يقول ابن الفارض"من لم يفقه الهوي فهو في جهل "ولعله كان صادقا إلي أبعد الحدود في هذا ..فالعشق والهوي ليس مجرد شعور يجهل وإنما هو شعور إذا ما جهله المرء فقد جعل الحياة بأسرها هذا الهوي الذي عرفته الشعوب علي اختلافها وانتشارها في أقطاب الأرض فاتفقت عليه فكان منه العذري والأفلاطوني وفيه تدله الصوفية والشعراء والعشاق فكان كل يبكي علي ليلاه وفي حضارة العرب وبواديهم هام كثير من الشعراء العشاق حتي وصلوا إلي حافة الجنون وآثروا الموت علي التنكر لهوي المحبوب ونسيانه فكتبت قصصهم علي صفحات التاريخ وقدر لها الخلود في قلوب من تبعهم علي مر الأجيال ومن هؤلاء أختار الدكاترة "زكي مبارك"لكتابة عشاقا ثلاثة جميل وكثير والعباس فكتب عنهم وعن عشقهم وشعرهم الذي أخرجه لهيب وجدانهم فلم يكن سوي الصدق والإخلاص مجسدا ومنزها عن كل لهو وهزل
ولد زكي مبارك في قرية سنتريس بمحافظة المنوفية في عام 1892، التحق بالأزهر عام 1908 وحصل على شهادة الأهلية منه عام 1916، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام 1921، الدكتوراه في الآداب من الجامعة ذاتها عام 1924 ثم دبلوم الدراسات العليا في الآداب من مدرسة اللغات الشرقية، في باريس عام 1931 ثم الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون عام1937" زكي مبارك مجموعة من الدكاترة اجتمعت في شخص واحد ... إنه كشكول حي مبعثر بل مسرحية مختلطة ، فيها مشاهد شتى ، من مأساة وملهاة ومهزلة ، أو لكأنه برج بابل ، ملتقى النظائر والأضداد ...فهو أديب عربي قح ، ومفكر عروبي محض ، يملكه الإيمان بالعربية والغيرة على العروبة ، على الرغم من تحليقه في أفاق أخرى من الثقافة والتفكير ... ولعل زكي مبارك يباين الذين انصرفوا إلى اللغات الأجنبية ودراساتها في أنه لم يطلب بها علما وأدبا وإن اكتسب ما تيسر له من مناهج البحث وطرق التدريس ، فكأنما كان مبعوثا إلى فرنسا لأداء مهمة والاضطلاع بخدمة ، هي التعبير عن اعتزازه بأدب العروبة وحضارتها، وإقناع المستشرقين بطول الباع والقدرة على التخريج والإبداع ... والبحوث التي توفر عليها زكي مبارك متوج أهمها بشهادة الأعلام الجامعيين في مصر وفي فرنسا أولئك الذين أناله اعترافهم أعلى الإجازات الجامعية قدرا ... وشعر زكي مبارك يتميز باثنتين : فصاحة ودماثة ، فهو لين اللفظ والأسلوب متين النسج والقافية ، وفي معانيه العاطفية طراوة وعذوبة ، وليس يعوزه الطابع الموسيقي على الإيقاع العربي المتوارث ... وأحاديث زكي مبارك تكشف عن موهبة فيه هي موهبة المسامرة والمناقلة ...فأنت متنقل في حديثه الذي تقرؤه له بين نقدات ومعابثات ونوادر ، في غضونها استدراك فلسفي أو استطراد عاطفي أو تعليق نحوي أو شكوى شخصية وكأنك تستمع إلى مذياع يتنقل مفتاحه من تلقاء نفسه بين محطات الإرسال في شرق وغرب ... وأما مشاجراته القلمية فقد كان فيها مطواعا لفطرته منساقا معه الشيمة البدوية أو الريفية في إيثار الصراحة العارية ، فهو إذا رأى شيئا ينكره انبرى ينقده ويشهر به غير آبه بما تواضع الناس عليه من الكياسة والحصافة والتزمت وتجنب الاحتكاك والهجوم ... ولا يعوز القارئ أن يلتمس صفاء نفس زكي مبارك في كثير مما كتب إذ يصادف في تعليقاته تحية لرجل كانت بينهما علاقة في درس أو مجلس وذكرى لراحل كان أستاذه أو كانت بينهما مشاركة في عمل ...ولعل أصدق وصف لزكي أنه طفل كبير ، احتفظ بما للطفولة من سرعة النسيان للإساءة ، وترك الاحتمال للحقد ، وخلوص الضمير من كوامن الضغن ، فإنك لترى الطفل غضوبا على رفيقه في شئ من الأشياء و لا تلبث أن تراه ملاعبا له ، ناسيا ما كان بينهما من مغاضبة وشحناء ، بل لعل ذلك كان منه سبيلا إلى توطيد صداقة وتمكين إخاء سلام على زكي مبارك .. كان مثلا للجد والدأب في التكوين والتحصيل وكان شعلة في التأليف والتدبيج ، وكان شخصية بارزة في مجتمعنا الأدبي ، أحس وجودها من هو لها ومن هو عليها ..والرجل العظيم لا تخلو حياته من صديق وخصيم .".
كلمة من طه حسين أخرجته من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا مرتب، بالرغم من حصوله علي الدكتوراة ثلاث مرات وتأليفه أكثر من أربعين كتابا، وقد أتيح له أن يعمل في الجامعة المصرية، وعمل في الجامعة الأمريكية وعين مفتشاً للمدارس الأجنبية في مصر ولكنه لم يستقر في هذه الوظيفة واخرج منها بعد أن جاء النقراشي وزيرا للمعارف والدكتور السنهوري وكيلا للوزارة.
وعمل في الصحافة أعواما طويلة ويحدثنا انه كتب لجريدة البلاغ وغيرها من الصحف نحو ألف مقال في موضوعات متنوعة. وانتدب في عام 1937م للعراق للعمل في دار المعلمين العالية، وقد سعد في العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه، وعلي الرغم مما لقي في العراق من تكريم إلا انه ظل يحس بالظلم في مصر وهو يعبر عن ظلمه اصدق تعبير بقوله " إن راتبي في وزارة المعارف ضئيل، وأنا أكمله بالمكافأة التي آخذها من البلاغ أجرا علي مقالات لا يكتب مثلها كاتب ولو غمس يديه في الحبر الأسود… إن بني آدم خائنون تؤلف خمسة وأربعين كتاباً منها اثنان بالفرنسية وتنشر ألف مقالة في البلاغ وتصير دكاترة ومع هذا تبقي مفتشاً بوزارة المعارف" وفاته
في 22 يناير 1952 أغمي عليه في شارع عماد الدين وأصيب في رأسه فنقل إلى المستشفى حيث بقي غائبا عن الوعي حتى وافته المنية في 23 يناير 1952
أول قراءة لزكي مبارك، واستطيع القول بأني وجدت فيه ضالتي! كتابه في غاية الإمتاع، وأسلوبه لا يُمل.. إن كان حديثه ككتابه فأنا أجزم بأنه ممن إذا تحدّث وددت لو أنه لا يكف. الذي ملك قلبي في بيانه هو أنه يعاجل الحقائق بأسبابها، فهو لا يعطي معلومة إلا ويلحقها بتفسير، وكأنه حين عرضت له تلك الحقائق طرق أبواب التعاليل فلم يسكن بغير معرفة السبب، وإن تعذر عليه ذلك علل الظواهر النفسية للشعراء بما يبدو له، والحق أن تعليله حينها هو مما يطرب له!
يقول بأنه مؤرخ للأفكار الأدبية والحقيقة أني لم استكثر عليه وصفه هذا ولا زعمه بأنه خير من كتب عن العشاق الثلاثة، فضبطه للتاريخ وأدوات التحليل وحسن تعليله وبيانه كفيل له بذلك.
كان الكتاب ليكون آفضل بكثير لولا القدرة الخارقة لزكي مبارك علي نسف كل مفهوم للتواضع في عقل المرء. فمن غروره الواضح في المقدمة، لأراءه العنصرية عندما يتحدث عن الشاعز كثير لا يمكنك سوي أن تقول
كتاب ظريف.. فُصّل لثلاثة عشاق بارزين في قصص "الحب العذري" الهوى الوجداني المقدس جميل "بثنة" بن معمر .. الكثير "عزة" بن عبد الرحمن والعباس بن الأحنف "فوز" برع مبارك في تفصيل حب هؤلاء العشاق وحياتهم و أسلوبهم الشعري بين رقة وجزل و لطائف معاني ووضوح لفظ و تقييد لأوابد اللغة بصورة ذكية لتظل ذكرى دائمة عبر التاريخ .. هي ألوان من طرائق الإفصاح، عن مآسي القلوب و الأرواح.
رُبَّ ليلٍ قد شهدتُهْ رُبَّ دمعٍ قد أفضتُهْ رُبَّ حُزنِ لي طويلٍ مع حُبٍّ لي كتمتُهْ لو يذوق الموتَ أشجى النَّا سِ بالحُبِّ لذُقْتُهْ بأبي من لا يبالي غبتُ عنهُ أو شهدتُهْ أنا مِن أسخن خَلق الله عينًا مُذْ عرفتُهْ (العباس بن الأحنف)
اصدق من يتحدث عن العشاق وتقلب احوالهم من حال الى احوال هو "العاشق "مثلهم .. وهذا اكثر ما يميز #ذكى_مبارك انه عاشق حتى الثماله ، ودائم الذكر لتقديسه لهذا العشق ويتجلى ذلك فى مقدمة هذا الكتاب والتى من فرط اعجابى بها اذكرها حيث قال :
"هؤلاء الموحدون فى الحب لن يكونوا اصدق منى ، ولن ترى الدنيا ، ولو تحولت الى فردوس ، عاشق اصدق منى ، ولن ارى اكرم منك يا اتلك الروح الغاليه ، ولا أعذب ولا ألطف ، وإن توهمتِ ان الصدود من جنود " الجمال " ؟
هؤلاء الموحدون فى الحب يتكلمون باسمى ،على بعد الزمان والمكان ، فأنا وانت اول صوت يناغى ضمير الوجود ."
.. الى جانب حروفه الانيقه العذبه وتشبيهاته البديعه ،.. فانه استطاع ان ينقل لك احساس الشاعر فى ابياته .. استطاع ان يتحدث عن هذا العالم الساحر ببراعة . ويدفع عنه سخافات من انغمسوا فى الشهوات فانحدرت بهم ، ومن اجمل ما قال فى هؤلاء العشاق الثلاثة :
" أولئك رجال آمنوا بالحب ،فعظّموه ومجّدوه واستهانوا من اجله بما يقاسى عبّاد الجمال من مصاعب واهوال. لقد طاب لهم ان يفتضحوا بالحب ، وان يجعلوه نصيبهم من المجد وكان ذلك لانهم نشأو فى أيام كان اهلها اصحاء العقول والقلوب ، فافصحوا عن سرائرهم بتصريح الواثق الآمن ."
.. استطاع ان يسرد قصص عشق هؤلاء العشاق بشكل رائع .. الكتاب " #العشاق_الثلاثة " نزهة فى بستان الشعر ممزوجة بنكهة الحب العذرى .. .. الكتاب ليس فقط نزهه رومانسية بنكهة الحب العذرى ، بل هو توثيق وشهادة على عصرين من اهم العصور العربية الاسلاميه ، استطاع الكاتب من خلال هذا الكتاب ان يجسدها امام عينيك المجتمع العربى الاسلامى فى العصر الاموى وفى العصر العباسى ، بصفاته وشمائله ونمط الحياة والافكار و بعض عاداته وتقاليدة . ليس هذا وحسب ولكنه عقد بعض الموازنات الشعرية بين العشاق الثلاثة " جميل - كثُثّير - والعباس " موضحا الاختلافات بين اسلوب كل شاعر واسباب هذا الاختلاف وطبيعة حياة كل شاعر وصفاته وشمائله التى تجلت بوضوح فى اشعاره . .. انتقى لنا ذكى مبارك فى هذا الكتاب باقة من اجمل ما قاله عشاقنا الثلاثه فى الحب وتقلبات احواله اذكر لكم بعضا منها اولا شعر جميل لقد خفت ان يغتالنى الموت بغتة .. وفى النفس حاجات اليك كما هى وإنى لتثنينى الحفيظة كلما ... لقيتك يوما ان أبثك ما بيا ألم تعلمى يا عذبة الريق أننى ... اظل إذا لم اسق ريقك صاديا ****
يقولون جاهد يا جميل بغزوة .. واى جهاد بعدهن اريد لكل حديث عندهن بشاشة .. وكل قتيل عندهن شهيد *********** فلو تركت عقلى معى ما طلبتها .... ولكن طلابيها لما فات من عقلى فيا ويح نفسى حسب نفسى الذى بيا ... ويا ويح أهلى ما أصيب به أهلى خليلى هل فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلى ****** لها فى سواد القلب بالحب ميعة ... هى الموت او كادت على الموت تشرف وما ذكرتك النفس يا بثن مرة .... من الدهر الا كادت النفس تتلف والا اعترتنى زفرة واستكانة .... وجاد لها سجل من الدمع يذرف وما استطرفت عينى حديثا لخلة ..... اسر به إلا حديثك اطرف ********* وماذا عسى الواشون ان يتحدثوا .... سوى ان يقولوا اننى لك عاشق نعم صدق الواشون انتى حبيبة ... إلىّ وان لم تصف منك الخلائق ---------------- شعر كُثّير وما انا بالداعى لعزة بالجوى ... ولا شامت ان نعل عزة زلت فلا يحسب الواشون ان صبابتى ... لعزة كانت غمرة فتجلت *********** أقيمى فان الغور يا عز بعدكم ... ألىّ اذا ما بنتم غير جميل كفى حزنا للعين ان تردّ طرفها ....لعزة عيرٌ آذنت برحيل فقالوا نأت فاختر من الصبر والبكا ... فقلت البكا اشفى اذا لغليلى توليت محزونا وقولت لصاحبى ....أقاتلتى ليلى بغير قتيل ؟ ***** والله يعلم لو اردت زيادة ... فى حب عزة ما وجدت مزيدا والميت ينشر ان تمس عظامه ... مسا ويخلد ان يراك خلودا *** رمتنى بسهم ريشة الكحل لم يضر .... ظواهر جلدى وهو للقلب جارح ** وآخر ما اذكر من شعر كُثّير ما قاله عندما دفنت حبيبته عزة: أقول ونضوى واقف عند قبرها ... عليك سلام الله والعين تسفح وقد كنت ابكى من فراقك حية .... فانت لعمرى اليوم أنأى وأنزح ----------- العباس بن الاحنف لو ان القلوب تجازى القلوب ... لما كان يجفو حبيبا حبيبا ********* تحمل عظيم الذنب من تحبه .. وان كت مظلوما فقل انا ظالم فانك ان لا تغفر الذنب فى الهوى ... يفارقك من تهوى وانفك راغم **** نام من اهدى لى الارقا .. مستريحا زادنى قلقا لو يبيت الناس كلهم ... بسهادى بيّض الحدقا كان لى قلبا اعيش به .. فاصطلى بالحب واحترقا انا لم ارزق مودتكم ... وانما للعبد ما رزقا ******** قاسمينى هذا العتاب والا ... فاجعلى لى من التعزى نصيبا ********* واحسن ايام الهوى يومك الذى ...تودع فيه بالهجران وبالعتب فإن لم يكن فى الحب سخط ولا رضى .... فاين حلاوة الرسائل والكتب ****** أتأذنون لصّب فى زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر لا يضمر السؤ ان طال الجلوس به ... عفيف الضمير ولكن فاسق البصر ********** بكت عينى لانواع... من الحزن واوجاع اعيش الدهر - ان عشت- ... بقلب منك مرتاع وان حلّ بى البعد ... سينعينى لكِ الناعى -- و لا اقول كما قال ذكى مبارك " آمنت بالله وكفرت بالحب " وانما اقول " آمنت بالله و آمنت بالحب " فهى اعظم هبات الله للانسان احتفظت بقتباسات كثيرة جدا ولكن يصعب ذكرها كلها ، الكتاب جميل جداااا ، لم امل منه لحظه واحدة ، انصح بقراءته
كتاب جَميل وخفيف يُعرّفنا فيهِ القارىء بشكلٍ مختصرٍ على العشاق الثلاثة كُثيّر عزة وجميل بثينة والعباس بن الأحنف، شعراء الرقّة والغزل الذين كما قال القارئ يتفقون في فكرة "التوحيد في الحب"، كان أجمل ما في الكتابِ الإختيارات الشعرية وعذوبتها❤️
"أبكي الذينَ أذاقوني مودّتهم/ حتى إذا أيقظوني في الهوَى رقدوا واستنهضوني فلمّا قمت منتصبًا/ بثقلِ ما حمّلوني في الهوى قَعِدوا"
«يودّ بأن يمسي سقيمًا لعلها/ إذا سمعت عنهُ بشكوى تراسلُه»
«يذكرنيهَا كل ريحٍ مريضةٍ لها بالتلاعِ القاويات نسيمُ»
كتاب يتحدث عن عشاق عفيفين أمثال جميل وبثينة وكثير وعزة والعباس بن الأحنف وفوز ذكر الكاتب أساليب الثلاثة في شعر وطرفًا من حياتهم ولكنني أراه يفضّل جميلاً على الشاعرين الآخرين كان الكتاب رحلة ممتعة في سماء العشق
العشاق الثلاثة.. جميل وكثير والعباس. رجال أفنوا عمرهم للحب وفي الحب، آمنوا بالحب وأخلصوا له وجعلوا الحب حبا واحدا لمحبوب واحد.. واصفين أطوار حبهم ومحبوبهم بلغة الشعر والعذوبة والجمال. جميل بن معمر، الشاعر الأموي المعروف.. سخر قريحته لحديثه عن حب بثينة، وأي شئ خلد ذكرك يا بثينة مثل ما خلده ذكر جميل لك؟ كانت بثينة متزوجة، وكان بينها وبين جميل حب عذري طغى على حياة الأخير حتى أهلكها.. قامت مشاحنات بين قوم جميل وقوم بثينة.. حتى شد جميل رحاله إلى مصر ليحتمي بعبدالملك بن مروان في حب بثينة، فقضى نحبه هناك.. وهناك دفن وواراه التراب، لكن لم يستطع أن يواري شعره الباقي حتى الآن، الشاهد على إخلاصه للحب ووفائه. يو قول جميل لبثينة: "ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة | بوادي القرى إني إذا لسعيد وهل ألقين فردا بثينة مرة | تجود لنا من ودها ونجود؟ علقت الهوى منها وليدا فلم يزل | إلى اليوم ينمى حبها ويزيد وأفنيت عمري بانتظاري وعيدها | وأ��ليت فيها الدهر وهو جديد فلا أنا مردود بما جئت طالبا | ولا حبها فيما يبيد يبيد." ... أما كثير، فقد قيل أنه كان قزما، وأعورا.. كان شيعي المذهب.. يؤمن بالرجعة والتناسخ _وهي عقائد بوذية في الأصل_، كان يؤلمه أن يقابل شعره بالهزء والإستخفاف.. حتى أن بعض المؤرخين قالوا بأن حبه كان محض خيال! كانت محبوبة كثير هي عزة.. وفي بعض قصائده كناها بليلي. وكان شعر كثير من الجزالة وقوة المعنى ما جعل كثير يتربع على كرسى من كراسي أفضل شعراء عصر بني أمية. سافر كثير إلى مصر لينتفع ببعض صلاته مع عبدالملك بن مروان.. تبعته عزة إلى مصر.. في حين كان كثير قد تركها عائدا للمدينة.. ثم رجع إلى مصر طلبا لعزة.. فوجدها جثة يُصلى عليها وقد وافاها الأجل.وهكذا ضمت مصر رفات عاشقين: جميل وعزة، لكل منهما قصته وحبه. .. أما العباس فقد عشق فوز، ولم تكن فوز سوى كنية لمحبوبته التي آثر أن يكتم اسمها خوفا على حبه أن ينفضح.. وكسابقيه جميل وكثير، حيل بينه وبين حبيبته فاكتفى منها بجواب أو لمحة. خلد العباس حبه لفوز بلغة رقيقة ولهجة عذبة، فكان مثالا للشاعر العفوي الذي يكتب على سجيته.. بعد أربعين عاما من العتاب الرقيق والغزل العفيف، ووصف نفسه ونفس محبوبته، ألم به المرض.. فسافر من البصرة إلى مكة حيث وافاه الأجل. تمّ
هذه دراسة خفيفة لطيفة عن ثلاثة من أشهر الشعراء العشّاق، جميل بثينة وكثيّر عزّة والعبّاس بن الأحنف، قسّم فيها زكي مبارك الفصول لعناوين فرعيّة وتناول شاعريّة كلّ منهم ودوافع شعره وأخبار محبوبته، وعقد مقارنةً بين جميل وكثيّر ثمّ بينهم الثلاثة مبيّنًا فطرة جميل التي تصوغ له الأفكار والمعاني، ورقّة العبّاس التي لا تقترب للسّخف ولا تبتعد كلّ الابتعاد عن الجزالة، والغايات اللّغويّة في شعر كثيّر. مع أنّ الفصول مختصرة موجزة إلّا أنّها مفيدة، فكثرة التفصيل في قضايا هؤلاء الشعراء قد تفضي إلى التكرار والملل، إذ إنّ قضيّتهم باختلاف طرائق التعبير عنها وبعض تفصيلاتها هي قضيّة واحدة، امرأة حُرموا من وصلها، وذاقوا في سبيل ذلك همًّا وحزنًا.
- "وما كنتُ أدري قبل عزّة ما البكا ولا موجعات القلبِ حتّى تولّتِ"
انزعجت جدا من الكتاب بالرغم من المعلومات التاريخية الجديدة بالنسبة لي، لكن الكاتب عنصري ومتنمر ويلوي عنق الحقائق فيما يتعلق بالسياسة، وإن كان رأيه مستتر.
الكتاب يتكلم عن الحب العفيف .. لثلاثة شعراء لم يتوفقوا بحبيباتهم .. شاعرين من العصر الأموي جميل بثينة .. وكثيّر عزة .. والشاعر العباسي العباس بن الأحنف وفوْز .. على أن الأخير حبيبته مجهولة من تكون .. ولكن شاعرنا لقبها بفوْز .. كان جميل صبوح الوجه .. يتفاخر بوجهه .. قوي وذو شأن .. بخلاف راوي جميل كثيّر .. كان قصير جداً وأعور .. ويذكر أنه من الطائفة الشيعية .. وشهرة جميل بالشجاعة تقابلها شهرة كثيّر بالجبن .. الدكاترة مدح في شعر كثيّر .. ودافع عنه كثيراً .. لأنه ظلم في المقابل كثيراً .. فقد نسب إلى كثيّر أنه مرائي في الحب .. بالرغم من أنه تحدث في الحب زهاء ثلاثين سنة .. وهذا اتهام ضعيف ..فهو الذي سجل اسمه في أكثر المعاجم المتداولة .. العباس بن الأحنف ظهر في عصر هارون الرشيد .. وتغنى في فن واحد فقط .. الغزل .. ومن بين الثلاثة .. أفضل شعر الأحنف .. فشعره رقيق وخفيف ويسهل فهمه .. اما كثيّر فقد اشتهر بالإغراب .. مثله مثل المتنبي .. أي تحتاج لقراءة شرح الأبيات وفهم المعاني ..
وأخيراً .. يرى الدكاترة .. إنّ العصر الأموي هو أقوى العصور العربية بعد العصر الإسلامي .! إلا أن معاوية ظلم كثيراً تاريخياً .. وأنا أرى أن العصر الأموي اشتهر بالفتوحات .. والعصر العباسي شهرته كانت في مجال العلم والأدب ..
ثلاثة شعراء تحلّوا بالعفّةِ في حبّهم، قدّسوا الحب ونزّهوه من كلّ مدنّس، وطأت مشاعرهم في أشعارهم بقدمي الحُب، بهمّه وغمّه، وحلوه ومُرّه.. يُناقش الكاتب بعضاً من سيرِهم في الحب والشعر، بطريقةٍ موجزةٍ كافيةٍ شافية، رفعةً وعزّةً لفتيةِ ذاكَ العصرُ وتبجليهم للحبّ وتصوّفهم به.
كتاب لطيف خفيف عن العشاق ومحبوباتهم واختار منهم "الموحدين" في الحب، وهم جميل ومحبوبته بثينة، وكثير ومحبوبته عزة، وأخيراً الشاعر الجميل العباس بن اﻷحنف ومحبوبته فوز.
-78- مع متتالية الظلم المملة في بلادي، صار البعض يتساءل عن عبثية الحياة ووجود الإله ودولة الحق، إنهم لا يدرون أن الرب قد أشاح ببصره عنا منذ زمن في مصر، وتركنا لأنفسنا، بلادٌ لعينة، تلك الأيام الصعبة.. ماذا أفعل في أيامي القادمات وكل ما ادخرته ذهبَ أدراج الرياح، ضاقَ صدري من الوقوف على أبواب اللئام، ﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ قال سعيد بن جبير: أي لا نُحْوِجُهُ إلى أحد"، تقول غيرترود شتاين "ليس هناك إجابات. ولن يكون هناك إجابات. ولم يكن هناك إجابات أبدًا .... وهذه هي الإجابة"، وقال جعفر الصادق: "من طلبَ ما لم يُخلق أتعب نفسَه ولم يُرزق، قيل له: وما ذاك؟ قال: الراحة في الدنيا"، لم أعد أشعر بجدوى أي شيء في تلك الأيام، مرٌ طعم الحياة على قلبي، يتساءل ريلكه "الوقت هل هو موجود حقاً، هذا المدمّر؟"، يقول هنري باربوس ".. لقد كان انتحارًا، الآخرون قتلوا أنفسهم بالسم أو المسدسات.. أنا قتلتُ نفسي بالدقائق والساعات"، يقول ديموناكس "محظوظٌ ذلك الذي لا يخاف ولا يأمل!"، ما الذي فعلته بي السنوات، الأيام والساعات؟، بعثرتْ روحي ثم جمعَتها شظايا، يقول بيكاسو "إنني كتلةٌ هائلةٌ من الشظايا، ثم تأتي الريح وتجمعني"، كتب صامويل بيكيت إلى حبيبته يومًا ما لينهي علاقته بها: "أنا لم أعد أحب. بالنسبة لي فالأشياء يجب أن تسير كما هي. أنا ليس لديّ ما يكفي من الحياة لتغيير الأشياء حتى... فكرة السعادة لم يعد لها معنى بالنسبة لي على الإطلاق.."، يأسٌ يؤرق أيامي، لا أجد أي وسيلة للخلاص منه سوى بالكتابة، يقول كافكا "قليلة هي الأيام التي مرت عليّ دون أن أنام فيها وأنا حزين جدًا"، ذلك الأمل.. الوهم المختلس، لعنة الوجود، كتب ألبير كامو "كان يشعرُ أن الحياة والشباب والكائنات تفلت منه، دون أن يستطيع إنقاذها، متروك فقط للأمل الأعمى أن تلك القوة الغامضة التي حملته لسنوات طويلة فوق الأيام، وغذته بلا حدود، وفي أصعب الظروف، تلك القوة التي سبق أن منحته بكرم أسباب الحياة، سوف تمده أيضًا بأسباب لأن يشيخ ويموت دون تمرد"، يقول عدنان الصائغ "وفي الليل.. أخلعُ أصابعي، وأدفنها تحتَ وسادتي، خشيةَ أن أقطعها بأسناني، واحدةً بعدَ واحدة، من الجوع، أو الندم !"، أحتاجُ المال أم الحياة؟!، بائس حقير، "أمّا اليَقين فلا يَقين = وإنّمَا أقصَى اجتهادي أن أظُنَ وأحدِسَا" رحمَ الله المعري، يقول كافكا "خجلتُ من نفسي عندما أدركت أن الحياة حفلة تنكرية وأنا حضرتها بوجهي الحقيقي"، قرأتُ في أيامي الماضيات الغابرات مذكرات لويس بونويل الماتعة، الرجل صادق اللهجة يكتب ببساطة متناهية ذكرياته، ما يحب وما يكره، نثرات عن رفاقه وأصدقائه وما صادفه في حياته المهنية، تفرجتُ على كثير من روائع السينما الصامتة من قبل، أعتقدُ أني تابعت باهتمام باستر كيتون وشابلن ومجموعة الأفلام الصامتة الطويلة التي حازت أعلى التقييمات كباكورة فن السينما، لكني لم أقف طويلًا عند بونويل، لكن بعد قراءة مذكراته عدتُ للبحث عن فيلمه "كلب أندلسي" - ومع نزعة السريالية التي تأثر بها في كل أفلامه وخاصةً التي اشترك معه في كتابتها سلفادور دالي، فإني لم أفهم كثيرًا مما أراد قوله في الفيلم - غير أنه ما زال فيلمًا مرعبًا، وأعتقد أن بونويل شخص فوضوي بامتياز، حتى مذكراته جاءات فوضوية نزقة ولكن جميلة جدًا، قرأتُ بعدها مجموعة مقالات لعلي الراعي عن "القصة القصيرة في الأدب المعاصر"، كتبها في فترات متفرقة عن أصوات أدبية رائدة في أدبنا العربي في الوقت الحالي، وكا�� له شرف التنويه عنها وإبرازها في وقتها، كل ما نبَّهَ عليه أتفق معه تمامًا، وبالكتاب مجموعة مقالات جيدة في رصد خصوصية الأدب النوبي، هناك تجارب مميزة في أدبنا العربي تستحق التنويه عنها باستمرار، وبعضها غير ملحوظ ويحتاج إبرازه كل فترة، هناك مجموعة مميزة لمجموعة قصص محفوظ القصيرة جُمعتْ في كتاب من إصدارات مكتبة الأسرة قديمًا بعنوان "السهم"، إبراهيم الكوني في "شجرة الرتم"، محمد البساطي في "صخب البحيرة"، محمد مستجاب في "قيام وانهيار آل مستجاب"، محمود تيمور في "بنت الشيطان"، توفيق الحكيم في "ليلة الزفاف"، يوسف السباعي في "بين أبو الريش وجنينة ناميش"، مجموعات محمد عبدالحليم عبدالله القصصية ريفية الطابع ولكن أغلبها متشابه للغاية في ذاكرتي، يوسف إدريس الخطير في "حادثة شرف" و"العيب"، إبراهيم عبد المجيد في "بيت الياسمين"، هناك مجموعة مقالات إبداعية لأهداف سويف تحت عنوان "في مواجهة المدافع".. السهل الممتنع، إبراهيم أصلان في "خلوة الغلبان"، بعض أحداث "شرف" لصنع الله إبراهيم، المجموعة الكاملة لقصص يحيى الطاهر عبد الله، شجوية للغاية... قرأتُ بعد ذلك رسالة دكتوراه طه حسين "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية"، ورغم سلاسة أسلوب طه حسين في بيان مواطن العبقرية في مقدمة ابن خلدون إلا أن صيغة الانبطاح للغرب التي شاعت من أول الرسالة لنهايتها جعلتني أكره هذا الرجل وأمقت تلك المسيرة الطافحة بالذل، وإنْ كان أسلوبه العقلي البحت في سبر روايات التاريخ التي أخذها من أساتذته المستشرقين بان أثره بشكل جيد في تلك الرسالة، قرأتُ رسالة قديمة عن جهود كل من الأفغاني ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا بعنوان "الإسلام والتجديد فى مصر" لتشارلز أدامز، الترجمة جيدة، وأسلوب المستشرق في بيان سيرة حياة الأعلام جاء موجزًا مدعمًا بالأدلة، وإن كان حصره التجديد في هؤلاء الثلاثة على وجه الخصوص شُبْهَة، قرأتُ كتابًا سخيفًا لمراد وهبة بعنوان "أفول العقل" جمعَ فيه مجموعة مقالاته إبان الثورة وما تلاها من أحداث، ما كتبه الرجل يشعرك بالحسرة على مآل تلك الانتفاضات وما وصلنا إليه حاليًا، وجميع مقالاته ملغمة بكره الدين وأهله، كنت قد قرأتُ من قبل كتابًا لمراد وهبة بعنوان "مُلاَّك الحقيقة المطلقة"، لا أنكر إعجابي بأسلوبه حينذاك وفكرة الكتاب العامة، غير أن بضاعة الكاتب فقيرة للغاية يدندن حولها في كل كتبه، ويبدو أن الرجل نذرَ حياته في حرب الإسلام أيًا كانت موارده، لكني منذ قديم أقرأ للجميع فقد أصادف عند هؤلاء أسلوبًا وإن ضحلت الفكرة وخَبُثَ الدافع، قرأتُ للدكتور حسين فوزي سيرته "سندباد في رحلة الحياة"، وفيها الكثير مما لا يهم القارئ، وأسلوبها مجعلص في بعض الفقرات لكون الرجل عاصر بدايات القرن وأحداثه التي تؤرخ لأوج القومية المصرية، قرأتُ من قبل كتابًا جيدًا له بعنوان "سندباد مصري" وأجد أن ميزة الرجل في رحلاته وطوافه بالعالم حيث لا يعدم في كتبه فائدة والتي لا تخلو منها كتب أدب الرحلات، قرأتُ قصة قصيرة للمازني بعنوان "عود على بدء"، ورغم أسلوب المازني الساخر إلا أني بدأت في عدم استساغة أي مؤلف للمازني، وأجده سخيفًا ثقيلًا على قلبي، لا أعلمَ لم هذا الإحساس في هذا العمر، لكن هذا انطباع خاص في تلك الأيام بخصوص أدب المازني، قرأتُ بعده كتابًا طيبًا لمحمد عبد الغني حسن بعنوان "تيجان تهاوت"، الرجل يتخير من مائدة التاريخ العامرة بالأحداث مجموعة من العظات والعبر في مقالات قصيرة خاطفة تفي بالغرض، ومن مائدة التاريخ أيضًا جاء كتاب "أحاديث منتصف الليل" ليتخير "حسين مؤنس" بعض مواقف التاريخ التي حدثت ودُبِّرَتْ في هدوء الليل ولكن أغرب ما طالعته هو اتفاق الكاتبين "حسن ومؤنس" على ذم الدولة العثمانية والسلطان عبدالحميد والاحتفاء بحركة الكماليين التغريبية كجزء من لوثة القومية التي ابتلي بها مثقفو بدايات القرن، قرأتُ ترجمة عبدالرحمن شكري الماتعة لبودلير بعنوان "بودلير الشاعر الرجيم"، وهي ترجمة سلسة جدًا استمتعتُ بكل جزء فيها، وأسلوب شكري في استقصاء مواطن عبقرية بودلير أسلوب ما قلَّ ودلَّ، يقول بودلير "لم يكُن شبابي سوى عاصفة مظلمة"، يقول بودلير " أيها الألم إن الزمن يُبلي الحياة، والعدوّ الغامض الذي ينهش قلوبنا، على دمنا المسفوح ينمو ويقوى"، يقول بودلير في ديوانه "أزهار الشر": "أيها القارئ المنافق.. يا شبيهي.. يا أخي"، يقول اللعين نيتشه "كي تفعل شيئًا ما، لا بدَّ أن تجعل على عينيك غشاوة من وهم"، ويقول آرثر شوبنهاور "لا يوجد في هذا العالم إلا الاختيار ما بين الوحدة والابتذال.."، قرأت ثلاثة كتب صغيرة الحجم اشتريتها منذ سنوات من جناح الأزهر بمعرض الكتاب، من إصدارات مجمع البحوث الإسلامية بأسعار زهيدة، بضعة جنيهات، جاءت دراسة "الإسرائيليات في التفسير والحديث" لمحمد حسين الذهبي جيدة التقسيم والاستقصاء، الذهبي اغتاله أعضاء الجماعة التي تعرف إعلاميًا بـ "التكفير والهجرة"، وجاءت رسالة "التفسير ورجاله"لمحمد الفاضل بن عاشور كمقالات سريعة جميلة بلاغية، بينما على غير المأمول جاءت رسالة "دفاع عن السنة" لصاحبها الشيخ محمد أبو شهبة - في الرد على كتاب "أضواء على السنة المحمدية" لأبو رية التي يتهجم فيها على أبو هريرة - ضعيفة للغاية من ناحية الردود وحسن التقسيم، قرأتُ بعدها كتاب "التحول الديمقراطي من يلتسين إلى بوتين" لهاني شادي، وعلى الرغم من موجة الهجوم المعتادة على الإخوان في الصفحات الأخيرة في الكتاب وإسقاط تجربة روسيا على فترة حكم مرسي، فقد جاء الكتاب بما فيه من تحليل مفاجأة طيبة لي فيما حدث في الانتخابات الروسية الأخيرة إلى جانب تعجبي مما ورد بالكتاب من معلومات عن سهولة تغيير الدساتير وتعديل مدد الرئاسة لكثير من الدول الديكتاتورية، قرأتُ بعده كتابًا نثريًا غريبًا بعنوان "شارع ذو اتجاه واحد" لفالتر بنيامين، ترجمة أحمد حسان، لم أفهم من نصوصه شيئًا، قرأت ُ بعده من جديد كتاب صغير الحجم لطه حسين بعنوان "صوت أبي العلاء"، لا أمل بتاتًا من قراءة مختارات طه حسين وشروحاته على أبيات أبي العلاء المعري، شرح بسيط ومميز للغاية، قرأت بعده كتاب الدكتور زكي مبارك عن الحب العذري عند العرب بعنوان "العشاق الثلاثة"، لله ما أبدعه، هذا حديث رجل عاشق صادق، خدين من يكتب عنهم من عشاق، يتحدث عن تحليل ذاتي لشخصيات ثلاثة من فرسان الحب، جميل بثينة وكثير عزة والعباس بن الأحنف، لكأنه يكتب عن نفسه من خلال الكتابة عن هؤلاء، ممتع ويمس القلب، يقول كافكا "ما كان يجب أن أملك كل هذا الوعي طالما أنني أعيش في عالم مبني على سلام مهترئ"، قرأت من جديد رواية كافكا المؤلمة "المسخ"، بترجمة الدسوقي فهمي، من لم يشعر بالضيق الذاتي حين قراءة قصة "التحول" لكافكا؟! ، تللك المهانة الوجودية التي أعاني منها مع ضيق ذات اليد، حشرة بلا نفع ولا جدوى لأسرتك تنتظر الخلاص بأي وسيلة، إن كافكا ملهم في تلك القصة على وجه الخصوص، يستحق كافكا كل تلك الضجة، فهو مؤرق للوجود الإنساني بصورة موحية دالة رأي العين، في الحقيقة أنا لا أحب كافكا، أنا أحب ذاتي في كافكا، يقول بيسوا "نحن لا نحب أحدًا أبدًا. ما نحبه هو فقط فكرتنا عمن نتوهم أننا نحب، ما نحبه هو مفهومنا عن ذواتنا"، هل لديكم تفسير آخر؟!، قرأتُ بعد ذلك قصة طويلة للقاص عبد الحميد جودة السحار، بعنوان "الشارع الجديد"، أنا أعتقد أن السحار هو الرائد الأول لرواية الأجيال بروايته "في قافلة الزمان"، ربما سبق محفوظ والذي يعتبره النقاد المنظر الأول والأبرز لروايات الأجيال في القصص العربي، بالتأكيد هناك صور مميزة في القصة العربية ربما كانت أقدم، ربما "شجرة البؤس" لطه حسين، لا أذكر حقيقةً، غير أن "الشارع الجديد" بأسلوب السحار السلس البسيط في وصف شخصيات بيوت الشارع الجديد جذبتني للقراءة طيلة ساعات متصلة دونما ملل أو زهق من رتابة الأحداث، السحار قاص جيد يستحق التنويه لبعض كتاباته الأبرز في أدب القصة، يقول علاء جانب " مرت ثلاثون والدنيا كعادتها = بابٌ من الغشِ في بابِ من الكذبِ، لم ألق ظلّ رصيف يستريح به = همُ الليالي وأُلقي فوقه تعبي، ولا حبيبةَ قلبٍ كالتي زعموا = أرتاح في صدرها من ثورة الغضبِ، ولا كتابًا من التاريخ يرشدني = من يوم طاشت يدُ الكذابِ في الكتبِ"، "أُحِب أن أُترك وحيداً ،لا أشعُر بالملل مِن نفسي أبدًا، رُبما أشعُر بالإكتئاب ولكِن ذلِك مُختلف تمامًا عن الشُعور بالملل" قاله تشارلز بوكوفسكي، يقول زكي مبارك: "علمتني التجارب التي كوت يدي، وأشاطت دمي، وأيأستني من صفاء الطبيعة البشرية؛ أنّ أجهرَ الناس صوتًا في الدفاع عن الفضيلة هم = المنافقون!"، ليتني أنتهي عن حبي للحياة، يقول بسام حجار "لفَرْط ما أحاولُ نسيانَ الوقتِ أقعُ في خطأ الانتظارِ وأعلمُ أنَّ مَنْ هو مِثلي لا ينتظرُ شيئًا ولا يرغبُ في شيء، لأنَّ الأشياء قاطبةً تُقيمُ في نهارات أحذفُها لكَيْ لا يبقى مِنّي إلّا رَميمُ الأرقِ، شبيهي، الذي ما عرَفْتُ سواه"، ذلك الموت، أيها الزائر المخادع، أقبلْ، تعالْ، هلمَّ إليَّ "فهذا العالم نُشيِّده فينهار، ثمَّ نُشيِّده ثانيةً فننهار نحن" قاله ريلكه.
• كان ابن الفارض يري الحب طريقا ً لتهذيب النفس قائلا ً " من لم يفقهه الحب .. فهو في جهل " • الشاعر لا يري المرأة مخلوق من لحم و دم و أعصاب ، و إنما يراها سبيكة نورانية صاغتها المقادير وفقا ً للجوامح من أهوائه الساميات . • الشعراء يؤذيهم جوع الأرواح لا جوع البطون . • الشاعر الحق ينقل عن روحه قبل أن ينكر في مراعاة المأثور من الموازين . • الصورة النموذجية للمرأة الجميلة لا يمثلها الواقع كما يمثلها الخيال . • الحب العذري لا يقوم علي الزهد المطلق في المتعة الحسية ، و إنما علي أساس الصراع بين روحين يغالبان مطامع الأفئدة و مطالب الحواس . • الحب العذري معركة عنيفة تقع في ميدانيين : الأول الصراع بين الشاعر و هواه ،و الميدان الثاني ميدان القتال بين الشاعر و من يهواه ، فلا يطارد فريسة تُنال بأيسر الجهد ، و إنما يطارد ظبية عصماء لا تُنال إلا بإقتحام الأهوال فوق قمم الجبال . • الحب العذري لا يكون سوي رياضة أخلاقية . • الخلوة إلي النفس هي المصدر الأصيل للثروة الشعرية ، و لم تتفق الإجادة لشاعر إلا في الخلوات التي توجبها الأسفار الطوال. • الهوي المعقد يوقظ القريحة ،و يبعث غافيات الأماني ، و لا كذلك الهوي الموحد ، فقد ينتهي إلي الملال إلا أن يكون الشاعر من دعاة التوحيد في عبادة الجمال . • فلقد قضي العباس بن الأحنف عمره كله في التغني بمعشوقة واحدة هي فوّز ، فهو بذلك من الموحدين في الحب . • نام من أهدي لي الأرقا / مستريحا ً زادني قلقا لويبيت الناس كلهم / بسهادي بيض الحدقا كان لي قلب أعيش به / فاصطلي بالحب فاحترقا أنا لم أرزق مودتكم / إنما العبد ما رزقا • و قلت ُ أن الهوي الواحد جني عليه (العباس بن الأحنف) ، وأن الوقوف عند الهوي الواحد من علائم الضعف ، ولعلني كنت ُ أريد أن أقول : إن التنقل من هوي إلي هوي يزيد من إضرام العواطف و إلهاب الأحاسيس ، فيزيد الشاعر قوة إلي قوة ، و يرتفع به إلي أبعد قمم الخيال ، و هذا أيضا حق .. ، و لكن ما الذي يمنع من القول بأن الهوي الواحد قد يصير بطغيانه ألوفا ً من الأهواء ؟! • سلبتني من السرور ثيابا / و كستني من الهموم ثيابا كلما أغلقت من الوصل بابا / فتحت لي إلي المنية بابا عذبيني بكل شئ سوي الصد / فما ذقت كالصدور عذابا
هذا الكتاب يُفصّل ويجمع بين الشعراء الثلاثة: جميل وكثير والعباس بن الأحنف ويمتاز هؤلاء الثلاثة بالحرص على كرامة الحب وبالإشادة بالعفاف.. «لقد طاب لهم أن يفتضحوا بالحب، وأن يجعلوه نصيبهم من المجد، وكان ذلك لانهم نشاوا في ايام كان أهلها أصحاء ��لعقول والقلوب، فأفصحوا عن سرائرهم بتصريح الواثق الآمن، لا بتلميح المريب الهيُوب. والحق أن العرب في شباب زمانهم كانوا يرون للحب قدسية، وهذا هو السر في التقليد الذي كان يوجب بدء القصائد بالنسيب..»
«الحب العذري حقيقة من الحقائق، وليس فرضًا من الفروض، ولا يرتاب في الحب العذري إلا الذين ضاقت منادح أهوائهم فلم يجروا إلا في ميدان الحسن المبذول، وأولئك قومٌ يمشون في دنيا الحب مشي المقيد في الوحل، فلا يتعالوْن إلى فكرة سامية ولا يتسامون إلى مقصد رفيع. وهل يمكن أن يفتخر العذريون بالعفاف لو لم يكن ذلك العفاف علامة قوة عارمة تُمثل السيطرة على أهواء النفس؟ إن أشعار المُجُون لم تُقابَل في أي أرض ولا في أي جيل غير الاستخفاف، فما سبب ذلك؟ السببُ هو أن أشعار المجون شهادةُ على أصحابها بالضعف والانحلال.»
يكتب زكي مبارك هنا عن ثلاثة عشاق جمع بينهم التوحيد في الحبّ، جميل وبثينة، كثّير وعزّة، العباس وفوز. كنت سأقيّم الكتاب بثلاثة نجوم لما فيه من بساطة، فأسقطت نجمة بعدما قرأت آخر صفحة منه -قرأت ما يشبهه في البداية لكنني تجاهلته وظننته غير مقصود- يكتب زكي مبارك في آخر صفحة من هذا الكتاب: "أما بعد، فقد فصّلنا الخصائص الأصلية لهؤلاء العشاق، في الحدود التي تسمح بها ظروف الحرب، وأنا مع هذا واثق بأن إيجازي في الحديث عنهم يفوق في وضوحه كل إطناب. ولن يستطيع قلمٌ أن يقول في هؤلاء العشاق كلامًا يفوق ما جاد به قلمي. ولو صار أرخص من التراب لما جاز عندي أن يضاف حرفًا إلى هذا الكتاب. تحدّث عن هؤلاء العشاق فلان وفلان وفلان، وستذهب أحاديثهم أدراج الرياح، ولا يبقى غير كتابي، لأني قبسته من نار قلبي ونور وجداني" ما هذا الاستعلاء الواضح؟ ما هذه "الأنا" البغيضة؟ هذه القراءةُ الأولى لزكي مبارك، فهل هو هكذا في جلّ ما يكتب؟ لا أدري.
والحق ٌ أن الحب في جوهره هو اقتحام ٌ واستئثار ُ وامتلاك، هو عدوان أرواح على ٍ أرواح، واستبداد قلوب ُّ بقلوب، وما نراه من توجع العشاق وتفجعهم وتحزنهم، وإعلان استعدادهم للفناء فيمن يحبون، ليس إلا وسيلة للظفر بما يشتهون، فليس من المبالغة ِّ أن نقول إن الدمع في عين العاشق كالسم ِّ في ناب الثعبان، فالعاشق يخدر فريسته ٌ بالدمع، كما يخدر الثعبان فريسته بالسم، والإنسان حيوان محتال
كان ممكن يبقى كتاب جميل لو كتبه حد تاني غير زكي مبارك، أسلوب زكي مبارك فيه عجرفة وكثير من الغرور وفيه صفة انا بكرهها جدا وهي المبالغة الشديدة المتضادة في موضع واحد؛ مثلا عند حديثه عن صفات كُثيِّر بن عبدالرحمن الجسدية تحس انه بيسلخه وهيبصق على جثته كمان شويه وبعدها بصفحه ينتقد معاصريه عشان كانوا عنصريين ضده وأن قصائده هي الأجمل في عصره! النجمتين دول عشان فصل الحب العذري عجبني وأشعار كُثيِّر كيفتني
قراءتي الأولى لزكي مبارك يعتبر مدخل جيد لقلمه ناقد أدبي حاد وموضوعي ويحلل بعمق ودقة عبارة عن دراسة فصّل فيها الخصائص الأصيلة لثلاثة شعراء عشّاق جمعهم التوحيد في الحب والعفاف وهم جميل بن معمر وكثيّر بن عبدالرحمن والعباس بن الأحنف شعراء الحب العذري تكلم عن قصصهم ومكانتهم وقام بموازنة بينهم حبيت جداً انه انصف كثيّر عزة لأني أحب شعره وأفضله عليهم
رحلة ممتعة في سماء العشق وعذريته بين ثلاثة من فطاحلة الحب العذري وأري أن زكي مبارك يشوبه بعض الغطرسة والخيلاء وفرض الرأي التي حالت دون حقيقة خاصلة من داء مخامر ولكن لا أنكر أنه أمدني بمادة أدبية وصحبني في أجواء رحلة ممتعة
العباس ابن الأحنف قرأت له قليلا، أما كُثير و جميل ف لم أقرأ لهم تقريبا، و لكن بعد الكتاب ربما أميل لقراءة كُثير عن جميل. لسبب ما يبدو كثُير أكثر حاجة للمؤازرة الروحية حتى و إن كان ميتاً !
جميل يذكرني بمقدمة طوق الحمامة لابن حزم. لكن هذا يلتزم بالعفة ولا أفهم لما قدم قصص الحب الجاهلية على تلك التي اشتهرت في الأندلس مثل قصة اعتماد وولادة بنت المستكفي. يبدو الكتاب كما لو كان هوامش لكتاب كبير يحكي قصة الحب. لو كتبها كقصص قصيرة من دون إضافة النقاط الكثيرة لنجح في ذلك.
كتاب جميل يقارن بين ثلاثة شعراء عشاق أحبوا حبا عذريا وماتوا على هذا الحب الوحيد، الشعراء هم جميل ومعشوقته بثينة؛ وكثَّيِر ومعشوقته عزة؛ والعباس ومعشوقته فوز. أسلوب الدكتور زكي رائع ويجذب القارئ في إجمال وإيجاز ماحقه التفصيل والإطناب.
يقول ابن الفارض: من لم يفقه الهوى، فهو في جهل. هكذا أنا، لذا فكلامي عن من صيّرهم الهوى هكذا سيكون منقصوًنا. أعجبتني قصص هؤلاء العُشاق الثلاثة، وخاصة القزم كثير وصاحبته عزّة.