يعج التاريخ العربي القديم بشخصيات لا تاريخية، ومع هذا لا يعدم المرء رؤية المعاصرين من الكتاب العرب وهم يعيدون إنتاج الصور غير التاريخية لهذه الشخصيات وتقديمها للجمهور كما لو أنها فعلاً هي الجزء البطولي من التاريخ المتحقق. إننا نتساءل، مثلاً: من امرؤ القيس؟ وما حقيقة كونه ابناً الملك الضليل؟. ومن سموأل الشاعر اليهودي، الذي احتفظ بدروع امرئ القيس ثم دفع حياة ابنه البكر ثمناً لرفضه الإذعان لابتزاز ملك الحيرة، الذي أمره بتسليم الأمانة بعد مصرع امرئ القيس؟ ومن سنمار الذي بني (الخوارق) القصر الأسطوري عند العرب؟ ثم قام النعمان بعد فراغ المعماري الرومي سنمار من البناء يرميه من أعلى القصر؟ ولماذا تحدث المعمارى عن السر الذي يعرفه وحده: سر الحجر الذي إذا ما حركه المرء عن موضعه قليلاً فإن القصر كله سوف يتداعى وينهار؟ ومن جذيمة الأبرش الذي زعم الطبرى أنه مات مقتولاً على يد الزباء ملكة تدمر؟ وهل زنوبيا ملكة تدمر حقاً هي نفسها الزباء؟. ومن زرقاء اليمامة التي ادعى الرواة المسلمون أن الملك اليمني حسان، ملك نجران قتلها بعد أن نزع من عينيها عرفاً أسود هو سر بصرها الحاد؟ ومن المنذر بن ماء السماء؟. هذه بعض الأسئلة التي يتعامل معها المؤلف الممتع حيث يقدم إجابات عنها لا تخلو من الإثارة والإبداع.
ولد فاضل الربيعي في بغداد عام 1952 ونشط في الميادين الادبية والفكرية والسياسية منذ مطلع شبابه, وامتاز هذا النشاط بالتنوع والجدية ولفت اليه اهتمام وانظار أبناء جيله. وذلك بفضل الطابع الخاص للكثير من مؤلفاته التي زاوج فيها بين الادب والتاريخ والاسطورة والسياسة. كانت نشأته السياسية في اطار الحركة اليسارية العراقية عندما وجد نفسه ينخرط في العمل في صفوف الشيوعيين العراقيين. تبلور وعيه كيساري تحت تأثير الكتابات والافكار والنشاطات اليسارية في العراق والعالم العربي. وربما كان لنشأته هذه أثر كبير سوف يتجلى تاليا في الكثير من مواقفه السياسية والاجتماعية.
بدأ فاضل الربيعي حياته الادبية والفكرية والسياسية في السبعينات ككاتب قصصي. غادر العراق عام 1979 مع انهيار التحالف السياسي بين الشيوعيين والبعثيين. وصل إلى شيكوسلوفاكيا وعاش بضعة أشهر في براغ التي غادرها إلى عدن عاصمة اليمن الجنوبي السابق ليعمل في صحيفة الثوري التي يصدرها الحزب الاشتراكي اليمني. في صيف 1980 استقر في دمشق وعمل محرراً في مجلة الحرية اللبنانية كما عمل مراسلا ثم مديرا لمكتب مجلة الموقف العربي في دمشق. في سنوات الثمانينات اسس تجمعا ثقافيا باسم العمل الثقافي مع مجموعة من المثقفين العراقيين وفي هذه السنوات تزايد اهتمامه بالثقافة الفلسطينية في الأرض المحتلة فنشر كتابه السؤال الاخر.
حدث التحول الأهم في حياة الربيعي ككاتب عندما طور اهتماماته باتجاهين: دراسة التاريخ القديم ودراسة الاساطير.في هذا السياق بدأ بنشر سلسلة من المقالات التحليلية للاساطير العربية القديمة ولكنه لم ينشرها في كتاب مستقل.عام 1989 غادر دمشق مع اسرته ليعيش في بلغراد (عاصمة يوغسلافيا السابقة) وليعمل محررا في مجلة البلاد الفلسطينية. انتقل من بلغراد إلى قبرص عام 1991 وعمل محررا ثقافيا في مجلة الشاهد. نشر روايته الثانية ممرات الصمت عن دار الملتقى في نيقوسيا والتي بنى حبكتها الروائية على أساس دمج الادب بالاسطورة. حظيت الرواية باهتمام النقاد العرب حتى ان ناقد اكاديميا في سوريا هو الدكتور نضال الصالح كرس لها أكثر من فصل في اطروحته للدكتوراه والتي صدرت في كتاب مستقل.و كما حظيت روايته الأولى باهتمام كبار الروائين والنقاد العرب فقد نالت روايته الثانية الاهتمام نفسه.ثم عاد إلى دمشق عام 1994 كمدير لمكتب هذه المجلة. نشر كتابه الشيطان والعرش الذي كرسه لتحليل الاسطورة العربية القديمة والتوراتية عن لقاء النبي سليمان ببلقيس ملكة سبأ. اثار الكتاب اهتمام النقاد والقراء وكتبت عنه عشرات المقالات ومازال ناشر الكتاب شركة رياض الريس في بيروت يعرض الكتاب في المعارض السنو
الأبطال الذين يحدثنا عنهم الربيعي هم أبطال وثقت سيرتهم دون تعيين بطولتهم أكانت تخدم الصالح العام أو كانت تخدم الشخص نفسه هذه الشخصيات تقع إشكاليتها وفق المؤلف شخصيات إسطورية عبثت بها الميثولوجيا – الخرافة والإسطورة – فبقيت تحوم بين الواقع التاريخي وبين الإسطورة. فهو يرى بإختصار أن التاريخ ليس مليئا بالأساطير لكن الاساطير هي التي مليئة بالتاريخ. وهذه دعوة لإعادة تحقيق التراث وتشريح المرويات التاريخية وهذا عمل إيجابي بصفة عامة.
اتقبل وجهة نظر المؤلف ومحاولات تشريحه للشخصيات إلا أن تحليله لم أقتنع به ليس غير بعض الفصول. حيث أن كتابه المكون (12) مبحث يعيد فيها الباحث تقيم بعض الشخصيات التي يرى أنها تحولت بفعل الزمن لشخصية حقيقية أي أنه ينسفه تمامًا من الحدث التاريخي وعندما تقرأ ما أعتبره وجهات نظر – بدرجة وتقنية عالية تشهد للباحث – تكاد تجزم بصدق ما يقول.
أعلم مدى عمق وتأصيل الرواية للحدث التاريخي وأن استمراريتها في التداول لا يعني الجزم بها ناهيك عن أن الرويات التاريخية والشخصيات التي يتناولها المؤلف هي للتاريخ القديم تاريخ ما قبل الإسلام في جميع المباحث الـ(12) في الكتاب.
لا زنكر أثناء قراءة بعض كتب التراث الكلاسيكيات التاريخية وخصوصًا الأدبية وقفت أمام أكثر من (13) شخصية تحمل اسم (امرئ القيس) والمؤلف ذكر ضعف ذلك الرقم وهذه يبدو أنها حقيقة لا مفر منها يضيع بينها – وهذا المهم – حقيقة شخص (امرئ القيس) الشاعر صاحب المعلقة :
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ لما نسجتْها من جَنُوب وشمالِ
وكذلك إعادة بعض الشخصيات التاريخية العربية والإغريقية لمكانها الطبيعي فهذا أخذ من هذا والعكس. بينما ثمة مرويات لا أٍول أنني تقبلت التشكيك بها وأقول بصحتها لكن أجد تفكيك الباحث لم يقنعني مطلقًا..
بعد قراءة هذا الكتاب ستدرك أن الأساطير مليئة بالتاريخ أكثر من أن يكون التاريخ مليء بالأساطير ، ولقد تناسخت مخيلة الرواة القصص التاريخية التي تناقلتها مخيلة العقل الإنساني عبر التاريخ.
فمثلا ترى قصة مثل قصة بروك ناقة النبي ص أمام بيت أبي أيوب -والتي ليس لها سند معتمد- تتقاطع مع أسطورة فينيقية تسمى "قدموس" حيث طلبت الآلهة تتبع أثر بقرة بعينها ويمشي خلفها وحيث توقفت يبني مدينة مقدسة هي ( طيبة ) ثم تقدم البقرة قربانا مقدسا للألهة أثينا ، ثم استبدلت البقرة بالناقة لتتناسب مع البيئة العربية ، وحرب البسوس العربية التي تشبه قصة الطروادة اليونانية ، وشخصية أبي رغال الذي دل أبرهة على مكان الكعبة لا وجود له حقيقية، حيث أن الراوي تعمد إخفاء ضلوع قادة بعض القبائل العربية في هذه الحملة.
وزرقاء اليمامة التي اقتلعت عينيها - ووجد تحتها عروق سوداء بسبب اكتحالها بالأثمد ! - تحاكي الإلياذة حيث أن "كاسندرا" أيضا كان عندها موهبة التنبؤ لكن غضب عليها "أبولون" وجعل الناس لا يصدقون نبوءاتها ، فحين وقع الهجوم اليوناني على طروادة لم يصدق أحد تنبؤ "كاسندرا" فسقطت طروادة.
وذي القرنين جعله البعض من حمير اليمن مع عدم وجود دليل تاريخي على ذلك ، ولكن ذلك التخيل ناتج عن التأثر بالصراع الفارسي واليوناني والذي كان اسكندر المقدوني أحد أساطيره ، وأسطورة امرئ القيس الذي له ١٨ شخصية في كتب التاريخ ( شاعر الحيرة / الملك / الفارس / الغساني / الحميري الذي عشق ابنة قيصر الروم / النجدي / باكي الديار / الكلبي الخ الخ ) ، و تفاسير آية ( نون والقلم وما يسيطرون ) والتي تأثرت بعقيدة أغريقية تقول إن الإنسان الأول كان سمكة ، وظهر ذلك في المعتقدات اليونانية باسم "الإنسان السمكة" الذي جاء من الخليج العربي ، وذكر القرآن النبي يونس أو يونان ذا النون النبي ، وصار "نون" معبودا طوطما عند القبائل العربية الأولى ثم تحول عند المسيحية كرمز في العشاء الأخير للسيد المسيح ، وقبل ذلك قدوم النبي موسى من البحر مخلصا لشعبه ، واشتقاق اسم قريش من القرش في أحد تفسيرات ابن عباس الخ الخ فالتجلي الرمزي في هذه القصص قد يكون له علاقة بالأساطير القديمة عند الإغريق واليونان وتناسخه الإنسان من حضارة لأخرى.
هذا النوع من الكتب يأخذك في رحلة عبر مراجع التاريخ والأدب العربي في محاولة للفصل بين الأسطوري والتاريخي في أخبار كثير من الأبطال الذين يمجدهم الموروث العربي والذين وردت قصصهم بصور شبيهة جدا في أساطير شعوب المنطقة.
في نهاية الرحلة ستكون محملا بكثير من الأسئلة التي تتطلب التفكير والبحث أكثر بكثير من الإجابات التي يحملها هذا الكتاب بين طياته
لا أعلم ما الهدف أو الفائدة أو المعني الذي يريد الكاتب ايصاله!!!
أولا- عنوان الكتاب لا علاقة له بالمحتوي في رأيي
ثانيا- الكاتب قام بجمع بعض القصص ذات الطابع الأساطيري في التاريخ العربي وشكك في صحتها بمقارنة الأحداث والأزمنة وتضارب الشخصيات الي آخره .. مرة أخري ما الهدف ؟!!!!
خلاصة لا أنصح بقرائته علي الاطلاق .. فبعيدا عن كل هذا كتاب ممل لدرجة الموت !!
هذا الكتاب المختصر يناقش تاريخية احداث وشخصيات عربية، بالتدقيق في تفاصيلها ومقارنتها باساطير الشعوب الاخرى. يقدم الربيعي ملاحظات مهمة في هذا الكتاب الطريف الجدير بالقراءة
ممتع جدًا من الناحية السردية للقصص والاساطير القديمة.. يطرح الكاتب العديد من التساؤلات حول مدى صحة الأخبار التي تتناقلها الشعوب من جيل إلى جيل وتشق طريقها عبر الزمن بقالب الأمثال والحكم كمقولة جزاء سنمار، ولكن من هو سنمار؟ هل هو شخصية تاريخية أم أسطورة مختلقة غرضها العبرة والاتعاظ؟ كما يقارن الكاتب بين القصص الشعبية والأساطير الأغريقية حيث تُنسب غالبية الأولى إلى الأعشى صناجة العرب والأخرى إلى الشاعر الضرير هومر صاحب ديواني الإلياذة والأوديسة .. وهنا يوجه الكاتب تساؤل مهم ومثير، هل الأعشى شخصية تاريخية بالفعل أم اقتبسها العرب من شخصية هومر بعد أن خالطوا الثقافة الأغريقية اثر اشتباكهم في الحروب اليونانية-الفارسية. وكان الغرض من اقتباسهم هذا تكوين رمز خاص بهم فاختلقوا شاعر عربي "ضرير" يتغنى ببطولاتهم وحروبهم من أرض المعركة. عدة شكوكات أخرى يطرحها الكاتب هنا.. لذا شعرت بأن الغاية من الكتاب هو خلق الأسئلة لدى القارىء ليواصل بحثه في مكان آخر.. وبالتالي ليس الغرض من "ابطال بلا تاريخ" تقديم أجوبة واضحة وصريحة ليضع حدًا لهذه الشكوك. وأخيرًا يمكن تلخيص الهدف من هذا الكتاب بالقول انه يساعد في خلق التساؤلات فقط دون توفير إجابة صريحة لها.