يعرض المعمار والمنظر رفعة الجادرجي في كتابه هذا دراسة تحليلية للعلاقة التي يمارسها الفرد الإنسان عند تحديد هويته وتركيبها ومن خلال تعامله مع المُصنعات كالأثاث المنزلي والأبنية في معيشه اليومي. وتبحث الدراسة في مسألتين أولهما: كيف يحدد المجتمع تراتيبية مقام هوية الفرد نسبة إلى المُصنعات التي يتعامل معها، وثانيهما: كيف يركب الفرد مقومات هويته عن طريق تعامله مع تلك المُصنعات. فنجد في هذه الدراسة أن المُصنعات عامة، كالعمارة، نسبة إلى الجادرجي لا تؤلف شكليات وبنيات مادية تسخر لاستعمالات نفعية وجمالية فحسب، وإنما أداة فعالة في تكوين هوية الفرد، وهنا يكمن مصدر أهميتها. فقد اختار الجادرجي لهذه الدراسة عائلة بغدادية ميسورة في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين حينما كان أفرادها في دور الانتقال من تعالم تقليدي مع الأثاث إلى تعامل معاصر.
تشريح لبيت بغدادي في مرحلة انتقالية مهمّة: انتهاء الاحتلال العثماني وبداية الاحتلال البريطاني. عن المكان وتفاصيله وساكنيه؛ الچادرچي هنا يتكلّم عن بيت يألفه ويعرفه معرفةً تامة، يراقب الرجل الكبير والخاتون والأولاد والبنات في تحركاتهم ضمن هذا الفضاء/ البيت والأنطقة المسموحة لكلّ منهم، بصورة ذكية. وهو في كل ذلك، لا يفوته التحدّث عن طبيعة العلاقات ودونية المرأة في هذا البيت، بين الثقافة البغدادية آنذاك والعثمانية. أتصوّر أنّ الكتاب، ليس عن عائلة عارف آغا وحسب وإنّما عن الأسر البغدادية الثريّة، ولو أراد القارئ أن يتجاوز ذلك زمنيًا لاكتشف مدى التحوّل والخراب في بنية الأرستوقراطية العراقية والبرجوازية بعد إن عملت الأنظمة الشعبوية على محو كلّ شي واستبدال كلّ ذلك بطبقة عسكرية رثّة. الچادرچي، يشبه نفسه في كلّ كتاباته كمنّظر؛ وكأنّه استحصل على كل أفكارة في لحظة واحدة وراح طوال عمره المديد على إعادتها كلما سنحت فرصة!.
لا يمثل هذا الكتاب اضافة جديدة بعلم قديم ، بل هو علم جديد بحد ذاته. كتاب فريد جدا لا اذكر اني مررت بمثله او بمقال حتى من هكذا نوع. وصف كامل لاثاث بيتين لعائلة بغدادية مرموقة ، مع وصف العلاقة القائمة بين الافراد ومصنعات الجلوس (قطع الاثاث).
"يتغير اشكال ادوات الإنسان كالاثاث مثلا بسبب الممارسات الفعالة والتغيرات الحاصلة في الثقافة والعلاقات الاجتماعية. لان سبب الاختلاف يعود فيها مقومات فعالة في تكوين هوية المجتمع وهوية الفرد وخصوصيته."
“ كانت هيمنة الأفندي على أفراد العائلة مطلقة، كما أشرنا لهذا سابقاً، و ربما ترجع ضرورة هذه الهيمنة إلى قلق نفسي عند التعامل مع الآخرين. إن عالمه هو عالم التحدي الذي يتطلب التهيب من الاحتمالات و المصادفة و لذا تكون مخيلته مهددة بحالات غير متوقعة، فيسعى لتعطيل و كبت هذه الاحتمالات قبل حدوثها. و ربما هنا يكمن سبب منع أولاده من الدراسة، و يكون بهذا قد عطّل المفاجآت التي قد تصدر عن أولاده بسبب المعرفة التي سيحصلون عليها. إنها هيمنة الخوف مما هو خارج على إرادته، فيواجه ذلك بعنف صامت أي عنف لا بدني، يعبر عنه بالتزامه بإتيكيت عثماني صارم ، أقرب إلى إيمان لاهوتي. و لذا كان الحوار معه مقتضباً، بصوت خافت و جمل قصيرة، و إن حصل حوار مع أفراد العائلة فيكون نادراً و بصيغة الأمر. كما يعبر عن صرامة موقفه بصيغة تفاضل جلوسه المتنازل عن بقية أفراد العائلة على دوشك/ فرشة، خلافاً للعرف القائم آنذاك في بغداد نسبة إلى الأشخاص في منزلة مقامه “ ص ٩٩
This entire review has been hidden because of spoilers.
كتاب صغير ينظر من للعمارة والمصنعات من زاوية مغايرة تماما ، يتكلم المعماري رفعة عن علاقة الإنسان بالمكان وبالمصنعات كما يطلق عليها وهي قطع الاثاث وغيرها من الحاجيات التي يستعملها الفرد وتأثير المكانة الإجتماعية والجنس على هذه العلاقة عبر شرح منزل عائلة عارف الجادرجي وأسلوب معيشتهم فيه في ثلاثينات القرن الماضي في بغداد نظرة فلسفية مختلفة سواء للعمارة أو علاقة العائلة ببعضها في ذاك الوقت جعلتني استمتع جدًا بالكتاب
يتحدث رفعة عن اختلاف مقامات الجلوس في بيتي محمود عارف آغا التي تتنوع بين الجلوس على الأرض والتختة والفراش (الدوشك) والاريكة، ويتطرق للأعراف والأنظمة الاجتماعية السائدة وأحقية الجلوس مع الأشخاص ذوي الشأن كالافندي محمود، فضلاً عن علاقته مع اهل بيته، وعلاقة أفراد المنزل مع بعضهم ومع المستخدمين كالطباخة والخبازة والحارس. وتنوع فضاءات البيت التقليدي واختلاف وظائف الفضاءات واستخداماتها حسب الوظيفة والموسم.