في الثالث من تشرين الثاني من عام 2003 رحل رسول حمزاتوف، شاعر الحب والجمال والكلمة الأصيلة. سنوات مضت من دون رسول... وكأنه لم يغادرنا قط. سنوات انقضت ونحن إلى الآن لم نألف غيابه، بل إن دفء قصائده لا يتوقف عن التوقد في آذان محبيه، وإن نور كلماته وحكمته لا يزال يفيض في أرواحنا، نحن الذين عشقنا أشعاره فانسكبت ألحانه في دمائنا أغنية عصية على الزمن كما هي جبال داغستان راسخة شامخة أبد الدهر. كان رسول بمثابة الصخرة والقمة الرائعة، التي نستشرف الآفاق من عليها؛ كان حصنا روحياً بالنسبة لنا وكان سداً منيعاً في وجه أولئك، الذين أرادوا الانقضاض على إنسانيتنا وعلى روحانيتنا. وقد تحول هو وإبداعه إلى جزيرة نجاة في محيط من البغض والحقد راحت أمواجه تضرب بزماننا وبقيمنا. لذلك رحنا نلتقط الكلمة السحرية في شعره، كما يتمسك الغريق بقشة، في لجة الأمواج العاتية والعدائية. لقد اجتمعت في إبداعه عدة عناصر شعرية: الشعر الغنائي، والأدب الملحمي والتأملات الفلسفية بخصوص الزمن والذات. كما أدهشت معاصريه رهافة حسه تجاه العالم، ولسوف تدهش الأجيال القادمة. فقد كان الفتى الجبلي، من قرية تسادا الأفارية الصغيرة، يراقب من فوق هضابها الصخرية ذلك العالم الكبير الذي أسكنه أشعاره. ذلك أنه مذ كان طفلاً صغيراً وهو يتفاعل مع جميع الأحداث العالمية دون أن ينسى جذوره العميقة مطلقاً.
Rasul Gamzatov (Avar: Расул ХIамзатов) was probably the most famous poet writing in the Avar language. Among his poems was "Zhuravli", which became a well-known Russian song.
He was born on September 8, 1923, in the Avar village of Tsada in the north-east Caucasus. His father, Gamzat Tsadasa, was a well-known bard, heir to the ancient tradition of minstrelsy still thriving in the mountains.
Gamzatov was awarded the prestigious State Stalin Prize in 1952, The Lenin Prize in 1963 and Laureate Of The International Botev Prize in 1981.
من الصفحات الأولى في كتاب بلدي، ثار فضولي للتعرف أكثر على هذا الكاتب وعلى شعره فقد وصلت للصفحة 170، ولم أشعر لحظة أنه داغستاني، يكتب بلغته الأم الآفارية.
وكلما توغلت في كلماته أكثر، شعرت بحب داغستان ينتقل لقلبي، بل ربما حب وطني الذي اشتقت إليه بعد فراق طال...يقطف لنا منها أجمل الزهرات ليزرعها في ذاكرتنا..ويجعلها عصية على النسيان..داغستان البلد الصغير،بطبيعته الجبلية الصعبة، وضنك عيش الفلاحين...يحيله رسول جنة غناء...ولا أدري...هل رسول منح داغستان ذلك الجمال؟؟أم أن جبالها وأنهارها وشهامة رجالها هو ما طبع شعر رسول بذات الجمال؟؟!!
الحب هو عنوان رسول حمزاتوف...حبه للوطن...وزوجته فاتمات"فاطمة
(كيف تستطيع أن تحب امرأة وأنت لا تحب الأرض التي أنبتتك وأنبتتها؟!)
وحبه للقيم النبيلة وللخير والسلام...حبّه للناس وتفاؤله بالحياة ودفاعه عن الحرية...وهو القائل عن نفسه:
(إن حمزاتوف شاعر يؤمن بأن الحب لحظة تشرق في داخلنا فننسى كل ما قبلها)
أما ما فاجأني وأسعدني أكثر فهو قصائده الأخيرة، والتي وإن كانت مغموسة بالحزن، حزنا على كبر العمر وفوات الكثير، وحزنه الأكبر على زوال دولة كان يؤمن بها إيمانا مطلقا، فإن فيها ملامح عودة لمنابع الإسلام الروحانية وللإيمان...ابتهالات لله ودعوات لتخليص البشرية مما هي فيها من صراعات...وحسرات لإنه لم يتعلم لغة القرآن، ففي قصيدته "معنى القرآن العظيم" يعلن الندم على جنوحه يوما نحو الإلحاد.
شعرٌ عذب رغم أنه مترجم...فكيف هو بلغته الأصل؟؟
أنا على يقين أنه سيكون أجمل...رغم شكري الجزيل لمن ترجم تلك القصائد وجعلها في متناول القارئ العربي...
وبقي لي أن أقول أخيراً أن حمزاتوف كتب لفلسطين
"ليلٌ طويلٌ يضنيه حزنٌ موجع ولا فجر للحزن فأين أنت فلسطين ؟ . حارقٌ ربيعك وشقاؤه حارق شهيقٌ دائمٌ , فأين أنت يا فلسطين ؟ يذبلُ وردٌ , ويجف نبعك والمغيب دمويٌ فأين فجرك يا فلسطين ؟ . خرس الطير على سعف نخلك المثبور وصرت جرح جسد الأرض العربية البليغ نامت القنابل على وسائد أطفالك , مكان اللعب وسنَّ أطفالك خناجرهم في المهد فأي الأغاني , أُغني لك يا فلسطين ؟ . وأجمل الأغاني أنت يدق القلق أوتار الروح فأي الحكايات , أقص عليك , ولم يبق من حكاية مضيئة غيرك؟ غادر النوم , والأمان , عيون أطفالك ولا سعادة لهم , يافلسطين حزنٌ موحشٌ في تونس ولا فرح في باريس ولا أجمل منك يا فلسطين مساجد القدس ونهر الأردن وكلنا نغني نعرف أغنية واحدة إننا سنعود إليك يا فلسطين "
ما حاجتي للمجد الشخصي ما هو حقا ؟ فأنا فخور بك لا بنفسي ..يا شعبي أنا مجرد شرارة لمجدك المتوهج
رسول حمزاتوف ..رسول الحب والنقاء والجمال والإنسانية رسول داغستان وتسادا كلمات رسول رغم المسافات ورغم جليد الترجمة تشعرك بالدفء وينبض قلبك بالحب لرسول ولداغستان بكل ما فيها من جمال كثيرا ما أحسب أن الأرض بأكملها .. بيتي الحميم وحيثما تدور معركة ونيران ورعود فأن بيتي يحترق يحترق بيتي
أكثر السهام دقة سهام أقربائي فهم يعرفون أكثر من أي كان كيف يسددون ..لتكون الإصابة أكيدة وفي أكثر الأماكن إيلاما لي
حزين الحقل في يوم خريفي رمادي والأكثر حزنا هو المرء الكئيب من لا يحسن شيئا في هذه الدنيا كالعمود يقف جامدا في درب الحياة
شكرا للحب للموسيقى وللكلمة ولأسكت عن التفاهات والمشاكل لا أتمنى الشر لمن ارتكب الشر لكن أن أتذكرهم ليس بس رغبة
لقد أعييتك كثيرا كما أذكر ..ليل نهار لم تعرف طعم الراحة معي فسامحني يا قلبي
لا تقلقوا بشأني هكذا هي الدنيا لا بد من الوداع لا مفر من الفقدان
منذ أن رأيت عيني رسول حمزاتوف ، عرفتُ أنّ هذا الرجل يملكُ قلباً مختلفاً .. تجلّى في رائعته " بلدي " والآن يتجلّى أكثر في مختارات الشعر .. والشعر ينبوع القلب .. هنا رسول الشاعر والثائر والعاشق والرجل الواقف على حافة النهايات .. يودّعنا وفياً لزوجته " فاتمات / فاطمة " .. يعرف جيداً أن كل شيء له أن ينتهي ويتغيّر إلا فاتمات .. لا شيء يُشبهها في هذا الكون ..!
شعبي ليس كبير العدد لكنه بأفعاله عظيم سيقدم دمه قطرة قطرة كي تنبت القطرات ازهارا ولا يجوز له الا يكون مؤمنا فهو مخلص للوطن في انعطافات الحياة الاكثر قسوة وصعوبة *** ماما الينبوع يتمتم بهذه الكلمة وهو يسدي خدمة للابريق لانه يتذكر القمة الجبلية التي اشتهرت بها أمه ** التصقي بخدك إلى كتفي وسوف نطير وإياك عبر الثلج وظلام الليل ، إلى هناك حيث تتعانق شجرتان مزهرتان ** في حين أنني أغرق في الحزن ، وأنتِ تعرفين جميع الممرات والمخارج في قلبي كما تعرفين بيتكِ بالضبط ** دعيهم يطلقون النار فهل من منشد لم يُصَب قلبه بجروح ؟ احفظنا أيها الزمن ، حتى القبر من القلوب الباردة الخالية من الجراح ** شيئ واحد أخشاه أن تنأين بوجهكِ فجأة عند اللقاء ، فيما بعد كما لو أنك لا تعرفينني !
" أرجوكم، أيها الناس، كرمى لله: لا تستحوا من طيبتكم الأصدقاء ليسو كُثراً في هذه الدنيا فلا تضيعوا أصدقاءكم."
" تُحسن لقاء الحزن بصرامة، من دون دموع، بلا حيرة، وتجيدُ أنت السعادة من دون أن تتباهى."
" لأنني خلتُك من جديد، وكنت مستعدًا أن أعرضك للرمح، يا له من جنون مجّاني، فسامحني، يا قلبي."
"سابقًا كنت أظن، أن الطفولة -مجرد جزء من حياة البشر. لكن، قسمًا برأسي، حياة الإنسان- طفولةْ، ليس إلا، من اليوم الأول وحتى نهاية المصير!"
"المطر يذرف الدموع على خدود النافذة، كما هو مقدر له، فلست بحاجة الآن لامرأة، ولا حاجة لي لأغنية أيضا.
واليومَ، لن أسمح بالدخول إلى بيتي لا للواعظ ولا النمّام. امنحني، أيها المساءُ، مؤنساً، شرط أن يكون برأس صافٍ."
" كثيرًا ما أحسَبُ أن الأرضَ بأكملها - بيتي الحميم. وحيثما تدور المعركة ونيران ورعود- فإن بيتي يحترق، يحترق بيتي."
" أنا، وقد تجاوزت درب التفكر الوعر، أتوجه إلى هواجس الأرق مع الدموع: تعبتُ أنا، ايتها الهواجس! دعيني أرتاح فقد حل الليل في الفناء، والوقت تأخر لتتزاحمن."
"لا تلمس الجروح القديمة، يا قفقاس، ولا تضع الحواجز في الطريق. الغِ الأمطار لهذا اليوم، الغِ القلق لهذا الليل."
"- قُل، سعادةُ مَن هي الأكثر فرحاً بين السعادات؟ - ذاك، الذي لم يعرف الفرح من قبل. - قُل، وحزنُ مَن هو الأكبر من بين الأحزان؟ - ذاك، الذي لم يعرف الحزن أبداً.
- ونحن وإياكِ، حبيبتي، نعرف كل شيء منذ أمد بعيد، بدءاً بالفرح وانتهاء بالفقدان. - ليس غريباً أن نعرف، ليس غريباً. فالحياة كا��ت تدقُ بابنا بشكل دائم..."
"أكثرُ السهام دقة سهامُ أقربائي، فهم يعرفون أكثر من أي كان كيف يسددون، لتكون الإصابة أكيدة، وفي أكثر الأماكن إيلاماً لي."
"ما هو الأكثر سواداً؟ ا��ضجر، والليل عندما يغيب القمر. وما هو الأكثر فالأكثر سواداً؟ الفراق، المكتوب للعاشقين."
هذه القصائد كُل ما تحتاجُه عندما يحرُث رُوحك التَّعب. رسول حمزاتوف كان بِحق مؤمنًا؛ فهو لم يجد في الموسيقى إثم، و لا في قُبلة اختلسها عاشق خطيئة، الخطيئة الوحيدة بالنسبة له هي حياة قاتمة. و كما يقول بابلو نيرودا: "لا تنتمي القَصائد للذين يكتبونها، بل لأولئك الذين يحتاجونها." و نحن بحاجتك يا حمزاتوف. نفسي ستبقى غضّةً أمام قصيدتك شكرًا لك أيُّها الشّعر. *** شكرًا لك أيُّها الشّعر لأنّك لم تسمح بالسّقوط لمن تكسّرت عظامه و هو يتسلّق الجبال الصّخريّة
في مطلع قصيدة التصفيق لرسول حمزاتوف يقول : (لقد صفقنا ، حتى تألمت أكفنا). الشاعر يتحدث عن الحماسة ولكنه يستدرك قائلًا: (ولو كانت أكفنا أجنحةً فما أناْ إلا غبيٌ لوح بجانحيه). الشاعر يتناول الوعي الجمعي حيثُ يتجه القطيع إلى اتباع الراعي ووعيه دون وعييهم وهذا ما يوضحهُ قائلًا: (صفقتُ حتى طارت عقاربُ ساعتي ومضى الزمن) أي أنه أمضى عمرًا كاملًا من التصفيق، عمرًا كاملًا من المشاركة، عمرًا كاملًا بلا وعيه وانما عمرًا كاملًا من الأتباع غير أنه يُشير في نهاية القصيدة أنه بدأ في سماع أهازيج من نوع أخر طبيعة لا مُفتعلة فهو يستمع لصوت قرع المطر لأسطح وتصفيق الريح للربيع وتراقص الأشجار والحشائش. الشاعر يمنحنا أملاً باستدراك الماضي من حياتنا بلا رجعة وكسب الأيام المتبقية منا.
رسول الحب..رسول الكلمة الطيبة والخيال الخصب..رسول شعبه وبلده..ذلك البلد الصغير الذي تغنى به حيثما حل وارتحل.. الشعر ينبوع القلب وها أنا أغوص بأشعاره الرقيقة بكلماته البسيطة والتي لم أفهم أبعادها أحيانا..! استمتعت كثيرا مع هذا الكتاب الرقيق الذي مر على الوطن والحرب والخير والطبيعة والحب ومبادئ الانسان النبيلة..بقلب شاعر مرهف.. الكتاب خفيف من السهل قرائته لعدة مرات وكتب الشعر تجبرك على العودة اليها مرات اخرى.. حاولت ان اطيل مدة مكوثي معه لكنه رحل على عجل وتركني مع بعض قبسات منه سأشارككم بها...
يبدو لي احيانا،أن الجنود، الذين قتلوا في المعارك الدامية، لم يدفنوا في ترابنا يوما قط، بل تحولوا إلى غرانيق بيض. وأنهم مازالوا يطيرون ويبعثون إلينا النداء منذ تلك الايام البعيدة وحتى الآن ******* تتكرر كلمات الصلاة، وكم من مرة يتردد القصيد. لكنها صحيحة تلك الحقيقة القديمة، بأن الزمن لايعرف التكرار. *********
"علمني،ساعدني ياأبي،كيف ذلك، كي لاأخطئ فأتبع الضلال؟" "اسأل عن ذلك قدمك المتورمة، التي مزقت أوتارها". *********
ماذا خلف النافذة:غروب ام شروق؟ أهي الريح تصفر أم الناي يغني؟ ماذا خلف النافذة:أهو الكرز يزهر؟ أم هي عاصفة شتائية تهب؟ ماذا خلف النافذة،الامر سيان، كوني على ثقة،مازلنا وإياك شابين. التصقي بخدك إلى كتفي، وسوف نطير وإياك عبر الثلج وظلام الليل ،إلى هناك، إلى حيث تتعانق شجرتان مزهرتان. ********
الموت لن يقترب مني_ فأنا إلى الربيع أنتمي، طالما أنني أزرع القمح. سوف يكفلني الربيع، وأوراق الحديقة الوارفة، ولسوف يبتعد الموت صاغرا...
كلا لن يأتي الموت لاجلي، طالما انا اشيد بيتا على الارض العزيزة بنفسي. فما ان يرى كيف يرتفع الجدار، سينطلق الموت هاربا إلى الغابة الممتدة خلف الجبال...
كلا،لن يتجرأ الموت أن يأتي ذلك الموت الاعوج،النحيل كعود ثقاب، طالما أنني ممتلئ بالأشعار،والأغاني.. الحب أقوى من كل موت! فلا تنعق،أيها الغراب الاسود.
لا لن يأتي الموت لأجلي، طالما أنني أخدم الحق والخير في هذه الارض الغالية. ولكن إذا انفضحت، وفعلت أمرا مشينا،ياأصدقائي، فدعوا الموت يأت حينذاك وينل مني على الفور!
ليعش،رغم أنف الشر، عالم النور،الذي لايتكرر، لتعش عيناك، يداك، والكلمتان التي ننطق بهما... والقرن المعقد كما هو بسيط؛ واليوم الذي ولدت فيه. لتعش آلاف النجوم، التي تنظر إلينا. *******
تحية إلى الارض،لأصدقاء روحي: الذين صاروا قلة؛ عند النهاية.. كم عانيت من ظلم الأقرباء، ولكن لن أقول لهم كلمة بغيضة.
شكرا للحب،للموسيقى وللكلمة! ولأسكت عن التفاهات والمشاكل. لا أتمنى الشر لمن ارتكب الشر، لكن أن أتذكرهم ليس بي رغبة...
“إني أحمل إليك جليدَ الملامات، إنه كالمطر الذي يهطل خلف الجبل: في البداية يكون ثلجا، ولكنه، بينما يسقط من علُ، يذوب قبل أن يلامسَ الأرض .
أمشي، كما مشيتُ مائة مرة من قبل، أحسب أني سأبوح بما في روحي، لكني أصمت: فالدموع ، التي تهطل من عينيك الآن بتلك السهولة، تعميني وتخنقني أنا - وليس أنتِ”