محاولة للإجابة على العديد من الأسئلة الإشكاليةالمعلقة فى حياتنا الثقافية مثل : هل أزمتنا أزمة ثقافة ام أزمة حكم ؟ لماذا لم تتحقق إجابة عملية على أسئلة عصر النهضة ؟ كيف ينبغى أن تقوم العلاقة بين المثقفين والسلطة ؟ ما حقيقة الحداثة فى الفكر العربى المعاصر ؟ ماذا يعنى الإبداع الثقافى وماذا تعنى الخصوصية القومية ؟ هل كان ابن خلدون ماديا جدليا ؟ هل كان منهج طه حسين ديكارتيا ؟ وما مصير مشروعه الثقافى ؟ ما هى حدود العقلانية النقدية عند محمد عابد الجابرى ؟ ما هى نظرية الثورة عند مهدى عامل ؟ هل هناك جذور عربية لوجودية عبد الرحمن بدوى ؟ هل الزمن فى الفكر العربى الإسلامى زمن ذرى متقطع ؟
مفكر يساري وأحد أقطاب حركة اليسار في مصر. وشغل عدة وظائف هامة منها:
مدرس مساعد بقسم الفلسفة - كلية الآداب - جامعة القاهرة. - رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للكتاب. - رئيس مجلس إدارة مؤسسة المسرح والموسيقى والفنون الشعبية. - رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم. - Senior Associate Member St. Anthony College - Oxford Univ- - عضو زميل في كلية القديس أنطوني-جامعة أكسفورد - إنجلترا - Maitre Assistant- بجامعة باريس - فرنسا ------ المصدر ويكيبيديا
أتذكر وقفة طويلة أمام حائط معتم. (كل المساجين وجههم للحائط) أمر قطعي ملزم. هل من سبيل لعبور هذا الحائط و تجاوزه؟ نعم. سبيل واحد. إلغاؤه. كيف؟ البعض فقد الوعي. آخرون انهاروا جسمانيا أو نفسيا. و آخرون صنعوا نافذة خرجوا منها إلى ذكرياتهم. إلى المتخًيّل. التجربة ذاتها في زنزانة ضيقة. خانقة. رحلة الخيال المحرر. إلغاء الزنزانة بضوء فكرة. قصيدة. أغنية. حلم. بشحذ الحواس. بمتابعة تغيرات الأيام و الليالي بخطوط و كلمات محفورة تتابع و تحصي التجدد و التغير عبر الحوائط الصماء الجامدة. ألم تفعل شهرزاد الأمر نفسه؟ فتحت في حائط شهريار نافذة تطل بها على عالم مختلف. و تنتقل به من الثابت إلى المتحرك. من المطلق إلى النسبي. من الأنا إلى الأخرين. من الواحد إلى المتعدد.
على أن هناك طريقا أخر. من المتحرك إلى الثابت. من النسبي إلى المطلق. من المحسوس إلى المجرد كانت رحلة حي بن يقظان. و من الجزئي إلى الكلي كانت رحلة ابن عربي. و من الأنا وحدي إلى الأنا الكلي كانت رحلة الحلاج.
فإذا تباعدت الهوة بين الأنظمة السياسية و الجماهير فقدت الأنظمة مصداقيتها لديهم و بالتالي فقدت شرعيتها و باتت مهددة بزحف هذه الجماهير عليها لشق نافذة في حائط السلطة و تحقيق الحلم المنشود و لذا كانت تلك الأنظمة واعية تماما لخطر فقدان مصداقيتها و تعمل بكافة الطرق على التصدي لهذا الخطر بأمور ثلاثة: القمع الأيديولوجي. و القمع الإداري. و الإغراء أو الإغراق المالي.
أما القمع الأيديولوجي فإنه يتخذ أكثر من مظهر. و لست أغالي إن قلت إن التهاون في محو الأمية في العالم العربي ليس اعتباطيا. بل هو هدف من أهداف هذا القمع الأيديولوجي. و لكن ما أكثر أشكال القمع الأيديولوجي الأخرى. من مسعى لتنميط الفكر و تسطيحه بالتعصب الديني و التعصب القومي و إثارة النعرات الطائفية و إشاعة اللاعقلانية و الفكر الأسطوري الغير علمي. و تسييد روح الاستهلاك و الاستمتاع بغير إنتاج أو إبداع. فضلا عن إشاعة روح اليأس و عدم الإكتراث و القدرية. و التسليم و النفعية الفردية و الابتذال. إنها محاولة لإشاعة الوعي الزائف لتغطية زيف الأنظمة نفسها و إخفاء تبعيتها و تخلفها عن خدمة مصالح الجماهير. إن لم نقل خيانتها لهذه المصالح. على أن الأنظمة العربية لا تكتفي بالقمع الأيديولوجي و إنما تسنده دائما بالقمع الإداري. بالرقابة على الكلمة المكتوبة و المنطوقة. بمصادرة الأفكار. و سجن المثقفين و تعذيبهم و قتلهم. بحرمان الجماهير من تشكيل تنظيماتهم السياسية و النقابية و المهنية بحرية. و من المشاركة الديموقراطية في القرار السياسي و الاجتماعي الذي يمس حياتهم و مستقبلهم.
أما المثقف العربي فإن أهون ما يتعرض له هو العنف الإداري الذي يمتد من حرمانه من كلمته إلى تجويعه و إلى دفعه للجنون. أو إلى السجن بل إلى حرمانه من الحياة نفسها. إلى جانب ذلك فإن عزلة المثقف تحرم الجماهير من الكلمة و الوعي الذي يمكن أن يكون سببا فيه و كذلك يحرمه هو شخصيا من الخبرات التي يمكن أن يكتسبها من الاحتكاك بهذه الجماهير و من ثم تنفصل قضاياه عن قضاياهم و عالمه عن عالمهم و يصير نبضهم غير مسموع بالنسبة له مما يسقطه في كثير من الأحيان في تجريدات بل شطحات استعلائية لا تتسق و لا تتفق مع احتياجات واقع الجماهير. و لكل ذلك قد يسقط المثقف أيضا في كثير من الأخطاء مثل تأليه النصوص و الرؤية غير التاريخية و غير الموضوعية للواقع و فقدان روح النقد و النقد الذاتي و الديموقراطية و عدم احترام حرية الاجتهادات الفكرية المختلفة و إغفال الخصوصية باسم النظرة الكلية أو طمس النظرة الكلية باسم الخصوصية.
إن أغلبية المثقفين العرب أصبحوا اليوم موضوعيا بوعي أو بغير وعي شعراء بلاط. و وعاظ سلاطين. و أدوات تبرير و تمرير و ترشيد لسياسات و أوضاع النظم العربية القائمة و إضفاء مشروعية زائفة عليها. سواء كانوا داخل بنية السلطة أو خارجها. و في ظل هذه الأوضاع المتردية و الأزمة المتحكمة لهذه النظم التي أخذت تفقد مصداقيتها و تتزايد تبعيتها الاقتصادية كما يزداد تواطؤها السياسي و العسكري و الثقافي مع المشروع و الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية. أصبحت هذه النظم تحتاج أكثر فأكثر إلى إخضاع الجانب الثقافي المعرفي للجانب السياسي الأيديولوجي. و تسطيح المثقفين داخل السلطة و خارجها و تحويل الفنيين منهم إلى أدوات بيروقراطية أو مجرد تقنيين مفرغين من الرؤية الاجتماعية الشاملة و الوعي السياسي الموضوعي. معزولين عن الفعل السياسي التغييري التجديدي. فضلا عن محاولة خنق العقلانية و روح النقد. و الطاقات العلمية و الإبداعية عامة.
إن السياسة الجادة تحتاج للثقافة الجادة. و الثقافة الجادة لا حياة و لا تطوير لها بغير سياسة جادة كذلك. إلا أن الانخراط في العمل السياسي الحزبي ليس شرطا لمشاركة المثقفين مشاركة فعالة في التغيير المنشود. بل هناك مستويات مختلفة للمشاركة. مثل تغذية روح النقد و ممارسته بشجاعة. و إشاعة العقلانية في المجتمع. و تنمية الإنتاج المعرفي العلمي و الإبداعي. و التصدي بحسم للأفكار الرجعية و اللاعقلانية. و إنشاء المؤسسات الفئوية و الثقافية المختلفة المستقلة عن نفوذ و هيمنة السلطات و الهيئات الأجنبية. و النضال من أجل إرساء قواعد الديموقراطية و حماية حقوق الإنسان الأساسية. و الحرص على المشروعية و العقلانية في ممارسة السلطة لوظائفها و مهامها. فضلا عن الإرتباط بحركة الجماهير و التعرف على همومها و خبراتها.
و لا سبيل لتحقيق التنمية الثقافية إلا بعدة خطوات أفاض المؤلف في شرحها و يصعب نقلها كاملة و انما أنقل عناوينها الرئيسية فقط و منها: السيطرة الاجتماعية على الناتج القومي و حسن توجيهه لصالح الجماهير. إطلاق حرية الإبداع في (جميع) المجالات دون استثناء. تطوير التعليم و ربطه بثقافتنا و تاريخنا بلا جمود و في غير عزلة أو استعلاء على الحضارات الأخرى. تطوير و توجيه الإعلام ليصبح منارة حقيقية للثقافة لا للتعمية و التخدير و الاغتراب. تحرير المرأة تحريرا كامل يجعلها مساوية للرجل و إتاحة المشاركة لها في كل المجالات دون استثناء. توفير أرقى مستوى من العناية الصحية للمواطنين. التنسيق و التكامل الاقتصادي بين الدول العربية. الانفتاح على كافة المنجزات الثقافية و العلمية. تنمية علاقات التعاون مع كافة دول العالم.
و لا تنمية ثقافية في ظل قمع أو قهر سياسي أو فكري. أو أدبي. أو طبقي. أو قومي. و إذا تحقق إبداع في ظلهما و برغمهما. فإنما هو إبداع أفراد أو إبداع نخبة. ما ننشده ليس هو الإبداع المتفرد المتميز النخبوي وحده على أهميته و قيمته. ما ننشده كذلك و أساسا هو الإبداع الاجتماعي الشامل. الذي يتيح لكل فرد و لكل مجموعة إجتماعية أن تساهم فيه. و الذي سيفجر طاقات إبداعية أعمق و أرفع.
و أختم بما ختم به الكاتب: إن مستقبل الفكر العربي. بل إن المستقبل العربي نفسه رهن بامتلاكنا العلمي النقدي لحقائق و مشكلات عصرنا العلمية و التكنولوجية و العسكرية. و السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية و السلامية و الفكرية و الثقافية. و ترجمة هذا الامتلاك العلمي النقدي ترجمة علمية في مختلف شئون حياتنا العربية. في مراعاة لخصوصيتنا المادية و المعنوية و التراثية. و في غير عزلة أو استعلاء نخبوي على جماهيرنا الشعبية و قواها المنتجة. بل بالانخراط العملي معها في التغيير الجذري لواقعنا العربي. و المشاركة الفعالة في حماية حضارة عصرنا و تطويرها إلى غير حد. بغير هذا لن يكون انشغالنا الفلسفي إلا اغترابا فلسفيا عن الفلسفة. بل عن الحياة نفسها.