في الجزء الثاني من هذه الثلاثية، يواصل عبد الجليل الغزال متاهته بعد نجاته من سجنه الصحراوي، ويزاول سرد حكايته لكلبه. يصل إلى مسقط رأسه وادي الدموع، حيث لا شيء في الوادي سوى الهجر. بقايا خرب وآنية وجذوع نخيل تذكّر بيوم شتات أهله ورحيلهم إلى تلة سليمان، موطنه الثاني، مطارح الحب والحكايات والمواسم والغناء الرعوي
بقايا أشياء تذكر بحياة جفّف ماءها وأباد شجرها وأحرق حظائرها حاكم جائر
… ويمشي عبد الجليل، ويروي، ينجو من فخ ويقع في آخر، وفي المرة هذه تختطفه عصابة تكفيرية تكلفه بعملية قتل مقابل الإفراج عنه
صحبة الطير مرثية لعالم مليء بالقسوة والجريمة، ونشيد في الحب والحرية
أحمد علي الزين روائي لبناني و صحافي. أحد أبرز الكتاب و الإعلاميين في العالم العربي. منذ أواخز السبعينات بدأ في بيروت عمله في الصحافة الثقافية و عرف في كتابة المقالة في أكثر من صحيفة يومية و دورية عربية. كتب للإذاعة و التلفزيون و أنجز العديد من البرامج الدرامية و الثقافية و السياسية و له إطلالات مسرحية كاتبا و ممثلا و كذلك في الموسيقى. أما في الرواية فله العديد من الأعمال بدءًا من الطيون، روايته الأولى، إلى خربة النواح و معبر الندم و حافة النسيان و صحبة الطير.
كان في الأمر نوعٌ من المغامرة .. لكنني وجدتني أقتني هذه الرواية فور أن لمحت اسم "أحمد علي الزين" .. المغامرة كانت في أني أقرأ الجزء الثاني من ثلاثية عبد الجليل الغزال دون أن أمر بالأول .. ولكن الكاتب كان يعطي لمحات تزيل اﻻرتباك أو حالة الضياع في محاولة فهم أو استيعاب التفاصيل اﻵفلة .. شعرت بأني أقرأ رواية منفصلة بحد ذاتها وليست تابعة أو متبوعة .
وبالحديث عنها فإني قد تعمدت أن أقرأها على فترات .. لأستوعب ذلك التدفق الغزير للذاكرة المزدحمة بطفولة وأماكن وأسماء وأشخاص .. تجد نفسك تعبر هذه الرواية كخفقات متتابعة .. لا كثير فيها إلا صوت "عبد الجليل الغزال" ولهَاث "فريند" كلبه الرفيق الوحيد والعظيم من الذاكرة التي ﻻ زالت تحافظ على قوتها وتوهجها الأصيل .. بالإجمال هو عملٌ عن روح منفردة وعذابات خاصة أقرب للسرد عن الذات بشكل موارب أو ضبابي .. فكأنك بأحمد بين صفحاتها بشكل أو بآخر . شدني فيها أيضا ذلك الاسلوب التحليلي الشاعري من قِبل بطل العمل .. للأحداث والأشياء .. ملكة قد تجعل العالم مكاناً أخف و أكثر إلهاماً ..
كانت هذه رواية كئيبة للغاية! لكن جعلني سرد المؤلف الجميل أعيش تفاصيل رحلة الشخصية الرئيسية المؤلمة والمرهقة. رحلته مظلمة مليئة بالألم والحزن في زمن كارثي يسوده الفساد والفوضى وانعدام الإنسانية. وعلى الرغم من تكرار سرد بعض الأحداث من الكتاب الأول في النصف الأول من هذا الكتاب، إلا أنه كان جيداً لإعطاء القارئ الشعور بكونها رواية مستقلة. على الرغم من كل التكرار في النصف الأول ، واصلت القراءة باستمتاع ودون ملل بسبب إبداع الكاتب في سرده للأحداث واستخدامه للمفردات. في هذه الرواية (والثلاثية بشكل عام) نسافر مع عبد الجليل الغزالي عبر الزمن حيث يسترجع ذكريات من طفولته، ويشاركنا اضطراب الصدمة عندما كان في السجن، حيث تعرض للتعذيب قبل أن يستطيع الهرب، فقط ليتم اختطافه أخيرًا على يد مجموعة من المتطرفين مما أدى به إلى فقدان كلبه والمعاناة أكثر.
رحلة متعبة لم تنتهي بعد، وأنا متشوقة لقراءة الجزء الثالث والأخير من هذه السلسلة ذات النظرة السوداوية. فمن يلوم عبد الجليل على نظرته السوداوية ورغبته بالانتحار وخوفه من الموت؟ فمن الطبيعي أن يشعر من قاسى ما قاساه عبد الجليل أن يكون بنفس السوداوية والكآبة.