À priori, tout les séparait : la langue, la religion, le handicap, la condition sociale. Comment Suzanne Bresseau (1895-1989), une jeune Bourguignonne chrétienne, est-elle devenue la femme de Taha Hussein, un des plus grands hommes de lettres arabes du XXe siècle ? Comment a-t-elle vécu les honneurs, les désarrois, les interrogations de cet écrivain aveugle –; titulaire d'un doctorat d'al-Azhar et d'un autre de la Sorbonne, et ministre égyptien de l'Éducation –; qui chercha à réconcilier la tradition islamique et la modernité des Lumières ? C'est à ces deux questions que " répondent " les souvenirs de Suzanne Taha Hussein dans un style plein de retenue et d'élégance. Il est rare qu'une femme raconte sa vie aux côtés d'un grand homme. Ce témoignage unique en est donc d'autant plus précieux. En refaisant le chemin de leur vie à deux, Suzanne Taha Hussein fait revivre soixante ans de la vie intellectuelle et politique bouillonnante du Caire, soixante ans de rencontres avec de nombreux écrivains et penseurs issus des deux côtés de la Méditerranée, et soixante ans de dialogue islamo-chrétien. On croise ainsi Mohamed Abdou, le grand réformateur de l'islam en Égypte, Gide, Cocteau, Tagore, Senghor, La Pira, Massignon, Berque, Helen Keller, et bien d'autres. Dans cette histoire d'une étonnante modernité, c'est l'amour –; l'amour perdu et retrouvé au-delà de la mort –; qui anime ces pages. C'est aussi le combat constant pour que l'Égypte moderne reconnaisse son triple legs pharaonique, grec et islamique. Et invente sa modernité. -- At first glance, they had nothing in language, religion, handicap, social rank. So how did Suzanne Bresseau (1895-1989), a young Christian woman from Bourguignon, become the wife of Taha Hussein, one of the greatest Arab writers of the 20th century? How did she adapt to the honours, the inner turmoil and the questioning of this blind author –;holder of one doctorate from al-Azhar and another from the Sorbonne, and Egyptian Minister of Education –; who sought to reconcile Islamic tradition with the modernity of the Enlightenment? These two questions find their 'response' in this volume of reminiscences by Suzanne Taha Hussein, recounted in a restrained and elegant manner. It is rare that a woman describes her life shared with a great man, so this personal account is all the more valuable. As she retraces the itinerary of their existence together, Suzanne Taha Hussein vividly evokes sixty years of the turbulent intellectual and political life of Cairo, sixty years of meetings with countless writers and thinkers from both shores of the Mediterranean, and sixty years of Islamo-Christian dialogue. Thus we encounter Mohamed Abdou, the great Islamic reformer in Egypt, Gide, Cocteau, Tagore, Senghor, La Pira, Massignon, Berque, Helen Keller, and countless others. In this astonishingly modern history, it is love –; love lost and rediscovered on the other side of death –; that infuses these pages. But it is also the combat to persuade the Egypt of today to acknowledge its tripartite Pharaonic, Greek and Islamic legacy. And in so doing, to invent its modernity.
هى السيرة العطرة لعميد الأدب العربى (قدس الله روحه ) , السيرة الداخلية على لسان زوجته , ورغم أنه قد سطّر سيرته فى عمل متفرد وهو (الأيام) إلا أنك تقابل هنا عرض مميز للغاية بتفاصيل مثيرة .
فتاة فرنسية تتعرف على شاب أعمى مصرى فيدفعها الفضول أو الشفقة أو الخير الانسانى الكامن بداخل كل منا , المهم أنها قد ساعدته , لتكون تلك المساعدة الباب لبناء محبة وحياة كاملة استحقت التسجيل .
لتكون المحبة الخالصة والود النابع من القلب هو عنوان تلك الحياة والدعامة الرئيسة لها .
المهم أننا أمام عمل شديد الخصوصية : نجد زوجة تحكى تفاصيل دقيقة فى حياة زوجها (الضرير ) لا شكاية منها بل بيان لمدى قوة الزوج وايمانه العميق برسالته .
حياة عميد الأدبى العربى وكل ما تعرض له من مصاعب وكيف كان يتغلب عليها بكل اصرار وتحدى .
حياة أديب , حياة عاشق , حياة مناضل ضد الحياة , حياة زوج. تكتبها حبيبته , ورفيقته , ومساعدته الشخصية , ودعامة مهمة جدا فى حياته , الأنثى التى وجد نفسه فجأة يقول لها : اغفرى لى , لابدّ من أن أقول لك ذلك , فأنا أحبّك! لتصرخ وترفض فى البداية من هول المفاجأة , وتجد نفسها بعد فترة تصرح لأهلها : إننى أريد الزواج من هذا الشاب . لتواجه بعد ذلك الاعتراضات وتصمم هى على رأيها , ليكونا نموذج للحب والتكامل , فهما روحين تكمل كلاهما الأخرى , ونجد العميد يصرح فيقول : (بدونكِ أشعرُ أنني أعمى حقًّا. أمّا وأنا معكْ، فإني أتوصّلُ إلى الشعور بالأشياء التي تحيطُ بي ), ونجدها تقول : " (ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة..) ابتسامته الرائعة . ايها الساده : طه وسوزان , حالة فريدة تستحق التبجيل .
أعترف أننى بالفعل لم أكن أدرى شيئا عن طه حسين , فجل ما كنت أحمله له فى ذاكرتى - عدا أعماله الأدبية بالطبع - هى صورة الوزير الأديب , ذو الهامة العالية و عميد الجامعة صاحب التاريخ المشرف فى مصير التعليم فى مصر متحديا إعاقته و متعاليا على متاعبها. و لا أبالغ إن أخبرت بأن الصورة السابقة هى صورة جاهلة تماما , فلم أكن أتخيل كم العذابات التى عاشها و عاصرها طه حسين بين أمراض تمكنت منه بسبب إعاقته و ظروف صعبة عايشها مرغما كان أقلها الفاقة المادية , فلقد عاش مع أسرته أغلب الوقت فقيرا حتى أولاده أصابهم سوء التغدية نتيجة قلة الموارد!!!! كم عانى من الاضطهاد و التجاهل بل و حتى التطفل على حياته تحت ستار من الود الزائف استغلالا لعدم قدرته على رد إنسان. و تلك المرأة المهولة التى ساندته أعوام عمره حتى رحل فلم تجد غيره يعوضها سنده , حتى ذراعها افتقد ذراعه بعد طول تلازم. أتت الذكريات للأسف دون ترتيب زمنى , بل كانت أشبه بتدفق مشاعر , و ربما يعد هدا عذرا حيث كان الكتاب أشبه برسالة طويلة توجهها الحبيبة لروح الحبيب التى لم تعتد فراقها بعد.
تروي سوزان طه حسين ذكرياتها مع زوجها عميد الأدب العربي د. طه حسين .. لم تتحدث فقط عن طه حسين الأديب والأستاذ الجامعي والوزير ولكن تحدثت أيضا عن طه حسين الإنسان والزوج والأب لتكشف عن ذلك الجانب الإنساني لهذه الشخصية العظيمة ..
ولكن للأسف الكتاب معروض بطريقة مملة .. فالكتاب كله وحدة واحدة ليس به تبويب أو عناوين كما أن الكاتبة أغفلت تماما التسلسل الزمني للأحداث مما جعل الكتاب عبارة عن مجموعة مواقف غير مترابطة تؤدي إلى تشتيت القارئ وإصابته بالملل.
تقول عنه: لقد كان هذا القلب يستحق كل سعادة الأرض، لو أن السعادة كانت توهب لمن يستحقها
يقول لها: تعرفين جيدا أن روحك لوحة طبيعية منتقاة.
ما كل هذه العذوبة هنا؟ أي امرأة كنت يا سوزان ؟! لا أظن أن الأمر هينا حين يتعلق باستحضار أكثر من خمسين عاما من الذكريات اعتمادا على الذاكرة، والذاكرة فقط، إلا اذا كنت امرىء محب تقول سوزان: إننا نتكيء على الذاكرة كانت حاجتها عميقة لئلا يموت طه، فأرادت بعثه من جديد عبر الذكريات. لكن الأمر كان يتجاوز الذكريات الحميمية عن علاقتها بطه ، فكان رصدا للحياة الفكرية والثقافية والفنية في تلك الفترة في مصر. وبكل أمانة لم يكن هذا ما يعنيني في هذا الكتاب الذي ظللت أبحث عنه أكثر من سنتين كنت أبحث عن التفاصيل الصغيرة في علاقة فتاة فرنسية بشاب مصري مسلم أعمى وقد كان . حكت سوزان عن الموسيقى والفلسفةوالمسرح والطبيعة ، عن الأشياء التي جمعتها بطه، كيف كانا يقضيان أمسياتهما، البلدان التي زاروها، العقبات وما أكثرها كتا نذلل الصعوبات ، ونحن نسخر منها قائلين لها:أعرف أنك هناك لكن مع ذلكأنا متماسك، وعلى يقين من أنني سأنتصر عليك، اهدئي..إننا لن نسقط ، وإن حدث، فسأفعل كالقطط ، إذ سأسقط على قدمي..
حكت عن أصدقائهما من مثقفي ومفكري العالم، عن أولادهما مؤنس وامينة، عن أحفادهما ، وعن طريقة حديثهما بعضهما لبعض إنك تبحرين.. هكذا كان يقاطعها بحنان بالغ حين تبلغ في مناقشتها معه لأمر ما درجة الثورة والاحتدام.
وما دمت أستذكر،، ما دمت أحاول التحدث عنك ،، فسنبقى معا
يقول لهاأمنعك من أن تكوني حزينة،، وآمرك بالابتسام.
وتقول هي :كان الواحد منا قبل الآخر مجهولا ومتوحدا!! ♥
تكمن السعادة في أن تجد الروح التي تفهمك والقلب الذي يشعر بك وقد وجد كل من الأديب طه حسين وزوجته سوزان هذا في بعضهما ❤️
يقول طه في أحد خطاباته لسوزان أثناء غيابها الأول عنه وسفرها إلى فرنسا بدونه: "كان أفلاطون يفكر أننا إذ نتحاب، فإننا لا نفعل سوى أن نُعيد صنع ما أفسده عارض ما. عندما تنفصل نفسان عن بعضيْهما، تبحث كل منهما عن الأخرى، وعندما يُوجدان ويتعارفان، فإنهما لا يعودان كائنين وإنما كائنًا واحدًا، إنني أؤمن بذلك تماما... أتعلمين أنني أصبح صوفيا! لو كنت شاعرًا لألفت الأناشيد ولغنَّيتها بنشوة، لا يهم؛ فقلبي يؤلِّفها ويُغنيها ونفسي ترق وقلبي يلين، إنني لم أعد أتعرف على نفسي مطلقًا… فلدي شخصيتان: واحدة للعالم كله، وأخرى لك ِ، لي، لنا، وفكرتك وحدها هي التي تجعلها تعيش... ولكن أترين يا سوزان؟ أنا لا أتحدث إلا عني، إنني أناني ... وكل الصوفيين أنانيون".
وتصف سوزان طه بعد رحليه مباشرة: أقول وأكرر القول: "يا صديقي"؛ لأنَّه قبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء كان أفضل صديق لي، وكان - بالمعنى الذي أعطيه لهذه الكلمة - صديقي الوحيد.❤️
"ابقي،لا تذهبي،سواء خرجت او لم أخرج، أحملكِ فيّ ، أحبكِ . ابقي،ابقي ، أحبكِ . لن أقول لكِ وداعاً ، فأنا أملككِ،وسأملكك دوماً ، ابقي،ابقي يا حبّي" منذ أكثر من ٧٥ عاماً كتب طه إلى سوزان هذه الكلمات المحبّة الشرسة والرقيقة في معانيها في ذات الوقت.. التركيبة العجيبة التي ميّزت عميد الأدب العربي ..فدائماً هو المزج مابين الصلابة والرقّة..والحنان والصرامة .. والكآبة والمرح .. بالإضافة الي لمسة السخرية المرّة المعهودة منه دائماً.. في هذا الكتاب تتذكر سوزان طه حسين ..سنواتها و لحظاتها و ذكرياتها مع الحبيب والزوج طه..والأديب و الأب و الموظف و المسئول التنفيذي أيضاً .. تتذكر الأسفار و الأصدقاء و البيوت والمحافل الدولية و العربية.. و الأهم..تتذكر حبّهما..ولحظات تعبيره عن حبّه العظيم لها النادرة.. رحلة ممتعة و إن أطالت سوزان في وصف بعض تفاصيلها..إلا أنها تستحق القراءة بالتأكيد.
تعدل الريفيو بتاريخ 10/1/2019 السعادة ممكن تتلخص انك تلاقى شخص قادر تكمل معاه حي��تك ولكن تكتمل معانيها لما تلاقى شخص متقدرش تعيش من غيره دة ف العادى لكن لما يكون ربنا اختارك تكون نابغة ولك ظروف خاصة تكون السعادة هى الشخص الى اخترته واختارك تكمل معاه والنهاردة انا اخترت لكم رواية معك بقلم سوزان طه حسين اغلبنا قرا الايام والى بالنسبة لى من اجمل كتب السيرة الذاتية والنهاردة ومع كتاب (معك) بنقرا سوا سيرة ذاتية من نوع مختلف سيرة زوجة اختارت تخليد ذكرياتها مع زوجها بالطريقة الانسب التدوين ف كان كتاب معك سوزان التى قال عنها العظيم طه حسين بدونكِ أشعرُ أنني أعمى حقًّا. أمّا وأنا معكْ، فإني أتوصّلُ إلى الشعور بالأشياء التي تحيطُ بي بترجمة رائعة عن نص فرنسى كتب من القلب تنقل لنا الصورة الاخرى من حياة طه حسين بقلم زوجة تحكى لنرى سويا عظمة زوجها تبدا سوزان بوصف اللقاء الاول مع طه الشاب المصرى الضرير الذى جاء من القاهرة للدراسة فى السوربون وتبدا العلاقة بمساعدة سوزان ل طه فى دراسة وقراءة اللغة الفرنسية يوما بعد يوم تغزو مشاعر الحب قلب الفتى المصرى وكان لابد من الاعتراف وكانت صدمة سوزان الاولى والرفض المبدئى لعلاقة تبدو مستحيلة ثم تقع سوزان فى حبه وكان الصدام مع الاهل والمجتمع فى فرنسا ثم كان الزواج تحكى لنا سوزان عن عادات طه اليومية فى فرنسا وفى مصر عن استقبال اهل زوجها وحفاوتهم بها عن تفهم حماها لثقافتها ومحبة حماتها لها رغم اختلاف الثقافات تحكى لنا عن اولاده عن اللحظات الاولى وعن الشقاوة وعن تفهم الطفل ذو الثالثة لظروف والده الخاصة وعن العداوات التى كان لابد منها عن موقف طه وطريقة تصرفه عن الايام السعيدة والايام الصعبة عن رحلاتها الى اهلها واشتياق طه لها عن طه حسين الزوج الذى يحنو على زوجته... وعن العاشق الذى لايطيق صبرا لفراق ف كانت خطاباته الرقيقة جدا وكلماته المعبرة عن معاناته دونها حياة رائعة ماكانت لتكتمل لولا الحب والتفانى والتفهم الكامل من الزوجان كتاب رائع ولغة بديعة ومشاعر كتبت من القلب ف دخلت القلب سوزان وطه ثنائى يستحق التخليد ومعك جزء مهم من سيرة طه حسين الذاتية يكفى انها بقلم شريكة الحياة
الريفيو الاصلى واخيرا خلص الكتاب رقم 72 السنة دى ودة ختام السنة الكتاب تجربة جميلة وغوص داخل تفاصيل حياة شخصية عظيمة ولكن المرة دى بعيون مختلفة..بعيون رفيقة الدرب الكاتبة رغم انها مش روائية الا انها نقلت صورة بالغة الجمال لحياة طه حسين وباسلوب ادبى رفيع المستوى...ويمكن هنا الفضل للمترجم عيب الكتاب بالنسبة لى انه بيتكلم عن اماكن بالنسبة لى مجهولة تماما ف فرنسا وبحكم ان الراوية فرنسية الاصل والمنشأ كمان كنت اوقات بتوه ف الفلاش باك ولكن ف المجمل الكتاب كنز يضاف لمكتبتى استمتعت وبشدة انتهى الرفيو
بدأ الكتاب بداية ممتازة وبدا كأنه من الكتب اللذيذة الحميمية التي أفضلها في كتابة المذكرات .. لكن بعد الربع الأول للكتاب تحول إلى سرد ممل ومفصل بشكل مبالغ فيه للأحداث وعشرات الشخصيات التي لا ينبغي ذكرها لمجرد أنه زار طه في يومٍ ما ، وما زاد الأمر تعقيدًا أن النسخة التي قرأتها من دار هنداوي عرّفوا بكل شخصية في الكتاب وهذا قد يكون جيد ولكنه ضخّم الكتاب لدرجة أن الهوامش أصبحت توازي حجم النص الأصلي .. أعجبني في الكتاب مواقف سوزان الشخصية مع طه ورسائل طه الحميمية لها ، وتمنيت أن يكون أغلب الكتاب كذلك وليس مجرد سرد ممل لتأريخ طه حسين .. كل هذا لا يمنع أن الكتاب زاد عندي الاعتقاد السابق باستثنائية طه حسين، هذا الرجل الكفيف الذي لم تمنعه إعاقته من غزارة الانتاج والتأثير في الفكر العربي بعامة ولم تمنعه أيضًا من تعلم أكثر من ثلاث لغات !
الكتاب سيكون مفيد جدًا للمهتمين بحياة طه حسين خصوصًا للدارسين لكن قد يكون ممل جدًا للقارئ العادي ..
سوزان طه حسين تروي رحلة دامت لأكثر من خمسين عاما عاشتها مع طه حسين لم تكن الحياة في مصر يسيرة أبدا حتى في هذا الزمان من الطرائف أن طه حسين كتب رائعته الأيام في تسعة أيام وألقت الضوء على المعاناة التي كان يعيشها بسبب فقد بصره حتى وإن أبى بكبريائه أن يطلع الناس على آلامه وعذابه حكت عن التكريم والجوائز التي حصل عليها في رحلة عمره ولكنها لم تقف طويلا لتشرح لنا كيف تعايش المسلم مع الكاثوليكية، الرجل الشرقي مع المرأة الغربية كل ما أشارت له من بعيد أن علاقتها بأمها لم تكن على ما يرام بسبب هذه الزيجة وأن أمها لم تستطع أبدا أن تفهمها وأن طه كان يدرك على الفور أنها تلقت خطابا من أمها بسبب ما يبدو عليها من اضطراب كانت هذه الإشارة الوحيدة لما قد يدب بينهما من خلافات ولكنها إشارة بعيدة جدا كما أنها تروي أنها لم تحكي لطفليها أبدا عن عاهة الأب ولكن ابنهما وهو الثالثة من عمره أدرك أن أباه لا يبصر فكان الطفل يسرع ليقود الأب وخصوصا عند انتقال الأسرة إلى بيت جديد
قال طه حسين لزوجته قبل وفاته "بدونكِ أشعرُ أنني أعمى حقًّا. أمّا وأنا معكْ، فإني أتوصّلُ إلى الشعور بالأشياء التي تحيطُ بي."
وبعد موته .. كتبت عنه وله وعن ما كان بينهما في كتابها المدهش " معك " ،وردت على قوله .. قائلة
" ذراعي لن تمسك بذراعك ابدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس، أريد عبر عيني المخضبتين بالدموع، حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة، حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى تحت جفنيك اللذين بقيا محلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة..»
صدفة جميلة .. جمعتني به وكم أتمنى أن أحصل على نسخة منه
كتاب " معك " سوزان طه حسين ترجمة بدر الدين عرودكي دار المعارف 1982
رني الله!. في رواية "وجه الله" يضيق بالبطل حاله في سعيه وراء تحليل موقف اجتماعي يتركز في انتحار عالم رياضيات حتى يوشك على خسارة كل شيء حتى مخطوبته!، يذهب إليها ليدور بينهم حوار ما ثم ينهض ليجلس قبالتها ثم يضع وجهه على ركبتيها ثم يبكي بكاءا حارا!...... ************ أحيانا تغلَّق مصاريع أبواب سبل الحياة ليقف الإنسان أمامها حائرا، ينظر يمنة فإذا به ولا شيء، ينظر يسرة فإذا به ولا شيء= ما هذا؟؟ أهذه الحياة على طولها وعرضها وناسها وضجيجها وعجاجها ضيقة هكذا، تتردد كلمات لا يعلم سياقها وتنثال دواع اليأس من اللا مكان وتتراكب حتى تهيء للمرء أنه سدت عليه طرقاته، وهي يا صديقي لا شيء!!، فالكل باطل وقبض الريح ولا جديد تحت الشمس والنهر في تكرار رحلته والسماء مستمرة كما هي لا تتغير وإلى أخره من تلك الكلمات، ويتفلت الإنسان حتى يرى نورا يلمع من بعيد فيغذ السير إليه ولكن يئوب بخفي حنين، فعندها أيكون العيب في النور أنه على التحقيق لا نور، أم أن العيب في العين أنها لا تبصر على وجه التحقيق! ولو كانت الثانية فكم يستغرق منك هذا التدقيق والإصلاح حتى تستقيم رؤيتك؟؟ وإذا ما انصلحت هل ستكون هناك القدرة على المضي؟ وماذا يفعل المرء بما يفقد ويتسرب الى الضياع من الأشياء التي يعدها هامة وتشكل حياته خلال إصلاحه بصره؟ أولن يكون وحيدا في النهاية والطريق موحش وطويل؟ = يجمع حوله من مثله!، ولكن المرء هلع وعجول.... *********** العمى! كلنا أعمى على وجه المجاز، العمى والظلام والضيق والبعد...كلها مفردات تتراكب لتصف حالا واحدا.... في الطريق تحتاج للبصر لرؤية ما أمامك، لرؤية ما خلفك، لتتعرف على ما يحيط بك، لتتجنب سوء ما يكمن لك وما يحيطك، لتتشارك مع غيرك، ولكن من منا بصير لهذه الدرجة! كنت أتحدث أن للإنسان في كلامه مستويات عدة فتراه يذهب يعرض كلاما ولعله يضمر عكسه .... ليس نفاقا، ولكن هذا ما يقدر عليه أو هذا ما يمكن فهمه ، أو يذهب يقيس حالا على حال ويريد من هنا معنى يستعيره لحال أخرى، وهنا الأمر كذلك فأحيانا يذهب المرء يبحث عن المكفوفين ليراهم يضعون نصرا تلو النصر ويمضون في حياتهم مضي المبصرين فيتمكن منه معنى معين أن ما يسمى عمى على وجه المجاز يجوز تحطيمه والتغلب عليه كما غولب فغُلب العمى على وجه الحقيقة...في كتاب "تكيف المكفوفين" يتحدث الكاتب عن تاريخ المكفوفين! عن عزلة عن الجماعة السليمة، عن اختناق بجو العزلة هذا، عن مساءلة لمشروعية هذه العزلة، ثم ثورة على وضع مفروض بلا مبرر، ثم تدعيم جوانب تلك الثورة بمعان حقيقية جديرة بالتصديق من انتارات يُجارى بها عالم الأصحاء، ثم ترسيخ لكيانات تحفظ تلك المستحقات، ويكأن ذلك التأريخ هو تأريخ لحال كل نفس تتماس مع العمي في جزء وتأخذ منه نصيب إن أرادت خروجا.....إن ما في مكفوفي البصر من عظمة يكمن في غياب مدى التنوع المتاح عند المبصرين ثم تمكنهم من إيجاد منافذ أخرى يطلوا من خلالها على الحياة، فالمبصر يتعلل بضيق خياراته فإن كان مكفوف البصر يمضي في حياته فهذا يعني وجود خيارات ومعان وقيم وسبل غائبة عن المبصر فإن تقرر ذلك: فلا بد عندها إذن من تكرار السعي إذ ليست الأمور كما يتخيل عنها!. **************** "وأخيرا لما لا أعترف وأقول إنه بدلا من أن يحتمي وراء همومه الخاصة لم يكف أبدا عن بذل وقته لأولئك الذين كانوا يطلبونه منه، وعن بذل تشجيعه لأولئك الذين كانوا يبحثون عنه عنده، حتى ولو لم يكن يستطيع أن يقدم سوى المودة..." "إننا نصنع على كل حال، فيما وراء مشاغلنا اليومية أشياء ستبقى، ولن يستطيع أحد فيما أظن أن يقوضها" "أثناء عودته كان يهتف بأبي المساكين، ويحيا وزيرنا، يحيا صديقنا......" ربما يكون فاقد الشئ لا يعطيه، ولكن عندما يفقد إنسان شيئا ما هاما في الحياة، فإنه تتعثر به الحياة ويذوق من مر كأسها...عندها فقط يدرك وبشكل واضح ما يعانيه الأخرون فاقدي مثل أو غير ما فقد، ويصبح شعوره بهم إنعكاسا لشعوره بذاته، فيتحرك لنجدتهم قدر المستطاع، أو يتحرك لمنع أحدهم من الإنزلاق إلى ما انزلق إليه، وعلى أوسع صورة تجد الكفيف= فالفقد هنا فقد تواصل مباشر مع الناس، فقد إحساس بالحياة على شكل مرضي، إنخفاض في مستوى أي نشاط يُبتغى القيام به، ولكن في المقابل شعور هذا ��لكفيف يكون أرهف من أي شخص اخر بمجمل حياة الأخرين!، وأكثر إدراكا لأبعادها، وأكثر الناس تفهما، وأسرعهم للنجدة وقت الأزمات، كأن الإنسان ينقذ نفسه كل مرة يساعد فيها غيره أو ينجد ما يمكنه إنجاده من نفسه، وقد يكون لقائل قول إن هذه أنانية متلبسه بلبوس طهر، غير أني لا أرى هذا وإنما أراها مراقبة لنفس المرء حلت في اخر أيما كانت وسيلة الحلول هذه فلا شك ناجم عنها رحمة ولطف فأنت ترى غيرك وكأنه نفسك، فأي شيء بعد هذا. ***************** انظر كيفما شئت لحياة العميد، ستراها حافلة...قلبها طولا وعرضا وستراها ثرية غنية!، ولكن بي هاجس أنه ما كان ليصبح على هذا الوضع لولا: "هذا القدر من الحب الذي كان علي أن أحمله وحدي ،وحدي عبئا رائعا، ما أكثر ما خفت ألا أتمكن من القيام بمتطلباته بجدارة!" "ذراعي لن تمسك بذراعك أبدا، ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس. أريد عبر عيني المخضلتين بالدموع حيث يقاس مدى الحب، وأمام الهاوية المظلمة حيث يتأرجح كل شيء، أريد أن أرى ، تحت جفنيك الذين بقيا مغلقين، ابتسامتك المتحفظة، ابتسامتك المبهمة، الباسلة، أريد أن أرى من جديد ابتسامتك الرائعة" "ليس لدي من التبجح كي أكتب عن أبي العلاء المعري، غير أنه كثيرا ما قيل وتردد ذلك، إن طه كان أبا علاء اخر، إنسانان غارقان في الليل نفسه، إنسانان يرفضان أيضا قدرا ظالما، إنسانان يملكان وضوحا خارقا وموهبة في التعبير استثنائية، وكبرياء شامخة وجرأة فكر، كلاهما يعرفان نفسيهما ويريدان أن يكونا حرين، وكلاهما كان يحاكم العالم دون أي وهم. نعم." "إن أبا العلاء برفضه المتكبر إنما كان يرفض سجن العاهة الذي يواجهه، والعقبات التي اعتبرت مما لا يمكن التغلب عليه، كان يرفض الأثام والمظالم، كما كان يرفض الضغوط والإكراهات وكل أنواع العبودية، ولكنه لم يقل هيا إلى الحياة، إلى النضال، إلى الحنان...أما طه فقد أراد أن يحيا، وأن يحيا بجرأة مستقيمة، مستنيرا في داخله، بحيث لم يكن يعطي الإنطباع بأنه أعمى، ولقد حدث دون أن يقصد ذلك أن علم كيفية الحياة لأناس اخرين....." " إننا نتكئ على الذكريات، إذ لما كنا نستشعر حاجة عميقة لئلا يموت أولئك الذين أحببناهم، فإنا نبعثهم عبرها ثانية. ولكي لا يتخلو عنا، فإنا نجعلهم يشاركوننا حياتنا المستمرة. وإنه لوهم أخر أيضا! فالحياة تتغير كل لحظة، كما أنهم يبقون غرباء عنها. فإن رأونا فإنهم لا يروننا بين الأشياء وفيما بين جدران غرفنا ولا في الأحداث الجارية بعيدا عنهم، والان ما أكثر الأشياء الني تحيط بي، ومع ذلك فلم تعد هي الأشياء التي عرفها هو....." أقول...أقول إن حبا وعطفا وتذكرا متبادلا لابد أن يكون له أثر كبير فيما صار إليه العميد... *************** (تجتاحني الذكريات القريبة وتزعزعني إلى الحد الذي يصعب علي معه أن أتحدث عن الأحزان القديمة. لكنها أحزان ذات أهمية مع ذلك، وكانت ثورتي كبيرة إزاء الأذى الذي كان بالوسع إلحاقه بإنسان كطه عن وعي وتبصر. لكني أعتقد الان، أنه بعد أن خيم الصمت العظيم، وانمحت الزجرة الحاقدة والعدوانية إلى الأبد، ربما كف أولئك الذين أوذوا عن الغضب ممن اذوهم ما إن اجتزوا عتبة الحياة البشرية.....وقد كتب طه لي بعد أن كتب مقالا لاذعا: "لا أحب أن أكون قاسيا. وعندما اضطررت لأن أكون كذلك على الرغم مني، فقد كنت بحاجة لأن ألين نفسي، ولو أنك كنت قربي، إذن لوضعت رأسي على كتفك") (كان في السنوات الأخيرة يقول بحزن:" كنت أقل الجميع اعتبارا في نظر أسرتي، كنت مهملا، محتقرا...ومع ذلك فإن كان لهم أن يفخروا....أحيانا..." ولم ليتم جملته. وكان يقول غالبا: "لو تعلمين...لو تعلمين..." كنت أعلم فيما أظن ، وربما ليس كل شيء. ومع ذلك فهل تعتقد أنني لم أكن أعلم لماذا حزمت رسائلي أنت الذي لم تكن تستطيع قراءتها؟ ولكن أكنت تعرف ما كنت أعانيه عندما تحمل لي واحدا من كتبك صدر أخيرا؟ اه....لم يكن ما أعانيه زهوا.....إذ أن ما كان يقلقني ولا يزال يقلقني أكثر كلما تذكرت ذلك هو الحركة التي كنت تمد لي بها يدك بالكتاب، كانت حركة مرتبكة تقريبا، كما لو أنك كنت تعتذر، كما أنك لو كنت تقدم لي شيئا ضئيلا جدا في حين كنت تمنحني أفضل ما لديك وتمنحني ما كان الاخرون ينتظرونه بفراغ صبر، اه ما أكثر تواضعك، وما أشد ثبات هذا التواضع! ما أكثر ما أحببتك!، وأحبك بسبب هذا! ولم أعرف كيف أعبرلك عن هذا الحب"). ************* في النهاية أعيب على الكتاب أنه توسع في ذكر أعلام من الغرب لا أعلم عنهم أي شيء فكانوا كالمقحمين لا أستطيع تقبل أجزاء ورودهم بسلاسة لأنه كان يتم ذكرهم في معرض الحديث عن مواقف حميمة مقربة وفي الجهة المقابلة لا أعرف تلك المواقف، والثانية أنه استعرض كثير من الأماكن التي زارها طه حسين وأنا لا أعرف بتاتا عنها شيء فكانت أجزاء غريبة علي خاصة عند وصفها، والثالثة كنت أتمنى سرد لمواقفها الحوارية مع طه حسين وتعليقاتها معه على كتبه،وحياتهما في بيتهما وكيف ربيا أولادهما= ذكرت ذلك ولكنه كلام يستفاض فيه أُجمل في صفحات معدودة...... حملت هذا الكتاب فكان "معي" مذ بدء الإمتحانات حتى الإجازة التي لما تنقضي، فكان تجربة حسنة والحمد لله أولا وأخرا.
السيدة سوزان تقتلني بتفاصيل ما لها من داع وتزحم ذاكرتي الضئيلة بأسماء وتواريخ وأحداث مملة، لكنها تُشكر على التفاصيل المشوقة القليلة غير المرتبة التي جاءت بها عن حياة الدكتور، وكذا الصور التي هي أجمل ما في الكتاب.
العيب فيه الملل الشديد وأحداث يمكن لا تكترث بها لأنها حدثت بأماكن غير معروفة وذكر هذه الأماكن وسرد تفاصيل خاصة بها كان قاتل .ووجود الهوامش في اخر الكتاب وهوامش عريضة لم أستطع ملاحقة الهامش بالقراءة كان من الأفضل ذكرها بنفس الصفحة .
بدأت سوزان المقدمة بهذه الكلمات التي قالها طه حسين بعد زواجهما، وأفتتحت بها صفحات حملت سنوات من الحب والإحترام والصداقة… على كلٍّ! الكتاب لم يكن مجرد حكاية حبٍّ سطرت لكي تخلد بل أيضًا توثيق لمشوار طه حسين الأدبي والثقافي والعلمي والإنساني، إلى بعض من جوانب حياته الأكاديمية والسياسية وبعض فتراته العصيبة التي مرّ بها.
وحين قال له نزار "القِ نظارتيك، فما أنت بأعمى" لم يكذب! فـطه حسين لديه عينان بإسم سوزان.. كانت هيَّ عينا طـه التي يرى ويقرأ بهما العالم.
"بدونكِ أشعر أنني أعمى حقًا. أمّا وأنا معْكِ، فإني أتوصّل إلى الشعور بكلّ شيء، وإلى أنّ أمتزج بكلّ الأشياء التي تحيط بي".
كتاب مليء بالتفاصيل ال ممكن تسبب الملل للكثير، لكنها حميمة وصادقة لأبعد حد ودا سبب حبي للكتاب. كتاب يُشعر القاريء بالحب والدفء وهو بيقرأه، حقيقي من أرق وأعذب ما قرأت.
خرجتُ من "الأيام" بانطباع أن سوزان هي التي تمتلك مفتاح شخصية طه، ولم تُخَيِّب "معك" ظني، ومَن غيرها يستطيع إطلاعنا على تلك التفاصيل الدقيقة من حياة صاحبنا، الذي يعترف بأن لديه "شخصيتان؛ واحدة للعالم كله، وأخرى لكِ، لي، لنا، وفكرتكِ وحدها هي التي تجعلها تعيش"، ولا غروَ ألا يبوح بمخاوفه -كطفلٍ- إلا بين يديها: / - إنهم يريدون بي شرًا.. هناك أناس أشرار. - من الذي يريد بك شرًا يا صغيري؟ من هو الشرير؟ - كل الناس.... - حتى أنا؟! - لا، ليس أنتِ. / وبرغم كتمانها -أو تجاوزها- بعض ما أغفله صاحبنا أيضًا في أيامه؛ فهي التي أخبرتنا عن بعض تفاصيل لقاءاتهما الأولى –وإن على عجالة- وعن دور عمها القس في إتمام زيجتها، وعن حَمَوَيْها اللذين لم يكد صاحبنا يذكرهما في الجزء الثالث والأخيرة من أيامه، بل وتطرَّقت إلى بعض مظاهر المسيحية والإسلام في حياتها وحياة زوجها وأهله. / "لقد كان بالقرآن شغوفًا" / حاولت سوزان الغوص فيما وراء "احتدام غضبه وعنف أقواله"، وبهجته التي لا تدوم، ومحاولاته المضنية للصبر الذي "لا يتوصل إليه أبدًا"، وكيف أنه "كان متسلطًا دون شك، لكنه لم يكن جارحًا قط"، حتى خوضه قتالا مع كل خصومه أثناء هذيانه في مرضه، وسقوطه في "أزمات (نفسية) سوداوية لا يمكن تخيلها إذا لم يعشها الإنسان معه". / "وستبقى دومًا في أعماق نفوسنا زاوية كانت وستبقى دومًا وحشية، ولن يمكن تقاسمها إلا بين كائنين، كائنين فقط، أو أنها لن تقتسم على الإطلاق. هذه الزاوية الوحشية المتوحدة هي أفضل ما فينا". / وحدثتنا في مقابل ذلك عن فكاهته حين يتحدث عن إنجازه "عملًا بطوليًا خارقًا؛ فقد تحمَّمتُ اليوم في البحر"، وقدرته على "الرؤية بلا عينين" لدرجة أن يستطيع وصف صورة المطرب البدين الأصلع الذي لم يكن يحب صوته بمجرد سماعه عبر الراديو، وفي موقف آخر يحدس أن المجهول الذي دخل عليه وهو وحده كان يحمل سكينًا فيضغط الجرس الذي كان موجودًا أمامه ليهرعوا إليه في الحال. وعلى عكس الشائع، تنفي سوزان أن تكون لدى طه نزعة أبي العلاء التشاؤمية السوداء المطلقة التي لا مخرج منها، وتؤكد أن صاحبنا "عندما كان يقول: "وبعدُ؟" أو "ثم ماذا بعدُ؟" فقد كان يطرح سؤالا -لا يخلو من قلق- عن المستقبل الذي لا نسيطر عليه، أكثر مما يطرح إشكالا يشل الإنسان".... "كما أنه لم يكن لديه هذا الاحتقار للناس الذي تغلَّب على أبي العلاء المعري، كي يهرب منهم ولينعزل في وحدة قاسية، حتى ولو كان يشعر في أعماق نفسه بأنه وحيدٌ وحدةً لا خلاص منها". تأخذنا "معك" في جولة داخل عوالم طه حسين، بدءًا من دواخل نفسه، مرورًا بـمنزلهما الذي أسمته رامتان" -ومعناها: خيمتين، أو ملجأين- وليس انتهاءً برحلاتهما حول العالم، ولفرط حنينها إلى محبوبها تسهب -لدرجة الإملال أحيانًا- في وصف الغابات والمروج والبحيرات والبحار والجبال والسهول التي كانا يلقيانها بفرح كما لو كانا يلتقيان أصدقاء أعزاء، وتستعيد على عجالةٍ ذكرى عشرات الشخصيات التي ستحتاج إلى قراءة 81 صفحة من الهوامش لتتعرف عليها أكثر، وكان الناشر يحسن صنعًا لو وزَّع تلك الهوامش أسفل المتن في كل صفحة بدلا من سردها منزوعة من سياقها في مؤخرة الكتاب. تفتح "معك" نوافذ أخرى للإطلالة على "الأيام"، وأضاف الثنائي زينه ويجان وبرونو بونفار في الهوامش والتذييل تأمُّلات وشروحات مفيدة، غير أن ظمأي لن يرتوي قبل قراءة "مذكراتي" للابن مؤنس- مبتدع التعبير الطفوليّ: "أحبك اثنين، ثلاثًا.. حتى نهاية الحساب"- و"ما بعد الأيام" للصهر محمد حسن الزيات، وقراءة النصوص الكاملة للمؤلفات التي أحدثت جلبةً حول صاحبنا، والمؤلفات المضادة التي قيلت في نقده؛ ليس فقط بُغية التعرُّف على جوهر طه –وهي مهمة ليست بالهينة حتى على صاحبنا نفسه، وهو القائل: "لن يعرف الإنسان نفسه على الإطلاق، وسيبقى دومًا في أنفسنا شيء ما، نستشعره دون أن نفهمه مطلقًا"- ولكن أيضًا لمعايشة تاريخ مصر الحديث، الذي توفر تلك المذكرات الشخصية والمساجلات الفكرية لبنة رئيسة في بنائه؛ ذلك أن محاولة فهم حاضر مصر بمعزلٍ عن تاريخها -آخر قرنٍ على الأقل- لن تؤدي إلا إلى صورة مجتزأة إن لم تكن مُشَوَّهة.
"يعز علي دوماً هجران طريق ما. كنت أود لو أن الطرق لا تنتهي، ها أنا ذا على نهاية الطريق ذلك الطريق الذي اجتزناه معاً وحدنا، لكن الدرب لا يمتد أكثر من ذلك، ولابد من الوقوف، فهو درب لا يمكننا أن نجتازه ثانيةً لابد من وداعه"
كنت أتمني لو كان الكتاب مجرد رسائل طه حسين وسوزان فقط بدون تفاصيل أكثر ..
بدأتُ قراءة الكتاب بفضول الباحث عن جواب. كان سؤال "كيف استمر الحب كنبعٍ لا ينضب في علاقة طه وسوزان لـ58 عامًا" يشغلُ ذهني. ثم إن أكثر ما أثار دهشتي هو قوة العلاقة رغم مرور الزمن الطويل عليها، ووجود الاختلافات الشاسعة بين الحبيبين. وتعجبت كثيرًا كيف أستطاعت سوزان الفتاة الفرنسية المسيحية أن تتخلى عن كل شيٍء في فرنسا تاركةً عائلتها ووطنها، لتتزوج من مصريٍ مسلمٍ وكفيف! وعلى الرغم من ذلك الاختلاف الثقافي والديني نجاحا بشكل باهر على ابقاء هذه العلاقة الجميلة. تقول سوزان " كنا معاً، وحيدين، متقاربين بشكل يفوق الوصف..... "يا صديقي الحبيب" وظللتُ كل صباح، حتى عندما لم نَعدْ وحدنا، أقول وأكرر القول "ياصديقي" ؛ لأنه قبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء كان أفضل صديق لي، وكان- بالمعنى الذي أعطيه لهذه الكلمة – صديقي الوحيد."
وحتى طه نفسه يصف هذه العلاقة الاستثنائية فيقول: " لعل ما بيننا يفوق الحب"
ومع كل ذلك إلا أنها لم تكن علاقةً مثالية أو وردية وهذا ما قدّرته في طرح سوزان، صدقها في نقل صورةٍ واقعية. إذ كثيرًا ما ذكرت في كتابها مواقفًا صعبة ومرات عديدة ا حاصرتها الكآبة بسبب "النوبات السوداء المخيفة" التي كان طه فريسةً لها. والمرات التي كان يساورها التعب والإرهاق لكثرة المناسبات الاجتماعية التي كان لابد من حضورها برفقة طه.
أعترف إنني لم أجد إجابةً حاسمة لسؤالي الذي طرحته في البدء، لكنني على الأقل رأيت بعض الأشياء اللافتة في علاقتهم . فمثلاً نلاحظ وجود اهتماماتٍ مشتركة وعديدة بين طه وسوزان، كاهتمامهم بالأدب، الدين، العلاقات الاجتماعية، الطبيعة والنزهات، الجمال، والموسيقى. وكثيراً ما أبهرني اهتمام طه بالنزهات و السفر في الطبيعة لدرجة تعجبت فيها من قدرته على استشعار الجمال رغم إصابته بالعمى.
ثم نرى أيضأ من خلال كلمات سوزان الشعور العالي بالامتنان لدى طه الذي كان يكررالقول :" إننا لا نشكر الله بما فيه الكفاية"
ولدى سوزان نفسها والتي على الرغم من زواجها من شخص كفيف إلاّ أنها لم تكن تشعر بأن الاعتناء به يشكل لها عبءً، بل على العكس تماماً! واقتبس هنا نصًا رقيقًا عبّرت فيه عن مرارة افتقادها للاعتناء به : "ذراعي لن تمسك بذراعك أبدًا؛ ويداي تبدوان لي بلا فائدة بشكل محزن، فأغرق في اليأس." وتقول أيضاً " كنتُ أشعر بقوة لا توصف بكمال النعمة التي أغدقت عليّ، أنا التي وجدتكَ على طريقي"
وما أكثر المرات التي كانت فيها تشعر بالامتنان والحب - بشكل لافتٍ بالنسبة لي- لأبسط الأشياء الصغيرة والتي قد تبدو عادية جدًا..
- " أملك صندوقاً صغيرًا لوضع أدوات الزينة.. لا أستطيع أن أنظر إليه الآن بلا مبالاة؛ فعندما كنا نذهب في رحلة خاصة، كان يحملهُ بعناية وفخر رقيق وحنون يوثر في نفسي تأثيرًا عميقاً. إن هذه الأشياء هي أكثر من عادية إذا ما جرت بين زوجين عاديين، بيد أني كنت أقيم لها اعتبارًا عظيمًا إذ أراها تصدرُ عنه!"
ونلاحظ أيضًا وخصوصاً في رسائلهما الرقة والحنان المتبادل فسوزان كثيرًا ما كانت تستعمل عباراتٍ مثل "يا صغيري المسكين" وكثيرة هي اللمحات الجميلة والانسجام المدهش والعذب بينهما.
كانت سوزان صادقةً في وصفها لكل التفاصيل لدرجةٍ يصعب فيها عليّ تقييم الكتاب، إذ لا تسمح لي نفسي بالحكم على ذكريات حب وعشرة مليئة بأرق المشاعر والأوصاف، ولا حتى على شجاعة أرملةٍ خاضت رحلة الفقد مارةً على نفس الأماكن التي كانا فيها معاً.. لكن وحيدةً -جدًا- هذه المرة.
وعلى الرغم من أن الملل انتابني عدة أحيان لأنها كانت تسهب في ذكر الأسماء والأماكن والتفاصيل الدقيقة، فقد عذرتها وتفهمت أن كل ذلك ليس إلا محاولةً من شخص يتجرع مرارة الفقد لتخليد الذكريات مع محبوبه. كانت تكتب بمشاعرها المتدفقة بانسيابية ودون تفكير بشكل منطقي، لذلك وجدت نفسي أحيانًا في متاهة لعدم استيعاب التسلسل الزمني، ولكنّه كان يشبه حديثًا حميميًا مع صديقة مستغرقة في اللحظة، وهذا ما يميز الكتاب كما وصفت سوزان "أريد بكل بساطة أن أخلد للذكرى"
مذكرات سوزان طه حسين. السيدة التي تركت بلدها، وأهلها لترافق حبيبا ومعلما وصديقا، يبدو من حكايتها انها احتاجته كما احتاجها.
لما انتهيت من المذكرات، رحت اتأمل فكرة أن يرتبط شخص بإنسان ما للدرجة التي تتحول فيها حياته كلها للاهتمام بتفاصيل هذا الإنسان، واحتياجاته وتقلب مزاجاته.. أن يتقبل ضعفه ويحتوي ألمه ويتفهم غضبه بكل هذا الحب والتفاني.
تصريحها بأنها تشعر بالضياع من دونه وقت سفرها.. حيث ينتظر، ويفهم ان يكون ذلك شعوره هو، لا هي، كان مبهرا لي.
للأسف إخراج الكتاب كان سيئا جدا. طبعة المركز القومي للترجمة، لا فواصل بين الفقرات ولا تقسيم من أي نوع. الترجمة لا بأس بها، لكن أظن انها كانت من الممكن أن تكون أحسن من تلك. فقرات قليلة جدا التي نقلت العاطفة الأصلية للنص الأصلي.
لم أكن أعرف الكثير عن طه حسين، ومنحتني تلك المذكرات تفاصيل عن حياته وسعيه في مجال التعليم والثقافة في مصر. ولم أستطع ان أمنع نفسي من مقارنة كل وزراء "الثقافة" الذين عاصرتهمم في حياتي، وأتحسر على أحوالنا وما آلت إليه.
بالتأكيد لم تكن تلك المذكرات حيايدية تجاه شخص طه حسين ولا تصرفاته/مواقفه، ولكنها بالنسبة لي هي المصدر الوحيد لأي معلومات عنه، حتى الآن. وإن كنت سأحب أن أجد مصدرًا آخر لمعلومات عنه وعن مواقفه.
لكم أتمنى أن أكون مجرد عابرة، بالمعنى المطلق لهذه الكلمة!. ولو أنني أستطعتُ ذلك لجعلتُ من نفسي خيالاً لا يُرى. وفي الصمت أتَّجه نحوكَ بكل قواي. كل ما بقيَ مني يأتي إليك. وإنما لكي آتي إليك أكتبُ وأتابعُ كتابة كل ما يطوف بقلبي.. وها هي سوزان تقف من جديد على عتبات ذكرى طه، الرجل الذي كان ومازال صديقها الوحيد قبل أن يكون حبيبها، وحتى بعد أن أصبح زوجها لتعيد معه رحلة الحب والحياة التي وحدتهما سوياً. وتشق نفس الدروب التي كانت قد مهدتها له بحبها ورفقها لتحضن خطاه. لعل ما بيننا يَفُوق الحبَّ.. لقد رأيت هنا الحبّ ولمسته وتنفست شذاه. واستمعت إلى الكروان الذي كانت نغمات صوته العذبة تتسرب من بين كلماتها، وإلى زقزقة العصافير في صباحاتهما السعيدة، وإلى الموسيقى التي استمعا لها سوياً في الأمسيات البعيدة . وصمت البحيرة التي عكست صورتيهما على صفحتها. رأيت طه الذي قال لها يوماً :اغفري لي، لابد من أن أقول لكِ ذلك؛ فأنا أحبكِ. وكأنه لا يحق له أن يحبها كونه فاقداً لبصره. ولم يكن يعرف أنها نفسها مَنْ ستكون رفيقة الدرب الطويل بآلامه وأفراحه. الذراع التي سيستند عليها في رحلة الحياة. والضوء الذي سيبصر به حقيقة الأشياء. ورأيت سوزان الصديقة المخلصة، والمرأة التي أحبت حباً نادراً، والزوجة الوفية له في مماته كما كانت في حياته. التي فقدت العذوبة في كل شيء بغيابه عنها، حتى أنها لتشعر أنه لم يعد من حقها أن تتبين جمال السماء أو أوراق الشجر، ما دامت لم تعد تستطيع أن تقول ذلك له. بدونِك؛ أشعر أنّي أعمى حقاً. أمّا وأنا معكِ، فإني أتوصّل إلى الشعُور بكُل شيء. وإنّي أمتزج بكُل الأشياءِ التي تُحِيط بي. طه كلّي معكَ. سوزان
الحُب يَصنعُ المُعجِزَات فكيف إذًا تلتقي ديانات مختلفة كالمسيحية والاسلام معاً إلاَّ إذا وُجِد الحُب، هكذا كانت حياة سوزان وطَه حسين مليئة بالحب الذي جعلهما يناضلان معارك الحياة سويًا يداً بيد وقلب بقلب .. إنها علاقة حب وصداقة بُنيت على الاحترام والتفاهم والتقدير وهذا ما جعل حياتهم تستمر فقد كانت سوزان عينا طه حسين التي يري بهما العالم، وهذا ما سطرته هنا من رسائل متبادلة مابينهما حينما كانت في فرنسا وهو في مصر.. سوزان "كانت امرأة في الثمانين من عمرها تصرخ بطريقة شجية الحب الخارق الذي عاشته من خلال ما يقارب ستين عامًا للزوج الذي أتت على فقدانه".. . هنا نتعرف على الجانب الإنساني و العاطفي لطه حسين وحبه لأبناءه ولعائلته الصغيرة فقد كان أبًا رائعًا وكان يتحدث معهم على قدم المساواة ولم يستخدم لهجة رسمية أو متحفظة معهم. كما ذكرت سوزان حبه و شغفه للموسيقى والمسرح. أما الرامتان ذلك المنزل العائلي الذي صممته سوزان ليكون منزل الراحة والأمان والاستقرار وتقول في استذكار هذه اللحظات "الاحظ أنني أتحدَّث عن هذا البيت بصيغة الماضي، والحق أن الرامتان لن يُبعثَ ثانية".. .. سيرة تُقرأ بحب قد يكون بها بعض من الاسهاب في غير مكانه ولكن محبي طه حسين سيرونه غير ذلك. كُتبت هذه السيرة باللغة الفرنسية ونقلت للعربية رغبة من سوزان ليقرأها محبي طه حسين ويتعرفوا على جوانب لم تذكر سوى في هذا الكتاب.
طه حسين!، هو في هذا الكتاب كأحد الأولياء المقربين إلى الله، أو كأنه كما قال شوقي في وصف غاندي: نبي مثل (كونفشيوس).. أو من ذلك العهد قريب القول والفعل .. من المنتظر المهدي شيبه الرسل في الذود .. عن الحق، وفي الزهد لقد علم بالحق .. وبالصبر وبالقصد
ما أعظم طه حسين وأطهره في هذا الكتاب، هذا الكتاب كتبته سوزان طه حسين بروح خالدة متدفقة مؤمنة تُجسّم الذكريات أمامها وتكتب كما تشاء، ما أفتن ما تكتبه وما أقوى حبها وأشد إخلاصها وما أكمله من رجلٍ هو زوجها، وأود لو أكثرت من استخدام أفعل التفضيل هنا كثيرا جدًا، فأنا لا أجد ما أقوله أمام هذا النفحات الفردوسية التي جاءت إلى أرضنا متنكرةً في هيئة كتاب!
حقيقة هذا الكتاب قد يكون ممل بعض الشيئ لمن يريد ان يقراء سيرة ذاتية سواء للكاتبة وهي زوجة لاديب كبير شغل العالم العربي بارائه الصادمة في الكثير من القضايا ولعل اهمها ما جاء في كتابه عن الشعر الجاهلي او في ارائه في قصص القران ، عموماً لن اعيد هذا الجدل الان فكما قلت فهو ليس سيرة ذاتية لا للكاتبة ولا لزوجها الدكتور طه حسين الذي كتب سيرته في كتابه الايام بأجزائه الثلاثة ... لكن اهمية هذا الكتاب انها كشفت عن جزء كبير ومساحة منسية او لم تكن تعرف عن هذا الكاتب الكبير ومن يعرف يقراء بين الاسطر سيستطيع بدون جهد يذكر يعرف مدى تأثر طه حسين بأساتذته من المستشرقين بل انه يتبنئ الكثير من أفكارهم..... الكتاب على العموم يلقي الضوء على فترة خصبة من تاريخ مصر يستحق ان يتم التعرف عليه بشكل اكبر
"لكم أتمنى أن أكون مجرد عابرة، بالمعنى المطلق لهذه الكلمة! ولو أنني استطعت ذلك لجعلت من نفسي خيالًا لا يُرى. وفي الصمت اتجه نحوك بكل قواي. كل ما بقى مني يأتي إليك. وإنما لكي آتي إليك أكتب وأتابع كتابة كل ما يطوف بقلبي." أقول وأكرر القول: "يا صديقي"؛ لأنه قبل كل شيء وبعد كل شيءوفوق كل شيء كان أفضل صديق لي، وكان - بالمعنى الذي أعطيه لهذه للكلمة- صديقي الوحيد."