مجموعة مقالات كتبها ونشرها الشيخ في مراحل مختلفة من حياته، أسماها (ميراث الصمت والملكوت)، خاتماً إياها بلقاء كان قد أجري معه حول القراءة ومهاراتها أجاب عنه الكاتب بكل شفافية ودون تكلف، فالرجل ممن عرفوا بالقراءة منذ الصغر، وإن كان انقطع عنه في مرحلة المراهقة بضع سنين عجاف..
إن هذا الكاتب مجنون ..! هذا هو الشعور الذي لازمني منذ الصفحات الأولى للكتاب ..
كان الأسلوب العشوائي المنتظم لمقالاته هو أكثر ما أعجبني وهو ما جعلني أتمم مقالاته وأعيد قراءة إحداها مرات .
أعجبتني جدا ثقافته وموسوعيته وعمق نظرته لعدة أشياء كمراكز التأهيل النفسية والتنمية البشرية التي تحولك إلى سوبر ناجح مقابل مائتي ريال مثلا . وغيرها من الأشياء التي انتشرت في مجتمعنا لغياب الثقافة وسيادة حالة من المادية التي تُسعر كل شيء وتعلبه كسلعة.
ترنحت المقالات بين _______ خلاصة تجارب مثقف مثله والذي عرفت من خلالها أن الكاتب قرأ لنصف كتاب الأرض تقريبا وأنه يقرأ لإبليس لو استدعى الأمر ولكنه يأخذ منه ما يريد دون أن يتلوث جراء محادثته ! ___ وبين مقالات عن المجتمع المدني وعن حضارة المسلمين والعرب بين النقص والعظمة الفعلية وبين رأيه في بعض النظم السياسية كالاشتراكية مثلا
وهنا اقتبس لك من خاطرة (الطوابير والأمثال)
عندما زرت رومانيا توقف بنا سائق الأجرة عند أحد المخابز..لم أكن رأيت عن قرب الأثر الذي تخلفه الشيوعية على هذه الشعوب البائسة؛ حتى رأيت أطول طابور معوج يقف عند أصغر نافذة مخبز. وكانت رومانيا قد تحررت من الأسر الشيوعي ولكن الطبقة الكادحة هي التي تدفع الثمن في مثل هذه التحولات الحادة ضعف ما كانت تدفع من قبل . ذلك المنظر الغريب من بقايا عهد الشيوعية النَكد فما أصدق ما قاله بعض الساخرين ((النظام الذي ينتج طوابير يتقدم فيها المرء بالسن بعض الشيء قبل أن يحصل على حاجته))
.حين لا تستقم الحكومات؛ تعوج الطوابير وحين تعوج الطوابير تنحني الجباه. فهل فهمت لم أكره الطوابير إلى هذا الحد .
__
..وبين اشاداته ببعض أهل العلم وهو الجزء الذي لم يعجبني كثيرا لعدم معرفتي ببعضهم ولمدحه الزائد نوعا لأشخاص لم أحضر بمجالسهم كما حضر هو لذا فقد كان عاطفي مداح هنا أكثر من كونه معلما فعلا، فأحسست أنها وضعت حشوا للكتاب فقط. --- وبين حوار عن القراءة أعجبني كثيرا أعطيك منه مقتطفات (1) ستضيف القراءة للمرء حسدا كثيرا من أقرانه لازدياد كمية الإنسان فيه وتجاوزهم بنموه العقلي، وستفقده القدرة على إقامة العلائق الاجتماعية والتكيف مع الناس وستضيف له معرفة جيدة بشركات نقل الأثاث لكثرة تنقله بمكتبته من بيت قديم إلي أقدم منه ليتحيف فارق الإيجار لشراء كتب تتراكم فوق خيباته.. بالإضافة إلى قدر لا بأس من زيادة حجم العدسات .
(2) أظن أن استفادة المجتمع من إقبال شريحة من الشباب على القراءة مرتهنة بحال هذا المجتمع وقابليته الثقافية، ثم يتداخل هذا كله في علاقة جدليه معقدة مع نوع السلطة التي تحكم المثقف والمجتمع .
(3) إذا كان الكتاب مترابط الأجزاء فإن قراءة أجزاء منه دون جميعه تكون مخلة بمادته، وأما قراءة الكتاب كبعض المقالات المجموعة التي ليس بينها رابط وما شابهها فلا بأس. ______________
وبين خواطر رائعة أجملها (خاطرة فطرية عن الإبداع ) والتي حملت نصائح ثمينة للمبدعين .
تحدث فيها عن مكمن نجاح الإنسان والظفر في حياته من عدة محاور ذكر فيها كون الإنسان ذا تفكير عملي يذود به عن ذاته غائلة العجز النفسي وأن يوازن بين طموحه وإمكاناته ثم يعمل ما يستطيعه بما تهيأ له
إن المبدع في الأطوار الأولى من تكوينه النفسي لينزع بهذا السعي لكسب الاحترام الاجتماعي أكثر مما عند غيره، فيحتفي بصورته لدى الآخرين احتفاءً زائدا عن حاجة الفطرة فائضا عن حدوده الطبيعية فإن هو استمر به صيره أسيرا لنظرة الجماعة يتكففها المنزلة والرفعة والتجاوب الشعوري..وهذا هو السر في شذوذ تصرفات كثير من المبدعين، ذرائع يصطنعونها للفت الانتباه ثم لا تلبث أن تستحيل إلي أمراض نفسية تنتهي ببعضهم في غياب الإيمان إلى الانتحار أو الجنون .
____ وكان أكثر ما أعجبني بالكتاب كله هو القصة القصيرة بعنوان (حرمة الأشياء المبتذلة) تحدثت عن صراع نفسي رائع من منظور شخصيتين فقط ومع تذييل يقشعر له البدن -لن أحرقها -
:"D ____ في النهاية كان كتاب ماتع ويستحق القراءة إن لم يكن لكلمات الكاتب فقط ولكن لمقتبساته المثيرة نوعا والمضحكة ببعض الأحيان ولنختم اللقاء بسؤال مهم قيل بالكتاب ..
لماذا يمتلئ العالم إلى هذا الحد بهذا العدد الكبير من الأطفال اللامعين؛ والكبار الفاشلين المعدومي القيمة ؟
كتاب بديع، وتجوال جميل في أنحاء متنوعة من أبواب الفكر والثقافة..
ولو أن همّةَ مؤلفه في التأليف والتصنيف همَّتُه في الاطلاع والتطويف لجاء بمؤلفات فاخرة، لا سيما كتابه في منتخبات السير الذاتية!
لكنه مقتول بأنه خجول ملول، وهو فوق ذلك حريص متحفظ، فأما خجله وملله فقد صرَّح به عن نفسه، وأما حرصه وتحفظه فيتسرب من بين سطوره.
ومن كان له مثل هذا الحرص والتحفظ لم يستقم له القلم، فإنه سيضع على نفسه ألف ألف رقيب، يحاكمه كل واحد منهم على الكلمة والسكتة، على التصريح والتلميح، وذلك ما يجعل الكتابة جحيما لا يُطاق.
لولا الكتابة لغاض العلم، وكم تخسر أمتنا بالعلماء الذين لم يكتبوا، وبعضهم كان حريصا ألا يكتب، وألا يُكتَب عنه، وألا يُسجَّل له.. ولربما كان هذا من الورع، أو كان من غلبة طبع النفس على صاحبها..
وأحسب أن لو كان هذا الورع مقبولا يوم كانت تغص ساحاتنا بالعلماء في القرون الأولى، فكيف يكون مقبولا في زمن ينكمش فيه العلم ويتآكل فيه العلماء بالموت وبالسجن وبالهجرة وبالتضييق؟!
ولئن كان هذا من غلبة طبع النفس، أفما يستحق حال الأمة ممن وهبه الله علما أن يجاهد هذا الطبع؟!
على كل حال، هو كتاب بديع جميل طريف، يأنس به القارئ زمن قراءته، ويستفيد منه جُمَلًا عميقة ويشرف منه على جبهات عديدة.
ميراث الصّمت والملكوت.. عبد الله بن عبد العزيز الهدلق الكتاب عبارة عن تجميع مقالات للكاتب.. ولكنّها أقرب ما تكون لخواطر وتداعيات أفكار.. ليس لها موضوع واحد.. عبارة عن شذرات من هنا وهناك.. ولكن وكالعادة ليس هناك كتاب لا نخرج منه بفائدة ونفع.. أخذت منه عناوين لكتب عديدة يمكن تصنيفها تحت صنف (سير ذاتيّة).. أحزنني ما ذكره عن المرحوم حمد الجاسر عندما ذكر كم يؤلمه أن يفتح دفتر أرقام الهاتف.. فقد أصبح أغلب أصحابه في عالم الموتى.. ذكرت ذلك لصديقتي فقالت لي جملة للإمام علي رضي الله عنه: إذا مات أقران الفتى ذلّ. ولكن.. هذا حال الدّنيا.. وفرق كبير بين أن تقرأ هذه المعاني في كتاب.. وبين أن تشاهدها عياناً من أشخاص أمامك وتعيش لوعة فقدهم لأقرانهم وعالمهم الجميل الذي عاشوه.. صادف انتهائي من قراءة هذا الكتاب زيارة لصديقاتي نهاد خانم.. ومن بعدها سميحة خانم.. كلاهما عاشتا حياة غنية مفعمة بالحركة والنّشاط.. رغم فارق البيئة الكبير والمتباين بينهما.. هما من نفس الجيل.. تجاوزتا التّسعين من العمر ببضع سنين.. أجلس معهما فأرى ماضيهما بكلّ ما فيه من عبق وحركة ما يزال يتراقص أمامهما فينتشيا به.. ولكن مع ذلك أرى الخيبة والحزن في أعينهما.. ومردّ ذلك برأيي عندما يعودان لواقعهما فيجدان يداهما خاويتا الوفاض.. لم يبق من ما مضى سوى بعض القصص والذّكريات.. ذهب الزّوج.. تفرّق الأولاد.. مات الأهل.. تغيّرت الدّنيا وأحوال العباد وقيمهم.. ومع ذلك ما تزال تلك اللّحظات حاضرة أمامهما تعطيهما – ربّما – القوّة للاستمرار.. لا بل أحياناً تراهما يعيدان تفاصيل دقيقة لا يُصدّق كيف أنّها لا تزال عالقة في البال رغم ما تراكم فوقها من غبار السّنين.. ولكن جمال اللّحظة وصدق الشّعور الذي كان لم يقو على محوه ما مرّ وما جرى.. ومنهما تستمدّان الدّافعية والقدرة على التّحمّل.. فمن أحبابه يستمدّ الإنسان قوّته ودافعيته لمتابعة حياته.. كلتاهما كانتا تملآن البيت بنشاطهما.. ومتابعتهما.. وقوانينهما.. التي لا يجرؤ حتّى الزّوج على خرقها.. لأراهما اليوم تقبعان على الأريكة لا تكادان تقويان على تحريك رجليهما.. فأرى الحسرة في أعينهما.. للأسف هذه حال الدّنيا.. ( ومن نعمّره ننكّسه في الخلق.. أفلا يعقلون!!) سبحان الله في كلّ شيء من حولنا جعل الله لنا عبرة.. علّها ترشدنا لدرب الصّواب إن تهنا عنه قليلاً أو ابتعدنا.. وليس من عبرة أعمق من ملاحظة تقلّب حال الإنسان.. أستمع لهما وأتفاعل مع قصصهما – التي بتّ أحفظها – ولكن مع ذلك أخرج أحياناً بحسرة وحزن إذ ليس باليد حيلة يمكن مساعدتهما بها.. كيف لي أن أردّ لهما الزّوج الغالي.. أو صخب الأبناء.. أو عزّ الأبّ.. أو الأم الغالية؟!! تراني أخطّ تلك الكلمات الآن والدّموع تنهمر من عينيّ.. هل وصلني حالهما الآن؟ّ!! فشعرت ما يختلج في قلبيهما رغم ما تظهراه لي من قوّة ورباطة جأش.. لا بل ربّما لا مبالاة.. في كلّ زيارة أسمع أسماء جديدة أضيفت لقائمة الم��حومين.. عندما يغيّر الإنسان زاوية الرّؤية التي ينظر منها للأمور والأشخاص من حوله.. تتغيّر وفقاً لها وجهة نظره ويعينه ذلك على تقبّل من حوله.. وتفهّم ما يمرّون به وبالتّالي سبب تصرفاتهم.. فيرحمهم ويعطف عليهم أكثر.. ********** سبحان الله كلتاهما عاشتا في عائلة كان لها وزنها وقيمتها العالية في المجتمع.. وكان أفرادها لهم ثقلهم الاجتماعي والمادّي والدّيني.. ورغم تفاوت العائلتين في كل الجوانب والتّوجهات وطريقة العيش.. وبمجرّد الجلوس معهما يمكنك معرفة طبيعة المجتمع الدّمشقي الفسيفسائي المتنوّع في تلك الأيّام أي من منتصف العشرينات من القرن الماضي.. تفاصيل لا توجد في أكبر كتاب تاريخي يمكن أن يؤرّخ لمدينة دمشق.. لكنّك تجد كتاباً تنبض تفاصيله بالحياة في مجالسة صاحباتيّ الخوانم: السّت سميحة والسّت نهاد.. تقول العرب: للحديث شجون.. تفاصيل بسيطة جرت معي خلال اليومين الفائتين.. بعد قراءة هذا الكتاب.. تفتّقتا عن كل ما كتبت.. وربّما ليس لما كتبت أيّ صلة بالكتاب.. ولكن شعوري بالغنى والامتلاء الوجداني بعد مجالسة أمثال هؤلاء.. بالإضافة لعبارة المؤلّف عن شيخه ومعلّمه المرحوم حمد الجاسر هي التي جعلتني أكتب ما كتبت.. ( لم أكن أدري وأنت تقلّب دفتر الهاتف وتقول لي: "هذا الدّفتر يخيفني، فما فتحتُ على صفحة إلّا وجدتُ رقم صديق متوفّى".. لم أكن أدري أنّ سأقلّب بعدك ألف صفحة وصفحة من هذا الذي كتبتَ ثمّ ألتفتُ يمنة ويسرة فلا أرى حمد الجاسر).. ومن محاسن مصادفات الكاتب أن ساقه القدر للسّكن بجوار المرحوم الذي قلب حياته رأساً على عقب.. أرسِلت له تلك المنحة من الله تعالى فاستغلّها ولم يغفلها فنال بسببها الخير العميم.. أودّ أن أذكر الآن بعض ما ورد في الكتاب ممّا راق لي: - (حدّثني أحد فضلاء المشايخ: أنّه أقيم في العراق في تلك السنّوات معرض للكتاب، افتُتح المعرض في السّاعة الثّامنة صباحاً، فلمّا وافى الظّهر لم يكن في المعرض كتاب واحد).. كان الشّعب العراقي الكبير من أكثر الشّعوب العربيّة قراءة وعناية بالكتاب، وقد ذكر الكتبي العراقي المشهور قاسم رجب في مذكّراته أنّه وُزِع من كتاب لعلي الوردي ستّة آلاف نسخة في أسبوعين).. وأنا أقول اللهم ردّ أمّتنا لرشدها وألهمها الصّواب.. لتعيد مجدها الذي كان.. لا بل أفضل.. - (كان العقّاد من كبار القرّاء في عصره، قرأ أكثر من خمس وستّين سنة قراءة عالية جادّة، وفي اللّيلة التي توفّي فيها كان يقرأ كتاباً عن جيولوجية إفريقيا. - كان ابن تيميّة إذا مرض استشفى بمطالعة كتب أهل العلم، كما أخبر عنه تلميذه المولع بالكتب الحافظ ابن القيّم، وكذا رُوي مثل هذا عن الشّيخ زكريّا الأنصاري... أولئك هم النّاس. - القراءة أمر غريزي مركوز في فطر بعض الخلق، ومن وُلد بها فإنّه سيستميت في تنميتها واستثمارها بدافع قسري من ذاته، سيطلب خبز الرّوح كما يطلب الجائع خبز الحياة.. - وقفت على حقيقة غريبة من حقائق هذه الحياة: وهي أنّ حدّة التّأمّل المرهقة، وسعة الاطّلاع المذهلة، وتراكم الخبرة الباذخ، ربّما انتهى بالإنسان في بعض نتائجه إلى ما يقرّره العامّي ابتداء دون أن يتكلّف شيئاَ من هذا كلّه.. لذا فإنّي لا أرى الآن كبير فائدة في مخاطبة من لا يقراّ (الذي يريد أن يقرأ.. سيقرأً).. - فلمّا كنت في الحادية والعشرين من العمر.. فتحتُ باب المكتبة وأغلقت باب الدّنيا ورائي..
كتاب جميل جاء الانتهاء منه مناسباً لتوقيت زياراتي ومسامراتي..
من السطر الأول في مقدمة هذا الكتاب تدرك أنك أمام فكر مختلف وطرح مميز, وأنك وقفت على شفا نظرة نقدية ساخرة فيها من العلم والإطلاع قدر ما فيها من السخرية سواء بسواء, وأنك أمام نفس تركت العادة وسارت خلف الحقيقة متجردة من أصنام العوام وقيود الجماعة, فتراه يقرأ للشرق والغرب والمسلم وغير المسلم والقديس والعربيد والقديم والجديد, قارئ منصف قحّ لا يمر الكتاب تحت يده مرّ الكرام, يسعى وراء الحكمة أنّا لمحها الطرف, وفي مطالعة كتب الأشرار فائدة تكاد تساوي مطالعة أفكار الأخيار.
تدرك من اللحظة الأولى أنه سينتزع منك العلامة الكاملة, رغم أن الكتاب ليس ذا موضوع محدد, فهو أطروحات متعددة على كل لون, لكنها مختلفة ومميزة ومبهرة.
كتاب خادع كاسمه، فسبب القراءة الوحيد الذي دفعني للتعجيل بالتهام هذا الكتاب هو العنوان الجذاب، الذي ظننته سيحمل بعضًا من اسمه ولو كان القليل، ولكني فوجئت أن الكتاب على العكس يحكي عن أي شيء إلا الصمت، بل أنه يدور أصلًا الصمت والسكون الذي عانى منه الكاتب على مدار السنين وهو الذي دفعه فيما بعد لكتابة كتابه هذا، وكتابه هو في الأساس عبارة عن مجموعة مقالات لا يربطها رابط، ولو شئت قلت أنها مجرد ثرثرة لطالب علم وقارئ حثيث وكاتب متمكن - للغاية - من أدوات كتابته ولو شئت القول أيضًا - وإن بكثير من التحيز - أن ليس للكتاب أي قيمة فكرية تذكر اللهم سوى ذكره بعض الشخصيات المؤثرة في الفكر والثقافة والأدب والعلم والتاريخ وبعض من رموز السلفية النجدية، الذين لم أسمع بهم من قبل، لذا فقيمة الكتاب بالنسبة لي كانت أدبية بامتياز ولغوية حصرًا، حيث أن الهدلق - وأنا سبق لي قراءة إحدى كتبه من قبل - يتمتع بقلم سيال ولغة ممتعة تجعلك تغبطه حتى لو لم ترد بطبيعة الحال أن تكتب مثله، وربما - وهو اقتناع شخصي ربما يبدو عنصريًا، عنصريًا بشكل إيجابي - أن الكتاب من ذوي المرجعية الإسلامية حين يكتبون الأدب يكتبوه لغة تنهل مباشرة من القرآن والسنة والتراث الأدبي العربي الثري بشكل كبير أما فلماذا قد تنعدم أي قيمة فكرية في الكتاب؟ فهو ربما لطبيعة الكتاب وموضوعاته نفسها التي هي بعيدة بشكل كبير عن أي فكر نقدي حقيقي، اللهم بعض الجمل والسطور والكلمات الضئيلة التي تنتقد الجميع من سلفية لليبرالية لشيوعية، وربما بسبب كون الكاتب سلفيًا - وهي ليست سبة بالطبع - ولكنه سلفي من النوعية التي تجعله يرفض أشخاصًا بعينهم لكونهم - مثلًا من القائلين بجواز زيارة المقابر، وربما لكلامه عن موقفه مع العامل البنغالي وهي عنصرية ليست بنادرة في دول الخليج، وربما أيضًا لحديثه عن الشاعر أمل دنقل الذي أعشقه، وعن نوال السعداوي التي لا أحب كتاباتها أصلً، وربما لأن عديد من المقالات كانت محلية الطابع بشكل ما فهي تتحدث عن مشاكل وآراء وأفكار ليست مترددة خارج المجتمع النجدي مثلًا أنتهي لأقول أني بالطبع لم أندم لقراءة الكتاب ولكنه كان كتابًا خلوًا من الإفادة بدرجة كبيرة ربما بسبب انحيازاته هو أو بسبب انحيازاتي أنا ولا يوجد رأي خلو من الانحيازات بطبيعة الحال طالما أننا لا نتحدث عن ميكانيكا الكم مثلًا - والتي قد لا تخلو هي أيضًا بشكل ما من الانحيازات
وأخيرا.. الكتاب المؤجل، كما تؤجل التقام القطعة الألذ من طبقك المفضل، لتكافئ به نفسك وتثير حليمات تذوقك في نهاية الوجبة. فاصل يليق بإجازة كسولة، وأيام صيفية، لا تدع في الدماغ خلية دون أن تتبخر.
ما يكتبه هذا "الثائر على بؤس الطين" "المنتمي لجيل الرهانات الخاسرة" "ظلال في لوحة أروع في نفس المتأمل من وهج الأضواء". وأجمل ما في نقولاته تأملاته، أو كما قال: "أجمل ما في اللوحة، الإنسان الذي يتأملها". ولا عجب فقد كان في سابق عهده "لا يتنفس من رئته، وإنما من ثقوب الكلمات"، و"يكره أن يذله أحد إذلالا معرفيا"! ما يكتبه الهدلق يتشظى في أنحاء عقلك وذاكرتك، تتسم الكتابة الهدلقية بأنها تويترية أو مدونية، أي: أنها ليست من نوع المؤلفات التي تسعى لأن تصوغ فكرة ما وتسلك في ذلك منهجا، وإنما هي طلقات متفرقة لا يسلم منها موضوع، لذا وأيما موضوع طرق في مجلس، فإنك ستجد للهدلق عبارة نافذة نفاثة الحرف تطل بكلماتها عليه من نوافذ ذاكرتك. لقد تمخض صمت القارئ الضليع عن ثرثرة معرفية نهمة، كانت من حسن حظنا جميعا عوام القراء.
قراءة أثارت شهيتي المعرفية، وأعادت اللياقة القرائية من جديد.
مجموعة مقالات تدور حول الإنسان والقراءة والكُتب وغيرها من الموضوعات .. بعض المقالات وجدتها مميزة، وعلى رأسها مقالة بعنوان "عن ابن تيميه أتحدث"، أورد في هذه المقالة إحدى عشرة فقرة، هي حصيلة تأمله في شخصية الإمام وتراثه الضخم محاولاً أن يأتى فيها بجديد، وكانت هاتان الفقرتين من ضمنها:
♡ رأيت ابن تيميه في مداخل ردوده على أهل الفرق المخالفة وأرباب الأهواء المضلة يبالغ كثيراً في عرض معارفه وما يحسنه من علوم هؤلاء، أظن أنه -رحمه الله- كان يمارس نوعاً من الإذلال المعرفي لخصومه، كأنه يقول لهم :هذا الذي تتحدثون عنه وتأخذون في شأنه، لم نطرحه جهلاً به، فنحن أعرف به منكم لكننا آثرنا الوحي عليه.
♡ من أعظم المقاييس عندي للعمل الخالد: هو أنه العمل الذي لا تستطيع أن تتجاوزه مهما تركته وعدت إليه، ثمة تراث يكون له أثر في نفس قارئه في مرحلة من مراحل عمره، لكنه حين يعود إليه بعد أن يقطع شوطاً من العلم يشعر بأنه قد تجاوزه، لكن هناك أعمال لا تستطيع أن تتجاوزها مهما اكتسبت من المعرفة وعدت إليها، وأظن أن تراث ابن تيميه كله- وليس عنواناً أو عنوانين- يصدق عليه هذا المعنى، فهو تراث تعود إليه مهما اكتسبت من المعرفة.
الأستاذ عبدالله الهدلق موسوعي القراءة ذو ��لم مدهش وثقافة أكثر دهشة. ومن يتابع ما يكتبه الهدلق أو ما (يغرّد) به تأسره هذه المعرفة العجيبة للكتب وطرائفها وغرائبها وأخبارها وأخبار مؤلفيها. كان هذا الكتاب لطيفاً لا يمل القارئ معه ولا يتعثّر , سوى أنّني تمنّيت أنّ بعض الأخبار فيه قد طويت في صدر كاتبه بدلاً من نشرها؛ مثل خبر مرض الزركلي حيث لا يستفيد القارئ من مثله زيادة في علم ولا فائدة تقرّب معرفة المخبر عنه. والهدلق قد يبالغ بشأن من يحب ككلامه عن ابن تيمية ولكنه رأي لا يستطيع أحد سلبه إيّاه. وبعض الفوائد التي سمّاها كذلك عن بعض شيوخه ,كالجاسر أو بكر أبو زيد,هي إلى الطرائف أقرب . ذكّرتني كتابة الهدلق بكتابة أبي عبدالرحمن الظاهري؛ يفرح القارئ بالاستطراد هنا وهناك ولكن ما إن يخلو بنفسه حتى يجد نفسه مشتتاً. نعم, أسلوب الكثير من القدامى هو كذلك ولكن عصرنا أخذت فيه الكتابة منحى آخر كالكثير من نواحي حياتنا الأخرى ضبطت فيه الاستطرادات بزحمة جعلت من القراءة والكتابة وسيلة للفائدة وليس المتعة فقط. وأراني هنا أكاد أدخل فيما أنتقده على الآخرين فسلام على الهدلق الرائع وعلى كل قارئ في أرجاء الـ(مكتوبة)....
من سرّه أن يقرأ لمثقف حقيقي فليقرأ هذا الكتاب بُلينا بالمثقفين الزائفين يصدر أحدهم ديوان شعري أو رواية ثم يظن أنه قد بلغ مبلغاً لم يدركه السابقون ولن يدركه اللاحقون ، يتبجح ويتشدق ويهرف بما يعرف وبما لا يعرف فتراه ينقد في الأدب ويفتي في الدين ويحلل في السياسة ويزكي نفسه بكل بجاحة واصفاً نفسه بالنخبوي المثقف !
هذا الكتاب الرائع ألهمني وأفادني بشكل تعجز عنه مفرداتي ، وددت لو أني أملك ما يملك الأديب الأريب عبدالله الهدلق من ثراء لغوي وبيان حتى أوفيه حقه.
كنت لا أعير أهمية في السابق للمذكرات الشخصية والسير الذاتية فحببني بها وكنت أحب الأدب فعندما قرأت كتابه ازددت حباً في الأدب فأصبحت هائماً متيماً عاشقاً له وعرفني بعلماء لم أكن لأعرفهم لسنوات لو لم أقرأ سفره الماتع
أتطلع جداً لقراءة مصنفه الآخر وأرجو أن نرى له مؤلفات أخرى فنحن بحاجة ماسة لأمثال هذه العقول النيرة التي قل أن يجود الزمان بمثلها .
تخيل شخص ذو شخصية خجولة وانطوائية يعشق القراءة إلي درجة أنه قد يقرأ ١٣ ساعة في اليوم! .. ثم يقيد الفوائد والطرائف والمقولات في دفتر ما .. ومع مرور الأيام أراد أن يؤلف كتابا يضمن فيه بعض ما جمع في هذا الدفتر .. فسيخرج كتاب لطيف خفيف متنوع٬ أظن أنك بهذا ستخرج بتصور عن الكتاب بقي أن أشير إلي أنك قد تشعر بأن الكاتب عبارته متكلفة/متقعرة في المقدمة وفي أنحاء متفرقة من الكتاب.
في آخر الكتاب حوار مع الكاتب عن القراءة .. عبر عما اقتنع به بشكل جميل.
من الواضح تمكن الكاتب من اللغة ومما لا شك فيه أن الكاتب لديه حصيلة معرفية وأدرج اقتباسات جميلة …
ننتقل للسلبيات 1. الغلو في المديح والتبجيل لمن يحبهم ويجالسهم ويقدرهم من جهة والإسراف في الخصومة من جهة أخرى على طريقة إن لم تكن معي فأنت ضدي
2. نظرة الكاتب للقراءة كأداة للتفاخر والتكبر “ طالعت من كتب التراجم الذاتية ما يملأ قبة الصخرة “ القراءة امتياز لا يحضى به آخرون البعض أغرقتهم الحياة حتى أذنيهم بالأعباء فحقيقة أنك تجد في حياتك فسحة لتعتزل الناس وتنغمس في الكتب لا يجعل منك فاضلاً أو حتى مثقفاً … فالثقافة طريقة تفكير وليست حشو كتب .
3. القصف العشوائي الغير موجه .. أبتداء من ذم بعض الأدباء إلى ذم متحدثي التنمية البشرية ... ممزوجة بنبرة تعالي “ فأين مني فسحة الوقت وصفاء النفس اللذان يجعلانني أتوافر على الكتابة حتى أضع أنوف بعض هؤلاء المشعوذين ولو خمس دقائق في التراب حتى يعرفوا أقدارهم الحقيقية “ لكل إنسان قيمته البشرية الثابتة التي لا تستحق أن تمرغ في التراب فقط لأن أنتاجهم الأدبي ضعيف .
4. العنصرية الواضحة في قصة العامل البنغالي “ ويتصف البنغالي بالقصر والاسمرار والتكرش ، ويهضم ما يلقنه ، ويبدو البنغالي من الناحية الخلقية جباناً نذلاً مرائياً “ ويبدو أن الكاتب هوجم على وصفه فبرر في آخر المقالة تبريراً مضحكاً جداً (وشر البلية ما يضحك ).. “ ثم أني في هذه المقالة نفسها - كتبت تحليلاً موجعاً للطبقة الوسطى من المجتمع السعودي فأين من تكلف صبغ مقالتي بهذا اللون العنصري الكريه عما كتبته عن أهلي ودمي …. “ يعني خلاص يا جماعة ما لكم حق هو سب أهله خلوه يسب باقي الكرة الأرضية بدون ما تسمونه عنصري ….
5. حديثه عن براءة الأطفال “ ليس أثقل على نفسي من الأطفال ، ودع عنك إميل جان جاك روسو وحديث الكبار الساذج عن براءة الأطفال ، كأننا ما كنا أطفالاً ، ولا رأينا منهم من هو أشد تلوثاً من كثير من الراشدين .... “ أتفهم أنه ليس كل بشر يولد بعاطفة الأبوة الحانية … وفعلاً هناك الكثير ممن لا يحبون الأطفال ولكن الطفل لا يلام على تصرفاته أو تلوثه على حد تعبيره … “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه “ وهناك أفكار ومشاعر الأجدر بالأنسان أن يحتفظ بها لنفسه ولا يشاركها للآخرين .
6. فيه مقالة خاطرة فطرية عن الأبداع إساءة كبيرة للتنمية البشرية ومتحدثيها فهو يذمهم ويتهمهم بأنهم “ ضرباً من المتاجرة بهزائم الروح ونوعاً من الارتزاق على وهن الإرادة “ ثم ينطلق ويحدثنا في خاطرته بنصائح هي من صميم العلم الذي ذمه في نفس المقالة بإسلوب يجعلك تعتقد أنه هو الوحيد الفاهم لحقائق الحياة ونواميس الكون وعلل الأشياء وصيرورتها … وقرب الخاتمة كتب “ وهذا هو السر في شذوذ تصرفات كثير من المبدعين ذرائع يصطنعونها للفت الأنتباه ثم لا تلبث أن تستحيل إلى أمراض نفسية “ بغض النظر أنه لكتشف السر والسبب الأول للأمراض النفسية للمبدعين .. لم يكن من الأجدر للكاتب أن يتكلم في غير فنه بصيغة الواثق العالم أن كان له مصدر علمي ودراسة نفسية فليوردها في كتابه والصمت حكمة .
7. شماتته الواضحة في قصة أمل دنقل “ نسي في كربته معبود الر ياح الذي قال : لا ، وتمتم ذليلاً إلى ربه : أن نعم ، فالمجد لله “ ما بين أمل وبين ربه يبقى بينه وبين ربه … لسنا هنا لنطلق الأحكام كل منا عليه أن ينشغل بصحيفته الخاصة .
8. “ ملأ الشاعر التوراتي محمد درويش الأرض صراخاً عن الوطن والعروبة وأوراق الزيتون ثم فر فراراً مخزياً من فلسطين “ أحياناً يغرق الأنسان في نعمة الأمن والأمان وينسى ما هي الحرب وما هي ويلاتها من يده في النار ليس كمن يده في الماء لا تبرير للشماتة في شخص شردته أسرائيل عن وطنه … لا تفسير لقبح الكلمات التي قرأتها … واضح أن الكاتب متحامل أن محمد درويش له كتابات فيها إلحاد ورموز دينية مسيحية ولكن على الأنسان السوي السليم أن يوجه مشاعره في قنواتها المناسبة فإن كنت لا تتفق مع أدبه فلا يعني ذلك أن تشمت في مصائب حلت عليه من اسرائيل .
9. الكتاب استعراض لغوي وحشو لأسماء كتاب ومعلومات عن هذا وذاك ينطوي خلفها تعالي وغرور وأفكار كثيرة أنا شخصياً لا أتفق معها … لم أستمتع بالكتاب … لم أستفد منه … لا أنصح بقراءته
(هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً) هذا الذي لم يكن شيئاً مذكوراً ؛ ويحه يحب الذكر!
يالبراعة الاستهلال الذي يشي بالكثير في هذا السفر الماتع ..
يحلق بك الهدلق - وهو مثقف حقيقي بالمناسبة - في خمس عشرة مقالة و قصة و حوار عن القراءة في هذا المسمى " ميراث الصمت و الملكوت " 180 صفحة فيها من كل شيء !!
يبدأ بالسلفية و يحدثك حديث المتيّم العاشق عن شيخ الإسلام ابن تيمية .. ثم ينثر لطائفاً مما قرأه في التراجم الذاتية .. ليحلق بك في مجلس العلامة بكر أبو زيد و نفائس من مجالس ضمته مع الشيخ .. مقال عن النقص الحضاري يتلوه مقال عن نفائس إبداع المسلمين ! خاطرة فطرية في الإبداع ورد على ابن عقيل و هو ابن ست وعشرين !
و غيرها من مقالات ماتعة شائقة بلغة راقية أديبة و ثقافة حقيقة مذهلة و أسلوب بسيط غير متكلف ..
الهدلق سيذهلك بمخزونه المعرفيّ في هذا الكتاب ، كيف و قد ذكر في حوارٍ آخر الكتاب كيف أمضى سنيَّ من عمره يقرأ أكثر من 13 ساعة في اليوم ! دخل المكتبة وأغلق باب الدنيا وراءه
بعض الاقتباسات الجميلة من الكتاب :
- ذهبت أرود المكتبات لا أعرف أكثر هذا الذي على رفوفها، وكنت أتألَّمُ لألمِ الجهل, ما زلتُ أذكرُ حيرَتي يوما وقفتُ فيه عند عنوان غريبٍ على الرَّف: ما هذا؟ ما معناه؟ وبكيت.. لم يكن ثمة أحد يُعَلِّمُني
-احذروا الجَوَادّ الثقافية ، مزقوا الصورة اليابسة للمثقف النمطي لا تحرموا أنفسكم من بهجة الإصابة بالدهشة .
-إن كثيراً من خصوم ابن تيمية إنما عرفه عن طريق الصورة التي رسمتها السلفية المعاصرة له فإن ذلك ضيق زاوية النظر لدى هؤلاء المثقفين و المفكرين من الخصوم ، فلم يتبينوا الاتساع الهائل الذي تمتلكه هذه الشخصية الكبيرة في ذاتها و تراثها .
- إن الإبداع طوع قلم الكاتب - إن هو استعد - دون أن يسطيل على الرب و الدين ويتهاون بالأصول والمعتقدات .
هناك الكثير الكثير مما يستحق الاقتباس ولولا خشية الإطالة لكتبت 10 اقتباسات أخرى !
ما أود قوله باختصار : إذا كانت لديك ساعتين فارغتين فأجمل ما قوم به هو قراءة هذا الكتاب !
مقالات لذيذة جدًا، مُقدّمة بديعة.. وحديثٌ عن القراءةِ والعزلة بين الكتب ماتِع، كان خير بداية لقراءاتي هذا العام، ودافعًا للانطلاق إلى مزيدٍ منها، وأذكر كيف سلّى عن القلب وشاركني الكثير من الوجدان في تلك اللحظات، كان في وقته تمامًا❤️.
اذا كان هذا صمتا فكيف يكون الصخب، اكتشاف جميل لكن متأخر، فحسب بحثي على الشبكة وجدت ان الكاتب توقف عن الكتابة و لزم بيته لكسل منه او لخجله. الكاتب في هذه المقالات المتفرقة ابان عن ثقافة و معرفة غزيرة و اسلوب ادبي راقي يصل احيانا حد الاستعراض. تعرفت خلال هذه القراءة على مجموعة من الكتب و الكتاب من كل الاجناس لم اسمع بهم من قبل، و هذه تحسب للكاتب الذي يصف نفسه بالوهابي! على لائحة القراءة مستقبلا كتابيه الهادي و الهاذي و ظلال الاشياء. ليته يرجع..
من ابرز مميزات هذا الكتاب ان السطر الواحد المكتوب يختبئ خلفه عشرات بل مئات من قراءة الكتب، فعندما يقول لك: ليت سيد قطب والمسيري استفادا من تراث ابن تيمية. ستعلم حينها انك امام قارئ غير عادي.
من اروع المقالات:الشعور بالنقص الحضاري
وتجربته مع التلفزيون السعودي من اطرف ما قرات واضحكه
ملحوظتي الوحيدة على الكتاب: ضعف الروابط بين الفقرات في بعض المقالات وكانه يكتب في صفحة من صفحات المجتمعات الالكترونية
ان كان من كلمة أخيرة : هذا الكتاب يحتاج لقراءة ثانية وثالثة
" فلمّا كنت في الحادية والعشرين من العمر، فتحت باب المكتبة وأغلقت باب الدّنيا ورائي.." "ياربّ، أهلكني النّاس؛ فساعدني اللهم حتى لا أتحنّث لصورتي في محاريب أنفس الآخرين"
قارئ نهِم مثله لا غرابة من أن يكتب بهذا الحرف الرصين والفكر المتحرر من القوالب الجامدة السائدة .. أُعجِبتُ كثيرًا بما فعله في إحدى المقالات، يقول: "خالفتُ السائد - ليس كل ما خالف السائد بمُستّرذل- فلم أضع علامة الهامش في أصل المقالة؛ خوف أن تقطع على القارئ متعة الاسترسال" صدقًا كم أعاني من تشتيت الهوامش !
(اقتباساتي من الكتاب) ..
إن المبدع في الأطوار الأولى من تكوينه النفسي لينزع به هذا السعي لكسب الاحترام الاجتماعي أكثر مما عند غيره، فيحتفي بصورته لدى الآخرين احتفاءً زائدا عن حاجة الفطرة، فائضا عن حدوده الطبيعية؛ فإذا هو استمر به صيّره أسيرا لنظرة الجماعة يتكفّفها المنزلةَ والرفعة والتجاوب الشعوري.. وهذا هو السر في شذوذ تصرفات كثير من المبدعين؛ ذرائع يصطنعونها للفت الانتباه، ثم لا تلبث أن تستحيل إلى أمراض نفسية
..
إياك - أيها المبدع - أن تنخدع بقولهم: إن الصعوبة إنما هي في البدايات فقط.. كل مراحل الحياة صعبة ( ولقد خلقنا الإنسان في كبد)، والشأن إنما هو في أن نتعامل مع الحياة على ما هي عليه، لا على ما نريدها أن تكون عليه؛ فإنها على ما نريدها أن تكون عليه عَصيّة.
..
من حقائق هذه الحياة: أن حدة التأمل المرهقة، وسعة الاطلاع المذهلة، وتراكم الخبرات الباذخ؛ ربما انتهى بالإنسان في بعض نتائجه إلى ما يقرره العاميّ ابتداءً دون أن يتكلف شيئا من هذا كله. لذا فإني لا أرى الآن كبيرَ فائدة في مخاطبة من لا يقرأ ( الذي يريد أن يقرأ سيقرأ) .. القراءة أمر غريزي مركوز في فِطَر بعض الخلق، ومن ولد بها فإنه سيستميت في تنميتها واستثمارها بدافع قسري من ذاته، سيطلب خُبزَ الروح كما يطلب الجائع خبز الحياة..
..
كيف تروّج دوراتٌ لسرعة القراءة في مجتمع لا يقرأ أصلا؟
..
إن أعظم استفادة يجنيها المرء وتتجاوز أهميتها كل خبرة يستفيدها ممن سبقه؛ هي ما كان من حصيلة ممارسته هو، كلمة لهيجل تختصر هذا كله في قوله ( الخطأ مرحلة من مراحل الصواب).
..
إن التجربة الغربية تحد حضاري حافز، وليست مثلا أعلى أغلقته صيرورة التاريخ
..
يوم تعرت روحي، بصقت الماء الآسن في وجه الدنيا، وطفقت أخصف علي من ورق المعرفة
..
ربما كانت الظلال في اللوحة أروع في نفس المتأمل من وهج الأضواء ( حين تصرخ في أذني لا أسمعك جيدا)
..
بناء الإنسان لحصونه مقدم على دك حصون الآخرين، فالتسلح بالمعرفة يكون قبل ثقافة الردود
..
إذا ما تحدّثَ مَن لا تَوَدّ عن فوائد التنفس فلا تمُت مختنقا
..
ألا فلتربوا أبناءكم على كثير من الشر، لا يكونوا أشرارًا؛ لكن حتى يتقوا من الناس شرّ الناس
..
كنت أقول لمن أمحضهم النصح: أحبّوا الناس، واليوم فلست أقول لهم: اكرهوا الناس بإطلاق، لكني أقول: أحبّوا الإنسانية مجتمعةً، واكرهوهم أفرادًا
..
الإغراق المبالغ فيه في تتبع الأحداث ربما حمل الإنسان على اليأس، وشدة تحسّس خطرات النفي خوفَ السقوطِ ربما أسرعت بالإنسان نحن الهاوية.. كالذي يتعلم قيادة الدراجة؛ إذا رأى حجرا من بعيد حمله لا شعوره - من فرط الخوف - على التوجه إليه
من المخجل جداً أن يفتقر المفكر للأدب.. وأن يجمع مقالاته العزيزة في كتاب يسميه ميراث الصمت والملكوت ! وهي لا تمت لجمال الصمت و لا لهيبة الملكوت في شيء ! ' ميراث الثلب و السب ' كان سيناسبه أكثر.. ولسائل أن يسأل لم كل هذا التحامل ؟ إن قراءة نصف الكتاب قابلة لجعلي استشيط غضباً و اشرع في طرح اسئلة غبية : كيف يتصدر مثل هؤلاء الأشخاص الواجهة الثقافية ؟ كيف يدرجون ضمن قائمة الأدباء بهذا الأسلوب الضحل؟ كيف يدافعون على فكرة يفتقدون حججها ؟ كيف يبلغون من السخافة أن يطلقوا على كاتبة أخرى لقب ' سيئة الذكر ' وأن يحصوا الكتاب الذين ادرجوا البسملة أو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله في مقدمة كتبهم و أن يعيبوا على آخرين أنهم لم يفعلوا ذلك وأن ينزعوا عنهم بذلك صفة المفكرين الإسلاميين و أن يروا أن صفة مفكر فقط تناسبهم أكثر ! بالله عليكم أ يوجد تحليل أكثر سذاجة من هذا .. وهل يوجد غطرسة تفوق هاته ؟ يعيب الهدلق على الكتاب الصغار غرورهم ما أن ينشر لهم مقال أو كتاب لكنه يتجرأ في الوقت نفسه أن يجلس ساقاً على ساق يفرق ميداليات التفكير على هامات التفكير ! ولست أعيب عليه نقده لهم، كل له الحق في ذلك - ذلك أن المفكر ليس مقدساً - ، إلا أني أعيب النقاط التي انتقدها لم فيها من إسفاف وضحالة لا تليق بسمعته ! كما استنكرت ما ذكره عن أمل دنقل كيف تذكر ربه عند دخوله للعملية - ذكر ذلك بطريقة مستفزة- منذ متى يعير الناس برجوعهم لله ؟ أليس هذا مخالفاً لسماحة ديننا الإسلام أيها المفكر ' الإسلامي ' ؟ في نهاية مقال ما أذكر أن الكاتب تلقى نقداً لاذعاً لما ذكره عن البنغاليين و ظل يبرر مطولاً أنه لم يقصد الإساءة.. لا أدري وقتها لم ارتسمت إبتسامة صفراء على شفتي :) ملاحظة : أرجو أن لا يكون في ما كتبته وقاحة .. وأن كان فيه شيء من ذلك فإني أعزو ذلك لنفسيتي السيئة و لنكد طقس هذا اليوم :) وحتى لا أكون جحودة، أقر أن الكتاب سلس اللغة، متماسك التعبير وفيه من الطرائف وأخبار اجهلها ما يطفئ نار غضبي عليه .. ولعل ما أثار اعجابي ما قاله في نقد ما سماه بالتنمية البشرية :' اني حين أتأمل هذا السعي الناصبلذي يسعاه أكثر هذا الإنسان في حياتنا الدنيا أجد أن جله انما هو لتحقيق القيمة التي تحتفي بها الجماعة . هذا المتأنق الذي يتهادى في كلية الآداب لأرقى جامعاتنا اليوم يشبه عندي ذلك المتوحش الذي كان يختل بحربته بين الأحراش ليجمع رؤوس أعداء القبيلة ' ذلك أن عكس هذا المفهوم للتنمية البشرية هو جوهر التنمية البشرية..
نادرة هي الكتب التي تجبرك أن تُكملها، فأنت أمام كتاب مميز من كل جوانبه، وهنا ترى كم هو مدهش أن يكون الكاتب قارئًا قبل أن يكون كاتبًا. أكثر ما أعجبني عشوائية تلك الخواطر المنتظمة بشكل ما، فسعة ثقافته وكثرة خبرته، وكيفية تكييفه للاقتباسات أنتج هذه المتعة المعرفية المدهشة.. ومثل هذا يدفعك دفعا لتستغل كل فرصة أمامك للقراءة، فتعيش حياوات كثيرة في حياة واحدة. أما عن عنوانه الأثير، دلّ على غرازة الحديث المنطوي تحت الصمت مهما حاولنا مواراته، فكل إنسان مُعبّر عن احتمالات الحياة فهو يمتلك ميراثا للصمت والملكوت.
لقد مرّ وقتٌ طويل مذْ قرأتُ كتابًا بهذه العذوبةِ الأدبية الممزوجة بالفكر النّير والفلسفة الأخّاذة. جعلني أتسامى عمّا حولي مِنَ الأشياء، وأشعر بزهدٍ غريب تجاه الحياة - وإنْ كنت قبله زاهدة- ونقلني من براثن هذا العالم الفجّ إلى ملكوت الروح، حيث وضع الشيخ الهدلق شيء من روحه ها هُنا فالتقت الأرواح وكانت به الفائدة المحببة.
وجدت في هذا الكتاب مجموعة من المقالات الرائعة التي نشرها الكاتب والقارئ المثقف "عبدالله الهدلق". وفيها من البلاغة والفصاحة ما يدهش القارئ، اختُتِم الكتاب بحوار حول القراءة وأهميتها، أتمنى أن أكون ولو فردًا من القراء الذين ينعكس نور العلم والمعرفة على سيمات الوجوه.
هذا الكتاب قد رُشِّح لي كثيرًا، وسمعت عنه مديحًا متكررًا من عدد من القرّاء، لكن طالت المسافة بيني وبينه حتى قرأته مؤخرًا. وبعد الاطلاع عليه، أقولها شهادةً لله: إن ��لتوصيات التي سمعْتُها كانت في محلها، إذ وجدت في هذا الكتاب جمالًا وفائدة أدبية محسوسة.
عبد الله الهذلُق من الكتّاب المثقفين الذين يُمتع القارئ بحديثهم وكلماتهم، ويأخذونه إلى عوالم الكتب وخفاياها، مما لا تجده إلا عند قارئٍ حقيقيٍّ ملمٍّ. لكن من الأمور التي تأكدت لي عند قراءة هذا الكتاب، هو الفرق الجوهري بين "الكتابة الأدبية للمثقف" و"الكتابة الإصلاحية للمصلح"، وهو أمر بدأت ألاحظه في كتاباتي الشخصية أيضًا.
حين بدأت الكتابة على مدونتي، كنت أميل إلى النمط الأول: الكتابة الأدبية الحرة، التي تنبع من عفو الخاطر، وتتسم بالاستمتاع، والانطباعات، والآراء الشخصية التي قد تكون نسبية ومتنوعة. لكنني مؤخرًا وجدت نفسي أتحوّل إلى النمط الآخر: الكتابة الإصلاحية، التي تُركّز على الأفكار الجوهرية، والاستدلال عليها، وتلامس الواقع، وتسعى إلى تغييره. بل هي كتابة تُعنى بالقضايا الأكثر أهمية وإلحاحًا.
علاقة هذا التفريق بالكتاب؟ أن هذا الكتاب يمثّل النمط الأول بامتياز: كتابة أدبية لمثقف يعرض خواطره وآراءه بأسلوب جميل. فيه من الفائدة الكثير، وفيه أيضًا بعض الحشو أحيانًا، وربما بعض الأفكار التي قد لا تكون دقيقة أو راجحة، لكن الكاتب يقدّمها بأسلوبٍ يجعلها تأخذ مساحة أكبر مما تستحق، على حساب أفكار ربما كانت أجدر بالاهتمام.
هذا النمط من الكتابة رأيتُه في كتابات الشيخ علي الطنطاوي، وفي أغلب الأدباء السابقين. أما الكتابة الإصلاحية، فهي أقرب لأسلوب الحركيين الذين يسعون للتوجيه والإصلاح.
فيما يخص محتوى الكتاب، فقد أعجبتني عدة جوانب:
اعتزازه بالسلفية ونقده لها في ذات الوقت، وهو أمر محمود، وكم يُحسن لو تربّى عليه أبناء التيار السلفي؛ حب الفكرة ونقدها بصدق.
مقاله عن ابن تيمية كان مميزًا، وفيه طرح جديد غير مكرور.
حديثه عن شيوخه، كحمد الجاسر وبكر أبو زيد، كان ماتعًا، وقد أظهر ما تعلمه منهم بطريقة شخصية وعميقة.
كما أن مشروعه في تتبع الخبايا في السير الذاتية كان من أجمل ما في الكتاب. أشار إلى أنه استخرج أفكارًا من السير الذاتية لم ينتبه لها كثير من الباحثين، لأنهم لا ينظرون إلى هذه المصادر لأجل أفكار تخصصية، لكنه فعل، وخرج بنتائج جميلة ومبتكرة. كذلك، ما طرحه من كتب وكنوز معرفية يدل على سعة اطلاعه وشغفه الحقيقي بالقراءة. وهذا لا يكون إلا من قارئ نهم ومثقف حقيقي.
من الأمور التي لفتت نظري، أن الكاتب ذكر في الكتاب مشاريع كثيرة كان يطمح لإنجازها، لكن يبدو بعد مرور سنوات من صدور الكتاب، أن شيئًا كثيرًا منها لم يُنجز. وهذا مؤلم بعض الشيء؛ فكم من صاحب همة ومشروع مات وفي نفسه أمنيات لم يحققها.
أسأل الله أن يبارك في جهوده، وينفع بما كتب، وييسر له إتمام ما نوى عليه من الخير.
كالعادة، ظللتُ أماطل حتى لا ينتهي الكتاب وإذا به ينتهي ولا أشعر إلا وأنا أرى صفحة الفهرس. مجموعة مقالات بين العشوائية والنظام، والتلقائية ودقة الطرح. انبهرتُ بسعة اطلاع الكاتب واتساع رؤيته، وقد أحال لأسماء ومؤلفات كثيرة أظنها تفيد من كانت دائرة بحثه واهتماماته تتضمن المواضيع المطروحة في الكتاب. كتابٌ جميل، واسمه أخّاذ وأظنه يحتاجُ حديثًا منفصل.
من الكتب التي سأحرص على اقتناء نسخة منها مهما كلّفني الأمر متى تيسر لي ذلك بإذن الله ، ليس هذا الكتاب بالذي يُكتفى بوجوده بين عناوين مكتبتك الإلكترونية على جهاز الكمبيوتر الخاص بك ، لابد له أن يكون في مكتبتك الورقية أمام عينك ، تقلّب وريقاته بين الحين و الآخر لتستمد منها جمال المكتوب و جلال الكاتب .
هنا حديث عن القراءة و المعرفة ليس ككل حديث ، حديث من رجل انقطع للقراءة و العلم و المعرفة و الثقافة ، هنا حديث رجل مبصر بالواقع المُشاهَد خبيرٍ به ، أكاد أقول أنني وجدت جزءً من ضالتي في هذا الكتاب .
أنقل لك يا صديقي بعضًا من نصوصه التي علقت بذهني :
- "إن بناء الإنسان لحصونه مقدم على دكّ حصون الآخرين ، فالتسلح بالمعرفة يكون قبل ثقافة الردود"
- " "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئًا مذكورًا " هذا الذي لم يكن شيئًا مذكورًا .. ويحه يحب الذّكر ! "
- "أتعرف! قبل ثنتين و عشرين سنة انتبهتُ فإذا الدنيا قد طمرت روحي بطين القبح و الخيبة ، قد غمرتها بالماء الآسن .. فأمضيتُ عدّة أشهر تجمّعتُ خلالها في زاوبة مظلمة من زوايا روحي ، و ذهبت أنزف الصمت و الحياة ببطء ، أغلقت عينيّ ، و ظننتُ أنها نهاية حياة ابتدأت قريبًا لتوّها. لكنّ المحن -كما قيل- مُعلّم كبير ، و إن كان هذا المعلّم يتقاضى غاليًا ثمن دروسه ، لا أدري كيف دبّت حياةٌ في جذع ذاك الروح اليابس ، نورٌ أومض لي في غيهب الملكوت .. فتوكأتُ على نفسي و مشيت أرقبه لا ألوي على شيء ، خُضتُ الغمرات أقصد نحو فكرة مبهمة ، فكرةٍ تقارب في وعي حذر ما تشبه فلسفته أن تكون : القراءة بديلٌ عن الحياة! الثورة على بؤس الطّين ، ذلك ما أدعوه توثّب الروح للشخصية النامية في مفاصل حياتها الكبرى .. يوم تعرّت روحي ، بصقت الماء الآسن في وجه الدنيا ، و طفقتُ أخصف عليّ من ورق المعرفة! "
أنصح به بشدة ، و هو ليس كبير الحجم ، و لكنّه عظيم الفائدة ..
كلُّ ما يتعلقُ بالقراءةِ والكتابِ له معي سحرُه الخاصُ، وجاذبيتُه الفاتنةُ، حتى وإن كانت إشارتُه من بعيدٍ، وإن اختلطَ بغيره، ولكنّ محورَه يظل هو الكتابُ. كتابُ الهدلق من الكتبِ التي لا تُؤخَّرُ، وسببُ تأخيري له هو العنوانُ، فقد كانت فكرتي عن الكتابِ أنه في شئٍ من أسرارِ الروح،ِ وتجلياتِ الصوفيةِ إلى أن مررتُ عليه سريعًا فرأيته ينضحُ جمالاً وتألقًا، وتشدخُ منه أجملُ روائحِ المعرفةِ والفكرِ. الهدلقُ قارئٌ مدمنٌ نهمٌ يلتهمُ الكتبَ بشراهة،ٍ فعناوينُ الكتبِ وملاحظاتُه وثناءُه عليها يملأُ الكتابَ من أولِ مقالٍ إلى آخرِه، خصوصًا في سنواتِ عزلتِه، ولا نستبعدُ بعد ذلك أن نجدَه قد ملكَ ناصيةَ اللغةِ، فعباراتُه شاعريةُ تنسلُّ بسلالةٍ إلى النفسِ. وهو كذلك صريحُ، يبدي بآراء قد يراها البعضُ سلبيةً، فله نظرتُه للحياةِ والأصدقاءِ والإحسان والأطفالِ، وله نظرته الكئيبة للواقع العرب(في هذا العالمِ العربي المملوء بالقبح والفجاجةِ)،كل ذلك مبثوثٌ في كتابِه. شئُ من الخجلِ هو الآخرُ أراها صفةً لا تنفكُّ عن العظماءِ، (عهدتني شديدَ الخجلِ جدًا)