نقد د/ عزة هيكل أستاذ الأدب المقارن بكلية الألسن للمجموعة القصصية "كوكو" للكاتب د/ هشام عبد الغفار

قامت اللجنة الثقافية بنادى الصيد المصرى بالدقى بعقد ندوة لمناقشة المجموعة القصصية للكاتب د/ هشام عبد الغفار "كوكو". وفيما يلى نقد الدكتورة/ عزة هيكل أستاذ الأدب المقارن بكلية الألسن للمجموعة.

صدرت المجموعة عن دار نشر كتابات وتقع فى 170 صفحة من القطع المتوسط تحتوى على عشرة قصص (ست الدنيا، كوكو، لا حليب لكم، الديك، الذكور يستحمون بالماء الساخن، يوستينوس، تذكرة لدخول الجنة، موناليزا مصرية، الرجال لا يطلبون المغفرة، فراس والضوء الأحمر) كما تحتوى المجموعة باب مخصص لتعليقات القراء الذين تفاعلوا مع الكاتب بعد قراءة القصص على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك.

كتبت د عزة هيكل تعليقا على المجموعة " من أجمل بل أجمل وأنضج مجموعة قصصية قرأتها منذ لغة الأى أى ليوسف إدريس"

قالت الدكتورة/ عزة هيكل:
أبدء من العنوان "كوكو" وهو كإسم يوحى أنها مجموعة قصصية تميل للحداثة الشديدة.
أصبت بحالة من الدهشة الفنية عند قراءة هذه المجموعة القصصية لأننى وجدت فيها رائحة الأديب الراحل يوسف أدريس لم اكن أعرف أن د/ هشام عبد الغفار طبيب لكنى لمحت كثيرا من ملامح يوسف ادريس عنده مثل: المفردات، المعطيات، التحليل النفسى، الإهتمام بالغور فى اسبار الشخصية والدخول فى تفاصيلها... وجدت أننى أمام ملمح من يوسف ادريس ولكن بإسلوب جديد.
اسمحوا لى ان أقول انه من قراءتى فإن هذه المحموعة تبشر بكاتب جديد فى مجال القصة القصيرة وهذا ليس مجاملة للدكتور/ هشام عبد الغفار فأنا لا أعرفه وتعرفت عليه من خلال كتابه.
أبدء تحليلى من الإهداء الافت للنظر والمؤمن بفكرة الفلسفة الإهداء ل محى الدين إبن عربى الفيلسوف، المتصوف، الشاعر، والفقيه إختار الكاتب إحدى تجلياته لتتصدر كتابه "أدين بدين الحب أنى توجهت ركابئه فالحب دينى وإيمانى" البداية إذا بالحب، الحب بكل صوره واشكاله وإن كان الكاتب ركز على الحب الحسى.
المجموعة القصصية يمكن ان ننظر لها من خلال مدرستين نقديتن: المدرسة الأولى مدرسة التحليل النفسى، والمدرسة الثانية المدرسة التفكيكية أو دراسة اللفظ والإستخدام اللغوى فى تركيب الشخصية و توضيحها وشرح الحدث وفى نفس الوقت تحليل ما فى داخل الشخصية.
المجموعة مكونة من عشر قصص ستة منها البطل أو الراوى إسمه (محمود)، وهذا ليس عيبا فى العمل، ولكنه يعطى خط يربط الشخصيات بعضها ببعض ويعطى علامة انه ربما يوجد نوع من السيرة الذاتية، ليست سيرة ذاتية كاملة ولكن هناك احساس ان الكاتب هو (محمود) بكل نقائصه، ثورته، جنوحه، حبه وثائرته الداخلية. الأربع قصص الأخريات فيهم قصتان تعتمدان على ما يسمى بالمنولوج الداخلى، ليس هناك شخصيات، ليس هناك حوار، ليس هناك سرد او وصف، بل مجرد مونولوج حوار بين الشخصية وذاتها، بين الشخصية وضميرها، بين الشخصية وصراعاتها الداخلية هناك صراع داخلى دائر، وهذا النوع من الكتابة اقرب الى المسرح لكن استخدامه فى فن الرواية يخلق نوع من القرب والتواصل والتفاعل والتماهى مع الشخصية أو مع الكاتب.
ست الدنيا القصة الأولى تتحدث عن بيروت، استخدام اسم ست الدنيا وتداعيات اغنية ماجدة الرومى تجعلنا نحس اننا امام قصة حب ورغبة فى اللقاء، لكن هناك اكتشاف ان الحب اذا اقترن بالكذب لن يكون حبا صادقا للأن البطل كذب على الرجل الذى سوف يساعده فى الوصول الى بيروت، هذا الكذب الواضح يفكك حالة الحب ويقوض اركانها.. كل الوله والشغف يتداعى وينتهى مع لحظة اكتشاف القارئ ان هذا البطل المحب، المتشوق، الراغب... كاذب.
كوكو، وهى القصة التى إختارها عنوانا للمجموعة، تتحدث عن الصراع الطبقى فى الحياة الذى إنتقل الى مجال الإعلام والصحافة. كيف ان من يصلون الى احتلال الصدارة والشاشات عليهم ان يكونوا اما بالوارثة، مثل كوكو السمين الذى له نفوذ من والده وأمواله، أو علاقة الصحفى محمود بأمن الدولة، كيف يستطيع الإنسان ان يتسلق السلم الإجتماعى فى مجتمع يسوده النفاق والفساد عن طريق التخابر على زملائه، ولكن الجميل فى نهاية شخصية محمود، ان ضميره حى فقد اصبح يتقيئ، يخرج ما فى داخله، يخرج الفساد الذى بداخله.. انه اصبح لا يستطيع ان يتحمل كم الحقد والغل والكراهية التى تتملكه كأنه بدء يأكل نفسه ويأكل ذاته، حتى يستطيع أن يتماشى مع الآخريين، ولكنه مع أكله لذاته ينتهى ويتلاشى هذه القصة بها ارهاصة بمنطق علم النفس عن المجتمع المصرى الذى وصل الى مرحلة من الكراهية والحقد بحيث أصبح ياكل نفسه.
قصة الديك هى قصة مغرقة فى الجنس وفكرة الذكورة والفحولة، وبخلاف قصة يوستينوس الذى تتحدث عن أحد جنود الأمن المركزى، فأن واحدة من أجمل قصص المجموعة هى قصة تذكرة لدخول الجنة وقد كتبت هذه القصة ببراعة لأنها تعبر عن عدة طبقات من المعرفة علينا أن نتأملها هذه القصة تتحدث أولآ عن صراع الحضارات، و ثانيا عن صراع الأديان، وثالثا الصراع داخل الثقافة الواحدة... تتحدث عن الحلم الأمريكى وعن بطل القصة الذى كان حلمه ان يذهب لأمريكا لكن لحظة دخوله الى المطار الأمريكى إستقبلته أمريكا الحقيقية، امريكا التى نحلم بها جميعا ونتصور انها بلد الحرية والديموقراطية والعدل والمساواة، لكن امريكا الحقيقة التى استقبلت بطل القصة هى بلد متناقضة، منافقة، متعصبة وهذا ما يوضحه الكاتب دون ان يصرح.. إستقبل بطل القصة رشيد مسلم من شرق آسيا وطلب منه ان يذهبا للصلاة. البداية إظهار الدين وفكرة التدين والتمسح فى العبادات، وعندما اخذا يسألا عن مكان للصلاة اكتشفا انه لا يوجد مسجد سألا ضباط وحدثت بينهما وبينه مشادة وتبين ان الضابط يهودى الذى احضر لهما ضابط آخر يدعى جمال، مشيرا الى الثقافات المختلفة داخل أمريكا، ومظهرا التعصب من اول لحظة... تم تاويل كلام البطل خطء لصالح فكرة التعصب ضد المسلمين وانهم ارهابيون وقتلة، فتم وضع البطل و رشيد فى زنزانة لمدة ساعات وهنا حدثت مواجهة بين الدين الحقيقى الذى يمثله البطل ومظاهر الدين التى يمثلها رشيد.. فرشيد خائف جبان وكل ما يريده ان يظهر دينه ،اما البطل بطبيعته، وعلى الرغم من انه لم يكن يصلى ويشرب، الا انه مؤمن بداخله.. اى ان الإيمان لا يحتاج لمظهر، وان القوة لا تحتاج لمن يساندها الا الإيمان بالله والحق فعندما خرج البطل من زنزانته خرج بقوته... فكرة صراع الحضارات وصراع الثقافات وفكرة التدين المظهرى والإيمان الداخلى. الشخصيات وحواراتها كانت مقتضبة لكن معبرة
موناليزا مصرية وبطلها ايضا محمود ونهايتها صادمة ولكن بها تداعيات الحديث عن علاقة المصريين المسلميين والمسيحيين ببعضهما فالبطلة مصرية مسلمة لكن ملامحمها مسيحية
فراس والضوء الأحمر قصة اذا ما قرأناها قراءة سيميوطيقية، اى قراءة لغة الجسد، فالقصة القصيرة يمكن ان تقرء بإستخدام السيميوطيقا أو ان لغة الجسد، تعبر عن مكنون الغرائز والنفس البشرية. أنا اختلف مع الكاتب للأنه يكتب من منطلق ذكورة بحت و بعيد تماما عن الأدب النسوى فهو يتحدث عن المرأة ولا يعرف المرأة، هو يتحدث عن المرأة متصورا ان هذه هى المرأة، و هذه ليست هى المرأة.. دعوا المرأة تتحدث عن نفسها.. هو يصف بطلة القصة نرميين بانها صاحبة صوت أجش من كثرة السجائر التى تشربها وكثر اعطاء الأوامر، ولهذا يجب ان تكون امرأة جافة وفاشلة ليس لها رجل، لكنها تبحث عن المتعة فى أى رجل تراه، وقد تستخدم أداة للمتعة وتمارس الجنس مع ذاتها... هذه فكرة ذكورية وليست فكرة نسائية
اثنى على فكرة الأدب الذكورى عند الكاتب فى قصيتين كانوا بالنسبة لى صادمتين القصة الأولى هى الذكور يستحمون بالماء الساخن والقصة الثانية الرجال لا يطلبون المغفرة القصة الأولى تذكرنى بمقولة يوسف وهبى "شرف البنت زى عود الكبريت ما يولعش الا مرة واحدة" لكن شرف الرجل مش مشكلة يولع على طول.... ان المرأة اذا اقترفت الخطيئة انتهت، وكأن المرأة جسد تقام من اجله الحروب وتوئد النساء وتهدم الممالك لمجرد الخطيئة.. لكن الرجال من حقهم ان يستحموا بالماء الساخن ويتطهروا ويعودوا كالملاك من جديد...هذا ما كتبه الكاتب!!!! كذلك فى قصة الرجال لا يطلبون المغفرة من حق الرجل ان يتعدد فى علاقاته و نزواته، وان يكون له اكثر من محظية بأى دعوة قد تكون عشيقة او حبيبة او زوجة..فكرة ان التعدد لا تنقص الرجل ولا تجعله يطلب المغفرة، لا من الأرض ولا من السماء... كتب الكاتب هاتين القصتين بطريقة المونولوج لاتوجد شخصيات فقط الكاتب مع ذاته
لا حليب لكم قصة تتحدث عن الخصخصة وبيع القطاع العام وعن فكرة الأشياء البسيطة التى تسلب من حقوق العمال وايضا تتحدث عن فكرة كيف يتحول الإنسان المصرى الى شخص مهادن مسالم حتى يترك كل حقوقه
اخيرا الدكتور/ هشام عبد الغفار كاتب متميز جدا وليس خلافى معه نقصان ولكن توضيح. هو يملك ناصية اللغة، يملك ناصية القصة القصيرة، قام برسم الشخصيات بمنتهى القدرة وبمنتهى الحرفية يتماهى مع شخصياته، وهناك كثيرا من التماثل بينه وبين شخصية محمود بطل قصصه. الجنس يؤرقه، السياسة تشغله، قصته عن رجل الأمن المركزى توضح اهتمامه بقضايا الفقر والجهل والشعب المقهور.

الدكتور/ هشام عبد الغفار بشائر لكاتب كبير على الرغم من ان هذه مجموعته القصصية الأولى
د/ عزة هيكل
2 likes ·   •  1 comment  •  flag
Share on Twitter
Published on August 15, 2011 15:59
Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

back to top