أبو الحسن، محمد بن الحسين بن موسى، ويلقب بالشريف الرضي (359 هـ - 406 هـ / 969 - 1015م) هو الرضي العلوي الحسيني الموسوي. شاعر وفقيه ولد في بغداد وتوفي فيها. عمل نقيباً للطالبيين حتى وفاته.
من أهم الأعمال التي اشتهر بها الشريف الرضي هو نهج البلاغة وهو كتاب جمع فيه خطب والحكم القصار وكتب الإمام علي لعماله في شتى أنحاء الأرض. له ديوان تغلب فيه القوة والعذوبة والنفس البدوي والجزالة وله كتب عدة منها «مجاز القرآن» و«المجازات النبوية» و«خصائص أمير المؤمنين الامام علي » و«مختار من شعر الصابئ» وبعض الرسائل منشورة.
في ساعة من ساعات النهار المُحرِقة، وأثناء سيره في شوارع بغداد، وقف أمام دارٍ قد بدا عليها آثار الزمان، وتوالي الحدثان، قد عفت آياتها ودرست معالمها، فوقف متعجبًا من جور الأقدار وتقلب الأحوال، وأنشد:
على الرغم من أن بغداد كانت مهدَ العلماء ومنبعَ الحكمة والعلوم، إليها المقصدُ، وعليها المُعوَّلُ… إلا أنها كانت أرضَ صراع بين السنة والشيعة، وساحةً للوغى بين الأتراك والديلم، وهدفًا للعيارين والشطار ( اللصوص والمجرمين).
وتحت سماء بغداد، مدينة السلام، أُقيم عُرسٌ جليل اجتمع فيه أشراف القوم وأعيان الدولة، كان العريس فيه أبا أحمد الحسين، نقيب الطالبيين، أحد أعلام النسب الرفيع، وقد عقد قرانه على فاطمة بنت الحسين، سليلة بيت كريم، وأبوها ابن خالة عزّ الدولة ونقيب الطالبيين.
لم يكن ذلك الزواج مجرد اقتران بين أسرتين عريقتين، بل كان حدثًا سياسيًّا واجتماعيًّا كبيرًا، أنجب للأمة فيما بعد درّة العقد وسيد شعراء قريش، الشريف الرضي
في سنة 359 ه، وُلد رضي الدين أبو الحسين محمد بن الحسين الموسوي العلوي البغدادي. في هذا البيت الرفيع ووسط أشراف القوم نشأ هذا الصبي، وتربى مع إخوته: المرتضى وزينب وخديجة.
وكعادة الفتيان في ذلك الزمان، اختلف الشريف الرضي على مجالس العلماء منذ نعومة أظافره، والتحق بمجلس أبي سعيد السيرافي، أعلم الناس بمذهب البصريين، وشارح كتاب سيبويه… فشهد له شيخه بالذكاء النادر وبحضور البديهة.
ودرس الرضي الإمامية وعاش على أجوائها، ولكنه لم يلتزم بما تنصح به من تقية. وحضر عند القاضي عبد الجبار كبير المعتزل، فتعلم على يديه أصول الاعتزال.
تربى الرضي في أحضان أمه وأبيه، وكان شديد التعلق بهما… ولكن سرعان ما تبدلت الأحوال، ففي سن العاشرة فُجع الصبي الصغير باعتقال أبيه وبمصادرة جميع أمواله، فضاقت الحال ببيت الأشراف.
ولكن الأم الشريفة لم تخذل أبناءها، وقامت على رعايتهم وأنفقت من مالها الخاص لتربيتهم، وأخذت ابنيها، الرضي والمرتضى، بنفسها إلى مجلس الشيخ المفيد، شيخ الإمامية وعالمهم، وطلبت منه أن يلقنهما العلم، في مشهد يدل على عظمة هذه الأم وقيامها بالبيت وبالأولاد في غياب زوجها…
وبعد سن العاشرة بقليل انطلق لسان الشريف بالشعر، فكأن اعتقال والده قَدَح زناد شعره، فأجاد وأحسن القول، حتى إنه في الخامسة عشرة من عمره مدح الخليفة بقصيدة مُحكمة، ظل صداها يتردد في نواحي القصر العباسي.
في سنة 376 ه، أُطلق والده وعاد إلى بيته، بعد غياب دام لسبع سنين، ورجعت إليه أمواله ومناصبه، وفي سنة 380 ه، عاد إلى نقابة الأشراف وإمارة الحج.
وصاحبنا الشريف كانت لهُ تطلعاتٌ سياسية، بل كان يرى أنه أحق بالخلافة من أبناء عمه العباسيين، وكان يتقرب منهم لعل وعسى أن يصل إلى مبتغاه، وحتى إن ذلك ليظهر في شعره في مدح الخليفة القادر، فيقول:
ُعطفًا أميـر المؤمنيـن فإننا ... في دوحة العَلياءِ لا نتفـرق ُما بيننا يوم الفخار تفاوتٌ ... أبدًا كلانا في العُــلا مُعــرق ُإلا الخـلافة سودتك وإنّـما ... أنا عاطلٌ منها وأنت مُطوق
وكان على علاقة وثيقة بالخليفة الطائع والبويهيين وخاصة بهاء الدولة، وكان يُعلِّق آمالَه السياسية على صديقه الصابي وابن ليلى من البادية والعقيليين.
وتزوج الرضي في نحو سنة 380 ه، وحاول مرتين أن يتزوج زواجًا سياسيًّا ولكن لم تكتمل الزيجتان.
وفي أوائل سنة 380 ه، ناب هو وأخوه عن أبيهما في النقابة، وفي رمضان من نفس السنة، عُيّن الشريف نقيبًا للأشراف ببغداد، وبدأت تتحقق مساعيه، ولكن…
كانت وفاةُ الخليفة الطائع وتولى القادر مصدرَ غصةٍ لهُ، ولم تكن العلاقة بينه وبين القادر طيبة، بل كانت أشبه بالعداوة، فعزله القادر عن النقابة سنة 384 ه، وتوفي صديقه الصابي في نفس السنة، وتوفيت أمه بعدها بسنة.. فتوالت عليه الصواعق… وقُتل ابن ليلى، واضطرب أمر العقيليين، وانشغل بهاء الدولة، فخمدت آماله السياسية.
فانصرف سنة 386 ه إلى حفظ القرآن بعد بلوغه الثلاثين، وأتقن قراءاته، وألف كتابه المشهور الذي يُسمى "حقائق التأويل في متشابه التنزيل"، وأيضا له كتاب "تلخيص البيان عن مجازات القرآن" وتكونت حياته العلمية في هذه الفترة.
ويعود الأمل للشريف سنة 388 ه، حينما استخلفه بهاء الدولة على بغداد، وهذا مقام عظيم. وتوالت عليه المناصب، ففي سنة 394 ه، عاد والده إلى نقابة الطالبيين، وفي سنة 397 ه، تولي الشريف النقابة والإمارة.
وكان الشريف مُحبًّا للإمام علي، شديدَ الاحتفاء ببلاغته، مما جعله يجمع كتابه الثمين "نهج البلاغة" في سنة 400 ه. هذا الكتاب الذي يَحوِي خطبَ الإمام وأقوالَه، فكان مقصدَ المتعلمين، وبغيةَ الحفاظ والمجيدين.
وفي نفس السنة، وُلد له ولدٌ سَمَّاه بعدنان… ولكنَّ الزمانُ يعود بصروفه، فتتوفى زوجته بعدها بأشهرٍ، وقد رثاها بقصيدة حزينة. ويَفقِد والده في العام ذاته، فآلمه ذلك وقوض عليه مضجعه.
وفي سنة 401 ه، أمر بهاء الدولة بمخاطبته بالشريف الأجل، وأما منصبه الأعظم، فكان في تكلفته من قبل بهاء الدولة بالنظر في أمور الطالبيين بجميع البلاد سنة 403 ه، وهو منصب لم يصل إليه نقيب من قبل.
ولكن الحال لا يدوم، ففي نفس السنة كانت قاصمة ظهره حين تُوفي بهاء الدولة… فآثر الشريف العزلة واستغنى عن مدح الخلفاء والوزراء… وفي سنة 405 رثى صديقًا له، بقوله:
ويبدو أن الشريف كان يرثي نفسه بهذه الأبيات، فبعدها بأربعة شهور، وفي صبيحة يوم الأحد، لستة مضت من محرم في سنة 406 ه (29 يونيو 1016)، بالكرخ على الضفة الغربية لبغداد، فارق الشريف الحياة، ودُفن بداره بحي مسجد الأنباريين، وصلى عليه الوزير فخر الملك وأشراف البلد.
كان غالب شعرالرضي في المديح، فثُلثا ديوانه ذاخر بالمدح والتهنئة لأهله والبيت العلوي وأصحابه والوزراء والخلفاء، ثم يأتي الرثاء، فالفخر، فالشكوى، فالنسيب..
وكان شعره مليئًا بالفخر والكبرياء والأنفة والعزة، وكان رقيقًا في عتابه، يدعو إلى البُقيا ولمِّ الشمل، وكانت شكواه متنفسًا له، يبث فيها متاعبه من دنيا الأقارب والأصدقاء ومحاربة الدهر له.
وكان غاية في الرِّقَّة، وله قصيدتان في النسيب من أرقِّ وأبدع ما يكون، وهما: يا ظبية البان، ويا ليلة السفح. وله خمس قصائدَ طُوال في رثاء جده الحسين.
1- حاجي خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون 2- إسماعيل باشا، هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين 3- يوسف إليان، معجم المطبوعات العربية والمعربة 4- شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي 5- الثعالبي، يتيمة الدهر 6- ابن خلكان، وفيات الأعيان 7- الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد 8- القفطي، إنباه الرواة على أنباه النحاة 9- الصفدي، الوافي بالوفيات 10- الرافعي، تاريخ آداب العرب 11- الشريف الرضي، ديوان الشريف الرضي، تحقيق عبد الفتاح الحلو
معكم ديوان لفقيه وشاعر وسياسي وكاتب وإمامًا في الفتوة والفروسية صب ثقافته و احساسه وبصيرته في هذه الديوان تحتاج قبل قراءة الديوان لمحة سريعة ع حياة الشريف الرضي لفهم لابيات فحياته كانت حافلة بالشقاء والزمن رماه في طفولته بما يمنح لاطفال عقول الكهول ومن ابياته
وكان يرى من موجبات الكرامة أن يترفع في نسيبه عما يسوقه إلى مدارج لابتذال لذا تجد في شعره القيم العالية والتركيز ع لاخلاق والفضلية فلا عجب فهو من عتره رسول الله ومن ابياته
مِنَ الغُدرانِ ما وَسِعَ الإِناءُ إِذا ما الحُرُّ أَجدَبَ في زَمانٍ
فَعِفَّتُهُ لَهُ زادٌ وَماءُ
أَرى خَلقاً سَواسِيَةً وَلَكِن
لِغَيرِ العَقلِ ما تَلِدُ النِساءُ
يُشَبَّهُ بِالفَصيلِ الطِفلُ مِنهُم
فَسيّانِ العَقيقَةُ وَالعَفاءُ
وانظروا معي إلى جمال هذه الأبيات 🌷
حُبُّ العُلى شُغلُ قَلبٍ ما لَهُ شُغُلُ
وَآفَةُ الصَبِّ فيهِ اللَومُ وَالعَذَلُ
قالَت ضَنيتَ فَقُلتُ الشَوقُ يَجمَعُنا
وَيَعرُقُ الوَجدُ ما لا تَعرُقُ العِلَلُ
وَإِن تَحَوَّنَ جِسمي ما عَلِمتُ بِهِ
فَالرُمحُ يَنآدُ طَوراً ثُمَّ يَعتَدِلُ
كَيفَ التَخَلُّصُ مِن عَينٍ لَها عَلَقٌ
بِالظاعِنينَ وَمِن قَلبٍ بِهِ خَبَلُ
وَمَن لِوَجدِيَ أَن يَقتادَني طَمَعٌ
إِلى الحَبيبِ وَأَن يَعتاقَني طَلَلُ
دونَ القِبابِ عَفافٌ في جَلابِبِها
وَالصَونُ يَحفَظُ ما لا تَحفَظُ الكِلَلُ
وَعادَةُ الشَوقِ عِندي غَيرُ غافِلَةٍ
قَلبٌ مَروعٌ وَدَمعٌ واكِفٌ هَطِلُ
مَن لي بِبارِقِ وَعدٍ خَلفَهُ مَطَرٌ
وَكَيفَ لي بِعِتابٍ بَعدَهُ خَجَلُ
النَفسُ أَدنى عَدوٍّ أَنتَ حاذِرُهُ
وَالقَلبُ أَعظَمُ ما يُبلى بِهِ الرَجُلُ
وَالحُبُّ ما خَلَصَت مِنهِ لَذاذَتُهُ
لا ما تُكَدِّرُهُ الأَوجاعُ وَالعِلَلُ
والقصيدة تطول وهذه بعض الأبيات منها اما مرثيته لوالدته ابكيكِ لو نقع الغليل بكائي كانت جدا مؤثرة وأجاد الرضي برثاء ال البيت عليهم السلام جزاه الله خير الجزاء وطيب الله مثواه
فخر واعتداد، إباء وعزة، بالرغم من اعتراضي على بعض الأشياء لكن الديوان بمجمله رائع وفخم جدا، لا غرو ان يمتلك هذه الفصاحة من اتصل نسبه بالرسول الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام وبوصيه أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.. ديوان يستغرق وقتا لقراءته وتأمله..
قرأت ديوان الشريف الرضي الجزء الأول بشرح وتعليق وضبط وتقديم الدكتور محمود مصطفى حلاوي. والمقدمة مهمة لمن لا خلفية له عن عصر الشريف الرضي فهي تضم: الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية. والجزء الثاني منها خاص بحياة الشريف الرضي وسيرته. الجزء الأول يشمل القافية من حرفا الهمزة والألف إلى حرف الغين. وهو جيد ومنظم.
فخر واعتداد، إباء وعزة، بالرغم من اعتراضي على بعض الأشياء لكن الديوان بمجمله رائع وفخم جدا، لا غرو ان يمتلك هذه الفصاحة من اتصل نسبه بالرسول الأكرم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام
ديوان الشريف الرضي، تسلم يدي على ما نالت.. تحفة من التحف منسيَّة على الأرفف رقَّت أوراقها حتى أن ملامسة النسيم لها يمزِّقها، ساقها الله إلى قارئة نهمة لا ينال من فؤادها إلَّا الشعر العبقري كما هذا ديوان عبقري وعظيم!