سيتفاوت تقييمك كثيرا كقارئ فقط أم قارئ مهتم بالنقد أم قارئ يسعى للكتابة و يريد أن يفهم أسرارها. لأن به الكثير من الفنيات التي لا تهم القارئ العادي مثلي.
لو اقتصر فقط على تحليل الثلاثية نقديا كما فعل نجيب سرور في كتابه عنها لكان أمتع و أوجز و لكن الكتاب أرادها دراسة مقارنة مع أساطين الأدب الغربي و نابغيه. تحدثت سيزا قاسم عبر ثلاث محاور: الزمن الروائي – المكان الروائي – المنظور الروائي
و بدون الدخول في تفاصيل معقدة و تنظيرات مملة فإن الزمن الروائي يبحث في كيفية توظيف الكاتب لعوامل الماضي و الحاضر و المستقبل في روايته و كيف يدمج أحداث تاريخية أو جارية مع أحداثها و مدى إحساس القارئ بالخط الزمني للأحداث. أما المكان فيتعلق بوصف الأشياء و الأماكن و كيف يصنع الكاتب البيئة التي تدور فيها الأحداث و يشعر معها القارئ أنه يراها رأي العين و مدى الموائمة بين الزمان و المكان. و أخيرا المنظور الروائي و هو ما يعبر عن رؤية الكاتب و أيديولوجيته التي يريد توصيلها للقارئ و تحليلها على مستوى المكان و الزمان و النفسية و التعبير.
كانت فيما مضى تصدر عن مكتبة الأسرة سلسلة خاصة تهتم بالكتابات المميزة لبنات حواء، اسم السلسة "إبداع المرأة" قرأت فيها "ثلاثية غرناطة" وهذا الكتاب، والواضح فيهما ما تتميز به هذه الاختيارات، تميزًا ينأى بها حتى عن تصنيفها النوعي الضيّق. فالاختيار الأول تميزه كان في حد ذاته نشر كتاب بذيوع ثلاثية غرناطة واقتناصه من فم دار الشروق ليباع في مكتبة الأسرة. ولكم هو رائع أن تتعرف على "كاتبات" لهن تجارب مميزة تستحق الإشادة، فعلى الأقل هناك وجود نسوي في المشهد الثقافي، وجود يثبت قدرته وأحقيته في القيادة، خطوة جادة لتمكين نصف المجتمع وإتاحة لبث رأيه بثقة واستقباله بطمأنينة، في رأيي خطوات كهذه هي ما تدعم حرية وحقوق المرأة، أن تتيح لها المنافذ لتتحدث، لا أن يتحدث آخر باسمها.. طبعًا اختفت السلسلة واختفى معها هذا التحفيز، واكتفت مكتبة الأسرة بسلاسلها الرئيسية. .... سيزا قاسم ناقدة نافذة، وإن كانت تسمي هذا العمل تحليلًا لا نقدًا. ظننت أني لن أجد هذا الشخص القادر على التجرؤ على صرح نجيب محفوظ؛ أن يدّعي ضعفًا من ناحية ما في الثلاثية- أحد أكمل أعماله. لكن هذه السيدة تجرأت (ربما لأن ذلك قبل نوبل، لكن جرأتها العقلية مهمة) وأطلقت عبارات من قبيل "ضعف في الوصف"... هل تصدّق؟!! (ضعف في الوصف) كلمة تُقال في نجيب محفوظ! سخطت عليها طبعًا لأنها مسّت أحد مقدساتي، مقدس اعتبرته كاملًا، لم أجد فيه عيبًا واحدًا، حتى قضية الحوار بالفصحى، فلم أتمسك به كثيرًا، ولم أعتبره عيبًا، فخلت الرواية من كل العيوب، لهذا فقد كان مُقدّسًا- لأني لم أعرفه. لكن بتتبع تحليلها السهل المنساب بلا تعقيد، خف سخطي، وثلمت حدتي، ثم نبذت العنف! وفي النهاية وافقتها، نعم هناك قصورًا في وصف نجيب محفوظ، يتعلّق بالأماكن بصفة خاصة وبتفاصيلها، فرغم أن الثلاثية هي ثلاثية القاهرة، فالقاهرة ليست موجودة في الحقيقة في الرواية، صبّ نجيب محفوظ كل اهتمامه على الشخصيات. فانزوت الأماكن وصارت مؤازرة فقط للشخصيات، تخدمها، كما فعل مع وصف الطبيعة- الأشياء... إلخ. تلك التفاصيل التي تجعل من الرواية رواية واقعية متكاملة. لكن هذا لا يعني أني في البداية كنت مؤمنًا بنجيب محفوظ، والآن أكفر به! فهو لا يزال عبقريًا عظيمًا، لكن الفرق أنه لم يعد مقدسًا، لأنه لم يعد مجهولًا. ولا يعني أيضًا أن الرواية ناقصة نقصانًا معيبًا، وأنه لو تنبّه لهذه الملاحظات لكان أكثر عظمة وكمالا، لا بالطبع، فالثلاثية لا زالت عظيمة، لأنه في الحقيقة لا يوجد عمل فني مقدس أو خالٍ من العيوب، وعلينا أن نبحث عنه إن لمسنا في أنفسنا ميلًا للتقديس. وأعتقد أن شعور العظمة والكمال الذي يصاحبنا بعد قراءة عمل ما، يكون واقعًا تحت تأثير الانبهار بهذا العمل، هذا الوقوع العاطفي البحت الذي لا يذيبه إلا مرور الزمن، فقديمًا عندما قرأت تشيخوف، كنت واقعًا تحت هذا التأثير المتعصب النابذ لكل فكرة مُعارضة، يؤلمني سماع كلمة تشكك في عظمته، خصوصًا وإن كانت تشبه الحقيقة، أما الآن فأنا على استعداد أن أستمع إلى أية فكرة معارضة لتشيخوف بصدر رحب، لكن هذا الاحترام والتبجيل لا يزولان أبدًا، إنما الذي يزول هو هذا الشعور العاطفي الساذج الهائم في الخيالات، فهذا كفيلٌ به الزمن. مثل بيدرو بارامو التي أعرف أنها في يومٍ ما سينطفيء هيامي اللاعقلاني بها. رغم أني لا أدري كيف يحدث شيء كهذا مع بيدرو بارامو، على الأقل في الوقت الحالي!
ومع ذلك فلم أكن أوافقها في كل ما ذكرته، وأعتقد أنها أفرطت في وصف "وصف" نجيب محفوظ بالقصور، تحت تأثير مقارنتها بالأعمال الواقعية الأوروبية، وكان بعض مما تعتبره قصورًا في الوصف أعتبره ذكاءًا في الاختصار والحذف. انتبهت لهذا الجزء بالذات من الكتاب، كونه قام بتحليل جيد لوصف نجيب محفوظ، ونقد أسلوبه بشكلٍ ذكيّ. لكن في بقية أجزاء الكتاب فهي تدرس أسلوبه من جميع النواحي، مبينة نقاط القوة التي جعلت من الثلاثية عملا متكاملًا متفرّدًا، لتعترف أيضًا في النهاية بقدرة نجيب محفوظ الفذة في الخلق.
في النهاية فأنا أحب أن أشيد بـ "سهولة" و"إمتاع" هذا العمل النقدي. فبالنسبة لنا ما يهم في كتاب نقدي أن يكون سهلًا وممتعًا.
لست "شغوفًا" بالكتابات النقدية، ولكن المميز فى هذا الكتاب هو التركيز على تفاصيل التفاصيل، والالتصاق بالأسلوب العلمى فى التناول ..
الكتاب يعطيك فكرة رائعة عن الزمان والمكان والمنظور فى الرواية، ويقارن لك بين أنواع عدة من الأدب، أبرزت المؤلفة بشدة تيار الواقعية (بلزاك & فلوبير & جلزرورذى ) وتيار الوعى (فيرجينيا وولف) ..كما تحدثت عن "زولا" بإعتباره ممثل تيار الطبيعة ..
أما عن رؤيتها للثلاثية وللطريقة المحفوظية فجاءت عميقة، نظرة تحليلية رائعة، تقول لك ما كان له وما قد يؤخذ عليه وتبين أن محفوظ كان يهتم بنقل الفعل قبل الصورة الاستقصائية. وكيف أن الرواية كانت تتميز بالاستاتيكية والانحصار فى بضعة أماكن إلا أن الحوار الداخلى والاهتمام بوصف الفعل هما مَن أضفيا عليا هذا الرونق. أما الزمن عند محفوظ فهو مُحكم البناء، لا يترك ثغرات زمنية بشكلٍ كبير، ولا يقوم بذكر التفاصيل الوقتية كالساعة واليوم، لكنه كان يمكن أن يستعيض بذلك بأن يذكر الفصل (ربيع/خريف/...) أو الفترة اليومية (عصر/ظهر/...) وهكذا ،، كما أن محفوظ انتقائى فى بناء الزمان، فيختلف عن بلزاك فى ذلك، فمحفوظ يبتعد عن التلخيص أما بلزاك فيحب أن يذكر لك كل ما يقع فى رواياته وقد قال محفوظ عن ذلك : (أعلم أن بلزاك كاتبا عبقريا... لكن لم يكن باستطاعتى أن احتمله وهو يصف مشهدًا فى ثمانين صفجة مثلًا ... ) ولهذا فمحفوظ يميل أكثر لانتقاء ما يضيف لنصّه ووصفه.
أنصح بقراءة هذا الكتاب لكل من تتداخل مع الرواية دراسته، أو لكل محبٍّ للرواية بشكل عام .
تاريخ القراءة الأصلية : ٢٠٠٩ سيزا قاسم ناقدة مصرية مجددة ومهمة للغاية، تقوم في هذه الدراسة الرائدة بتقييم طازج للبناء الروائي في ثلاثية محفوظ من زاوية مدرسة تفكيك النص في النقد الأدبي
في احدى اللقاءات الأذاعية مع محفوظ اتسال اذا كان المكان هو المفتاح او حجر الاساس في رواياته فكان رده ان اه ممكن نقول كدة لكن لا يوجد مكان بدون زمان, عجبني اوي تشبيه الزمن بالموسيقى في علاقة الفنون ببعض و ازاى ان في ترابط و تلاحم بين الفنون و ان المكان بيشبه الرسم, لكن كمان عند محفوظ هو بيشبه الصورة المتحركة اكتر ما هو بيشبه الرسم الثابت
كتاب جميل وأفضل ما فيه أكاديميته وإعطاء أمثلة أحيانا .. وهو فى النهاية متأثر بكتاب خطاب الحكاية لجيرار جينيت .. فكما فعل جينيت مع رواية بروست البحث عن الزمن المفقود فعلت سيزا اسم مع الثلاثية لكن بإتقان أقل, لكنه مشكور بالتأكيد.
لم اقرأهُ بعد، لكن هذا الكتاب جاء من ضمن المفردات التنافسية للقبول بالدراسات العليا/تربيةعربي/جامعةالمستنصرية، ان شاءالله سوف اقرأهُ في رمضان واتمنى كل شخص يقرأ تعليقي يدعو لي بالنجاح والتفوق