خمسة أصوات هي بمثابة خمسة نداءات استغاثة أطلقها هؤلاء المبتلون بهمومهم الإنسانية والإبداعية وبشغفهم بالحياة التي تخبو حماسته بسبب العوز المادي أحياناً أو بسبب المثال السياسي الذي لم يحقق ما كانوا يحلمون به أو بسبب حاجات الجسد المأزومة .
* ولد عام 1927 في أحياء بغداد الفقيرة وأنهى دراسته الإبتدائية والثانوية فيها. * أصيب بالتدرن في وقت مبكر. * سافر إلى مصر للعلاج ليكمل دراسته في كلية الآداب. * أتاح له وجوده في مصر الإحتكاك المباشر في الواقع الثقافي القاهري فكان يحضر مجالس أشهر الأدباء المصريين، مجلس الزيات ومجلس سلامة موسى ومجلس نجيب محفوظ ظهيرة كل جمعة في مقهى الأوبرا. * مارس كتابة الشعر أولا ...لكنه أخفق فيه. * عمل منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين في الصحافة الأدبية.
* أعمال غائب طعمة فرمان:
1 - حصاد الرحى / مجموعة قصص / 1954 2 - مولود آخر / مجموعة قصص / 1955 3 - النخلة والجيران / رواية / 1966 4 - خمسة أصوات / رواية / 1967 5 - المخاض / رواية / 1973 6 - القربان / رواية / 1975 7 - ظلال على النافذة / رواية / 1979 8 - آلام السيد معروف / رواية / 1980 9 - المرتجى والمؤجل / رواية / 1986 10 - المركب / رواية / 1989
* مترجماته:
ترجم نحو ثلاثين كتابا ونال جائزة رفيعة على جهده في هذا الجانب، ومن ترجماته:
- أعمال تورجنيف في خمسة مجلدات - القوزاق لتولستوي - مجموعة قصص لدستويفسكي - مجموعة قصص لغوركي - المعلم الأول لايتماتوف - مجموعة أعمال بوشكين - لاشين عملاق الثقافة الصينية
خمسة أصوات لخمسة رجال في بغداد الخمسينيات ينتقل الرواي بينهم بسلاسة ليحكي عن صداقتهم وحياتهم حياة يحكمها الواقع بفقره ومحظوراته وهمومه اليومية كل منهم يعيش حالة مختلفة من الضياع والسأم والهروب ويتساءل عن حقيقة نفسه وقدراته, رغباته وأحلامه بأسلوب جميل يكتب فرمان عن تفاصيل الشخصيات ومصائرهم الحزينة وخلال السرد يعرض الأحوال السياسية والثقافية والاجتماعية
"أيها السادة يهمنى ان أقدم لكم كاتبًا احسن منكم جميعًا، يهمنى ان اصفعكم به، فإفتحوا آذانكُم جيدًا واسمعوا واعوا. إن "خمسة أصوات" واحدة من أفضل أفضل الروايات الّتى شَهدها أدبنا العربى الحديث،ومؤلفها "غائب طعمّة فرمان" هو من أحسن أحسن الذين يمسكون القلم فى هذه القارة المُمتدة -أدبيًا- من المُحيط الهادر إلى الخليج الثائر ." هكذا قَدم "غسّان كنفانى" الرواية فى تناوله لها فى مقال نُشر ضمن مقالاته "فارس فارس" وهل لى أن أُضيف شَيئًا بعد غَسّان :)) تقريبًا المرة الأولى اللى أقرأ فيها رواية تغوص فى الشارع العراقى بهذه الطريقة . أفضل شىء فى الرواية ان كُل خطوة للكاتب كانت مدروسة، فالحوار والوصف والمشاعر ومشاكل الأبطال وشكل الشوارع وكُل كلمة ورت فيها تخدم بعضها بعضًا وجميعها تنصب فى خدمة هدف الرواية .... توغله فى التفاصيل الأبطال، وطريقة عرض مشاكل كُلّ منهم تُشعرك كأنك سادسهم .
خمسة مثقفين عراقيين علمانيين في خمسينات القرن العشرين ببغداد يعيشون التمرد والطموح والضياع. الأول هو سعيد أحمد الصحفي الطامح إلى الكتابة الأدبية وهو أقرب الشخصيات إلى المؤلف، الثاني هو زميله في الصحافة ابراهيم الذي يعمل بجد لبناء أسرة ومستقبل زاهر دون ان يفرط بموقفه السياسي المبدئي، والثالث هو شريف الشاعر البودليري البوهيمي المتصعلك الذي يذكرنا بالشاعر العراقي المعروف حسين مردان، والرابع هو عبد الخالق خريج الجامعة الأمريكية في بيروت النخبوي المعزول عن الواقع بالرغم من رغبته في اصلاحه، ثم حميد البوهيمي الذي يحيا بوجهين ولا يكشف أمره إلا سعيد. ما يميز فرمان حميمية تصويره للأسرة العراقية الفقيرة ودون المتوسطة وهي تعيش يومياتها الصعبة وقدرته الفذة على التقاط التفاصيل البغدادية الدالة على الحياة العراقية.
هذا هو العراق .. أبو العجائب والنكبات ، مرة يتلألأ وجهه بالأمل ومرة يتحجر .
وهكذا وصف غائب طعمة العراق كما كان يراها آن ذاك ، وآلمني كثيراً أن "غائب" لو كان حاضراً بيننا اليوم لسال دمع أبطاله الخمسة ألماً وحسرة على العراق بقدر " العرق " الذي شربوه هرباً ونسياناً لآلامهم .
لم يكن العمل الأول الذي أقرأه لغائب ولن يكون الأخير فبعد ٥٠ صفحة فقط قلت لصديقة: " غائب طعمة فرمان لا يخيب ظني أبداً " وكنت محقاً وموقناً يقين يشبه الإيمان بقلم غائب ورشاقته وبراعته التي لا حد لها .. وقدرة سرد تكاد لا تقاس أبداً وماله أيضاً من قدرة عجيبه على خلق شخصيات تأخذك بيدها وتدخلك في حواري بغداد الضيقة وتجعلك تشم طين الفراة وهواء دجلة الرطب وتحس بملوحة اللبن الذي يقدم " بالطاسة " وتشعر بالرطب الذي تثمره نخيل بغداد الكريمة وهو يذوب في فمك دون عناء .
لطالما أسرني العراق بتاريخه وأرثه الحضاري الكبير وكما أن للعراق شعراء لا ينساهم التاريخ .. للعراق أيضاً :
أكثر ما أبهرني في الرواية هو الراوي ! راوي هذه الرواية متمكن ومرن وعليم بكافة ظروف أبطالها الخمسة، يتنقل من واحد لآخر بمهارة وسلاسة لا تزعج القاريء ... في الحقيقة أرى أنها مسرودة بطريقة تيار الوعي وقد تمكن منه غائب بطريقة جميلة ولغة رائعة سلسة ، وشخوص كاملين ... شكراً لمن أهداني هذه الرواية وأضاف غائب طعمة فرمان لقائمة كُتَابي
رواية خمسة أصوات.. لغائب طعمة فرمان ملاحظة أوليّة: يقول الناقد العراقي نجم عبد الله كاظم، أن فرمان - باعترافه - استوحى شخصيات روايته خمسة أصوات من شخصيات أصدقائه الحقيقيين، وهم: سعيد = فرمان، إبراهيم = عبد المجيد الونداوي، شريف = حسين مردان، عبد الخالق = عبد الملك نوري، والأخير حميد وهو الوحيد غير المعروف لأنه من خارج الوسط الثقافي، هذا الشيء كتبه فرمان في الرواية، فسعيد - الأقرب لفرمان - يقول في صفحة 137: "أشخاص فلوبير أحياء يطرقون الأرض بأقدامهم، وفي المقدمة أشار إلى أنهم عاشوا فعلاً، كانوا أصدقاء ومعارف الكاتب، فصاغ قصّتهم". قبلها بسنوات، تحديدا في العام 1950 كتب فرمان قصّة في مجلة الرسالة المصرية، بعنوان رسالة من صديق، جاء فيها: "كنّا أربعة تربطنا رابطة وثيقة من التآلف والإنسجام، ونشبت في نفوسنا رغبات متسقة، وآمال واحدة في الحياة... وشاء الله أن يفرّق شملنا". ما أريد أن أقوله أن فرمان كتب فعلاً شخصيات حقيقية لكنّه التقط منها ما ينفع لخلق عمل روائي فقط، يقول إبراهيم - أحد شخصيات الرواية - لسعيد "أنت ما تزال تعيش هذا الجيل، تعانيه. ربما ستكتب عنه في المستقبل. لا تتعجل الأمور... ص 317". *** الرواية تتحدث عن خمسة شباب في أواسط العمر، وصراعهم مع ذواتهم ومع الآخرين، نقرأ في الإهداء "إلى أصدقائي في صراعهم مع أنفسهم ومع الآخرين".. هذا ما تتحدث عنه الرواية، إنها استعراض للصراع بين الذات ونفسها وبين الآخرين - الحياة - من خلال خمسة رجال في عراق الخمسينيات المضطرب. *** مكان الرواية: بغداد زمن الرواية: هو في العام 1954 حيث نجد في الصفحة 12 "كانت دجلة تفوح برائحة طين نقي وهي منتفخة البطن" بعدها بصفحات يفيض دجلة والمعلوم أن الفيضان حدث عام 1954، أيضا نقرأ في صفحة 211 عن سقوط حكومة فاضل الجمالي، أيضا في ص 245 "وشبح نوري السعيد يخيم على بغداد" وفي صفحة 271 "عن مجيء نوري السعيد الذي ذهب الوصي إلى باريس ليصالحه". وفي صفحة 303 يورد اسم" حزب الجبهة" وهي الجبهة الوطنية التي يرأسها كامل الجادرچي، والتي دخلت انتخابات العام 1954 وقضى عليها نوري السعيد وأغلق صحيفتهم "جريدة الناس ونوري السعيد شيئان لا يجتمعان... ص 335". طبعا جريدة الناس تقابل في الحقيقة جريدة الأهالي التي كان يعمل فيها فرمان. وفي ص 335 أيضا نجد إبراهيم يقول "عندنا اليوم مقال شديد عن مراسيم نوري السعيد" والمؤرَخ أن رئاسة نوري السعيد للحكومة بعد فاضل الجمالي وأرشد العمري قد بدأت في العام 1954. كل هذه المعطيات تقول أن زمن الرواية هو العام 1954، فضلا عن إن سياق الرواية لا يوحي بأي مدة زمنية طويلة. *** نظرة أخرى للتاريخ: طبعا، من الممكن اعتبار رواية خمسة أصوات - نوعا ما - قراءة أدبية ناقدة وكاشفة للتاريخ من قبل مهمشين، قراءة تنقل ما يتجاهله التاريخ من الواقع المعاش، تختلف وتناقض ما هو شائع ومكتوب. فالأحداث - التاريخية والسياسية - التي كتبها فرمان في الرواية حقيقية وحدثت، لكنها كُتبت بأصوات الضحايا ووجهة نظرهم، لا بأصوات السلطة. *** مؤسسة المدى أمر مؤسف أن تطبع مؤسسة عريقة كـ "المدى" رواية خمسة أصوات بهذه الأغلاط الإملائية، كمثال في صفحة 137 تقول أم سعيد "سعيد الكتاب راح يبرد، وعندك رسالة" لكن القارئ سيكتشف بعد صفحات أن الذي سيبرد هو الكباب "وتناول قطعة كباب من المقلاة السوداء.. ص 141". *** الشخصيات الخمسة: قسم فرمان شخصيات روايته الرئيسة لخمسة أفراد، أول، ثاني، ثالث، رابع، خامس. والسؤال الذي من الممكن أن يُطرح هو ما معنى هذا التسلسل؟ وبحسب ما قرأت فإن الروائي طرح [خمسة نماذج] لا أسبقية ولا مفاضلة بينهم - وإن بدا الأول أكثرهم همّاً - فالأول أول لأن فرمان يعرفه بشكل أكبر من الباقين، ولأنه ربطهم به، وهكذا الثاني والثالث حتى الخامس. بدليل أن القارئ يجد ترتيب الفصول الأولى من الرواية بالشكل الآتي: الأول، الثاني، الأول، الثالث، الأول، الرابع، الأول، الثاني، الأول، الثالث، الخامس. *** فكّر مع فرمان في صفحة 8 يورد فرمان النص التالي "وانعطف إلى زقاق عرضه المقرر 7، وآخر عرضه المقرر 5، وثالث ممسوح، ورابع من غير هوية"، طبعا من الصعب تمرير هذه الجمل بدون تحليل وتدقيق، لأن "الكلمة الحيّة، أي كلمة حيّة لا تواجه موضوعها بشكل واحد" ولا يمكن فهمها بالمعنى الضيق كما كانت تُفهم الكلمة الشعرية بحسب باختين، لأن فرمان لم يُحدد ما هي هذه السبعة أو الخمسة، فلا يوجد على أرض الواقع أزقة تحمل المواصفات السابقة في مكان واحد، والغريب أن عدد الأزقة أربعة، مثل عدد الأصدقاء المقربين لفرمان – علينا أن نستثني حميد لأنه في الرواية لا يشترك مع الأربعة في همّ ثقافي أو سياسي وهو صديق بار وخمر فقط وهذا ما وضحته مشاهد الرواية – وطبعا، من الممكن اعتبار هذه الجمل أستعارة لفظية، وحسب الآتي: - الزقاق الأول مقرر 7: يمكن مقاربته بمواليد فرمان الحقيقية وهي 1927 - الزقاق الثاني مقرر 5: يمكن مقاربته بمواليد عبد المجيد الونداوي 1925 في صفحة 316 يقول إبراهيم لسعيد "أصغر مني بشيء ما لا أريد أن أقوله بالضبط".. - الزقاق الثالث ممسوح : يمكن مقاربته بحياة حسين مردان، يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي عن مردان "لم يفصح حسين مردان كثيراً عن فترة العقدين الاولين من حياته إلا أن المعروف أنه ولد عام 1927" بدت لي كلمة "المعروف" كأنها تعطي انطباعاً بعدم التأكد التام، وفي مصادر أخرى مروية عن الصحفي عبد المجيد الونداوي فإن حسين مردان غير متأكد من مواليده الحقيقية. - الزقاق الرابع من غير هوية: وهذا أفضل وصف من الممكن أن يُطلق على عبد الملك نوري، فهو مولود في مصر - السويس، أتم دراسته في بيروت، شيوعي ووالده من الضباط الشريفيين ووزير سابق، حياته غير مستقرة إطلاقا، عاش بضياع بعد طلاقه من زوجته التي كان يحبها، وانقطع عن الكتابة والوظيفة لفترة طويلة.
أين تذهب الأصوات حين لا تجد من يسمعها؟! سركون بولص أحداث الرواية تقع في العام 1954 وتبدأ بفيضان دجلة وتنتهي بإغلاق الجريدة التي يعمل فيها أربعة من شخصيات الرواية، مستعرضة خلال ذلك، القمع والاستبداد الذي مارسه رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد - بحسب المؤلف - من وجهة نظر صحفي وروائي وشاعر وقاص وموظف مصرفي بشكل خاص، والمجتمع بشكل عام، عن طريق التقاطات فرمان المذهلة. طبعا، كثيرة هي المصادر التي تقول أن الشخصيات الروائية في رواية خمسة أصوات هي شخصيات حقيقية، لكن بغض النظر عن حقيقية الشخصيات فلابد من معاملتهم كشخوص غير حقيقيين لتقييم العمل الروائي. *** الأول .. سعيد: "تقاذفته الأزقة مثل أرجل أخطبوط هائل، كان زقاق يسلمه إلى زقاق آخر مثله، أزقة تتشابك، تتفرع وتضيق، وتدور حول نفسها، ومناظر تتكرر... ص7". حتما، فإن هذه الأسطر الافتتاحية غير عادية، تعطي للقارئ صورة كاملة عن الرواية، هي مكان وزمان، أسطر شارحة قوية وواضحة، دروب لن توصل إلا للضياع "لكني لا أعرف من أنا.. لا أعرف.. ص 137". إنه افتتاح يعطي صورة كاملة عن شخصية سعيد التائه والمشغول بالهمّ والألم الإنساني، فعين سعيد فقط هي التي ترصد هذه الصور "أبواب حافية ... شناشيل ملونة بألوان حزينة" الألم الذي يجعله يكتب عن مستشفى العزل "من أوحى له بالكتابة عن مستشفى العزل... ص8"، فرمان يعطي هذه الميزة لسعيد فقط، فلا أحد غيره يرى هذه الآلام الإنسانية. ويعتقد أصدقاء سعيد أن مشكلته هي عدم ثقته بنفسه، يقول إبراهيم "سعيد ينقصه شيء، الثقة بالنفس.. ص 28" ويبدو للقارئ أن فرمان يؤكد نظرة إبراهيم عن سعيد، فيجعل سعيدا يحاور نفسه "عبثا تحاول يا سعيد، فأنت إنسان بلا موهبة، لا شيء.. حتى ولا مجرد صحفي، أنت لا تعرف الحياة التي تريد أن تكتب عنها، ولا حتى الناس الذين يجب أن يدبوا في صفحاتك.. ص 68". لكننا نكتشف أن مشكلة سعيد الأساسية ليست بعدم الثقة بنفسه، بل في الخجل المبالغ فيه، والبحث عن كتابة جديدة، لذا نراه يبحث عن أسرار الفن القصصي "أريد أن أعرف أسرار الفن القصصي ... الأدب موهبة والقصة أم المواهب فأين أنا منهما!.. ص 28". في المقابل يُرينا فرمان وجهة نظر الآخرين بسعيد الأديب، يقول إبراهيم "أنت أديب.. ص28"، في موضع آخر يقول شريف "أنا لا اعترف بعبقريتك لأدفع ضريبتها كما يفعل إبراهيم.. ص 13" شريف يُظهر لنا اقتناع إبراهيم بعبقرية سعيد، أيضا في رسالة صديقه المحبوس طالب، نجده يمتدح سعيدا "أصبحت تنظر للأدب لا كصناعة ألفاظ، بل كوسيلة لخدمة الشعب.. ص 138". إلا أن سعيد يشعر بالأطمئنان في نهاية الرواية، ويؤمن بأنه سيكتب شيئاً نافعاً حينما استعاد قول إبراهيم له بأنه سيكتب عن جيله في المستقبل، وأن عليه أن لا يتعجل الأمور "ولكن الضحكة، والذراع الممتدة حين قال أنت ما تزال تعيش هذا الجيل، ظلتا مرتسمتين في خياله طويلا، وغيرتا مزاجه.. ص 317".
رسالتان لسعيد الرسالة الأولى من إمراة تعاني الإهانة والاحتقار من زوجها - صديق سعيد - ينصدم سعيد بصديقه الذي يُخفي أمر زواجه عنهم لسنوات ويقرر مواجهته لأنه يرى أن حميد يعيش في الكذب "الكذب كالخمرة تجعلك تدمن عليها دون أن تدري.. ص 67" ولأن ضمير حميد نائم وهو - سعيد - حي الضمير يرى نفسه "موكل بامساك المخرز ووخزه ... ص 56". الرسالة الثانية من صديقه طالب الشيوعي السجين السياسي المحبوس في سجن نقرة السلمان "ورأى الرسالة، مثل قطعة ورق قذرة قرب الموقد، تناولها من فوق رغيف الخبز وتمعن فيها.. 137". وضع الرسالة يُخبرنا عن حال السجن والمساجين في دولة نوري السعيد، فهو "قطعة.. قذرة.. قرب موقد" فالرسالة [كمادة] تُمثل مكان مرسلها و[محتواها] يُمثل محتوى المُرسل، أيضا نراه يجعلها - أي الرسالة - فوق رغيف الخبز، فهي إشارة من فرمان إلى أن القراءة من أولويات الحياة، كما كان طالب يريد من سعيد "هل تقرأ كتباً ثورية؟ هل تستطيع الحصول عليها؟ إنها تبني أساسك الفكري.. ص 139". وهذا ذكاء من فرمان في رسم المشهد. *** ملاحظة: في صفحة 17 يتحدث حميد عن نقله لمدينة الديوانية "يريدون أن يرسلوني إلى الديوانية، لأشغل مديرا لفرع البنك الجديد" فيحاول شريف اقناعه بعدم السفر "ستشرب الخمر في بيوت سرية.. ص 19" ويجيبه عبد الخالق "سنرسل لك الخمرة ونكتب عليها دبس.. ص20". الغريب أن الخمور في مدينة الديوانية في الخمسينيات لم تكن ممنوعة، لم تكن تشرب ببيوت سرية، أظن أن هذه معلومة مغلوطة من فرمان عن مدينة الديوانية، لأنه لم يجعل بقية الأصدقاء [إبراهيم وسعيد] يصححون هذه المعلومة لشريف وعبد الخالق.
"اُعامل التاريخ بأكبر اقتصاد ممكن" ميلان كونديرا الجانب السياسي في الرواية: لا أكون مخطئاً فيما لو اعتقدت أن رواية خمسة أصوات التي تتحدث عن عراق العام 1954 - كُتبت في العام 1967 - تتطابق بشكل كبير مع الواقع السياسي العراقي الحالي، حتى فيما يخص قضية نهر دجلة، لكن مع فارق الفيضان والجفاف. في الرواية نجد سيطرة أميركا الكبيرة على العراق "بغداد كلها الآن مباحة للأمريكيين.. ص 171". ويقول إبراهيم متحدثاً عن سعيد "دعاه الجيش الأميركي لمشاهدة بغداد الغريقة من الجو.. ص 155"، ويؤكد فرمان على لسان سعيد هذه السيطرة، فيشرح فكرة سعيد عن سؤال "لماذا جعله الأميركان يشاهد بغداد من الجو"، يقول: "ربما قصد الأميركيون إلى أن يرونا ذلك، وكأنهم يقولون لنا: أنظروا! هذه عاصمتكم، ما أوهنها وأقبحها منظراً من الجو، بهذه الجبهة الواهية من التخلف والعجز تريديون أن تثوروا على الأحلاف واتفاقية الأمن المتبادل؟ وتسخرون من النقطة الرابعة؟.. ص170". أما المشروع الذي كان يسخر منه العراقيون - النقطة الرابعة - فهو مشروع أعدته أميركا لمساعدة الدول النامية، لكنه في حقيقة الأمر كان مشروعاً لتقوية المعسكر الغربي مقابل المعسكر الروسي، وكان أبرز مؤيدي مشروع النقطة الرابعة في العراق، نوري السعيد. التشابه بين الزمنين - زمن الرواية والزمن الحالي - نجده أيضا في قضية الانتخابات "وحين حفلت الجريدة بالحركة، وأخذ الناس يتناقشون: نقاطع أم نخوض.. ص 318". نلاحظ هنا انشغال الناس وانقسامهم، بين مقاطع للانتخابات ومروّج لها.
كوكاكولا: في صفحة 201 يرسم فرمان مشهداً بين إبراهيم وسعيد مع بائع مرطبات "لكنهم لم يشربوا تمرهند، لأن بائع المرطبات قال: شربت تمرهند راح وقته، جاء زمن الكوكاكولا".. ومن الممكن اعتبار الكوكاكولا - المُنتج الأميركي - هو تعبير عن سيطرة أميركا أيضا، فبعد أن يشرب إبراهيم الكوكاكولا، يشعر بوخز في انفه يُذكّره بماضي قريب "كانت لاذعة حقاً ببرودتها وطعمها، عندما وخزت أنف إبراهيم تذكر ذلك الموقف الذي وقفه من قبل، وقفه في غرفة صغيرة انعقدت فيها المحكمة العسكرية في معسكر الوشاش لتحاكمه أيام نور الدين محمود... ص 202". ولغرض تحليل هذا المشهد، يجب أولاً أن نعرف من هو نور الدين محمود؟ يورد التاريخ أن الضابط نور الدين محمود قد كُلف بتشكيل وزارة في العام 1952 وكان فيها - بالإضافة لمنصبه رئيسا للوزراء - وزيراً للداخلية والدفاع. تكيلفه جاء من قبل الوصي عبد الإله بعد الثورة الطلابية التي كانت أهم مطالبها قيام الجمهورية - بحسب بعض المصادر - وتغيير الدستور وقانون الإنتخابات، أعلن نور الدين محمود الإحكام العرفية، وغلق الأحزاب السياسية، وعطّل الصحف. كانت من شعارات المتظاهرين "أيها المستعمرون الانكليز والأمريكان ارحلوا عن بلادنا". ويقال أن المتظاهرين رفعوا صورة نوري السعيد من مقر حزبه، ووضعوها أمام المبغى العام! الربط الذكي باستخدام إشارة "الكوكاكولا" الذي استخدمه فرمان باستعادة ذكريات إبراهيم عن طريق "وخز الكوكاكولا" سيخبرنا لاحقاً أن أيام نور الدين محمود ستعود مرة اخرى في العام 1954 حيث أغلقت الصحف وتمت ملاحقة السياسيين، ولم تكن نتائج الانتخابات التي أجريت إلا لخدمة الوصي ونوري باشا السعيد. وتم ضرب وإقصاء أغلب القوى المعارضة، وهذا ما تنتهي إليه الرواية فنجد كل الشخصيات الخمسة، تنطبق عليهم افتتاحية الرواية "تقاذفته الأزقة مثل أرجل أخطبوط هائل.. ص7".
طعام آسن من الممكن أيضا، ملاحظة الإشارات السياسية في رواية خمسة أصوات من النص المروي على لسان شخصية عبد الخالق - الشخص الوحيد الذي يتحدث في السياسة - يقول في ص 63 "سار بدبدبة بمحاذاة قاعة الملك فيصل، ووزارة الدفاع، هاجمته رائحة طعام آسن منبعثة من مطعم قذر، تخلص منها بالسير وسط الشارع". فرمان في هذا النص، لم يحدد مكان المطعم القذر الذي كانت رائحته "تهاجم" المواطن عبد الخالق، لكنه ربط هذه الرائحة بالاقتراب من قاعة الملك ووزارة الدفاع، كأنه يوحي بفساد ما سمّي لاحقا بـ "المطبخ السياسي" لأن أغلب الصفقات كانت تتم بالاتفاق بين الوصي - مثّلَه فرمان بقاعة الملك - وبين وزارة الدفاع. *** حالات اقتصادية: كباب لم يهمل فرمان الجانب الاقتصادي في روايته الرائعة خمسة أصوات، لكنه كان كما يقول كونديرا "يمر على التفاصيل بأكبر اقتصاد ممكن" نجد في صفحة 141 "تناول قطعة كباب من المقلاة السوداء، الموضوعة على الموقد قرب أبريق الشاي، مضغها وأحس بها قوية مالحة، دفع بقية القطعة في فمه ليحرر يده ويصب لنفسه قدح شاي، مفكراً: كباب ثلاثة أرباعه طحين، ولا تهضمه المعدة إلا مع الشاي". فرمان عامل تذوق الكباب بنفس أسلوبه مع الكوكاكولا، نجد في الصفحة نفسها "وخطر بباله أنه تناول مثل هذا الكباب في مكان ما... ص141" لكن القارئ يجد أن هذا الـ "مكان ما" لم يكن سوى مقبرة "حاول أن يتذكر لماذا كان هناك، ولم يتذكر، لكنه تذكر المقبرة". هذا الكباب شبه الخالي من اللحم المخلوط بطحين سيء والذي ذكّر سعيد بالمقبرة، فيه إشارة واضحة على سوء الأوضاع الاقتصادية للمواطنين في عراق العام 1954.
لا أعرف هل هو تحيّز طبيعي لكُتّاب بلدي.. ام لأن قصصهم تتناول ما بيننا من مشتركات ف نشعرُ اثناء قرائتها بأُلفة وحنين .. احببتُ هذه الرواية كما احببت المسّرات و الاوجاع ل فؤاد التكرلي.. في كلتا الروايتين سحر وعذوبة و جمال و تأثير غريب لا اعرف مصدره بالضبط.. قرائاتي القادمة ستكون ل هذين الاديبين العظيمين.. لروحيهما الرحمة والخلود..
"وعندما تحركّتْ السيّارة راقبَ سعيد الموّدعين طويلاً من الشباك الخلفي، وركّز بصره على شبحِ أبيه الهزيل، فقد كان يحس بأنه يراه لآخرِ مرّة"
قصة عن خمس شبان في اواخر العشرين من اعمارهم... يعيشون صراعاً مع ذاتهم..مع اهلهم...مع السياسة..مع مفاهيم الحياة... محاولين ان يفهمو الحياة و دورهم فيها..شبان مثقفين يحبون القراءة...الفلسفة... و الكحول، اذ انها جزء من نمط حياتهم..و كانت لها اث سيء عليهم ما اعجبني التفاصيل التي يصف بها الكاتب بغداد..شورعها و مبانيها.. قد لا تعجب الذين لم يزورو بغداد او العراق لكثرة كتابته عنها.. اعجبني ايضا استخدامه للكلمات العراقية... وجدت الرواية طويلة اكثر من اللازم..الحبكة لم تعجبني .. ولكن كتابته و تنقله من شخص لشخص و وصفه و ثقافته جميلة جداً
طعمه فرمان در رمان دوماش «پنج صدا» [خمسه اصوات]، دوربین روایتاش را به میان شلوغی شهر بغداد میبرد و میکوشد از کوچه پس کوچههای پایین شهر و محلههای محروم تصاویری ناب در اختیار مخاطبش قرار دهد.
پنج شخصیت محوری وقایع داستان را پیش میبرند و هر بخش از آن به ذهن یکی از آنها نزدیک میشود. پنج نفری که رفقایی جداییناپذیرند و هر شب دور هم جمع میشوند و دربارهی ادبیات، هنر و مشاهدات روزانهشان از شهر به گفتوگو مینشینند. سه تن از آنها در روزنامهای به نام «الناس» مشغول به کارند و دو نفر دیگر در ادارهای فعالیت میکنند. شبنشینیهای آنها اغلب با بحث دربارهی شعر و داستان رنگ و بو پیدا میکند و به تدریج به سمت مسائل روز میرود. شریف، یکی از همین رفقاست که دستی در شعر دارد و خود را بودلر عراقی میداند و سایر دوستاناش چندان طبع شعر او را جدی نمیگیرند. سعید دوست دیگری است که روزنامهنگار است و در سفرهای میدانیاش به نقاط مختلف شهر مطالبی برای روزنامه تهیه میکند و ادارهی ستون «افکار عمومی» نیز دست اوست و به نامههای رسیده از مخاطبین میپردازد. ابراهیم دبیر هیئت تحریریه است و عموماً قلم تندی در نقد سیاستهای دولت دارد. عبدالخالق کارمندی است که وضعیت معیشتی بهتری از دوستانش دارد و به سبب علاقهاش به ادبیات با آنها همراه شده است. حمید آخرین حلقهی این زنجیر است که مردی خوشباش و بیقید به نظر میآید و زندگی در شهر شلوغی همچون بغداد را به سایر مناطق عراق ترجیج میدهد. وقایع کتاب در دههی پنجاه و چند سالی پیش از فروپاشی حکومت پادشاهی عراق میگذرد.
رسیدن نامهای از طرف یکی از مخاطبین روزنامه به سعید، همان نقطهای از داستان است که در آن ثبات و توازن این رابطهی دوستانهی پنج نفره به هم میریزد. نویسندهی نامه خود را نجاة معرفی میکند، زنی که از وضعیت نابهسامان خود شاکی است و از سعید بهعنوان روزنامهنگاری که صدای مردم بیپناه است میخواهد به آدرسی که روی پاکت درج شده برود و شرایط اسفبارش را از نزدیک ببیند. زنی که سعید در رویاهای خود از او محبوبی دلربا میسازد که قرار عاشقانهای به او وعده داده است. وقتی سعید پا به محلهای که در نامه معرفی شده، میگذارد، تصویرهایی میبیند که در جای دیگری از شهر مانند آن را ندیده است؛ کوچههایی که همچون پاهای اختاپوس او را به همدیگر پرتاب میکنند. پشت این درهای شکسته و بیچارچوب، طبقهای از زنان و مردان زندگی میکنند که طعمه فرمان در داستانهای خود آنها را سرمنشاء تحولات اجتماعی نشان میدهد.
دیدار سعید با نجاة پرده از اسرار زندگی یکی از این پنج رفیق دیرینه برمیدارد. در باور سعید نمیگنجد که چنین ارتباط نزدیکی میان یکی از دوستان همنشین شبهای او و نجاة و فرزندان بیمارش برقرار است. نجاة در فقر مطلق به سر میبرد و ماجراهایی از این زندگی توانفرسا برای سعید میگوید که همه چیز را در او و رفقایش دگرگون میسازد. ملاقات سعید با نجاة، دستمایهی نگارش مقالات و مکاشفههایی برای او میشود. سعید مدام آن محله و دکانهای نجاری و رنگرزی و بقالیاش را به خاطر میآورد و هر بار در این سیر خیالی بخشی از آن مشاهدات را با زندگی شخصی خودش پیوند میدهد. گویی آنجا همان سیل طغیانگر خاطراتی را با خود به همراه دارند که سعید را به دورترین بخشهای گدشتهاش میبرند و از آنها صحنههایی بیرون میکشند که پیش از آن کمتر به مخیلهاش خطور کرده بودهاند.
سفر شهری برای باقی پنج رفیقِ این داستان نیز درک و دریافتهایی به همراه دارد. هر یک از آنها بخشی گمشده از وجود خود را در بغدادی میجویند که سالها در آن زیستهاند اما هنوز نقاط نامکشوف بسیاری میتوانند در آن بیابند و دربارهاش در جمعهای شبانه گفتوگو کنند. ابراهیم به فراخور فعالیتاش در روزنامه شامهای تیز در یافتن حوادث خبرساز در سطح شهر دارد. شریف با طبع شاعرانهاش از غریبترین وقایعی که در محلههای فقیرنشین میگذرد، روایت میکند. عبدالخالق دلزده از زندگی نسبتاً باثباتاش، به دل شهر میزند و با آدمها سر صحبت را باز میکند تا با تمرکز بر آنها از احساس پوچی و اسارت فارغ شود. حمید هم با وجود پیشنهادهای کاریای که برای او در شهرهای دیگری دارد، همچنان خود را پابندِ بغداد میبیند و نمیتواند از دلخوشیهایی که در این شهر دارد دست بکشد.
طعمه فرمان با پنج روایت مختلف از شخصیتهایی متعلق به طبقهی متوسط، سعی در ارائهی تصویری از این قشر در دههی پنجاه دارد. قشری که برخلاف بسیاری از همشهریانش توان گذران معقول زندگی را دارد، اما از این سبک زندگی سرخورده و در فرار است. هر یک از شخصیتها به نوعی این گریز مدام را تجربه میکنند، اما در یک دریافت ذهنی با هم اشتراک دارند؛ زندگی در بغداد را باید به گونهای دیگر کشف کرد. کشفی که از گشت و گذاری طولانی در شهر حاصل میشود. شهری که پر از آدمهایی است که متعلق به طبقهی فرودست جامعهاند. آنها با فقر و بیثباتی اجتماعی دست و پنجه نرم میکنند و آنچنان نیروهای خود را صرف امرار معاش کردهاند که دیگر توان و مجالی برای پرداختن به موضوعاتی همچون ادبیات و هنر ندارند. چیزی که دغدغهی شخصیتهای اصلی داستان است و میان آنها و اقشار پایین دست شکافی پیشرونده میسازد. شکافی که از منظر طعمه فرمان میتواند زمینهساز فروپاشی اجتماعی باشد و این هنر اوست که این معضلات پنهان جامعهاش را ببیند و آنها را در قالب داستان را بکاود.
مترجم در مقدمهٔ کتاب توضیح میدهد وقایع این رمان در عراق، پیش از انقلاب ۱۴ ژوئیهٔ ۱۹۵۸ و در سالهای آخر سلطنت حاکم موردتأیید انگلستان، شکل میگیرد. درونمایهٔ اثر وضع روشنفکران در آن دورهٔ زمانی است. نویسنده با این کتاب، تصویر هنرمندانهای از عراق در دههٔ ۱۹۵۰ میلادی ارائه میکند. نویسنده در ساختار این اثر، فرم هنری متفاوتی انتخاب کرده که یادآور چندصدایی در موسیقی شرق است. هریک از فصلها صدایی مستقل دارد، اما این صداها در بخشهای مختلف رمان با هم تداخل دارند. با این شیوه، نویسنده هنر خودش را در ترسیم واقعبینانهٔ شخصیتها و تحلیل روانشناختی آنها نشان داده است.
الملخص: خمسة عراقيون في مقتبل العمر، يجسدون الصراع الثقافي والسياسي في أنفسهم ومع الآخرين.
-رواية- اسم الكاتب: غائب طعمة فرمان (تسلم يدو على الرواية) دار النشر: دار المدى للثقافة والنشر عدد الصفحات: ٣٥٢
المراجعة: خمسة أصوات، خمسة أبطال، خمس قصص منفصلة متصلة، متشابكة متفرقة. عمل عظيم، رُسمت فيه الشخصيات بدقة، وسُيرت في فلكه بذكاء، وكأنك تقرأ في واحدة من عوالم فوكنر المتداخلة في (الصخب والعنف)، هذه الرواية ليست لوحة مسطحة تراها من الخارج، بل دويّ متداخل له أبعاده الخاصة.
سبعة عشر ساعة غائصة في أعماق العراق بين أزقتها وشوارعها، حاناتها وبيوتها، سبعة عشر ساعة جوّعت عيني فيها النوم، وحرمتها لذته. غابت عن ذهني كل المحسوسات، خُدّر عقلي عن كل شيء لا يخص أصوات غائب -الحاضرة- ولا يسعني سوى الاستشهاد بوصف كنفاني عن الرواية: "أيها السادة، يهمني أن أقدم لكم كاتبًا أحسن منكم جميعًا، يهمني أن أصفعكم به، فافتحوا آذانكم جيدًا واسمعوا وعوا. إن خمسة أصوات واحدة من أفضل أفضل الروايات التي شهدها أدبنا العربي الحديث، ومؤلفها غائب طعمة فرمان هو من أحسن أحسن الذين يمسكون القلم في هذه القارة الممتدة -أدبيًا- من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر."
📌 الصوت الأول: "الأدب موهبة، والقصة أم المواهب، فأين أنا منهما!"
كاتب يضيع شبابه متنقلًا بين الجريدة والحانة، تجيئه رسالة مدعوكة لينة مذيلة بتوقيع خُطّ على عجالة باسم "نجاة" يجد نفسه مرغمًا على التدخل في مشاكل أسرية لا تمت له بصلة، فتخبّطه مسؤوليته الجديدة وتضيف لحياته عبئًا لم يطلبه. يحلم بسرمدية الكتّاب وخلود الآداب، لكن يوقفه الخجل ويحجزه التردد، روايته منزوعة الغلاف مرمية بإهمال في درج مكتبه لا يدري عنها أحد: "لعين أنت يا سعيد، كم يعيقك الخجل عن أداء أشياء كبيرة في حياتك"
📌 الصوت الثاني: "أبي، دعني أختار حاجاتي في هذه الدنيا، ولا تتدخل. كفاك تدخلًا! دعني أقرر أنا بنفسي"
يريد أن تكون له إرادة، أن يتزوج! أن يستعيض عن دفء الخمرة المحموم بدفء جسد أنثويّ، يريد أن يُسمع صوته المكتوم، أن يخرج من دائرة السلطة الأبوية. لا يجد الملاذ إلا في بيته الفكري، بين العرائض في الجريدة، إنها الزاوية الوحيدة التي يتحدّث لغتها وتتحدث لغته.
📌 الصوت الثالث: "أنا من أرض العباقرة الجياع النائمين على سطح الجرائد، أنا بودلير العصر"
يكتب من وحي خيالي، ويتشبث بخيوط وهم مع أن كل مساماته مملوءة بعواطف متفجرة، كل شعرة في جسمه تهتز بالمخاض، وكل أعماقه تتقلص كطلق حبلة، عن��ما يختفي شبح محبوبته، يلقي بنفسه أسيرًا لمحظياته الشكسات العجولات اللاتي لا يفهمنه، يشعر بثقل الحياة ويخففها بالأحلام "حياتي قبيحة متورمة مثل عجيزة القرد. وأنا أجملها بالأحلام حتى أجرعها."
📌 الصوت الرابع: "لماذا تفلسف المسألة يا عبد الخالق؟ لماذا تجعل من كل حادثة ظاهرة معقدة؟"
لا يملك شيء في الدنيا، حتى الوقت لا يملكه، أجزاء حياته متساقطة ولا يملكها أيضًا، يقرأ الكتب ويريد بسحره أن يخلقها واقعًا، ينفذ من وراء الأشياء ويعيش على أمل بعث جديد يوقظ نفسه ويزلزل كيانه "أترقب اللحظة التي سأعيش فيها حقًا" "أترقب لحظة الميلاد الجديدة، أنفذ ما وراء الأشياء لأرى علامات الميلاد"
📌 الصوت الخامس: "تريد أن أصوغ نفسي من جديد؟"
يقضي الليل مع زوجه مسترجعًا أحداث النهار الغرامية مع حبيبته، قضى حياته يتلو كذبة لعل الناس يصدقونها أو لعله نفسه يصدقها، يتنصل من مسؤولياته، يتهرب من واقعه، لا لذة في حياته سوى سلمى والخمرة، آلف واقعه الواهم حتى التف حبل الكذب الطويل حول رقبته وخنقه وفاحت رائحة الخداع.
🔴 اقتباس من الكتاب: - مشكلة المثقفين ليس القراءة بل معرفة الحياة.
- عجيب أمر هذا الضمير الإنساني، مع إنه يعيش داخل الإنسان إلا أنه يخضع لنظام جسمه، ولا لقوته وضعفه، أحيانًا يمرض بأمراض فتاكة، بينما يظل صاحبه في عافية الثيران جسميًا، وأحيانًا يتحجّر كالغرانيت في جسم ما يزال يحتفظ في الظاهر بطراوة الدم واللحم، وأحيانًا يغط في نوم عميق.
يحتار المرء من أين يبدأ وصفه، على أي شيءٍ يثني أولًا..غائب هذا ما إن تشرع في القراءة له حتّى تتسائل بغبضة لماذا لم أعرفه من قبل!
لن يبهرك غائب بقصة خارقة، لن يصوّر لك العراق كجنّة ولو أنها كذلك، سيشعل فيك حنينًا لشارع الجواهري لحديث عنيف مع أصدقائك، يسهب في وصف تفاصيل التفاصيل غائب لا تفوته فائتة، رواية متكاملة سردٌ فتّاك أحاديثٌ غنيّة، لوحة فنية ما إن تنتهي من تأمله حتّى تصرخ ملء جوفك ، ما أروعك يا بلاد الرافدين..
شعرت أنّي معهم أرى تخبطاتهم فوضاهم وتعبهم، رأيت من تكون المرأة في عيون الرجال، وأنا أتنقل بين الصفحات شعرت بحميمة مشابهة بتلك التي تغمرنا عند الاستماع للرفاق، أغرمت في وصف تبدل حال عبد الخالق بعد الزواج عن نهاية سعيد، شغف حميد بالصحافة ، انتهيت منها وأنا أرغب بصديق عراقي وفرصة عمل في مكتب صحفي ورفقة أنزوي معهم في مقهى الزهاوي ..
قدم لها غسان كنفاني في مقال نقدي في نهاية الستينات وأعتبرها من أفضل الروايات في أدبنا العربي الحديث حينها لم يكن الكاتب غائب طعمة فرمان معروفاً في الاوساط الادبية ، ومن هذا المقال الذي نشر لغسان كنفاني في مجموعته المسماة فارس فارس تعرفت على هذه الرواية الجميلة والتي تتحكي قصة خمسة شبان يعدوا من زمرة المثقفين أعمارهم تقريباً تتراوح بين أواخر العشرين يعيشون صراع مع ذواتهم وصراع مع أهاليهم ومع مفاهيم الحياة وصراعهم الاهم مع السياسة في العراق ، روعة هذه الرواية تكمن في تنقل الراوي بين الشباب الخمسة بسلاسة لاتزعج القارئ وكذا تصويرها للشارع العراقي وحال الاسر العراقية ما تحت المتوسطة ... رواية جميلة وشكراً لغسان كنفاني الذي عرفني بالرواية وكاتبها غائب طعمة فرمان
القراءة الثانية لغائب طعمة بعد النخلة والجيران ، مرة اخرى ابداع بحروفة الرشيقة في سرد رواية ببراعة وخفة ليأخذك الى بغداد لتتجول بين ازقتها والمقاهي القديمة ، لتتنفس هواء دجلة الرطب لتذوق حلاوة التمر وهي تذوب في فمك ، ليصف حال النسوة ومايعانين من ظلم واضطهاد ... رواية عن خمسة اصدقاء مثقفين تتأرجح حياتهم بين الطموح والضياع ، اعجبني اسلوب السرد و كيفية بث الروح لشخصيات الرواية و النقلات بينهم بسلاسة دون ان تُربك القارئ او تشوش علية.
يمكن قص مئة صفحة على الأقل من الرواية دون أن يؤثر ذلك على بنيتها.. فالسرد والإيغال في الدقائق لم يكن على مستوى الحدث برأيي.. وربما هذا يناسب فترة الستينيات (تارخ الكتابة) أما لو كان الأستاذ غائب حاضرا الآن لربما أعاد النظر في هذه الرواية الجميلة
خمسة أصوات تحفة فنية على جميع المقاييس. إنه ذلك الخليط الرائع من عراق الخمسينات وبيروت الستينات وذاك الخط اللازمني الممتد من أواسط القرن الماضي إلى هذه اللحظة.