What do you think?
Rate this book


130 pages, Paperback
First published January 1, 2006
سأل أحد الطلبة في المغرب رولان بارت "ما فائدة البنيوية بالنسبة لبلد من العالم الثالث؟" قد يبدو السؤال مشاكسًا مُستفزًا، ولكنه مع ذلك في محله لأنه يضع ظاهرة فكرية في سياق تاريخي معين وحيز مُحدّد. سؤال يختلف عن السؤال الساذج الذي كنا نتداوله في الماضي "ما فائدة الأدب؟"
أخذت تطفو داخلي فكرة إعادة النظر في المقررات المناهج وطرق التدريس، ومع مرور الأيام تغيّرت نظرتي إلى الأدب: لم أعد أقرأ كما كنت أفعل في السابق، وعندما تتغيّر القراءة؛ تتغيّر الكتابة لا محالة.
إننا نتخيّل أحيانًا أنه تكفي معرفة العربية لكي نفهم النصوص الكلاسيكية. هذا التخيل ليس صحيحًا كل الصحة. القاموس وحده لا ينفع في تقريب المسافة بين شاعر كالوأواء وابن سُكرة وقارئ القرن العشرين. لا بُد من معرفة شيء آخر ليتم اللقاء، ذلك لأن هناك مجموعة عناصر (المُتكلّم – الخطاب – المُخاطَب – النَّسق) يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لفهم النصوص الكلاسيكية، لأن المؤلِّف الكلاسيكي بالأساس يُخاطب مُعاصريه
يحدث سوء التفاهم عندما نعتمد على نسق حديث أثناء حكمنا على نصوص قديمة ترتكز على نسق مخالف. وهذا يؤدي إلى أحكام لا نقول إنها خاطئة، ولكن في غير محلها. لا ينبغي أن نتوهم أن النسق الكلاسيكي ماثل أمامنا بوضوح بحيث يكفي أن نمد يدنا لاقتناصه. لا بُد من تركيبه وتنظيمه من جديد، وهذا يتطلب منا ألا ننسى المسافة التي تفصلنا عنه، فالسؤال الذي وضعه أبو نواس في الشعر الجاهلي ليس هو وضعه جرير. وسؤال شوقي ليس هو السؤال الذي قد يتبادر إلى ذهن أحدنا اليوم.
لم يكن السرد مقبولًا في الثقافة الكلاسيكية إلا عندما يشتمل على حكمة (كليلة ودمنة) أو عِبرة (السرد التاريخي) أو صورة بلاغية ترفع من قدره (المقامات). إذا تعرّى السرد من الحكمة ومن العِبرة ومن البديع فإنه يُرفَض باحتقار. لهذا السبب أُهملت حكايات ألف ليلة وليلة في الثقافة الكلاسيكية
إننا عادة نتكلم عن البلاغة وكأنها شيء واضح المعالم معروض أمامنا ببساطة وما علينا إلا أن نقتطف ثماره. هذا التصور ينبغي تصحيحه. ذلك أن ما يُسمى البلاغة مغروس في غابة من المعارف والعلوم وليس من الصواب المنهجي دراسة أحد هذه العلوم بمعزل عن العلوم الأخرى. البلاغة لها ارتباطات بالنحو والتفسير وعلم الإعجاز والمنطق وعلم الكلام.
المعاني المُبتذلة تثير في نفوسنا نوعًا من التقزز، أما في العصر الكلاسيكي فقد كان لها شأن آخر. ذلك أن المعنى المُبتذل يلعب دورًا سلبيًا في الأدب الحديث ودورًا إيجابيًا في الأدب القديم. ويرجع ذلك الاختلاف لكون الأدب الحديث يتغيّر بسرعة بينما لم يكن الأدب القديم يتغيّر إلا ببطء شديد