كتابٌ في الفكر الإسلامي المعاصر، قسَّمه المؤلف إلى قسمين؛ تحدث في القسم الأول عن ((الحاضر والتاريخ))، فأشار إلى الدور الهام الذي يقوم به المجاهدون والمصلحون في بعث النهضة وتحريك الفكر والدور السلبي الذي تقوم به الوثنية بخرافاتها وشطحاتها. وضرب مثلاً لذلك من نهضة الجزائر التي بدأت بالإصلاح عام 1925 واستمرت حتى التفَّ عليها الدراويش الجدد فأسقطوها وهي في ذروتها عام 1936.
وتحدث في القسم الثاني عن ((المستقبل)) فتناول وضع العالم الإسلامي وهو يريد أن يدخل الحضارة الحالية ، فأشار إلى دورة التاريخ الحتمية في قيام الحضارات أو تراجعها وإلى جهل المسلمين بها وخطورة ذلك عليهم ونتائجه. وأبدى رأيه في كيفية أن يكون التاريخ في مصلحتهم.
وتوقف عند واقع العرب عندما نزل فيهم الإسلام فأنشؤوا حضارةً بعد خمولهم، هم كيف أفل نجمهم. وتساءل هل يمكن استعادة دورهم.
ثم رأى أن عُدَّةَ الدخول في الحضارة هي التراب والوقت والإرادة، وفسَّر معانيها ومدلولاتها بالأمثلة المعاصرة. وشفع ذلك بالحديث عن أثر الفكرة الدينية في تكوين الحضارة، وكيف يُستطاع بناء الإنسان، وناقش بهذا الصدد ابن خلدون وماركس وكسرلنج وشبنجلر وغيرهم.
ثم شرح العناصر الأساسية التي تؤدي للحضارة، وهي الإنسان وما يجب أن يتحلى به من صفات وكيف يتجاوز مشكلاته، ثم التراب، وقصد به القيمة الاجتماعية للأمة، وأخيراً الوقت وقسمته الهامة في الحضارة، وضرب المثل بألمانية التي دمرتها الحرب تماماً، فنهضت بعد عشر سنوات تقريباً لأنها استكملت هذه العناصر الثلاثة.
وختم المؤلف الكتاب بالحديث عن الاستعمار الذي أدى إلى إيقاظ الأمم للنهوض. ورأى أن المستعمر يخدع الضعفاء من أجل تفرقة الأمة وإفساد الذوق والتصرف بالمواقف الوطنية، ورأى أن الخطر ليس في الاستعمار، بل في النفوس التي تتقبله.
الدكتور محمد الحبيب (أبو يعرب)المرزوقي مفكر تونسي له توجه فلسفي إسلامي في إطار وحدة الفكر الإنساني تاريخيا وبنيويا. ولد الدكتور أبو يعرب المرزوقي في بنزرت، حصل على الإجازة في الفلسفة من جامعة السوربون في العام 1972 ثم دكتوراة الدولة 1991. درّس الفلسفة في كلية الآداب جامعة تونس الأولى، وتولى إدارة معهد الترجمة (بيت الحكمة) في تونس قبل أن ينتقل لتدريس الفلسفة الإسلامية في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.
مشروعه الفلسفي يمكننا القول إن المفكر العربي التونسي أبا يعرب المرزوقي استطاع أن يخطو الخطوة الأولى، وهي الأصعب من غير ما شك باتجاه التأسيس لفلسفة عربية معاصرة لا تناصب الدين العداء وإنما تتفيأ ظلاله وتسترشد بتوجيهاته. ولعل نجاح المرزوقي في هذا عائد في المقام الأول لكونه خبر الفكرين الديني والفلسفي، الإسلامي والغربي، وبدأ يشق طريقاً ومنهجًا جديدًا، يسعى من خلاله إلى أن تستعيد الفلسفة دورها الرائد في البناء الديني والفلسفي. اهتمام المرزوقي هذا لا يقتصر على الفلسفة فحسب وإنما يتعداها إلى أمور أخرى, تتعلق بالنهوض السياسي والفكري الحضاري العربي والإسلامي. والحقيقة أن المرزوقي يمتلك الأدوات اللازمة للبحث في هكذا موضوع، فهو الضليع بأهم اللغات العالمية، كالإنجليزية والفرنسية والألمانية". (مقدمة حوار محمد الحواراني، مجلة العربي الكويتية، يناير 2005)
والفكرة المركزية في مشروع الدكتور أبو يعرب هي أن التاريخ الفكري للإنسانية هو تاريخ واحد ويشمل ذلك كل من الفكر الفلسفي والفكر الديني حيث لا يمكن الفصل بين الفكر الفلسفي (العقلي) والفكر الديني (الإيماني). ولذلك يقدم الدكتور أبو يعرب تصورا تاريخيا وبنيويا في نفس الوقت لهذا التاريخ الفكري الإنساني الموحد. ويطرح تصورا مفاده أن كلا من ابن تيمية من خلال تصوراته "الإسمية" (أو المنطقية أو البنيوية) وابن خلدون من خلال تصوراته الاجتماعية التاريخية (أو التطورية) قدما معا "ثورة" في مسار تطور هذا الفكر الإنساني. وتظهر ملامح هذا المشروع بشكل واضح في "إصلاح العقل في الفلسفة العربية – من واقعية أرسطو وأفلاطون إلى إسمية ابن تيمية وابن خلدون" (1994)، كما يظهر في وحدة الفكرين الديني والفلسفي (2001)، و المفارقات المعرفية والقيمية في فكر ابن خلدون الفلسفي، (2006). ولذلك يتخذ المشروع الفلسفي لأبي يعرب توجها إسلاميا لأنه يطرح تصورا مبنيا على "الفكر الإسلامي" لهذا الفكر الإنساني. ولكنه في نفس الوقت لا يعتمد على التصورات التقليدية "التراثية" أو الكلامية للفكر الإسلامي، ولكن على العكس