هذا الكتاب هو الأول في سلسلة نقد العقل العربي والتي قدم لها الجابري بقوله (( يتناول هذا الكتاب موضوعاً كان يجب أن ينطلق القول فيه منذ مائة سنة . إن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة ، ولكن نهضتنا العربية الحديثة جرت فيها الأمور على غير هذا المجرى ، ولعل ذلك من أهم عوامل تعثرها المستمر إلى الآن. وهل يمكن بناء نهضة بغير عقل ناهض، عقل لم يقم بمراجعة شاملة لألياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه ؟ ))
محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010 في الدار البيضاء)، مفكر وفيلسوف عربي من المغرب، له 30 مؤلفاً في قضايا الفكر المعاصر، أبرزها "نقد العقل العربي" الذي تمت ترجمته إلى عدة لغات أوروبية وشرقية. كرّمته اليونسكو لكونه “أحد أكبر المتخصصين في ابن رشد، إضافة إلى تميّزه بطريقة خاصة في الحوار”.
تأخرتُ في الوصول إلى كتب "محمد عابد الجابري". كان يصرفني عنها كرهي للمقولات التنظيرية الجاهزة. ولمّا صار همّي أن أعرف كيف فكّر الكاتب، لا إلامَ وصل، وصار سؤاله عندي أهمّ من جوابه، صارت قراءة أعمال الجابري ضرورةً ولازمة. أراد الجابري من كتابه هذا النظر في مكونات العقل العربي، وكيف دخلت هذه المكونات إليه، وكيف استقرّت وتعايشت بعد تنازعٍ فيما بينها، بل وإلى أيّ نسبٍ في الخلط وصلت. وعلى ضوء المقارنة غير المجحفة ولا المستفيضة مع الآخر (الغرب واليونان)، أراد الجابري أن يرى أين كان المفترق الذي اتخذوه سبيلاً، وعجزنا عن سلوكه. الكتاب جزء أوّل من أربعة أجزاء في نقد العقل العربي، والجزء الثاني حسب ما فهمتُ من الكتاب متمّم لفكرة الكتاب الأول. لذا وجب الوقوف هنا، دون محاولة تقييم المشروع ككلّ ولا تقييم فكرة الكتاب الأوّل أيضًا، إلى أن أتمّ الأجزاء، وتكتمل الصورة بإذن الله. كما أنّ قراءة الجابري بما في كتابته من التماسك والجدّة البحثية والفكرية لمُحفّزةٌ لقراءة نقد طرابيشي للمشروع. أصاب الجابري وأخطأ، وأجاد الاستنتاج كثيراً ولعله أخطًأ واستعجل في الافتراض أحيانًا، لكنّ كتابه كان متعةً عقلية ورحلة فكرية تستحقّ أن تُكمل بإذن الله. ملاحظتان: هناك إسهابٌ في مواطن كان يمكن اختصارها لحساب الفكرة. لا أدري سرّ العداوة بينهم وبين الهمزات، التي سقطت حيثما لزمت!!!
يبتدئ محمد عبد الجابري كتابه هذا بتساؤل ملح؛ كيف يمكن لعقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوراته ورؤاه أن ينهض؟ وتحت ظل هذا التساؤل الكبير يقدم الجابري مشروعه لنقد العقل العربي. أو على الأخص نقد ومراجعة "الثقافة العالمة" في هذا العقل، وتتبع بناها الداخلية، متجاوزا الثقافة الشعبية والأمثال والأساطير؛ بمعنى انه يحاول تفكيك "عقل" النخبة ورد كل جزئية فيه إلى البنى المشكلة له، سواء كانت تنتمي إلى حيز المعقول أو اللامعقول. فالجابري ينسب نفسه إلى النقدية العقلانية التي تتخذ من موضوعها موقف الذات الواعية.
يشرع الجابري في كتابه "تكوين العقل العربي" ببجموعة مقاربات أولية عن ذات العقل الذي يريد نقده، فهذا النقد للعقل سيثير أول ما يثير، بحسب الجابري، في ذهن القارئ سؤالاً عن حقيقة وجود عقل عربي منفصل عن غيره من العقول، وهو ما سيعيدنا مباشرة إلى التمييز الذي أقامه بعض المستشرقين (هو ما أثاره إرنست رينان بطبيعة الحال) بين العقلية السامية -والتي تنتمي إليها العقلية العربية- على اعتبار أنها عقلية تجزيئية غيبية، وبين العقلية الآرية -والتي تنتمي إليها العقلية الاغريقية مثلا- على اعتبار أنها عقلية تركيبية علمية، وعلى ذلك فإن هنالك فارقا "جوهرانيا" بينهما، وهو ما ينفيه الجابري في مقدمته، ليؤكد أن بجوثه تنتمي إلى دراسة العقل العربي من حيث البنى المؤسسة له، والقضايا التي أثارت هذا العقل لحظة نشوئه وتكوينه، من حيث المحددات التي تحده، والقطاعات الفكرية التي تهيمن عليه، ومدى ارتباط المادة المعرفية (الابستمولوجية) فيه بالمادة الايديولوجية (التوظيفات السياسية والدينية).
ومن هنا يقدم الجابري لقارئه تمييز "لالاند" المشهور بين العقل المكوِّن (بكسر الواو) والعقل المكوَّن (بفتحها)، أو العقل الفاعل والعقل السائد، فالأول يصوغ المبادئ والثاني يتمثل هذه المبادئ في استدلالاته. فعلى حين أن الأول يصدر عن نزعة تكوينية نقدية، فإن الثاني يمارس استدلالاته من خلال التقليد والعكوف على ما هو سائد، ثم يتطرق الجابري للحديث عن ثلاثة عقول مارست التفكير النظري العقلاني -وحدها- من خلال عقل فاعل، عبر التاريخ، ودوماً بحسب الجابري، بصورة تسمح بقيام معرفة منفصلة عن الأسطورة، وهي على الترتيب العقل اليوناني والعربي والأوروبي، على اعتبار أن هذه العقول وحدها هي من أنتجت، ليس العلم وحسب، بل نظريات في العلم، ومارست، لا التفكير بالعقل وحسب، بل التفكير في العقل نفسه، أي التفكير بالمبادئ المؤسسة لانتاج النظريات والتجريدات في داخل العقل، معتبراً أن التفكير في العقل أعلى درجة في المعقولية من التفكير بالعقل؛ بمعنى مجرد استخدام العقل للتفكير في الأشياء خارجه.
فبدءاً بهيراقليطس وأناكساغوراس مرورا بطاليس الملطي فأفلاطون وسقراط، وليس انتهاءً بالمدرسة الرواقية (كممثلين بارزين للعقل في الثقافة اليونانية) ومن ناحية أخرى مع ديكارت ومالبرانش، ومن ثم سبينوزا وكانط وانتهاء بهيغل (كممثلين بارزين للعقل الأوروبي) يستعرض الجابري الأداء العقلي لهذين العقلين، اليوناني والأوروبي، مؤكدا على وجود ثلاثة أقطاب للتمحور العقلي: الله والطبيعة والانسان، فعلى حين كانت الثقافة اليونانية (والأوروبية بطبيعة الحال) تتمحور حول الانسان والطبيعة، موظفين فكرة "الله" من أجل التبرير، فقد سلكت الثقافة العربية مسلكا مغايرا بتمحورها حول الانسان والله، موظفة الطبيعة للوصول إلى الله. وبناءً على ذلك يمكننا فهم مدى ارتباط العقل في اللغة العربية (عَ قَ لَ) بالسلوك والأخلاق والتمييز بين الخير والشر، كعقل معياري وحسب، وإنما غير موجه للطبيعة وظواهرها.
أما في القسم الثاني من الكتاب يتطرق الجابري إلى تكوين العقل العربي معرفيا وأيديولوجيا، مبتدءاً باللغة العربية من حيث هي المحدد الأول للفكر، ناعياً على اللغة تجمدها بما هو قديم عند الأقحاح، بحيث صارت لغة على درجة عالية من الرقي من حيث الآليات، إلا أنها فقيرة عندما تقف أمام العالم المعاصر لتعبر عن أشيائه. فاللغة العربية، بحسب الجابري، مرجعيتها لا الواقع المتغير، بل البداءة "المباركة" التي بها يصير البدوي معلما لكل متعلم في محراب اللغة.
ومن عنوان الفصل الخامس "التشريع للمشرع"، في القسم الثاني من الكتاب، سيمضي الجابري للحديث عن الفقه الإسلامي، على اعتبار أن الحضارة العربية الاسلامية هي حضارة فقه، كما كانت الحضارة اليونانية من قبل حضارة فلسفة، مؤكداً أن الفقه الإسلامي هو منتج إسلامي أصيل، وهو ما يعبر عنه المؤرخ جيب بأن "قلما تغلغل الشرع في حياة أمة وفي فكرها هذا التغلغل العميق مثلما فعل في الأدوار الأولى من المدنية الإسلامية"، وبذلك فقد أصبح الفقه أشبه ما يكون برياضة ذهنية تُفترض فيها الحوادث افتراضاً (كما الرياضيات لدى اليونان). وعلى ما تقدم تبرز أهمية دراسة الفقه بالنسبة للبحث في العقل العربي بالذات، فكما أن مهمة الفقه هي التشريع للمجتمع، فإن مهمة أصول الفقه هي التشريع للعقل. وبذلك يجد الجابري مدخلا لحديثه المطول عن "النقل" و"الرأي" في التراث الفقهي، ومرورا بتحديد الشافعي للحدود الأربعة لأصول الفقه، من كتاب وسنة وإجماع وقياس، مؤكدا أن مرجعية الشافعي في هذا التحديد هو "البيان العربي" نفسه، وأن لا مرجعية من خارج المجال التداولي للعقل العربي، إن جاز التعبير، وهنا يجد الجابري فسحة أخرى ليندب على العقل العربي اقتصاره عبقريته في البحث لكل فرع عن أصل، وبالتالي لكل جديد عن قديم يقاس عليه، وبالتالي، ارتهان المستقبل للماضي.
وتماما كما حصل هذا الإثراء في المجال الفقهي على يد الشافعي (الذي غادر معسكر الرأي إلى معسكر الحديث) يعود الجابري في الفصل السادس للحديث عن الأشعري (الذي غادر معسكر المعتزلة إلى صفوف أهل السنة على مستوى الكلام في العقائد) مثرياً مدرسة الكلام الأشعرية.
وبذلك، وكملخص لما تقدم، يكون الجابري قد عرض لمفاصل تكون العقل العربي داخل دائرته هو بالذات، أي دائرة البيان العربي من خلال علوم اللغة وعلوم الدين (الفقه والكلام)، عن طريق تحديد مكوناته داخل ذات الدائرة، وابتداءً من الفصل السابع سيفرد صفحات للحديث عن "المعقول" الديني واللامعقول "العقلي"، وذلك في محاولة منه لتحديد وجه من وجوه تسلل المكونات الدخيلة إلى العقل العربي.
يعتبر الجابري أن المعقول الديني العربي يقف في جهة مقابلا للموروث القديم من جهة أخرى، وأن هذه المعقولية الدينية إنما تتحدد من داخل القرآن نفسه، فهو يحدد نطاق المعقول الديني، ويطرد من حرمه كل ما هو شركي ووثني وغير مقبول (كعبادة الكواكب والإيمان بها على سبيل المثال)، ويمكن تلخيص محددات المعقول الديني، بحسب الجابري، وبالإحالة إلى القرآن الكريم، بوجوب معرفة الله من خلال التأمل في الكون ونظامه (الاستدلال بالشاهد على الغائب)، والقول بوحدانية الله ونفي الشرك، وأخيرا القول بالنبوة وما تقتضيه، وأن ما سوى ذلك فهو موروث وخرافة. ولكن يعود المؤلف للتوكيد أن الموروث القديم وجد طريقه ليتسرب إلى المعقول الديني وذلك من بوابته الخلفية هذه المرة، بمعنى من خلال شروحات النص القرآني، وبذلك لم يعد المجال للمعقول الديني منغلقا على نفسه ومتحررا من الموروث، فالموروث القديم دخل حرم المعقول الديني من خلال التفاسير القرآنية؛ على اعتبار أنه تفصيل لما كان مجملاً.
وسنلاحظ على مدار صفحات الكتاب تتبع الجابري لهذا "الغازي الأجنبي" الذي يدخل حرم دائرة الثقافة العربية الإسلامية، في محاولة من الجابري لتقفي أثر هذا الدخيل وعزله عن الأصيل، معتبرا أن الاسرائيليات المتسللة هي أحد أبرز مصادر اللامعقول في الفكر الديني العربي، وقد ساهمت في تشكيل العقل العربي، وعلى الأخص لأنها قدمت نفسها لا على أنها اسرائيليات، بل قدمت نفسها باسم "النقل" وذلك من خلال شروحات القرآن كما تقدم، فضلا عن الديانات القديمة كالمانوية والهرمسية، والتي سنجد الجابري يفرد لها صفحات مطولة في كتابه هذا، وفي كتابه الثاني لنقد العقل العربي، وإنما تحت مسمى "العرفان" (العرفان بوصفه مجمل المعارف المنتمية للتصوفيات الإشراقية والغنوصية والباطنية).
ولكن، ومن جهة ثانية، وعلى الرغم من أن المعتزلة (الممثل الأبرز للخطاب العقلاني) قاموا برد الهجمات الفكرية لهذا الغازي الأجنبي (كديانة المانوية مثلا) وتفكيك أطروحاتهم بلستعمال "البرهان" العقلي، إلا أن ركوبهم مركب السلطة وانخراطهم في فتنة خلق القرآن، ومن ثم تهميشهم في عهد المتوكل، وغيابهم عن الساحة أخيرا سمح للامعقول بتوسيع رقعته في داخل الثقافة العربية الإسلامية. ومع الفصل الثامن يشرع الجابري في تلمس الطريق "المهمش" الذي سلكته الفلسفة، لا الطريق الرسمي للفلسفة من اثينا إلى الغرب، بل طريقها الجانبي من اثينا الى الشرق وحتى مستقرها في العاصمة بغداد، والذي كان، بحسب الجابري على الدوام، مشحونا باللامعقول إبان التمزق الذي أصاب العقلانية اليونانية بعد أرسطو مباشرة، حيث بدا العقل اليوناني وكأنه يلتهم نفسه، متوجها للبحث عن الفيض والإلهام، ومتخليا عن سلطان العقل، وكل ذلك متجليا بمدارس االفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية المحدثة والإلهيات الهرمسية. وبذلك فقد وجد هذا اللامعقول هذا "الطريق الآخر" إلى الثقافة العربية الإسلامية، وذلك من خلال التصوف والعرفان الإسلامي، فروحانيات الرازي الغنوصية، وهرمسية جابر بن حيان وأخوان الصفاء والفلاسفة الاسماعيليون، ونظريات المتصوفة (كالجنيد) هي التي أوجدت موطئ قدم لهذا العقل المستقيل في "النسق التداولي" المنتمي للحضارة العربية الإسلامية.
وابتداء من الفصل العاشر، وتحت عنوان تنصيب العقل في الإسلام، يعود الجابري إلى استحضار فترة المأمون وبدء حركة الترجمة في العصر العباسي، وظهور أول فيلسوف في الإسلام، الكندي، ومن ثم الفارابي، بدأت الفلسفة (أو لنقل البرهان) تجد موطئ قدم هي الأخرى لها في الساحة العربية الإسلامية، ولكن ما لبثت أن اندلعت الأزمة البرهانية، بحسب الجابري، في الارتطام بين "البيان" و"البرهان" سنة 326ه. (البيان بوصفه مجمل العلوم العربية من نحو وصرف وفقه وكلام، والبرهان بوصفه مجمل العلوم الفلسفية والمنطقية والرياضيات)، إثر المناظرة ما بين متى بن يونس المنطقي وابي سعيد السيرافي اللغوي والفقيه المتكلم، حيث انتصر البيان في شخص أبي سعيد عندما قال بأن اللغة العربية مستغنية عن المنطق مكتفية بذاتها، لأن لها منطقها الخاص، تماما مثلما أن منطق اليونان هو نحو لغتهم، دون أن يعتم علينا أن نشير هنا إلى أن المنطق الصوري، وعلى الأخص إبانذاك، هو قواعد للنظر العقلي الحر والسليم، مشتملا على تجريدات ذهنية ما قبل لغوية.
ثم إن الجابري يعود للحديث عن ابن سينا وفلسفته المشرقية (كذلك عن اخوان الصفاء والفلاسفة الاسماعيليين) وأن ابن سينا بدوره كان يكتب ضدا على مناطقة بغداد (المنتمين بطبيعة الحال إلى بنية البرهان)، معتبرا حملات ابن سينا الفكرية وهجماته المتلاحقة من موقع الفلسفة المشرقية، جعلت "العرفان" بدوره يحاصر "البرهان" بعد أن كان "البيان" قد فعل ذلك قبله.
وبذلك فعندما كتب الغزالي كتابه "تهافت الفلاسفة" كان يهاجم الفلاسفة في شخص ابن سينا، بحسب الجابري، فبإنكار الغزالي للسببية وتبنيه رؤى عرفانية، على الرغم من بضاعته البيانية والبرهانية، أدى إلى تحقيق نصر جديد على حساب فلاسفة "البرهان"، وإن كان نصرا "مزورا" لأن المقصود فيه ابن سينا "العرفاني" لا الفلاسفة "البرهانيين". وبذلك يكون الغزالي قد أفرغ البرهان من مضمونه، متمسكا بشكله (القياس، الجدل) ليوظفه في حراسة "البيان" بالصورة التي يقررها الأشاعرة، وهكذا اعتبر الجابري أن العقل المستقيل انتصر مع الغزالي أخيرا في معركته مخلفا جرحا عميقا ما زال ينزف حتى اليوم.
ومع الفصل الثاني العشر يقرر الجابري أن المغرب العربي والأندلس مثلت بداية جديدة للفكر الثقافي العربي؛ بداية تركت خلف ظهرها كل الخلافات الأيديولوجية للأشاعرة والمعتزلة على مستوى "الكلام". أما على مستوى الفقه، فاختيار النخب الفقهية في المغرب العربي للمذهب المالكي (الأقل توظيفا في المشرق العربي)، صلغ أيضا بداية فقهية جديدة. واخيرا بانبراء ابن رشد إلى رد الاعتبار للبرهان الفلسفي، كما صاغه أرسطو بصيغته البكر الأولى، منقيا إياه من "شوائب" ابن سينا من جهة، ومخلصا الفلسفة من "تهافت" الغزالي من جهة أخرى. وهذا هو برأي الجابري ما جعل الفلسفة في المغرب تمتاز عن تلك التي رأت النور في المشرق بأنها أكثر برهانية، وأقل توظيفا في الصراعات الأيديولوجية، فضلا عن رأيه بأن نظر ابن رشد للدين والفلسفة على انهما بنائين مستقلين يجب أن يبحث عن الصدق في كل منهما من الداخل، وليس من الخارج، وهو ما أسس لثقافة "علمانية" على مستوى النظر العقلي، دونما خلط لاوراق الفلسفة بالدين ولا للدين بالفلسفة، ودون توظيف أحدهما لصالح الآخر.
يخنم الجابري كتابه في نهاية المطاف بأن الصراع في الثقافة العربية لم يكن بين "الميتوس" و"اللوغوس" كما في الثقافة اليونانية، ولا بين العلم والكنيسة كما في تجربة أوروبا الحديثة، وإنما بين نظامين معرفيين؛ النظام البياني والايديولوجيا السنية من ناحية، والنظام العرفاني والايديولوجيا الشيعية من ناحية أخرى. ومنذ دخول النظام البرهاني (العقلي) أصبح موجهاً بذلك الصراع محكوماً به، بمعنى أنه بقي محض أداة على هامش المنظومات المتصارعة، كما يقرر الجابري.
مع إقترابي من سن 30 سنة بعد أشهر قليلة، كنت أبحث عن مشروع قراءة أنجزه، وأكافئ به نفسي في عيد ميلادي الثلاثين، ومن هنا جاءت فكرة قراءة مشروع الجابري "نقد العقل العربي" ثم قراءة مشروع جورج طرابيشي "نقد نقد العقل العربي"، وذلك ما سيجعلني أدخل الثلاثينات كشخص آخر لم أكنه في العقود الماضية من سني عمري، ولكن بعد قراءتي للكتاب الأول "تكوين العقل العربي" في سلسلة الجابري، بدأت تتكون لدي بوادر للتراجع حول هذه الفكرة وإستبدالها بفكرة بديلة فعلاً.. وأسباب هذا التراجع سأذكرها بالطبع ..
يبدأ الجابري ببداية جميلة في كتابه "تكوين العقل العربي" بشرح نظرية لالاند للنظام المعرفي المتكونة بين العقل المكوّن "الفاعل" والعقل المكوّن "السائد" .. والعلاقة التي بينهم وكيف يشكّل أحدهم الآخر، ثم يشرح الجابري كمقدمة لبحثه التعاريف اللغوية والمفاهيم لمفردات كالثقافة والمعرفة والعقل، وكيف أنها مفاهيم مرتبطة بألفاظ قاصرة في لغتنا.. وكمثال.. فمفردة ومفهوم "العقل" لدينا مرتبط بمفهوم أخلاقي في اللغة وليس بمعنى المعرفة، ومن هنا تبدأ المشكلة، فاللغة قاصرة ومشوهه في حد ذاتها للوعي، ومنها كانت الحضارة الإسلامية حضارة فقه، بينما كانت الحضارة الأوروبية حضارة علم وتقنية، وبالمجمل فالفصل الأول فصل ممتاز جداً.
بعد الفصل الأول يدخل الجابري في لبّ القضية، وبإطناب شديد وشرح مفصل على مدى فصول الكتاب نفهم لبّ القضية والمشروع، فالجابري يقسم المناهج في الثقافة العربية عبر عصورها إلى ثلاثة نماذج:
النظام المعرفي العرفاني : وهو كل الفكر الباطني الشيعي الهرمسي المهتم بالخوارق والأساطير واللا معقول. النظام المعرفي البياني : وهو كل الفكر المبني على النص "اللغة" سواء القرآني أو السنة، وعلومها التي أنشئت كعلوم الأحاديث. النظام المعرفي البرهاني : وهو كل الفكر المبني على البرهان والبحث العلمي العقلي المعتمد على التجربة فقط لا غير.
وكما فهمت من الجابري فالقصة بدأت منذ بداية الإسلام عندما دخل الأعاجم إلى الإسلام وحدث الإنقسام السني الشيعي فكانت هناك نية مبيتة من الأعاجم الشيعة على ضرب العقائد الإسلامية بإدخال الموروث الهرمسي "موروث فارسي أسطوري" لأدبيات الإسلام، فتفطن الأمويين العرب لهذه المكيدة ومنها بدأ التأسيس للنظام المعرفي البياني لمحاربة هذا التيار الأسطوري فأسسوا للنظام اللغوي وأعتمدوا على كلم العرب لحفظ العلوم الدينية بلسان عربي مبين.. لكن هذا النظام أغلق على نفسه بإغلاق باب الإجتهاد في اللغة والنحو فقفل الباب على هذا النظام الديني البياني.. فقفل باب الإجتهاد في الدين السني.. وما كان ميزة لهذا النظام أصبح لعنة له.. ومع تمدد النفوذ السياسي الشيعي في المنطقة لم يكن أمام المأمون إلا محاربتهم أيدولوجيا بترجمة الكتب اليونانية كأرسطو وغيره لمواجهة الأسطورة بالعقل.. إذن فأرسطو لم يخرج لمحاربة النظام البياني بل خرج لمحاربة النظام العرفاني ولذلك لم يواجه النظام البياني أي خطر.. حتى خرج النظام المعرفي البرهاني على يد إبن رشد.. ولكن بسبب أمور سياسية في ذلك الوقت تم القضاء عليه من قبل الغزالي وآخرون.. بينما تلقف الأوروبيون هذا النظام من إبن رشد لسبب سياسي أيضاً تضمن محاربة الكنيسة وطغيانها.
هذه هي القصة بإختصار شديد، وهنا أذكر أسباب تفكيري في التراجع عن تكملة كتب الجابري، فالجابري كان بإمكانه توصيل هذه القصة أو هذه النظرية بسلاسة أكثر، وبإطناب أقل، لكن لغة الجابري صعبة، وهو أستغرق ما يقارب 400 صفحة لقول أشياء لا تستهلك كل هذا، كما أنه يكرر الفكرة أكثر من مرة ومع ذلك لا يشرحها الشرح الواضح أو الوافي، فتتداخل الأزمنة وتختلط، ولا تترتب بشكل سلس..
والمحصلة، والنهاية، والخلاصة، فالجابري عقل أكاديمي فذ، وقراءة كتبه تجربة عميقة جداً، لا تخرج منها كما دخلت، لأنها تنير لك مناطق كثيرة مظلمة أنت لم تعرف عنها مسبقاً، ومع ذلك، فهو في نظري صعب القراءة، لا يمتلك موهبة السرد والشرح والتوضيح، موغل في التعقيد، ومن هنا يقع الملل في قراءته، وهنا تكمن أهمية وجود وسيط حقيقي يقرأه بتأني، ويعيد كتابة أطروحاته بلغة أكثر سلاسة وتوضيح، ولذلك ما زلت في موقع الإختيار والإحتيار، هل أكمل هذا المشروع وأكون أنا هذا الوسيط المعرفي، أم أبحث عن هذا الوسيط لأقرأ منه، وكفاني وعقلي شر هذه الحرب الضروس.
ستبادون اذا لم تجتهدوا الله لا يحب الكسلاء ....الله اعطاكم دينا اسمه الاسلام دوركم الاجتهاد لن يعطيكم دينا ويجتهد مكانكم...اذا لم تجتهدوا ستبادون...الله خلق سنة كون...وجد جد جد عادل...صح يعطيك ويكرمك واكرمك باالاسلام...لكن يجب ان تقدر العطية وتجتهد والا ستباد ...قولكم ان النقل مسبق على العقل يعني انكم تقولون الله انعم علينا ونحن لن نتحرك سنتوقف يكفي ان الله اعطانا ...لن نصدع رؤوسنا ...مع ان عقلك هو تكملة لما اعطاك الله...صح الله يعطي ويرزق ويكرم لكن بعدها ياتي دورك تجتهد لكي تخرج اجمل شيء مما اعطاك الله...وايضا ان تنقل من المسيحي المجتهد الذي اجتهد واخرج علمانية ومر بعصر الانوار ...ليس اجتهاد بل غش ...غش ...غش....العرب للاسف اما كسلاء اما غشاشون...
الاسلام يجب ان يتجدد العقل مقدس كالدين تماما اذا لم يتم تحرير ذلك العقل كما فعل المسيحييووووون والصينيون سوف نباد جميعا والعالم سيتفرج علينا ويضحك علينا...الله خلق العقل لاستخدامه ليس لركنه يجب لذلك الدماغ ان يعمل لم تعد رفاهية اصبح قضية وجودية ...اليابان عندما تم ابادتهم والصينيون عندما تم قمعهم والمسيحيون عندما غلبوا ��هموا الرسالة بسرعة ...استخدم عقلك لكي تنجو...الا المسلمون يبادون ولازال راسهم يابس يرون الدرس واضحا ويغلقون عقولهم...المسلمون التقليديون يجرووننا للوراء وللتخلف ولم يعودوا خطر على حضارة المسيحي العلماني الذي ياخذها ذريعة لابادتهم لكنهم يتسببون ايضا في ابادتنا...بسبب راسهم اليابس
البشر يتحركون وفق سيستم فكري ديني...السيستم الحاكم اليوم هو السيستم االراسمالي الليبرالي...مع تراجع وااضح لليسار وللاسلام ايضا وعدم القدرة على المواكبة والتجديد...فماذا قرر العرب ...قرر عوض انتاج سيستم فكري وهذا يتطلب الوقت وصعب وطويل الامد...يكونون مهندسين تقنييين وهؤلاء المهندسين يسافرون للغرب وينقلون العلم والخبرة لاوطانهم لكن الاسترتيجية فشلت لان المهندسين لم يعودوا ...
انتاج الافكار عملية جد جد معقدة....لذا تجديد الاسلام او اليسار عملية طويلة الامد .....الان على الساحة السيستم الفكري الراسمالي هو المكتسح للعالم وليس لديه سيستم فكري منااااافس.....لذا تم اللجوء لاستراتيجية اخرى هو تكوين المهندسين وهؤلاء يهاجرون ينقلون العلم والخبرة ويساهمون في تقدم الشعوب العربية .....لكن ما حصل بسبب انعدام الحس الوطني والاخلاقي لم يعودوا هههه
من لا يفهم كلامي....كلامي معقد....كل ما يجب ان تفهمه ان البشر يعيشون وفق سيستم معين دين معين ...وذلك السيستم والدين يتغير ويتم تجديده ...وان السيستم الحاكم اليوم هو السيستم الراسمالي الليبرالي ....ولا الاسلام ولا اليسار يستطيع الوقوف امامه لانهم بحاجة لتجديد....هل الانسان كائن معقد....هو معقد اكثر مما تصور الله خلق شيئا شديد التعقيد ...اذا تسببت لك بالصداع ....فهذا ما اريده...يجب تحريك المياه الراكدة...اذا ركدت الانسان الذي يتحرك لن يرحمك
شيء اخر البنية الفكرية اذا كانت لا تساعد في النجاح المادي والروحي معا هناك شيء خاطئ في البنية الفكرية ...المسيحية فيها شيء خاطئ ماديا ....المادية الراسمالية المتوحشة فيها شيء خاطئ روحيا....والفرق الاسلامية فيهم شيء خاطئ ايضا 🤣🤣🤣هناك خيط رقيق يسمى الحقيقة المطلقة يجب ان تمسكه اولا ثم تبدا باقتلاعه لكي ترى الى اين يوصل...
If the intellectual structure does not support both material and spiritual success together, there is something wrong with the intellectual structure... Christianity has something wrong with it materially... The savage capitalist materialism has something wrong with it spiritually... And the Islamic sects also have something wrong... 🤣🤣🤣 There is a thin thread called the absolute truth, you must grasp it first and then start unraveling it to see where it leads.
في الماضي كنا نسمع العرب الادمغة يهاجرون ويتاثرون بالثقافة الغربية ويعودون لكي يمزجوا الثقافة الغربية بالثقافة العربية...اليوم بسبب استراتيجية تكوين ادمغة
هناك ركووود فكري في العالم العربي باكمله....هناك سطحية في الافكار سطحية في الاهداف سطحية في الحياة ستؤدي الى انقراضهم وهم ينتظرون الله ان يتحرك دون ان يفهموا ما هو الله اصلا....تجديد الخطاب الديني سيعيد الحياة للاسلام....كل مئة سنة يبعث شخص لكي يجدد الدين...لكن الفقهاء جمدوووه....يشيئون كل شيء الحجر والبشر والله....الله ليس شيئا لكي تنتظر منه ان يتحرك...تحرك انت لكي يتحرك هو
والحداثة ليست حلا هي غش ....الغربي اجتهد وفكر ووجد حلا مناسبا للمسيحية يتمثل في فصل الدين عن الدولة ...فماذا فعل العربي عوض ان يفكر ايضا ويجد حلا للجمود الديني ....سرق افكار الغربي واراد تطبيقها على دينه ....فلم تنجح الفكرة وتم رفضها
الحداثيون العرب تابعون للغرب يحلمون بالعلمانية وفصل الدين عن الدولة وهذا يتعارض مع الاسلام تماما لان الاسلام دين ودولة يحتاج للتجديد فقط ليس للحداثة ...الاسلام لو وقع في يد شعوب متعلمة سيصبح افضل نموذج عالمي لحكم العالم لانه وسطي معتدل منطقي واقعي ....لكنه ان وقع في يد الجاهلين سيصبح خطر ليس فقط على الغرب لكن على المسلمين جميعا
يعرف محمد عابد الجابري العقل العربي بانه جملة المفاهيم والفعاليات الذهنية التي تحكم بهذه الدرجة او تلك القوة والصرامة رؤية الانسان العربي الى الاشياء والعالم والاخر وطريقة تعامله معها في مجال اكتساب المعرفة وانتاجها واعادة انتاجها. والثقافة العربية بهذا المعنى تشكلت ككيان ثبتت اركانه وتعينت حدوده واتجاهاته خلال الفترة المعروفة في تاريخ هذه الثقافة بعصر التدوين (الاطار المرجعي للعقل العربي) الذي اتجه فيه جامعو اللغة ورواتها الى البادية الى عالم الاعرابي الذي كان يعيش ما قبل التاريخ عالم الخشونة والبداوة وسذاجة العروبية بتعبير ابن خلدون وهذا يفسر الطابع الحسي اللاتاريخي للنظرة التي تحملها اللغة العربية عن العالم ينقسم خطاب الثقافة العربية الاسلامية الى ثلاثة انواع -خطاب يعتمد على البيان (الايديولوجية السنية الموروث العربي الاسلامي الخالص الذا...) الذي تحمله اللغة العربية اصلا والذي قننته علوم الموروث العربي الاسلامي الخالص علوم اللغة وعلوم الدين. ولم ينزل القران ولا اتت السنة الى على مصطلح العرب ومذاهبهم في المحاورة والتخاطب والاستدلال والاحتجاح ولكل قوم لغة واصطلاح. يكفي استثمار الادلة الشرعية الكتاب والسنة والاجماع واستنباط الاحكام منها. -خطاب العرفان (الايديولوجية الشيعية والمتصوفة الموروث القديم الهرمسية اساسا...) الذي يدعيه العقل المستقيل الذي انتقل الى الثقافة العربية من الموروث القديم واحتل فيها مواقع اساسية عبر التشيع والتصوف والكيمياء والتنجيم وما ارتبط بهما من علوم سرية اخرى... -خطاب العقل الكوني (الفلسفة والعلوم العقلية الارسطية اساسا ابن سينا والفارابي...) النظام المعرفي البرهاني المحكوم في طبيعته وتطوره بالصراع بين البيان والعرفان الذي يؤسسه نظام معرفي خاص يقوم على البرهان ينتمي بمفاهيمه ونظرياته العلمية الفلسفية الى طبيعيات ارسطو وميتافيزيقا. وهذا النظام اقتحم الثقافة الاسلامية في وقت متاخر. ان ازمة العقل العربي هي ازمة الاسس في الفكر العربي الازمة الراجعة الى تصادم وتداخل النظم المعرفية المتنافسة داخله البيان مع البرهان من جهة والبرهان مع العرفان من جهة ثانية ثم البيان مع العرفان من جهة ثالثة انه تصادم بين بنيات فكرية وليس بصراع اضداد. وهي ازمة تاريخية وسياسية ايضا فالصراع بين اهل السنة والشيعة كان على اشده لانه صراع سياسي وبالتالي فالعلاقة بين البيان وبين العرفان الشيعي كانت تحكمها السياسة اما النزاع بين اهل السنة والمتصوفة فقد كان نزاعا معرفيا محضا وحتى هذا النزاع كان يقع داخل دائرة الايديولوجيا العامة للدولة السنية لا خارجها وهذا ما سيعرف فيما بعد بالتصوف السني. يقول ابو حامد الغزالي محللا تجربته الفكرية وازمته الروحية "ان اختلاف الخلق في الاديان والملل ثم اختلاف الائمة في المذاهب مع كثرة الفرق وتباين الطرق بحر عميق غرق فيه الكثيرون وما نجا منه الا الاقلون وكل فريق يزعم انه هو الناجي". وقد تجاوز هذه الازمة الروحية فيما بعد ووفق بين اشعريته البيانية وعرفانه الصوفي.
مرّت إثنتان وثلاثون سنة منذ أن قدّم الجابري للعالم الجزء الأول من سلسلته النقدية للعقل العربي المعنون بـ «تكوين العقل العربي» وما زالت حتّى الآن الآراء التي وضعها في ذلك الكتاب محلّ نقاش وجدل في الوسط الأكاديميّ والثقافي العربي، كيف لا والإشكاليات التي أثارها «كان يجب أن ينطلق القول فيها منذ مائة سنة» (ص5) وهي نفسها تقريبًا الإشكاليات التي أسال فيها عشرات الكتّاب والمفكرين حبرهم طوال القرنين الأخيرين متسائلين عن سبب الوضع العربي الحالي وعن مكانة التراث في هذه الأزمة التي يعانيها العرب وسببت تأخرهم، وقدّم كل منهم سؤاله الخاص ورؤيته لأصل المشكلِ محللاً ومفتيًا.
أمّا ما يميّز المحاولة الجابرية ففي كونها اتجهت مباشرة إلى ما يسمى بالعقل العربي نفسه مسائلاً إياه عن نفسه وعن أزمته وتراثه، متجاوزًا بذلك الطرح التقليدي، الذي يتّجه إلى التراث والثقافة العربية، إلى العقل نفسه أو الأداة التي أنتجت هذه الثقافة، فمفهوم العقل عند الجابري يتطابق مع الفكر بوصف العقل «أداةً للإنتاج النظري صنعتها ثقافة معيّنة لها خصوصيّتها، هي الثقافة العربية بالذات» (ص13)، هذه الثقافة التي تتلازم مع تاريخ العرب الحضاري العام وتعبّر عن واقعهم المعاش وهمومهم الحاضرة وعن آمالهم وطموحاتهم المستقبليّة، كما أنها تحمل في ذات الوقت المبادئ التي تجعلنا نعرف العوامل التي ساعدت على النهوض وقيادة الأمم في يوم ما، وأيضًا العوائق والأسباب التي أدّت إلى تخلفهم. وواضح هنا أن الجابري لا يروم من هذا مخاطبة هذه الثقافة كإنتاج ثقافي وحضاري وإنّما مخاطبة ومساءلة الأداة التي أنتجت هذه الثقافة.
6339026
في تحليله لهذه الأداة استطاع الجابري التمييز بين ثلاثة أنظمة كانت المتحكمة في الثقافة العربية، ولكل من هذه الأنظمة آليته الخاصة في التأسيس وفي إنتاج نمطه الخاص من المعرفة مع ما يرتبط بذلك من إنتاج للمفاهيم وما يستفرد به من رؤى خاصة للمعرفة والثقافة، وهذه النظم أو الآليات الثلاث التي اشتغلت داخل الحقل الثقافي العربي طيلة تاريخه هي:
-النظام المعرفي البياني الذي يؤسس الموروث الإسلامي الخالص المتمثل في اللغة والدين كنصوص ثابتة ومطلقة.
-النظام المعرفي العرفاني الذي يؤسس قطاعًا كبيرًا خاصًا به هو قطاع اللامعقول أو ما أسماه الجابري بـ «العقل المستقيل» وهي التسمية التي يقصد بها تلك المعرفة اللاعقلية حسب وصفه التي دخلت الثقافة العربية الإسلامية ويعني بها الهرمسية أساسًا التي تغلغلت في الدين والفكر والفلسفة لتلغي العقل وتعمل الباطن الغيبي.
-وأخيرًا النظام المعرفي البرهاني وهو النظام المسؤول عن التأسيس الفعلي للفلسفة والعلوم العقلية المرتبطة بالمنطق والفلسفة الأرسطية أساسًا، وما سيحاول الجابري إثباته هنا أن هذا النظام ظهر أساسًا في الأندلس بعيدًا عن عرفانية المشرق المتصوّف بالفلسفات الهرمسية.
وهنا نبدي ملاحظتين كان الجابري نفسه قد اعترف بهما في ثنايا كتابه، الملاحظة الأولى تتعلق بالقول أن هذا التقسيم للأنظمة العربية إنما هو خاص بالثقافة العربية الإسلامية «العالِمة» المكتوبة ولم يهتم الكاتب بالثقافة الشعبية المتمثلة في الأمثال والقصص والأساطير والخرافات وغيرها، فهو هنا يتنصّل من البحث الأنتروبولوجي ويتركه لغيره، أمّا الملاحظة الثانية فهيّ بشأن ترتيب هذه الأنظمة، فليست مرتبةً ترتيبًا زمنيًا أو مكانيًا، فالزمن العربي الإسلامي قد عاش نظامين منها أو الثلاثة معًا في وقت واحد وربما بمكان واحدٍ، ولكن الأمر يتعلق هنا بزمن خاصٍ اصطلح الجابري على تسميته بـ «الزمن الثقافي»، فلم يكن الهدف لدى الجابري التأريخ للفكر العربي، وإنما تتبع مراحل تكوين هذا العقل العربي أو هذه الأداة التي أنتجت هذه الثقافة «العالِمة». ولعلّ النتيجة الأولى التي يخرج بها قارئ الكتاب هي التأكيد على أن ثقافتنا العربية ما زالت بحاجة إلى أن يُعاد كتابتها مرة أخرى، وليس كما كتبها المؤرخون القدامى ولا الجدد، فهؤلاء ما زالوا يجترّون ويكررون نفس المنهجية التي وجدناها منذ أن بدأ المؤرخ يكتب ويؤسس لثقافته في ما تم الاصطلاح عليه بعصر التدوين. وهذه المنهجية المتغلغلة في التاريخ العربي ما زالت تحت تأثير نفس الاهتمامات والتطلعات التي جعلت من القدامى يكتبون هذا التاريخ كتاريخ للفرق والطبقات والمقالات والملل والنحل في كل صنف معرفي على حدة، وهذا ما جعلهم يمعنون في تاريخ للاختلاف المذهبي والفكري والسياسي بينما كنا بحاجة إلى تاريخ بناء للرأي الذي أسس لهذه الاختلافات.
ماذا ستكون فائدة ونتيجة إعادة القراءة؟
لعلّ أهم نتيجة سنتحصل عليها هيّ نفيُ الأسطورة القائلة بالانقطاع والاستقلالية بين مختلف أنواع «العلوم» والإنتاجات الفكرية العربية الإسلامية، وستثبت القراءة الجديدة مدى الارتباط والاتصال بين هذه القطاعات كاشفةً عن البنية الداخلية المنتجة للمعرفة، موضّحةً آلياتها ووسائلها و بعضًا من مفاهيمها الأساسية.
ولكن هل هذه النتيجة ستكون قادرة مثلاً على الإجابة على السؤال القديم الجديد: لماذا تقدم الغرب وتأخر العرب؟، والجابري يفضّل هنا أن يعيد صياغته بشكل يخدم مشروعه الفكري في نقد العقل العربي متسائلاً عن السبب الذي لم يجعل الأدوات التي أنتج بها العرب معرفتهم ومفاهيمهم ورؤاهم خلال ما يسمى بـ «العصور الوسطى» إلى شكل يجعلها تتطوّر لكي تكون قادرة على إنجاز نهضة علمية وفكرية مثل تلك التي شهدتها أوروبا في القرن الخامس عشر؟
بالطبع مثل هذه الأسئلة يستدعي المقارنة مع أوروبا في القرن الخامس عشر وحتى المقارنة مع الحضارة اليونانية التي شهدت أيضًا انتكاسة في حضارتها أدت إلى دخولها في العصر الهيلينستي. ويوافق الجابري الباحث الفرنسي فيستوجيير في كون غياب التجربة في العقلية العلمية اليونانية هو الذي أدّى إلى أفول حضارتها، ولكن مثل هذه المقارنة قد لا تكون ذات فائدة إذا عرفنا أن هناك اختلافًا جذريًا بين هذه الحضارات الثلاث فاليونان معروفون كحضارة فلسفة وأوروبا الحديثة كحضارة علم وتقنية والعرب أنتجوا حضارة «فقه» بامتياز كما يقول الجابري، والحاجز الثاني في المقارنة هو كون العلوم العربية بلغت قمتها مع بداية تاريخها المتمثل في عصر التدوين، ففجأة تم تدوين وتنظيم العلوم العربية في زمن متقارب وقصير بما يشبه المعجزة والحاجز الثالث أن العلوم العربية تعاملت مع نصّ في تأسيسها: النص اللغوي بالنسبة للتأسيس النحوي واللغوي والنص الديني بالنسبة للفقه وعلم الكلام. وهنا يخلص الجابري إلى أن أي تحليل للفكر العربي الإسلامي لن يكون ذا فائدة كبيرة وسيظلّ ناقصًا ما لم يأخذ في حسبانه الدور الكبير الذي لعبته السياسة طيلة مسار هذا الفكر ومنعرجاته، أمّا العلم الذي تقدّمت به الحضارة الأوربية فلم يكن داخل المسرح المشكل للعقل العربي وبنيته وبالتالي لم يستطع أن يساهم في تغذية هذا العقل ولا في تجديد قوالبه مثلما فعلت العلوم المرتبطة بالنص السالفة الذكر.
وفي الحقيقة إن أيّ قراءة أو تلخيص لكتاب كبير كهذا ستظل قراءة ناقصة وعاجزة، فلا سبيل إلا إلى المغامرة والدخول إلى عالم هذا الكتاب، فهو ليس بالكتاب الهيّن الذي ستنتهي بعد قراءته وأنت تشرب قهوتك بهدوء، بل وكما يقول عنه جورج طرابيشي أكبر نقاد المشروع النقدي للجابري أنه كتابٌ يُسحر و أنه ليس كتابا يثقف فقط هو أيضا كتاب يغيّر، فمن يقرأه لا يعود بعد قراءته كما كان قبل قراءته
القراءة الأولى للجابري وقد أحببت أسلوبه الواضح والذي يشرح كل ما يريد قوله وإذا أراد تأخير نقطة أو تقديمها يذكر السبب ثم يعود لها مرة أخرى، وكأنه أستاذ جامعي يشرح لطلابه ويفهمهم ويجيب على أسئلتهم. وقد استخدم عددا كبيرا من المراجع في كتابه وربطها ببعضها بشكل جيد. يحاول الجابري في كتابه فهم العقل العربي وكيف تكون هذا العقل بصفته أداة للفكر وليس محتوى له، أي أنه يحاول أن يدرس أسلوب هذا العقل وأدواته التحليلية وليس أفكاره، أي أن دراسته أبستمولوجية وليست أيدولوجية. وقد رأى أن بداية هذه الدراسة تبدأ من عصر التدوين في بدايات العصر العباسي في القرن الهجري الثاني، حيث تم تدوين العلوم وأهمها النحو والفقه ووضع الأصول والقواعد المنهجية لها مما أسس لأول نظام معرفي للعقل العربي وهو النظام البياني القائم على النص سوء نص لغوي أو ديني، وهذا النظام يعتمد على الإسلام والقرآن والفقه وما نتج عنهم من علوم لدراسة هذا الدين، وتطور هذه الأدوات حتى قال أنه إذا جاز لنا أن نصف الحضارة الإسلامية بأحد مكوناتها فسنقول عنها أنها حضارة فقه كما كانت حضارة اليونان حضارة فلسفة. وهذا النظام البياني يقابله النظام العرفاني أو الباطني أو اللاعقلي أو الهرمسي وهو النظام الثاني في تكوين العقل العربي واستفادت منه مذاهب إسلامية مثل الشيعية والصوفية والتي تطورت من عقائد غنوصية مانوية باطنية، وقامت المساجلات والخلافات بين هذين النظامين واستمرا طويلا وما نزال نعيش في ظل هذه الخلافات التي أذكتها السياسة ورعتها ووظفتها لمصالحها. ويجيء أخيرا النظام البرهاني العقلي والذي اتخذ من الأندلس موطنا له لبعدها عن الأفكار الهرمسية والغنوصية فكان سادة هذا النظام المعرفي ابن حزم في الفقه وابن رشد في الفلسفة التي استفادت منها أوروبا فيما بقي العقل العربي جامدا إلى يومنا هذا، وهذا الهدف من الكتاب لفهم العقل العربي ثم تحريره من جموده ليقود نهضة عربية حقيقية. الكتاب رائع وخصوصا في التلخيص التاريخي للمذاهب والعقائد والفلسفات العربية وكيف تكونت تراكميا وأثرها وتأثيراتها، شكل لي صورة واضحة وسهلة لمعرفتها، وترك عندي حماسا لبقية السلسلة التي لا أعرف متى سأكملها بإذن الله. هذه ليست قراءة للكتاب ولا مراجعة له، لأنه أصعب من أن أكتب عنه ولن أوفيه حقه لو فعلت، لكن تسجيل انطباع أولي بعد القراءة مباشرة. أردت قراءة الكتاب في أسبوع لكن أخذني الحماس ووضوح الأسلوب إلى إنهائه في ثلاثة أيام فقط :)
يشكّل لي هذا الكتاب طوق نجاة من الغموض الفكري الذي كنت واقعا فيه، بعدما غيرت وجهتي مؤقتا من الأدب والفلسفة إلى قراءة كتب الدراسات الثقافية النقدية، ويبدو أن الأفق الواسع الذي ينفتح نتيجة ذلك التوجه يوطد عرى التواصل أكثر يين الادبي والفلسفي ويبدد ما يصدر عنهما من غموض، لأن الدراسات الثقافية تنطلق من المدونات الأولية والنصوص الأدبية وتتوسط بشتى الحقول المعرفية؛ التاريخية والدينية والسياسية ...الخ لينتهي باكتشاف الأنظمة المعرفية والتشكيلات الخطابية وما ينتج عنها من رؤى تصنع الحدث الثقافي في العالم العربي. لماذا ينبغي قراءة الكتاب؟ تقتصر الإجابة على أمرين؛ الأول: إن الذهن بعد قراءة هذا الكتاب لا يبقى كما كان قبلها وهنا استعير كلمة طرابيشي بقوله: إننا أمام أطروحة تغيّر، وليس مجرد أطروحة تثقف. ثانيا: النقد جزء أساسي لكل مشروع نهضوي، صحيح هناك من اختلف مع الجابري في النتائج التي وصل لها، غير أنه قدم درسا نقديا طموحا في إمكانية التقدم وإعادة التنظيم.
بعد قراءة هذا الكتاب، لا أعتقد أن ثقتي ستبقى مطلقة بعقلي، فحتى عقلي يبدو أنه ضحية ثقافة وأطر رسمت منذ زمن. حتى العقل يحتاج إلى مراجعةوإعادة برمجة.
تكوين العقل العربي, بلا شك هو كتاب نوعي وتأصيلي من الطراز الأول, ويلزمني الكثير من الوقت والبحث والمطالعة كي أكون على مستوى يؤهلني من استيعابه كله .
كانت 3 أسابيع مرهقة لإنهاء هذا الكتاب, فقط لاكتشف أني ساضطر الآن إلى إعادة النظر في العديد من القضايا التاريخية والكثير من الشخصيات الإسلامية
لن أدعي أنني ساكتب مراجعة شاملة, ولكنها مجرد خواطر لا تزال عالقة في ذهني:
العقل الذي يناقشه الجابري هو الأداة المنتجة للفكر, وليس الفكر نفسه
أهمية عصر التدوين بالنسبة إلى الثقافة العربية الإسلامية.
أبو حنيفة...سيوضح هذا الكتاب لماذا يلقب بالإمام الأعظم
أثر تقنين اللغة العربية الفصحى على الفكر العربي, مثال بسيط: لسان العرب أغنى وأضخم قاموس للغة العربية ويضم 80 ألف مادة لغوية. قام ابن منظور بتأليفه في القرن السابع أو الثامن الهجري, ومع ذلك فهو لا يشمل أي اسم للأشياء الطبيعية أو الصناعية أو المفاهيم النظرية أو المصطلحات الحضارية لتلك الحقبة من الزمن.
لقد جمدت اللغة بعد أن حنطت
يا ترى ماالذي سيطرأ على ثقافة بعد أن عجزت لغتها عن مواكبة العصر والتجدد؟!!!
الإنسان يعجز عن التفكير خارج نطاق اللغة
الموروث القديم المتمثل في الهرمسية والمانوية ومدى تغلغلها في الأدبيات الصوفية والشيعية بعد انتحالها مسميات إسلامية.
دور السياسة في استخدام الدين كايدلوجية للتصدي للخصوم ( المأمون أنموذجا) والفكر المعتزلي
انتصار العرفان في النهاية :(
وأخيرا
لم يقم الإسلام على الزهد في الدنيا ولكنه اتجه منذ اللحظة الأولى اتجاها واقعيا نضاليا واكتسح العالم القديم بالفتح وأقام دولة و حضارة
أخشى أني لن أستطيع أن أوفي الكتاب حقه هنا، لكونه من الكتب التي تستلزم قراءة ثانية، ولقرائتي المتقطعة له ..
إلا أن الكتاب من الكتب التي تقفز بك إلى زاوية نظر لم تكن تظن أنها موجودة. يتحدث الجابري في كتابه هذا عن مكونات العقل العربي الإسلامي الذي يظن الظان بالبدء أنه كتلة واحدة مستقرة بينما هو كما تُبين دراسة الجابري له يمكن تصنيفه إلى ثلاث مجموعات رئيسية: البيان، العرفان، والبرهان. أو العقل الفقهي، العقل الباطني التصوفي، والعقل الفلسفي المنطقي. تصارعت هذه العقول فيما بينها على مر التاريخ الإسلامي، وكانت في الغالب أدوات بيد الحاكم يحركها ضد خصومه. أنتجت لنا هذه الصراعات مذاهب وفرق وكتباً خالدة، ما زالت آثارها تسيطر على عقول المسلمين حتى اللحظة.
لعل أهم ما أمتاز به الكتاب -وهو أول ما أقرأ للجابري- هو عطف المؤلف على القاريء. رغم عمق موضوعه إلا أن الجابري يحرص على أن يمسك بيد القاريء ويخطو به خطوة خطوة موضحاً له معالم الطريق الذي يسير فيه. وأنا أشكره على ذلك كثيراً.
تكوين العقل العربي محمد عابد الجابري ....................... في هذا الكتاب يحاول المؤلف تفكيك العقل العربي للوصول إلي مباديء النظام المعرفي العربي، وكيف يؤثر هذا النظام المعرفي في حركة الإنسان أو حركة العقل العربي في العالم في الماضي والحاضر. فيري الكاتب أن الثقافة العربية كوعاء للعقل العربي كان لها تاثير كبير في تحديد نطاق حركة العقل العربي وتحجيمه. ومنعه من الانطلاق إلي آفاق التقدم كما جري مع العقل الغربي. يري الكاتب أن العقل العربي يختلف عن العقل اليوناني في ترتيب العلاقة بين الله والإنسان والطبيعة، ففي حين يضع العقل اليوناني الله كوسيط يمكن عن طريقه فهم الطبيعة، فإن العقل العربي يضع الطبيعة في مكان الوسيط الذي عن طريقه نصل إلي الله. العقل في الثقافة اليونانية مرتبط في وظيفته بالبحث عن الأسباب والمسببات للظواهر الكونية، لكنه في الثقافة العربية مرتبط بالأخلاق، فالعقل في تعريفه عند العرب، يرتبط بتحجيم السلوك الإنساني ومنع الإنسان من الزلل الخلقي، لكنه بعيد تماما عن ميدان البحث في الأسباب. امتد مفهوم العقل في الثقافة اليونانية إلي ميدان الاخلاق، وكذلك امتد مفهومه في الثقافة العربية إلي ميدان المعرفة، فأصبحت الاخلاق الغربية تؤسس علي المعرفة، بينما تأسست المعرفة العربية علي الأخلاق. يري الكاتب أن الحركة الثقافية العربية تعتبر ساكنة بدليل ولادة أغلب العلوم العربية تامة منذ نشأتها دون تعديل حتي الآن. من هذه العلوم علوم اللغة العربية، ففي عصر التدوين تم جمع مادة اللغة بلسان البدو لا الحضريين، وكذلك تم بناء مادة علم الفقه، و كذلك التفسير والحديث وغيره من علوم العرب، ولم يتم إجراء أي تعديل فيها حتي الآن. يري الكاتب أن التأريخ لمراحل التطور الثقافي يهيء العقل للاتجاه نحو المستقبل لدي الغربيين، لكنه يجعل الماضي ملتصقا بالواقع الحاضر عند العقل العربي، بل وأحيانا يجعل الماضي الثقافي يسد الطريق أمام المستقبل. فالتأريخ للثقافة العربية تأريخ مجزأ غير مترابط، وهو تاريخ للخلافات في الرأي، وليس تاريخ بناء الرأي. وهو بهذا لا يشجع علي الوحدة الفكرية، ولا يدعم لملمة الأشلاء الممزقة للثقافة العربية. ولأن التأريخ للرأي العربي هو في حقيقته تأريخ للخلاف في الرأي وليس تاريخ بناؤه؛ أصبح التعدد في ثقافتنا ليس سبيلا للثراء الثقافي بقدر ما صار سبيلا للتمزق والتفرق والعداء بين مختلف تيارات الفكر والثقافة. نظرا لفقدان أسلوب تمييز وتحديد أزمنة التاريخ الثقافي العربي فإن الثقافة العربية بدلا من تحولها إلي بناء متتابع الطبقات، فإنها قد تحولت إلي سوق فيه معروضات ثقافية من كل العصور بلا تمييز، وكلها تمارس فعاليتها علي العقل العربي بشكل متزامن. يتطور الفكر العربي عبر ثلاث مراحل، العصر الجاهلي يتبعه العصر الإسلامي ثم العصر الوسيط، المشكلة أن العقل العربي يتعامل معها كمراحل منفصلة، فلا يوجد من يقول أن العصر الإسلامي هو امتداد للعصر الجاهلي، ولا يوجد من يقول أن العصر الوسيط هو امتداد للعصر الإسلامي، بل إن ما حدث هو أن عملية تطور الثقافة العربية هي عملية تبدأ وتنتهي داخل كل عصر علي حدة. يري الكاتب أن عقولنا في الحقيقة أسيرة لثقافة العصر الجاهلي بدرجة كبيرة، كما يري أن ما نعرفه عن العصر الجاهلي هو ما أراده لنا رجال عصر التدوين أن نعرفه، وهو لا يعبر عن الحقيقة الكاملة للعصر الجاهلي. مشكلة أخري من مشكلات العقل العربي هي أن التنافس بين السنة والشيعة علي ترسيم حدود الدين دفع كل منهما إلي إخراج جهود الآخر العلمية واجتهاداته بعيدا عن نطاق العلم مما أفقد الثقافة العربية والعقل العربي أحد أجنحته، وتسببت المنافسة علي تشكيل الموروث الثقافي ومن ثم العقل العربي وحاضره ومستقبله علي فقدان جزء من هذا العقل. أول عمل علمي قام به العرب كان جمع اللغة ووضع قواعدها العلمية، وعلي مثال العمل العلمي الأول نسج العرب باقي علومهم. فاللغة كانت لذلك أحد أهم مكونات العقل العربي، وهي لا تنفصل عن الدين لأنها جزء من ماهيته. اللغة التي تحدد قدرتنا علي الكلام هي نفسها التي تحدد قدرتنا علي التفكير. ونحن في أفكارنا سجناء ما تقدمه لنا لغتنا من ألفاظ محدودة. والعقل العربي يعيش في عالم من صنع الأعرابي الذي جمعت اللغة العربية نقلا عن لسانه، ويعيش العقل العربي في عزلة حقيقية عن العالم المعاصر بسبب تخلف اللغة عن ملاحقة العصر. قام الفقه بدوره كذلك في تكوين العقل العربي بعد الدور الذي قامت به اللغة، فالأمة العربية أمة فقه إذا وصفت الأمة اليونانية بأنها امة فلسفة.! ومن هنا كان الموجه والمشرع الأكبر لحركة العقل العربي هو الإمام الشافعي، ففي محاولته لردم الهوة بين الرأي والأثر حول كفة الرجحان لصالح مدرسة الأثر، مما حجم قوة الرأي وحرية الفكر في العالم العربي. علوم العرفان، وعلوم البيان، وعلوم البرهان، هذه العلوم الثلاثة أصبحت هي موضوع صراع العقل العربي، فعلوم البيان قد بسطت نفوذها علي مساحة واسعة من العقل العربي لمدة طويلة من الزمن، وعلوم العرفان التي أسس لها الصوفية قد حولت العقل العربي المستنير إلي عقل مستقيل!! قدم العقل العربي استقالته من آداء مهمته في التفكير بسبب تراجع النظر العقلي في الطبيعة وتراجع الاهتمام بالبحث، والاهتمام أكثر بعلوم الآخرة. أما علوم البرهان، وهي العلوم التي تضمن لنا اطراد التقدم فقد تراجعت مساحتها في العقل العربي تراجعا مخزيا أدي غلي ما نحن عليه الآن من تخلف. لم يكن بإمكان ولا من طبيعة علوم "البيان" أن تضمن للفكر العربي وبالتالي للثقافة العربية كلها، اطراد التقدم. أما علوم "العرفان" فهي "العقل المستقيل" ذاته. وسيكون من التناقض أن نبحث عن مدي ما يمكن أن توفره من أسباب التقدم أو اطراد النهضة.
أثناء القراءة كنت أقول لنفسي هذا هو الكتاب الذي كنت أبحث عنه.. أحتاج لمزيد من المصادر والتوسع وهذا يلزمه فترة طويلة ولكن استفدت من نهجه وربطه ومعلوماته واستفدت تثبيت وتنظيم أفكار كنت أفكر بها مسبقاً والكثير عن نشأة المذاهب الاسلامية وما يميز كل منها وتأثرها بالظروف السياسية (بل ونرى تأثيرها على نظرة المسلم لدينه وأولوياته في كل مذهب من هذه المذاهب) كذلك توضيح توجهات الكثير من العلماء وكيف بني فكرهم وبماذا تأثر.. فترة التدوين وتأثيرها في تحديد منهج وطرق تكون المعرفة عند العرب.. علماء العلوم الطبيعية لماذا لم يكن لفكرهم صدى في فكر المجتمع العربي.. أما الخاتمة فكانت في الصميم.. (طبعاً لا أسلم بكل ما ورد فيه بمعنى تحديده لمعالم فكر ابن سينا أو الغزالي أو ابن رشد أو جزمه بقوة تأثير الهرمسية في أغلب المذاهب يحتاج المزيد من القراءة).. أسلوب وعبارات الكاتب واضحة جداً أتمنى لو كانت كل الكتب الفكرية بهذا الوضوح.. ومع ذلك قرأته بشكل بطيء جداً متقطع.. يتبع بإذن الله وأتمنى لو وجد اصدار ملخص لسلسلة الكتب الأربعة.. >> نادمة أنني لم أستخدم الورقة والقلم مع هذا الكتاب.. :/
الكتاب الأول في مشروع الجابري النقدي للعقل العربي. كُتِب في 1984 ويُعتبر ثورة كُبرى في مواجهة التراث والفكر العربي السائد وقته. يقدم الجابري في هذا الكتاب مادة دسمة جدا وثرية ومتنوعة وبدعم من عدد هائل من المراجع. الفكرة الرئيسية في الكتاب: انقسام الثقافة العربية إلى ثلاثة أصناف: 1- البيان وهي كل ما يتعلق بالأدب والنحو والفقه وعلوم الكلام عموما. 2- العرفان: وهو كل ما يتعلق بعلوم الكيمياء والسحر أو كيفية الحصول على المعرفة بالإلهام وهذه العلوم مصدرها موروث ما قبل الإسلام أو ما سماه الموروث الغنوصي. 3- البرهان: علوم المنطق أو العلوم العقلية وتتكون بشكل رئيسي من الموروث الإغريقي (أرسطو). انطلق الجابري من نقد صورة زمن الجاهلية وكيفية نقل تلك الصورة وكيف تم استنتاج مكونات تلك الصورة ويبين كذلك أن صورة الجاهلية عند العربي الآن هي نفسها الصورة القديمة التي كان يراها العرب قديما أي أننا ما يراه السابقون. انتقل بعد ذلك إلى زمن التدوين (الأموي) وفصل في ذلك تفصيلا طويلا جدا لأنه اعتبره الانطلاقة الحقيقية لتكوين الثقافة العربية. من هذه النقطة يبدأ تناول أبرز الرموز من كافة التيارات التي كان يرى لها تأثيرا حقيقيا على الثقافة. تطرق الجابري لمشكلة اللغة العربية وهي أن زمنها ما زال واقفا منذ الجاهلية فأصحاب علوم اللغة كانوا يتجهون إلى الأعراب دائما كمرجع ل"أصالة اللفظ" وطور سيبويه والفراهيدي هذا إلى قواعد ومناهج أدت إلى جمود اللغة عند هذه الطريقة فلم تقدر اللغة على استيعاب الجديد كما فعل الأوروبيون وكافح اللغويون كثيرا للحفاظ على التراث "الأعرابي". بعد هذه التطور الكبير لعلوم اللغة استلهم الشافعي هذه التجربة وأسس علم الفقه وفصل في ذلك تفصيلا ممتازا. تابع الجابري الحديث عن الصراعات السياسية من الأمويين والعباسيين والتأثير السياسي الرئيسي على تطور المعرفة وخصوصا عهد المأمون المفصلي. كان الصراع السني-الشيعي هو المحك في تطور الثقافة العربية على مستوى كافة البلدان. كان الحاكم السني يختار دائما السلاح الذي سيواجه به الثقافة الشيعية. فمثلا يختار المأمون "البرهان" لأسباب وجيهة ثم ينقلب على ذلك المتوكل بما يسمى "الانقلاب السني" ويرجع بالزمن إلى الوراء وذلك أيضا لأسباب وجيهة. كانت الفلسفة حاضرة بقوة بالتأكيد. ابن سينا ناله نقد لاذع حيث اتهمه بوضوح بالمزج بين البرهان والعرفان والغرق في الغنوص وكذلك الفارابي من قبله. أي باختصار جعل البرهان في خدمة العرفان. (المنطق في خدمة العقل المستقيل). مرورا بابن حزم والشاطبي خصوصا الغزالي الذي وجه له اتهام تسخير البرهان في هدم الآخر بشكل رئيسي دون تطوير حقيقي للثقافة. تداخلت النظم المعرفية الثلاثة بتباين مُلفت من خليفة إلى خليفة لكن العقل العربي بقي كما هو لم يتطور وبقي جامدا طوال هذا الصراع السياسي. يؤمن الجابري تماما أن ابن رشد هو الوحيد صاحب المشروع الحقيقي لكن الحاضنة السياسية (الموحدين) انقلبت عليه وأبعدته. اكتشفت أوروبا بعدها إنتاج ابن رشد وشكل نقلة نوعية في النهضة الأوروبية بينما استمر الصراع السياسي السني الشيعي واستمر كذلك العقل المستقيل في حضوره الطاغي حتى يومنا هذا. لماذا استفاد الغرب من ابن رشد ولم نستفد؟ لماذا لا نجد حضورا لعلماء مثل ابن النفيس وابن الهيثم في الثقافة؟ وغيرها من الأسئلة التي يتناولها في النهاية ويجيب عنها بختصار قبل أن يؤجل التفصيل إلى الأجزاء الثلاثة من السلسلة. الكتاب في الحقيقة رائع جدا وفيه تفاصيل كثيرة ومهمة جدا والطرح كان بلغة منطقية ومتزنة وغير متحيزة ولم أشعر بحضور عاطفي تجاه أي طرف. تناول علمي دقيق وبحت. من الكتب الفريدة من نوعها وغيرت كثيرا في طريقة تفكيري ورؤيتي للتراث الحالي. وبالتأكيد سأخطط لإكمال بقية السلسلة.
يتحدث الجابري عن العقل العربي: تاريخه، ما يكونه، ما أنتجه بهذا الشكل "أداة و محتوى" ، عبر مقارنته مع العقل اليوناني و ما نتج عنه من أدبيات لا عقلانية، خرافية -كالهرمسية- و أيضاً مع العقل الأوروبي الحديث فبضدها تتميز الأشياء. و يوضح إشكاليات تاريخنا العربي المكتوب إذ يغيب فيه التزامن (أفول حضارة في مكان يزامنه صعود أخرى في مكان آخر)، و تداخل ثقافي بين ما هو معقول و ما هو غير معقول مع التراث الإسلامي العربي. ما أدهشني اعتباره عصر التدوين (=العباسي الأول) هو المفصل في تاريخ العقل العربي فالكتابة هي الصندوق الأسود الذي يحفظ الحضارة، إذ بدأ فيه أيضًا تأريخ الجاهلية كما وصلتنا نحن في هذا الزمان..
تحدث أيضاً عن العقل المستقيل في الموروثات القديمة الخرافية و كيف تسلل إلى منطق أرسطو و كيف اخترق تراثنا أيضاً دون إذن. واقعياً جعلني الكتاب أفهم سر قبولنا البريء لأدبيات جلال الدين الرومي أو "مولانا" كما يروق للبعض تسميته، و شيخه التبريزي.. رغم كم البله الذي يعتريك بعد إنهاء رواية قواعد العشق الأربعون، إلا أنك تشعر بالرضا و هذا ما شعرت به تماماً إذ كنت أجهل من أين أتى هذا التسليم العقلي كله.. أو بالأحرى كانت الرواية "محاولة بالعقل لتكريس و إثبات استقالة العقل" كما يعبر عنه الكاتب. جعلني أعود لأصل الكثير من الأفكار المقبولة لدينا بحجة اختلاف المذاهب بينما هي لا أصل لها في الدين حتى يتم اعتبارها اختلافاً مذهبيا. تلاحظ أيضاً الصراع العربي على طول القرون كان أساساً بين السياسة و التطورات الفكرية (دينية-فلسفية) بينما التقدم العلمي و كل النجاح الذي حققه كان يقف هامشا لا يؤثر و لا يتأثر.. بينما مثلاً الصراع الأوروبي كان بين العلم و الكنيسة بشكل رئيسي إذ أن التقدم العلمي(=التجربة) كانت من أساسيات هذا الصراع و في خضمه. هذه ليست مراجعة نهائية فالكتاب بحاجة للقراءة والمراجعة مرة أخرى.
كتاب ذكي جدًا. الكتاب مرتبط عندي في الذاكرة بإني قريت جورج طرابيشي بيحكي إزاي أول مرة يقرا الكتاب دا، كان مندهش ومعجب بيه جدا، قبل طبعا ما يكرس بقية حياته لنقد مشروع الجابري. صحيح في اختزال وتسرع في الاستنتاج احيانًا بوقائع ضئيلة في بعض مواضيع الكتاب، لكن في النهاية موضوع الكتاب وتشعبه اعتقد بيخلي الواحد متسامح شوية مع دا. لكن كل ما كان الكتاب بيقرب من نهايته، وبعد أحاديث طويلة متشعبة عن ما يبدو كل شئ أصول الفقة وعلوم اللغة والنحو والفلسفة الهرمسية والأرسطية والتصوف والغزالي والمعتزلة وإخوان الصفا وبن رشد وبن سينا والفارابي وتقلبات سياسات الخلفاء وأثرها في كل ذلك، مش بالترتيب دا طبعا، وغالبيتها أحاديث ذكية وفيها لمحات ظريفة جدا، الواحد فضل يتساءل ازاي الجابري مش واخد إنه ما تكلمش عن أهم مكون في العقل العربي الإسلامي؟ (لو رضينا يعني بإن فيه دال اسمه كدا)
يتحدث الجابري رحمه الله عن ثلاث نظم معرفية تشكل العقل العربي .. إنه في هذا الجزء يؤسس المفاهيم ويحدد العلاقة بين النظم بشكل تاريخي مبهر قراءة هذا الكتاب يضيف لقارئها نقلة نوعية في عالم الأفكار .. إضاءة مبهرة في عالم الوعي .. نظرة جديدة لحركة التاريخ..
المشروع القرائي: نقد العقل العربي (1) كتاب: تكوين العقل العربي الكاتب: الدكتور محمد عابد الجابري الطبعة: مركز دراسات الوحدة العربية الصفحات: 424 التقييم العام: 5/5
"تكوين العقل العربي" هو الكتاب الأول في سلسلة "نقد العقل العربي" التي تتكون من أربعة أجزاء. يعتبر هذا العمل من أبرز المساهمات في الفكر النقدي العربي، حيث يسعى الجابري إلى تحليل مكونات وتكوين العقل العربي عبر التاريخ، من أجل فهم جذور الأزمات الفكرية والثقافية في العالم العربي.
وقد وضح الجابري على أن العقل العربي مرتكز على أربع بنى معرفية ألا وهي؛
1.البيان: الذي يظم علوم اللغة والدين. 2.العرفان: الذي يظم اللامعقول والتصوف. 3.البرهان: الفلسفة والفكر المنطقي والعقلاني
وبشكل عام فإن الجابري قد خاض بشكل عام وانطلاقا من الأعمدة الثلاث السابقة فيما يلي:
1. مقدمة في مفهوم العقل العربي
الجابري يبدأ بتوضيح ما يقصده بـ "العقل العربي"، مشيرًا إلى أن العقل ليس مجرد مجموعة من الأفكار والمفاهيم، بل هو بنية فكرية تتشكل من خلال التفاعل مع البيئة الاجتماعية والثقافية. ينطلق الجابري من فكرة أن للعقل العربي خصائص تميزه عن العقول الأخرى، نتيجة لتاريخه وتراثه.
2. التكوين القرآني
يتناول الجابري النص القرآني باعتباره أحد الركائز الأساسية لتكوين العقل العربي. يدرس كيف أثر القرآن في تشكيل الفكر العربي من خلال:
تأويل النصوص: كيف ساهمت المدارس المختلفة في تفسير وتأويل القرآن، وتأثير ذلك على الفهم الديني والسياسي.
الشريعة والفقه: كيف أصبحت النصوص القرآنية الأساس الذي بنيت عليه الأحكام الشرعية والقانونية.
3. الفلسفة الإسلامية
يتطرق الجابري إلى تأثير الفلسفة الإسلامية في العقل العربي، مستعرضاً أعمال الفلاسفة الكبار مثل الفارابي، ابن سينا، وابن رشد. يناقش كيف تفاعل هؤلاء الفلاسفة مع التراث اليوناني وكيفية تأثير ذلك على الفكر العربي:
الفارابي: دوره في الجمع بين الفلسفة اليونانية والإسلامية.
ابن سينا: مساهماته في الطب والفلسفة وكيف أثر في الفكر الغربي.
ابن رشد: محاولته للتوفيق بين الفلسفة والدين، وتأثيره الكبير في الفكر الأوروبي.
4. الثقافة العربية التقليدية
الجابري يدرس كيف أثرت الثقافة العربية القبلية والتراث الشعبي في تكوين العقل العربي:
الشعر والأدب: دور الشعر الجاهلي والأدب العربي في تشكيل الوعي الجماعي.
العادات والتقاليد: تأثير العادات والتقاليد القبلية في التفكير والسلوك.
التراث الشعبي: كيف شكلت الحكايات الشعبية والموروثات الثقافية بنية العقل العربي.
5. التفاعل مع الحضارات الأخرى
الجابري يوضح أن العقل العربي لم يتكون بمعزل عن الحضارات الأخرى، بل من خلال التفاعل معها:
التأثير اليوناني: كيف استفاد الفلاسفة العرب من الفلسفة اليونانية.
التأثير الفارسي: دور الثقافة الفارسية في تشكيل الأدب والفكر الإسلامي.
التأثير الهندي: التأثيرات العلمية والفلسفية التي جاءت من الهند.
نقد الجابري للعقل العربي
في القسم النقدي من الكتاب، يعرض الجابري مجموعة من النقاط التي يعتبرها عوائق أمام تطور العقل العربي:
الجمود الفكري: التمسك بالتقاليد القديمة وعدم الانفتاح على الأفكار الجديدة.
الانغلاق الثقافي: رفض التفاعل مع الثقافات والحضارات الأخرى.
السلطة والفقه: هيمنة الفقهاء والسلطة السياسية على الفكر.
المشروع الإصلاحي
الجابري لا يكتفي بالنقد، بل يدعو إلى مشروع إصلاحي يهدف إلى تجديد الفكر العربي من خلال:
إعادة قراءة التراث: قراءة جديدة للنصوص التراثية بما يتماشى مع العصر الحديث.
الانفتاح على الفكر العالمي: تشجيع التفاعل مع الأفكار والثقافات الأخرى.
التعليم والتثقيف: إصلاح المناهج التعليمية لتعزيز التفكير النقدي والإبداع.
يختتم الجابري كتابه بالدعوة إلى حوار حضاري مع الذات ومع الآخر، مؤكداً أن تجديد العقل العربي ضرورة ملحة لمواجهة تحديات العصر. يرى أن العقل العربي يحتاج إلى مراجعة نقدية شاملة تمكنه من التفاعل الإيجابي مع المتغيرات العالمية.
كتاب "تكوين العقل العربي" هو عمل فلسفي نقدي يتناول تكوين العقل العربي من خلال دراسة النصوص الدينية، الفلسفة الإسلامية، والثقافة العربية التقليدية. يقدم الجابري نقدًا بناءً للعقل العربي ويدعو إلى مشروع إصلاحي يهدف إلى تجديد الفكر العربي لمواجهة التحديات المعاصرة.
1. المشكلة الأزلية للمفكرين العرب: يكتب مقدمة كبيرة عن كيف أنه سيستخدم المنهج الفلاني (نقد الإبستيمولوجيا في حالة الجابري) ثم عند التطبيق يستخدم التاريخانية النفسية. دائمًا التاريخانية النفسية.
2. يستند إلى صيغة متشددة من نظرية سابير-وورف لم يعد لها أي حجية في مجالاتها العلمية (اللغويات والعلوم المعرفية).
3. في مواضع كثيرة يقع في نفس ما ينتقده في العقل العربي: قياس الشاهد على الغائب.
4. يكتفي بدراسة عينة من الإنتليجنسيا حتى القرن الثاني عشر، ثم يطلق الحكم على العقل العربي برمته. ربما كان ليصبح أكثر دقة لو أنه أطلقه على الإسلام أو الفقه الإسلامي حصرًا، لكن مفهوم طبعًا أن هكذا شيء قد يهدد حياته.
السلسلة جيدة في كونها عرضًا لتاريخ الأفكار History of Ideas في العالم الإسلامي القديم والوسيط، شريطة قراءة نقد جورج طرابيشي بعد ذلك على سبيل الحاشية.
كتاب ثوري ومستفز لأبعد الحدود طمح فيه الجابري لتفكيك النظام المعرفي العربي لفهم محركاته الأولى وخصائصه المركزية،وقد أفلح الكاتب في غرضه إلى حد كبير وأسس للمقولات التي من المفترض ان يتكأ عليها عبر باقي اجزاء مشروعه النقدي....مشكلة الكتاب هو كثرة المةاضيع الحيوية التي طرقها وهو ما يبرره أتساع وتشعب الموضوع،لذا في الكتاب يحتاج أن يكون قارئه ملم بشكل كبير بقضايا الفكر العربي ومجالاته المتنوعة على ان يغطي ما ينقصه بقراءات موازية للسلسلة
كتاب رائع استمتعت كثيرا بقراءته في الحقيقة تأخرت عن اكماله لأن البداية كانت مملة وفيها معلومات جانبية تؤسس لبداية الكتاب لكن بعدها لم أستطع ترك الكتاب حتى اكملته بالرغم من طوله كتاب غني بالمعلومات التاريخية والفلسفية يطرح الكاتب نظريته في تكوين الفكر والعقل العربي ليصل بنا لأسباب التخلف التي حصلت بسبب التهام ذلك الفكر لنفسه حد تعبيره سأعترف أن الكتاب فيه حشو وربما تكرار واقتباسات كثيرة لكن عموما استمتعت بهذه القراءة العميقة
بدون أدنى أشك لم يكن هناك ما هو أنسب لهذه الفترة سوى البدء في قراءة مشروع الجابري ، أعتقد أنه أفضل خيار اتخذته لهذه الفترة ،فعلى الرغم من أن هذا السجال الفكري الذى أثاره الجابري بمشروعه كان في تسعينات القرن الماضي ،إلى أن صدى أطروحته لايزال إلى اليوم يتم تداوله بين النخب العربية في شتى المواضيع ، وسيساعدني مشروعه في فهم الكثير
يبدأ الجابري بالتساؤل حول امكانية وجود "عقل عربي " له خصوصيته ومتميز عن أي عقل أخر ؟!
وباستنادًا على تفريق لالاند حول العقل المكوّن والمكوَن يبرهن على أن هناك بالفعل خصوصية للعقل العربي جعلت من وجوده وتمييزه ممكن ، يتمثل هذا في "الاليات" و "البنيات" الذي يفكر بها هذا العقل، ومن خلال هذه الأليات تم انتاج ماهو "مُفكَر به" الذي يمثل هنا "الثقافة العربية" . و هذا العقل بألياته وبنياته له خصوصيته تماماً فهو نتاج تفاعله مع معطيات واقعه .
في الجزء الثاني من الكتاب يذهب الجابري إلى توضيح هذه الأليات ومتى تكونت . يرى الجابري أن في فضاء الثقافة العربية " التاريخ" واحد وخطي . ففي الثقافة الغربية مثلا هناك "انقطاعات فكرية"أنتجت ثلاث حقب مختلفة يونانية ومسيحية وعصر التنوير بثلاث بنيات وانعطافات مختلفة في أليات العقل الغربي وأسلوب تفكيره.
على العكس من ذلك العقل العربي وألياته واحده منذ نشأته. فالجابري يرى أن العقل العربي وماينتجه من علوم وثقافة قد بدأ وإكتمل تكوينه منذ "عصر التدوين " وما ندور في رحاه الآن من ثقافة هو نتاج مستمر للتعامل مع الواقع "المتغير " بنفس هذه الاليات .
حتى أن التقسيمة المعتادة للتاريخ العربي بفترات جاهلية و اسلامية ونهضه كلها تتمحور عند هذا القرن "الثالث الهجري" .
فكل ما نعرفه عن العصر الجاهلي تم واكتمل كتابته في هذا العصر ، وكذلك نشاءة العلوم من فقه ونحو وحديث تم واكتمل عند هذا العصر ،حتى أن نتاج عصر النهضة لم يكن أنشقاق انما هو فقط إعادة تفكير في علوم عصر التدوين بنفس هذه الأليات التي أنتجته .
من خلال إبراز هذه النقطة يسعى الجابري في باقي مشروعه إلى تفكيك هذه الاليات التي أُنتجت بها الثقافة العربية من أجل إعادة فهم وتقييم لكل ما ننتجه ك "عقل العربي" إلى اليوم.
أتمنى أن أكُمل قراءة مشروعه قبل نهاية العام -إن أحيانا الله- على أن أتبعه بقراءة مشروع طرابيشي "نقد نقد العقل العربي ".
تتفق أو تختلف معه ولكنه واحد من أهم "الأعمال" العربية في العالم العربي في القرن العشرين.
طبعا اختلفت معه كثيرا واتفقت معه في كثير من الأمور، ولو لم أقرأ قبله العديد من الكتب في نفس الحقل لكان له تأثير هائل جدا علي، أضف إلى ذلك ظلت ترافقني طول قراءتي للكتاب أن طرابيشي كتب ردا عليه ونقض الأسس والمقولات التي بنى عليها كتابه مما كان له أثر مشوش وجعلني متنبه ويقظ طول القراءة.
قد أعود لاحقا لكتابة مراجعة شاملة للكتاب، ربما بعد الانتهاء من الرباعية...!
مراجعتي الخاصة و المفصلة للكتاب: +تحدث محمد عابد الجابري أولا عن العلاقة بين الفكر و اللغة .. مستندا إلى الفيلسوف الألماني "Herder" .. قائلا بأن " اللغة ليست مجرد أداة للفكر بل هو الوعاء الذي يتشكل فيه الفكر " .. أي أن العقل هو الفكر بوصفه أداة للتفكير .. مؤكدا أنه من المستحيل أن ينفصل الفكر عن مكونات الواقع الحضاري .. قائلا أيظا أن وحدها الحضارات اليونانيية و العربية و الأوروبية الحديثة التي أنتجت العلم بل أيظا نظريات في العلم .. و لم تفكر بالعقل فقط .. بل فكرت في العقل أيظا.. أما ما دون ذلك من حضارات فهي نتاج سحر و أساطير .. غلبتها "الاعقلانية" أكثر من أي شيء آخر رغم قدمها التاريخي .. +تحدث الجابري عن تطور العقل تاريخيا في الفلسفة مستعينا بأرسطو ،، ديكارت، ، إسبينوزا، كانط و هيجيل إلى أن توصل إلى أن " العقلانية أصبحت عقلانية تجريبية و لم تعد تأميلية كما كان الوضع من قبل " .. هنا تحديدا وصل الكاتب إلى مقارنة بين العقل الغربي و العقل العربي .. فقال أن الفكر الغربي ينطلق دائما من المعرفة إلى الأخلاق .. على عكس الفكر العربي الذي ينطلق من الأخلاق إلى المعرفة.. و بالتالي إستنتج الجابري إستنتاجا مهما و هو أن " العقل العربي تحكمه نظرة معيارية للأشياء تؤسسها ردود فعل أنية " .. متخذا في كل هذا الجاحظ و الشهرستاني و غيرهم كمصادر لهذا الإستنتاج.. ____________ +يتحدث الكاتب في هذا الجزء عن الزمن الثقافي العربي و مشكلة التقدم .. فيعرف الثقافة أولا " إنها الشيء الذي يبقى عندما ينتهي كل شيء " رابطا في ذلك أفكار "Freud" فيما يتعلق بالاشعور و" نظرية الاشعور المعرفي " ل "Jean pieget " .. قائلا فيما بعد ان التاريخ العربي الإسلامي لم يكتب بعد و يحتاج إلى إعادة ترتيب.. و أن هناك تداخل للأزمنة الثقافة في عقل المثقف .. المتلقي غالبا .. البعيد عن الروح النقدية على حد تعبيره .. ثم سأل سؤالا مهما و هو هل تمكن الإسلام من إبادة العصر الجاهلي بعد ١٤٠٠ عام من ظهوره؟ ____________ +هنا سيحدث عن الإطار المرجعي للفكر العربي و هو عصر التدوين في القرن الثامن تحديدا في العصر العباسي .. هذه النقطة التاريخية مهمة حسب الكاتب حيث هنا فقط تم إحياء العصر الجاهلي في التفكير العربي .. ينتقل الجابري إلى اللغة و علاقتها بالفكر فيقول أن اللغة العربية تم تجميدها و تحنيطها تاريخيا .. و لكن الحياة العامة متطورة و لا تقبل الجمود فتم الانقلاب الأكبر و ظهور اللغة العامية .. لقد أخرجت لنا اليونان الفلسفة اما الثقافة العربية فأخرجت لنا اللغة العربية عندما تم تحويلها من الاعلم إلى العلم .. إلى نحو و صرف .. إضافة إلى أنها لغة ثقافة و فكر على عكس اللغة العامية .. و يستنتج الكاتب اخيرا ان اللغة العربية هي لاتاريخية لأنها تعلو على التاريخ و متطلبات التطور.. و هي حسية لأنها تاريخيا أخذت من الأعراب.. و أن لغة الاعراب (البدو) و فكرهم مازال سائدا إلى اليوم في الفكر العربي .. ________ +يسمى الجابري الحضارة العربية الإسلامية بحضارة فقه .. هذا الفقه هو خاص بهذه الحضارة و لم يوجد قط في أي حضارة اخرى .. قائلا ان مهمة الفقه هي التشريع للمجتمع و مهمة أصول الفقه (الإمام الشافعي ) هي التشريع للعقل.. و بالتالي إن الشافعي كان المشرع الأكبر للعقل العربي حسب رأيه .. ثم تحدث في جزء مهم جدا و أعجبني شخصيا .. فصل فيه بين المعقول الديني و الامعقول العقلي .. مبرزا ذلك الصراع بين البيان و العرفان .. مستعينا بمعلومات تاريخية متعبة على القارئ .. علاقة المانوية و الهرمسية بالأفلاطونية الحديثة و دخولها إلى الشرق عن طريق الإسكندرية .. أساليب المواجهة.. و هل كانت مواجهة دينية أم إيديولوجية سياسية في كواليسها .. هل عصبية أم فكرية .. فتحدث عن المأمون و حكايته مع كتب أرسطو.. كما تحدث عن خالد إبن يزيد في العصر الاموي و حكايته مع الكيمياء و العرفان .. الرازي .. إبن سينا و غيرهم .. متحدثا عن العقل المستقيل في الإسلام.. __________ +في هذا الفصل سيتحدث الكاتب عن العقل البياني و العرفاني و البرهاني .. الفرق بينهم إيستيمولوجيا .. أبرز من إنتصر لهذه العقول .. و نقدهم في نفس الوقت.. منتصرا في الأخير لإبن رشد .. الذي تأسف الكاتب لإبادة فكره في الشرق الذي تم خنقه تاريخيا .. على عكس إفتخار الغرب بهذا الفيلسوف .. و كانت حسرته واضحة عندما قال بأن العقل المستقيل " العرفان " هو من إنتصر في الأخير.. أي أن المعقول العقلي فاز على المعقول الديني ،، على معقولية أرسطو و إبن رشد أيظا .. بعد من محاولات سابقة و عديدة مقصورة بعض الشيء من الكندي ،، الفرابي و إبن حزم الأندلسي .. إنتهي .
ان محاولة التصدي لنقد العقل العربي و القيام بهذه المهمة يستلزم عقل موسوعي ذو قدرة هائلة علي التفكيك و التحليل و إعادة والربط و التكوين وهو و ما يتصف به الجابري وما يحتويه هذا الكتاب... يتناول الجابري العقل العربي من المنطلق الحقل المعرفي محاولا رصد مكوناته و كيفية تشكيله و الاسس المشرعة لهذا العقل داخل زمنه الثقافي فيخلص أن البداية كانت مع عصر التدوين حيث منه ابتداء العقل العربي رحلته باتجاهين حيث يصيغ الماضي و يؤسس للمستقبل جاعلا التاريخي الثقافي العربي يحوم حول هذه المرحلة بحركة ارتدادية تموجية طوال تاريخه من العصر الجاهلي حتي عصر النهضة العربي و هو ما يسبب تداخل لازمنة في عقل المثقف العربي ومما يجعله في حالة تراكمية بدلا أن حركة تعقبية.ومن تم ينطلق الي تقسيم العلوم المعارف في الحضارة العربية الاسلامية الي ثلاث حقول رئيسية، علوم بيان و علوم عرفان و علوم برهان حيث تتبع نشأة كل منها ففي حين كانت علوم البيان علوم عربية خالصة كان ميدانها اللغة والنص كحقل معرفي بدء من المحاولات الاولي لوضع القواعد من قبل النحاة ثم لحقهم الفقهاء ضمن مبدأ القياس ، قياس الغائب علي الشاهد ، حتي إذا انقض القرن الثاني كانت هذه العلوم وصلت قمة الذروة و فيما يدعوه الجابري "المعقول الديني العربي "؛ اما علوم البرهان فكان مجالها الفكر الشيعي و التصوف و الفلسفة الإسماعلية والتنجيم والطلسم و التفسير الباطني للقرآن حيث كانت خاضهة لتأثيرات الثقافات السابقة في المنطقة من هرمسية و غنوصية ومانوية و ضمن حركة مقاومة مستترة ضد علوم البيان تستحضر الثقافات القديمة و تعتمد علي الكشف و الوصال و تلقي المعرفة و وحدة الوجود وهي مايدعوه الجابري "اللامعقول العقلي" ثم تأتي علوم البرهان من منطق و فلسفة و رياضيات تعتمد علي الاستدلال و التجرب و والبرهان بناءا علي نرجمات الفلسفة اليونانية العقلية و هو ما يدعوه الجابري "المعقول العقلي". هذا التقسيم جاء كنتيجة للتبع المدارس والتصنيفات الدينية والعقلية والمذهبية و الفرق المختلفة من نحاة و الفقهاء و من اهل السنة و الحديث مالكية و حنفية و شافعية و حنابلة و معتزلة وعلم الكلام و أشاعرة و شيعة و اسماعيلية و اخوان الصفا و متصوفة وفلاسفة و غيرهم الكثير ممن تزخر بهم الثقافة الاسلامية و تحتويهم طيات هذا الكتاب. كما يخلص الجابري أن الزمن الثقافي العربي هو نفسه من زمن التدوين العربي الي الان يجتر نفسه ويتموج في ذات اللحظة في حين كانت لحظة الاشراق التي كانت يمكن تؤسس لنهضة حقيقة هي التجربة الاندالسية حيث اعتمدت عليها الحضارة الاوربية في نهضتها متمثلة في المدرسة الرشدية ، كما يناقش في نهاية الكتاب لما استفاد الغرب من تلك اللحظة في حين فشل الفكر العربي في استثمرها كما يعدد عدة اسباب مختلفة منها ما يتعلق بينية الفكر العربي و علاقته الوثيقة بالسياسة وفكر الدولة ومدي إرتباطه بالعلم التجريبي و ممارساته من قبل ثلة من ابراز العلماء التجربين وحالة الانفصال بينهم وبينه كابن الهيثم والباروني و غيرهم . الكتاب ثمين و ملهم جدا من حيث المحتوي والجهد قد تجد الجابري قاسي بعض الشئ في نقده التراث الفكري الاسلامية و بعض رموزه و اعلامه إلا ان الفائدة والمحصلة غنية جدا كما أن الرؤية وفهم التراث والعقل العربي ستختلف جدا عقب الانتهاء من قراءة هذا الكتاب و سيكون من صعب مقاربة الفكر والعقل العربي الاسلامي دون الرجوع الي أطر و اطروحات الجابري
قرأت العديد من المراجعات والمقالات التي تتحدث عن كتب محمد عابد الجابري وعن أفكاره؛ وعن قوته كمفكر؛ الأمر الذي جعلني أتردد في القراءة له؛ خفت أن لا أستوعب كتاباته؛ نهجه؛ والدلالات التي يمكن أن يخلص إليها؛ لكنه على أي حال كان لا بد من أن أكسر ذلك الحاجز يوما؛ فقرأت أول كتاب في رباعيته "نقد العقل العربي" وهو "تكوين العقل العربي" وهنا في هذه القراءة البسيطة؛ سأذكر بعض ما خلصت به: في البداية يُذَكّر الكاتب أنه لا يقصد بالعنوان "تكوين العقل العربي" أنه يوجد عقل خاص بالعرب دونا عن غيرهم؛ وإنما فقط يهدف إلى التعرف عليه وتحليله تحليلا نقديا؛ من خلال القيام برحلة في أروقة الثقافة التي أنتجته وساهم هو في إنتاجها وتشكيلها في ظل إطارها المرجعي "الثقافة العربية"؛ مشيرا إلى أنها دراسة للعقل العربي كأداة للانتاج النظري؛ وليس كبنية ميتافيزيقية؛ بصفته أداة منتجة للأفكار العربية؛ داخل مجال بحث ايديولوجي ايبستيمولوجي؛ ليس بهدف التأريخ للفكر العربي؛ وإنما لتتبع مراحل تكوينه داخل الثقافة العربية؛ بثوابتها ومتغيراتها؛ التي دُوِّنت وصُنِّفت وأُعيد بناؤها؛ خلال عصر التدوين وامتداداته؛ متسائلا عن ماذا تغير منذ ذلك الوقت إلى الآن؛ فهو يرى أن التاريخ الثقافي العربي السائد حاليا هو مجرد اجترار؛ تكرار وإعادة إنتاج بشكل رديء؛ لنفس التاريخ الثقافي الذي كتبه الأجداد تحت ضغط صراعات العصور التي عاشوا فيها؛ بالإمكانيات المحدودة المتوفرة آنذاك؛ وهذا ما يجر إلى الانخراط في مشاكل الماضي وجعل الحاضر مشغولا بمشاكل الماضي؛ مما يجعل النظر إلى المستقبل بتوجيه من صراعات ومشاكل ما مضى؛ مبرزا الطابع الحسي اللاتاريخي للنظرة التي تحملها معها اللغة العربية للعالم لكونها تجر معها عالَم ذلك "الأعرابي" الذي كان يعيش ماقبل التاريخ العربي وعالم خشونة البداوة؛ وتداعيته على التدوين. بخلاصة د.الجابري يصنف العلوم وجميع المعارف في الثقافة العربية الإسلامية إلى ثلاث مجموعات: "علوم البيان" من نحو وفقه وكلام وبلاغة يؤسسها نظام معرفي واحد يعتمد قياس الغائب على الشاهد كمنهاج في إنتاج المعرفة. " علوم العرفان" من تصوف وفكر شيعي وفلسفة إسماعيلية وتفسير باكني للقرآن وما إلى ذلك من سحر وطلمسات وتنجيم التي يؤسسها نظام معرفي يقوم على الكشف والوصال والتجاذب والتدافع كمنهاج؛ أي نا يسمى باللامعقول العقلي؛ "علوم البرهان" من منطق ورياضيات وطبيعيات بفروعها المختلفة؛ التي يؤسسها نظام معرفي يقوم على الملاحظة التجريبية والاستنتاج العقلي كمنهج وما يسمى بالمعقول العقلي. في الأخير يركز الكاتب على أن الثقافة العربية في حاجة ماسة إلى إعادة كتابة تاريخها؛ بروح نقدية وبتوجيه من طموحات العرب في التقدم والوحدة؛ فالحاجة تستدعي ذلك؛ مع الإحالة على تطرقه في الجزء الثاني بعد دراسته هذه؛ إلى التمييز بين الثلاث النظم المعرفية المذكورة أعلاه.
التاريخ الإسلامي العربي في نظر الجابري هو صراع بين ثلاث نظم معرفية هي البيان (الفقه و اللغة)، العرفان (التصوف، الفلسفة الهرمسية و الشيعية) و البرهان (المنطق و الفلسفة). هذا الصراع بدأ في عصر التدوين و انتهى بانتصار العرفان في شخص الإمام الغزالي الذي اجتمعت فيه النظم الثلاث و اختار التصوف، في حين خفت نور الفلسفة في العالم العربي الإسلامي و سقط الفقه في مشكلة التقليد للمذاهب الأربعة المعروفة و نفس الشيء بالنسبة للغة العربية. كل هذا ساهم في تجمد العقل العربي الذي لم ينتج شيئا منذ عصر التدوين سوى إعادة تدوير لأفكاره. يرى الجابري بأن هذه النظم المعرفية كانت وسيلة للصراعات السياسية، البرهان مثلا استعمل من طرف المامون الخليفة العباسي ضد الشيعة الذين استعملوا العرفان في خاتمة هذا الجزء يطرح الجابري السؤال الأزلي الذي مازال يطرحه المسلمون اليوم: لماذا تقدم الغرب و تأخر المسلمون؟ جوابه كان أن المسلمين همشو البرهان أي العقل الفلسفي الذي لم يكتب له الاستمرار أو الانتشار. المسلمون همشوا أيضا العلم الذي ظل خارج الصراعات الفكرية و السياسية، كون العلم في العالم الإسلامي اقتصر على مبادرات فردية متقطعة لم يكترت لها أحد في حين أن الأروبيين فتحوا الباب لنظرياتهم و طوروها.
من أغنى و أثرى ما قرأت من الكتب القليلة التي لا تشعر أنها ترفع من مستوى عقلك وتفكيرك بمجرد انتهاءك منها قدرة الجابري على تحليل كميات كبيرة من النصوص التاريخية مذهل جدا ويجعلك تستمع بقراءت تلك التحليلات رغم تعقيدها أحيانا .. أشعر بأن الجابري هنا لم يطرح رأيا بقدر ما حلل وشخص العقل العربي حتى استحق وبجدارة لقب " مشرح العقل العربي " .. المهم أن هذا الكتاب من الكتب المهمة جدا للمهتم بالشأن الفكري مع ملاحظة مهمة وهي عدم التسليم للآراء والتحليلات الواردة في الكتاب .. حيث أن الجابري كما هو معروف ليس لديه باع كبير في التاريخ وهذا قد يؤثر على حكمه بعض الأحيان
فهرس المراجعة 1_ مختصر الفصول. 2_ مختصر صغير للكتاب 3_ أسلوب الكاتب 4_ السلبيات
نبدأ باسم الله 1_ مختصر الفصول. - الفصل الأول: عقل... ثقافة وضح الكاتب مفهوم العقل العربي، واستخدم مقولتي: العقل المكوِّن والعقل المكوَّن من أندريه لالاند، وقد أثبت الجدلية بين المقولتين. بدأ يتحدث على الضدية، بمعنى الاختلاف، بين العقل العربي، والعقل اليوناني، والعقل الأوروبي الحديث، وقد فسر اختياره لتلك العقول الثلاثة. بدأ يشرِّح العقلين اليوناني والأوروبي، وفي هذا التشريح انطلق من فكرة: العلاقة بين الله والإنسان والعالم ليعرف كيف كانت تلك العلاقة عند العقلين. ما انتهى إليه في الفصل الأول: أن العقل الغربي ينطلق من "الطبيعة، والإنسان"، والعقل العربي ينطلق من "الله تعالى، والإنسان"، ويتخذ من الطبيعة أداة للتأكيد على أن الله حق، وهو حق. ثم يتحدث عن ارتباط العقل العربي بالأخلاق.
- الفصل الثاني: الزمن الثقافي العربي ومشكلة التقدم تحدث عن تمزق التاريخ العربي، وعن "الحلقة المفقودة" بين العصور الوسطى وعصر النهضة. ثم تعمق في "اللاشعور المعرفي" وكيف أن العربي يأخذ ثقافته من ثلاث جزر منفصة وليست متعاقبة: "الجاهلية" و"العصر الإسلامي" و"عصر النهضة"، وأن تاريخنا تاريخ طبقات وفرق ومقالات. تحدث عن التفكك بين العلوم القديمة كالنح�� والكلام والبلاغة، رغم أن النحوي هو عالم كلام وفقيه. يقرر في نهاية الفصل أنه سينقد العقل العربي بإطار سيحدده لاحقا.
- الفصل الثالث: عصر التدوين... الإطار المرجعي للفكر العربي تحدث عن عصر التدوين باعتباره عصر تكوين العقل العربي، وعرض مقولة للإمام الذهبي يتحدث فيها عن تاريخ هذا العصر، ثم ذكر أقوال الشيعة في تاريخ تدوينهم، وذكر شيئين لم يذكرهما الذهبي، وهما علوم الأوائل كالكيمياء والفلك، وعلم الكلام كمؤلفات واصل بن عطاء. وخرج بنتيجة من هذا الفصل: العقل العربي هو البنية الثاوية في الثقافة العربية كما تشكلت في عصر التدوين.
- الفصل الرابع: الأعرابي صانع العالم العربي هذا الفصل مليء بالمغالطات، أتمنى من كل مَن يعتبر المعلومات التي في هذا الفصل حقيقة أن يقرأ ما يكتبه أستاذنا د. عبد الحكيم راضي في النقد القديم ورأي المعاصرين فيه. أراد المؤلف في هذا الفصل أن يقول: اللغة تحدد الفكر، واللغة العربية حُددت بلغة الأعراب، ولا يفرق بين الهدف الديني الذي حد تلك الحدود، وبين أن هؤلاء النقاد كانوا يحبون التجديد حقا.
- الفصل الخامس: التشريع للمشرع (تقنين الرأي والتشريع للماضي) تحدث المؤلف عن "الفقه" في التراث الإسلامي، وبدأ أولا بتأكيد أنه نتاج عربي إسلامي خالص، لم يكن لأي قوانين سابقة تأثير عليه. ثم يطرح بداية الفقه من الشافعي الذي أخذ الفكرة من سيبويه والخليل. ويأخذ مسألة الإمامة كمثال يوضح الفرق بين التنظير له قبل كتاب "الرسالة" وبعده، ويوضح استدراك كتاب الإبانة على كتاب الرسالة في مسألة الإمامة هذه. كلام يحتاج لكثير من النقد...
- الفصل السادس: التشريع للمشرع (القياس على مثال سبق) أراد الجابري أن يقول في هذا الفصل إن العقلية العربية هي التي أنتجت علوم النحو والبلاغة والفقه والكلام، أنتجتها بآلية ذهنية واحدة، وهي: القياس أو التشبيه أو الاستدلال بالشاهد على الغائب. طريقة الجابري هذه أشعر أنها متهافتة في طريقة البناء، وأدركتُ أخطاء في جزئيات كثيرة، لكن لا أستطيع تحديد المبدأ الكلي الخاطئ عنده.
- الفصل السابع: المعقول الديني واللامعقول العقلي تحدث في هذا الفصل عن اللامعقول العقلي (الذي يقابل المعقول الديني)، ويقصد به المؤثرات الآتية من خارج الثقافة العربية الإسلامية، وقد حددها بأربعة عناصر، وهي: المانوية، والصابئة، والإسرائيليات (وإن كان لها وضعا خاصا لأنها أقرب للنقل منه للعقل)، وأخيرا الفلسفة. ويفعل هذا للوصول إلى "تكوين العقل العربي".
- الفصل الثامن: العقل المستقيل في الموروث القديم إلى الآن لا أفهم ما دور تلك التصوفات الفلسفية في تكوين العقل العربي!
الفصل التاسع: العقل المستقيل في الثقافة العربية الإسلامية بدأ في هذا الفصل يؤكد دور "الهرمسية" التي تشكلت في العصر الهيلينستي في الإسكندرية وحران وغيرهما... يؤكد دورها في "تكوين العقل العربي". في بداية الفصل شعرتُ أنه يبالغ، لكنه أدرك هو ذلك فقام بالتأكيد على الفكرة، وقد ذكرتُ وقتها أننا فعلا نسمي بعض المتصوفين بـ متصوفة الفلاسفة. لقد انتشر الفكر الهرمسي عند الإسماعيليين الشيعة والصوفيين المتفلسفة وبعض العلماء كابن حيان.
- الفصل العاشر: تنصيب العقل في الإسلام نشدَ المؤمنون الفلسفةَ اليونانية من أجل تدشين البرهان مقابل العرفان، فيرى الجابري -تبعا للمستشرقين- أن المأمون لم يكن يحب العلم، بل كان يريد أن يحارب الغنوصية، أي الإسماعيلية العلوية التي هي العدو الأول لدولته. وتحدث عن الكندي الذي قام بنقل فلسفة أرسطو دون منطقه لنفس السبب السياسي. ثم جاء الفارابي ناقلا منطق أرسطو، ومؤمنا بنظرية العقول التي هي من أصل هرمسي. وبهذا تكون الفلسفة الإسلامية قائمة على الهرمسية.
- الفصل الحادي عشر: أزمة الأسس... وتأسيس الأزمة بلور الجابري في هذا الفصل الصراع القائم منذ عصر التدوين بين "البيان" و"العرفان" و"البرهان". وذكر أمثلة ممن حاولوا الجمع بين نظاميين معرفيين، مثل ابن سينا الذي حاول بناء العرفان على البرهان، والغزالي الذي حاول بناء البرهان على العرفان. تحدث عن مناظرة السيرافي لمتى. لا شك أن تسييس كل هذه الأمور يقدح في بحث الجابري؛ إذ أنه لا يرى إلا الجانب السياسي من هذه الصراعات الدينية في أساسها ومبتدئها.
الفصل الثاني عشر: بداية جديدة... ولكن! يقصد بهذا العنوان: البداية التي حدثت في الأندلس في تكوين "بيان" جديد قام به كل من (ابن حزم منطلقا من القرآن والسنة دون القياس، وابن تومرت منطلقا من السياسة، وابن باجة منطلقا من الفلسفة من أصولها، وابن رشد وابن تيمية اللذين ردا على ابن سينا والعزالي من منظورين مختلفين) ختم الفصل بتحليل لابن خلدون عن سبب تأخر الحضارة العربية بعد وصولها للحظة الجمود التي وصفها.
خاتمة: العلم والسياسة في الثقافة العربية أوصى بإعادة كتابة تاريخنا. سبب موت العقل اليوناني هو البناء النظري دون التجربة، ومدرسة الشكاك. لأن اليونان تمحوروا حول الكون، اتيحت لهم التجربة ولم يجربوا، أما العرب فحضارتهم نصية انحسرت داخل كتب معينة من عصر التدوين، ولا يمكن أن ننشد تطورا من العرفان بالطبع، اما البرهان -رغم تأخر نضوجه- لم يكن عندنا ضمن محددات الثقافة الصراعية: البيان والعرفان. والعلماء التجريبيين لم يُعرفوا عندما كما عرفوا في أوروبا
2_ مختصر صغير للكتاب أراد الكاتب أن يقول أن العقل العربي هو نتاج صراعات بين ثلاثة نظم معرفية (أو ابستمولوجية)، وهي البيان والعرفان والبرهان. البيان هو العلوم القائمة على اللغة العربية والعلوم اللغوية ولها نظامها الخاص، دُشن البيان في عصر التدوين، ولم يتجدد بعد ظهور المذاهب الأربعة، وكانت السيطرة السياسية للدولتين الأموية والعباسية تابعة للبيان، واستعانت في عصر المعتزلة بالبرهان. العرفان يتمثل بالفكر الغنوصي الذي أتانا من الهرمسية في الحضارات الشرقية (الصين والهند وفارس) وتمثل في الدولة الفاطمية والمذهب العلوي المعارض للدولة العباسية، وكان ابن سينا هو من حاول البرهنة على العرفان بالفلسفة. البرهان متمثل بالفلسفة، وكانا الفارابي وابن سينا ممن أخذوا تلك العلوم لأهداف غير العلم، ولم يظهر هذا المذهب بالشكل الموضوعي إلا مع ابن رشد في الأندلس. وصلت الصراعات المختلفة إلى حالة من الجمود بعد ما وصلت إليه الأندرس من حالة عقلانية جيدة بسبب ابن رشد وأتباعه، لكن العرب لم يستفيدوا منه، بل الغرب من فعل ذلك.
3_ أسلوب الكاتب أسلوب الجابري في الكتابة موضوعي مغرق في الموضوعية، لولا الفصول الثلاثة الأخيرة لما استطعت أن اعرف ما هو الحق بوجهة نظره، لأنه يكتب بحيادية مقيتة، لكني لا أحب هذا الأسلوب الذي يُذكر فيه اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن يُصلى عليه! ما هذا الطريق، هل يخاف أن يكون متحيزا إذا فعل ذلك، لكن هذا شأن كل العلمانيين حتى من لا يعادون الدين كالجابري. الأسلوب العلمي وتراتب الأفكار مبهر في الكتناب، والكاتب يختصر ما أراد أن يقوله في الفصل في آخر صفحة.
4_ السلبيات سلبيات الكتاب الجزئية تحتاج لدراسة كبيرة، لذلك لا أقصد هنا أن أذكر الأخطاء الصغيرة (كاستنتاجاته السياسية التي يبنيها على أقول العلماء) بل أقصد السلبيات المطردة في الكتاب، وهي أ- تسييس الأفكار الدينية والطائفية، الكاتب يتخيل أن العزالي بنى العرفان على البيان وجمع بينهما لسبب سياسي، وليس لأنه رأى أن هذا هو الطريق الحق، ويرى أن ابن سينا تعلم الفلسفة من أجل البرهنة على العرفان، ليكون من المعارضة السياسية المتمثلة في الدول المحاربة للدولة العباسية، وهكذا يحلل الشخصيات... بالقشور السياسية. ب- النظرة المبسطة للأمور، بلور الاتجاهات المعرفية الثلاثة دون أي ذكر لسياقات اجتماعية أو عسكرية أو اقتصادية أو خارجية، فكأن الحضارة العربية ما هي إلا ثلاث فئات من العلماء يتصارعون معا، ويبني الواحد منهم نظاما ما على نظام آخر، وهكذا. ج- ادعاء الموضوعية المبالغة فيه -كما ذكرتُ- فما المانع من أن تبين رأيك وتحيزك! ليته قرأ ما يكتب المسيري عن إشكالية التحيز، لكان قد أدرك أن هذه الموضوعية المقيتة تقف على الجانب المعاكس للعلمية في البحث.
_ أنصح بعدم قراءة الكتاب إلا لأغراض بحثية، أما الأغراض الثقافية، فملخص للكتاب أفضل من أن يُقرأ كله وفيه تلك الرؤية القاصرة المبسطة للأمور.