أوشاج متناقضة, و تيارات متضاربة متلاحمة, تموج بها الحياة فى عصر هيجل حتى لينصهر الفيلسوف الشاب فى دوامتها منذ طفولته المبكرة, و كأن الدهاء التاريخى الذى تحدث عنه فيلسوفنا قد أبى إلا أن يضع هذا العقل العظيم فى فتره من أشد فترات التاريخ الحديث حرجاً و عنفاً وخصوبة, فيتقاسم القرنان الثامن عشر و التاسع عشر حياته ( 1770 - 1831) بحيث يعيش فى مرحلة انتقال بين هذين القرنين بكل مايحمله الانتقال من هدم و بناء , و تضارب و تضاد.. موضوع هذا البحث هو المنهج الجدلى عند هيجل, وهو بالصورة التى سنعرضها يحتاج الى قليل من الإيضاح, فقد ذهبنا فى هذا البحث إلى ان النهج الجدلى عن هيجل هو المنطق نفسه, و ليس مجرد صورة طبقها هيجل فى المنطق , كما طبقها فى جوانب اخرى من فلسفته. تنقسم فلسفه هيجل إلى ثلاثة اقسام رئيسية: 1- علم الفكره الشاملة فى ذانها و لذاتها. 2- علم الفكرة الشاملة فى الأخر. 3- علم الفكرة الشاملة و قد عادت من الاخر الى نفسها.
مفكر وباحث مصري متخصص في الفلسفة والعلوم الإنسانية، درس بجامعة عين شمس وعمل في العديد من الجامعات المصرية والعربية وله مؤلفات وترجمات غزيرة. هو أبرز تلاميذ الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود، وأحد من تولوا التعليق على فكره في الفكر العربي المعاصر. له مساهمات فكرية ذات أثر واسع في الأوساط الثقافية المصرية، وقدَّم إلى المجتمع الثقافي عدد كبير من المترجمين والباحثين. الأستاذ الدكتور إمام عبد الفتاح إمام صاحب مواقف فلسفية-سياسية بارزة. ويمكن القول إجمالا بأنه يتبنى منهجاً وسطيا في السياسة، إلا أن هذا الموقف يميل كثيرا تجاه اليسار عندما يتعلق الأمر بالأوضاع السياسية في العالم العربي. ويمكن أن إيجاز أهم آرائه السياسية على النحو التالي:
* أن الحكم لا يستقيم أبدا طالما تداخلت معه أمور من قبيل (الدولة الدينية، والمستبد العادل...الخ) * ضرورة الفصل التام بين السياسة والأخلاق، فلكل منهما مضماره (راجع في ذلك كتابه "الأخلاق والسلطة") * أن التاريخ الإسلامي قد حفل بمفارقات فساد السلطة (راجع في ذلك كتابه "الطاغية"، وقد أثار الكتاب اهتماما واسعاً في الأوساط الثقافية العربية لما يحتويه من تحليل متعمق وموضوعي لتجارب الطغيان في العالم العربي.) * أن مناقب الحكم في الوطن العربي أساسها هو عزوف الشعوب عن المطالبة بحقوقها إما عن جهل (ومنشأ ذلك عدم شيوع التفكير لدى غالبية أفراد الأمة) أو عن يأس (ومنشأ ذلك أيضا هو عدم تدبر الشعوب العربية للتاريخ السياسي للأمة ذاتها أو لأمم العالم الغربي). * لا سبيل للتقدم العلمي أو الاجتماعي أو الإنساني في الوطن العربي سوي بتربية أجيال قادرة على التفكير النقدي ومتمكنة من أدوات العقل. (راجع في ذلك كتابه "مدخل إلى الفلسفة" وكتيب "الفلسفة".)
بدون تكبر إن شاء الله: المنطق الجدلي/الديالكتيكي = خرابيط.
معلومات تاريخية قبل قراءة التعليق: ١- بذور فكرة الديالكتيك/المنطق الجدلي تجدونها فيما نقله أفلاطون عن سقراط ورؤيته الحوار كأفضل وسيلة للتعلم. باختصار مخل. ٢- بعثه من تحت ركام التاريخ الألماني جورج فيلهيلم فريدريخ هيجل. ٣- جاء كارل ماركس ليدمج بين فيورباخ وفلسفته المادية وهيجل ومنطقه الجدلي، فكانت بذلك ولادة المنطق المادي الجدلي -ما يسميه البعض بالفلسفة الماركسية- بقوانينه الثلاثة: أ- نفي النفي ب- صراع المتناقضات ج- تحول الكم إلى كيف
أما الآن فأبدأ باسم الله:
الديالكتيك/المنطق الجدلي يقول: كل الحقائق نسبية/لا وجود لحقيقة مطلقة، بل إن كل فكرة (=ما نعتقده حقيقة) تولد مع نقيضها* في صميم تكوينها وبعوامل من داخلها -وليس من خارجها كما هو شأن العلة والمعلول-، وتتلاقح الفكرة مع نقيضها لتنتج فكرة جديدة، والتي تُولَد مع نقيض لها في صميم تكوينها، وهلم جرًا حتى تصل البشرية إلى الشيوعية المطلقة (=انعدام الطبقات). وطبعًا محطة الشيوعية المطلقة هي حسب رؤية ماركس مش هيجل. وينتهي أصحاب الديالكتيك بالقول أن قانون الديالكتيك يحكم كل شيء.
قلتُ رحمني الله: أما قولكم الحقيقة نسبية/لا وجود لحقيقة مطلقة فقول ذاتي الدحض، فنقول: قولكم: "الحقيقة نسبية" حقيقة مطلقة أم نسبية؟ إن قلتم مطلقة تناقضتم فها أنتم تثبتون وجود حقيقة مطلقة، وإن قلتم نسبية فقد ثبت قولنا وهو وجود حقيقة مطلقة. فإن قالوا: بل نحمل نسبية الحقيقة/عدم وجود حقيقة مطلقة حملًا شائعًا -أي بلحاظ الماصدقات- لا حملًا أوليًا -أي بلحاظ المفهوم-. قلنا: قضيتكم سالبة كلية، ننقضها بموجبات جزئية هي من الكثرة بمكان ونبدأها بالحقائق الرياضية، مرورًا بالمعلومات البدهية/الضرورية كقولنا: الجزء أصغر من الكل، والشيء هو هو، واستحالة اجتماع النقيضين أو ارتفاعهما عند تحقق وحدات التناقض الثمان، وانتهاء بأقيسة موادها برهانية كوجود الواجب -جل مجده-. فهذه موجبات جزئية تنقض كلية سلبكم.
وأردفتُ: أما قولكم كل فكرة تولد مع نقيض لها فذاتية الدحض أيضًا، وخاصة مع تسويركم القضية بالكلية، لأن قولكم بهذا يلزم منكم أن فكرة الديالكتيك بحد ذاتها مولودة مع نقيض لها في صميم تكوينها. هذه نقطة. النقطة الثانية: نقيض الديالكتيك سيكون له نقيض، ولنقيض النقيض نقيض، ولنقيض نقيض النقيض نقيض، ويتسلسل القوم إلى ما لا نهاية. والتسلسل بالذات ممتنع عقلًا. طبعًا إذا شاغبوا بادعاء الحمل الأولي نقضناه بجزئيات كما سبق.
وختمتُ: ما يراه ماركس المحطة الأخيرة للمادية الجدلية (=الشيوعية المطلقة)، وحسب سيطرة قانون الديالكتيك، هي أيضًا فكرة مولودة مع بذور نقضها في صميم تكوينها؟ طبعًا ماركس يقول أن الديالكتيك يتوقف تمامًا عند وصول البشرية لتلكم المرحلة. ونقول ردًا عليه: لا يخلو: إما أن الديالكتيك هو قانون يسيطر على العالم حقًا، وهذا يعني أنه لن يتوقف عند الشيوعية المطلقة بل سيستمر النقض والتوليد، وإما أن عملية النقض والتوليد ستزول ضرورة مع زوال الطبقات.. وهذا يعني أن منطق الديالكتيك لا يحكم شيئًا، وإنما هو كبقية ما ترونه حقائقَ نسبية.
والقائلون بنسبية الحقيقة المصدقين لها إما أنهم من البلادة بمكان أو أنهم مفتونون بتغوطات الغرب فيما يسمونه "فلسفة."
ومضة: كُتب في أقل من نصف ساعة فتجاوزوا عن الأخطاء الإملائية حال وجودها تكرمًا.
هذا والحمدلله رب العالمين.
*الصحيح أن يقال ضدها، لكن القوم لا يفرقون بين الضد والنقيض؛ نقيض الشيء هو سلب وجوده، وجريتُ على اصطلاحهم حتى لا يقال لا حيلة لك.
يبدو انه كما وجدنا ولتر ستيس شديد التأثر بهيجل فى كتابه عن منطق هيجل وفلسفة الطبيعة فإننا هنا نجد الدكتور إمام عبد الفتاح شديد التأثر فى هيجليته بكتاب ستيس الذى ترجمه هو نفسه فنجد تناوله للمنطق نفسه وفلسفة الطبيعة شديدة الشبه بكتاب ستيس مع بعض الاضافات والتغييرات البسيطة فى الشرح والتفصيلات ولكن لا تمنع هذه التغييرات من ان نعتبر مضمون مادة الكتابين واحد تقريبا فالشروح والامثلة تتكرر وان كان اغلبها من امثلة هيجل نفسه الا ان اساليب الشرح والنقد والدفاعات التى قدموها عند بعض الاعتراضات على منطق هيجل خصوصا فى موضع الانتقال من دائرة المقولات فى المنطق الى دائرة فلسفة الطبيعة (الانتقال من الفكر المحض الى الوجود المتعين ) . نقول ان كل هذه المواضيع وهى مضمون الكتاب تكاد تكون واحدة فى كل من كتابى ستيس وامام عبد الفتاح. اما ما يميز هذا الكتاب هو اضافة دراسة مختصرة لعلاقة الفلسفات الحديثة التى نشأت بعد هيجل بالمنهج الهيجلى ومدى تأثرها به سواء من اتفق معها او غالى فى تقديرها او من عارضها او من اعاد ملىء شكلها او اطارها ( الجدلى ) بمضمون جديد - مادى بدلا من المضمون المثالى الهيجلى - ونقصد هنا الماركسين باتباعهم المنهج الجدلى بمقولاته لتشكيل فلسفتهم المادية ما نشأ عنه المادية التاريخية والجدل الطبيعى او المادية الجدلية ليعودوا بعد ذلك لينكروا اخذهم عن المنهج الهيجلى وادعائهم باكتشاف ماركس لهذا المنهج الجدلى واحيانا بأن ماركس اقام الجدل الهيجلى على قدميه بدلا من وقوفه على رأسه والمقصود هنا انه فى ماديته يبدأ الجدل من الوجود العينى لينتج عنه الفكر فى نهاية الجدل اما هيجل فانه يبدأ من الفكرة المحض لينتهى بالفكرة المطلقة التى هى الفكرة فى شكلها المتعين فالفكر عند هيجل هو كل شىء او هو اصل كل شىء وهو لذلك يدعى بمذهب المثالية المطلقة اما ماركس فانه يحاول اثبات ان المادة هى اصل كل شىء وان الفكر هو نتاج لتطور المادة وفكرة التطور هى احد اهم اسباب تبنى ماركس لمنطق هيجل الجدلى . وأخيرا يضيف الكاتب نقدا للمنطق فى بعض جوانبه ثم يضيف بعض التوضيحات التى تجعل اعتراضات كثيرة ناتجة عن سوء فهم هيجل فى بعض الاحيان ولكنه يبرز ايضا القضايا التى لم ينجح هيجل فى تبريره لاستنباطها وتلاعبه فى بعض الاحيان بمعنى بعض الكلمات التى لم يحدد معناها تحديدا واضحا منذ البداية . مما ينتج عنه خلط فى الفهم لدى القارىء يستخدمه الكاتب احيانا لسد بعض الثغرات فى مذهبه وهو ما لا تخلو منه اى فلسفة . ومع ذلك يظل للمنهج الهيجلى اهمية فلسفية كبيرة خصوصا انه اول محاولة ناجحة فى تنسيق الفلسفة تاريخيا (تاريخ الفلسفة ) كما تبعته نتائج علمية هائلة خصوصا انه اول دعوة لتحديد نسق علمى يضم خلاصة المعرفة البشرية وهيجل نفسه يعتبر منهجه هو النسق العلمى الاول والصحيح ومن العلماء الكثيرون ممن رأوا ان منهجه يفسر الكثير من الظواهر والنظريات العملية كالنظرية النسبية لأينشتاين او لظواهر فيزيائية كالكهرباء والمغناطيسية او كيميائية كالتفاعلات وأنواع المواد الكيميائية وفى علم الاحياء تعتبر نظرية التطور لدارون اوضح مثال على صحة المنهج الجدلى .
جهد عظيم و جبار من الدكتور إمام عبد الفتاح إمام في دراسة المنهج الجدلي عند هيجل دراسة عميقة ومفصلة، طبعًا مع مايُعرف عن صعوبة الفلسفة الهيجيلية بصفة عامة والمنطق بصفة خاصة، فله الشكر الجزيل مني على ذلك..
طبيعة المنهج الجدلي توجد إذا استطعنا تحليل طبيعة العقل، وطبيعة العقل هي الفكر. الفكر عبارة عن مجموعة من التصورات، والتصورات هي الخلايا الاولى التي يتكون منها الفكر. التصورات على انواع: أدناها الحسية أو المستمدة من الحس،وأعلاها التصورات العقلية الخالصة او المقولات. التصور أياً كان نوعه عبارة عن حركة ثلاثية(إيجاب وسلب وجمع بينهما). الفكر كله يتكون من هذه الحركة الثلاثية ، وهي حركة باطنية بمعنى ان عناصرها ليست إلا تفصيلات ذاتية او لحظات داخلية. توسم هذه الحركة الثلاثية بسمات خاصة من مكونات العقل: الجانب الاول فيها هو جانب الفهم الجانب الثاني هو جانب العقل السلبي الجانب الثالث وهو جانب العقل الإيجابي توصف هذه الجوانب ايضا بالمباشرة والتوسط والمباشرة التي دخلها السلب، وذلك على التوالي. تلك هي السمة الرئيسية للفكر، وهي تظهر في جميع مستوياته والوان نشاطه المختلفة. ليس الفكر ذاتيًا وإنما هو فكر موضوعي إذا ننتهي من المحسوسات و انغماسنا فيها لننتقل إلى المنهج الجدلي بطبيعته المنطقية الصارمة !!
أهمية المنهج الجدلي هو أنه أول محاولة لتنسيق الفلسفة عبر التاريخ وما تبعه من نتائج علمية هائلة مترتبة عليه
يُعاب عليه فقط ان هيجل في بعض الأحيان لم يكن يحدد بدقة المصطلحات التي يقصدها، مما يؤدي إلى سوء فهم كبير عند القارئ!!
الخرائط التوضيحية في النهاية ممتازة وفهرس المصطلحات ممتاز هو الآخر وتقسيم الكتاب كان منطقيًا
للمرة الأولى اقرأ عن المنهج الهيجلى بمثل هذه الإستفاضة والتركيز، وبرغم تقديرى الشديد لهيجل بناءاً على خلفية ماركسية إلا انى اكتشفت انه اقرب لكونه دجال منه لكونه فيلسوف، واستناد ماركس وانجلز لمنهج هيجل الجدلى فى تقديرى هو خطأ نظرى جسيم، أثر فى كل النظرية الماركسية، واتعجب كثيراً من نفسى الآن وانا اكتب ذلك.