، بل كنسيج داخليّ يتحرّك كلما تحرّكت الذاكرة. يتجوّل الراوي فيها كما لو كان يتجوّل في طبقات نفسه، باحثًا عن نقطة توازن لا يطالها، أو عن يقين يفرّ منه كلما اقترب. وهذا ما يمنح المكان طابعًا شبه حلميّ، متغيّرًا ومتقلّبًا، لا يثبت على صورة واحدة، تمامًا كما لا تثبت الذات نفسها أمام المرآة. "التجليات" كعتبة روحية في مشروع الغيطاني لا يمكن النظر إلى التجليات باعتبارها عملًا معزولًا عن مجمل مشروع جمال الغيطاني الأدبي، فهي تشكّل، بعمقها المختلف، انعطافة داخلية نادرة في مسيرة كاتب اشتغل طويلًا على التاريخ والوثيقة، من الزيني بركات إلى وقائع حارة الزعفراني، ومن متون الأهرام إلى حكايات الغريب، وغيرها من مؤلفاته. لكن التجليات لا تكتفي بإعادة تأويل الماضي، بل تنقّب في الذاكرة الباطنية، لا بحثًا عن حقيقة جاهزة، بل عن المعنى كما يتشكّل لحظة الكتابة. ليست الرواية هنا عملًا سرديًا بمقدار ما هي تمرين على الخلوة، تجربة لكتابةٍ تكتب الكاتب نفسه، وتخترق مسامه. لا تنتهي التجليات كما تنتهي الروايات، ولا تُغلق بابًا فتترك القارئ في الخارج. بل كأن أحدًا كان يكتب من الداخل، ثم تلاشى. لا بطولة هنا، ولا خاتمة، فقط أثرٌ خفيف يظلّ معك، يشبه إحساسًا لم تعرف له اسمًا، لكنه كان حقيقيًا. حين نقرأ هذا النص، لا ننتظر حبكة، ولا نبحث عن بطل، بل نقترب من نقطة ما داخل الذات، من سؤال لم يُطرح بكلمات، من ارتباك مألوف، من حزن لا يُصنّف .وهكذا، يتّضح أن ما كتبه الغيطاني لم يكن عن نفسه فحسب، بل عن كلّ من مرّ بتجربة الذات كأفق لا يُطال. وربما كانت التجليات، بكل ما فيها من انخطاف وتأمل، هي المسافة التي مشاها تلميذٌ بعيدٌ عن أستاذه الكبير نجيب محفوظ؛ لا ليقلّده، بل ليصوغ لغته الخاصة، مستأنسًا بالظلّ، ومشتبكًا مع النور. فالتجليات ليست عمودًا في بناء الرواية العربية، بل نافذة. ومن يطلّ منها، لا يعود كما كان.
نادرا ما أقرأ كتاب و أتركه قبل أن أنتهي منه كاملا ، و كثيرا ما يحدث أن أضطر للجري و الإنزلاق عبر صفحات الكتاب كي أنتهي منه مللا و رغبة في قراءة غيره . و هذا ما حدث مع كتاب التجليات لجمال الغيطاني صاحب رواية الزيني بركات . التجليات منقسمة الي ثلاث اجزاء و هي عبارة عن سفر في الماضي و التاريخ القريب المؤثر في حياة الكاتب ، . لكنه سفر ليس سفرا حكائيا ، بل سفرا روحيا تشعر فيه بروعة اللغة و شاعريتها لدي كاتب متأثر بشدة بالروح الصوفية و المرجعية الروحية لاهل التصوف . يحكي الغيطاني و كأنه تحول الي محض روح تحكي عن أرواح . و لولا بعض الملل و التطويل في التجليات لكان من اروع اعماله . في التجليات كثير من الحكم الرائعة و هذه امثلة منها : ...................... لو اعرف للفراق موطنا ، لسعيت اليه ، و فرقته . .......... اماني النفس حديثها بما ليس عندها ، صاحبها خاسر ، يلذ له الزمان بها ، فاذا رجع مع نفسه لم ير في يده شيئا ، فحظه كما قال من لا عقل له .. اماني ان تحصل تكن احسن المني و الا فقد عشنا بها زمنا رغدا . .............. ما من شيء يثبت علي حاله ، لو حدث ذلك لصار العدم ، كل شيء في فراق دائم ، المولود يفارق الرحم ، االانسان يفارق من دنيا الي اخرة مجهولة بلا اخر ، يجيء شتاء ، و يجيء صيف ، ثم ربيع ، ثم خريف ، كل يفارق الي حين ، كل في فراق دائم ، حتي الاشياء التي طننا انها لن تتبدل قط ، و لن تتغير ، و لن تزول ، كل شيء يتغير ..فلنفهم . ! .............. الدنيا في فراق دائم عن الدنيا . ............. لا تكن عجولا ، امور كثيرة لا تعرفها و لو تكشفت لك الثمرات و النتائج ، بدون اعدادك للعدة لحل بك كرب عظيم . ............. من صبر و عمل نبت و اعطي . ........... الانسان لا تسهل عليه صعوبات البداية ، الا اذا عرف شرف الغاية . .......... ما يجمعه وقت ، يفرقه وقت . .......... لان اكون من المستضعفين و انا في طاعة الله احب الي من أن أكون قويا في معصية الله . ............. اعلم ايها الفطن اللبيب ان الحزن لا يكون الا علي ماض ، و أنت الظمأ لا يكون الا الي مفقود . و أن الشوق لا يكون الا الي غائب كذا الحنين . ............ ما نحن و كل الموجودات الا خواطر غير مقيمة في ذاكرة الزمن .لكن ..أي زمن ، ما الزمن ؟ما الدهر ؟ ما الوقت ؟ ....................
............... أنوي إعادة قراءة التجليات في وقت لاحق إن شاء الله
أعطيه نجمتين وفقط .. نجمة أولي لأن جمال الغيطاني كان له طول نفس لينهي 800 صفحه من المترادفات ! 800 صفحه .. يكتب في كل فقرة تقريبا مترادفات لكلمة واحده و هكذا .. النجمة الثانية للتجليات الصغيرة التي كانت تعترض الحكاية الرئيسيه .. أو أدمجها فيها - لكنه يبقي تجربة مختلفه للصبر علي القراءه . - أول وآخر تجربه علي ما أعتقد مع جمال الغيطاني
هذا عمل قيمته بقدر حجمه الكبير. عمل ملحمي و إعادة صياغة للفتوحات المكية بشكل عصري و إن كان بلغة مفحمة بالصوفية و متشربة بالأصالة العربية. هذا العمل هو مما لا شك فيه إبداع في شكل الأدب العربي و نواة لقوالب جديدة و مجددة له. قراءته منهكة للعقل و لكن ممتعة للروح و مبهجة لقلب كل عاشق
لا يمكن بسهولة كتابة مراجعة حول هذا الكتاب، الأمر يحتاج إلى عقل أكثر ثقافة وقراءة واطلاع، وروحاً أسمى، لست مؤهلة الآن لهذا، ربما في وقت لاحق، وربما أبداً
برغم فكرة الكتاب القوية و الجديدة علي إلا أني لا لم استطع إلا ان أشعر بالملل من الإطالة الزائدة في بعض الأحيان عن الحد. عالم الغيطاني متميز الي حد كبير يذكرني بروايات بن سالم حميش، رواياته مرتبطه بالموروث الإسلامي و العربي لغة و كعوالم روائية إلا ان الشعور بالملل خاصه في في التجليات قوي للغاية ليس كروايته الزيني بركات التي شجعتني علي الخوض في عالم الغيطاني الروائي