آهٍ .. كم أحتاجُ للكتابةِ
للتمرغِ بسوادِ الحبّرِ و بياضِ الورق
البياضُ الذي ينتشرُ في دميِّ
كسحابةٍ من قُطنٍ مُبلل ..
كم أحتاجُ للغةٍ ترفرفُ كفراشةٍ جناحيها ضَوء
تخرجُ من تحتِ جلدي / معطفي
تخرجُ من أناملي .. من عاطفتي
من أقصى قطرةِ فَرح في خاطري
تطيرُ عالياً .. عالياً
تحطُ على وجهِ الكونِ .. فيبتسم
كم أحتاجُ للكتابةِ عن الحُبِّ ...
حين تفوحُ رائحتهُ في أوردةِ الكائنات
حين ينهمرُّ سخياً .. دافئاً في قلوبِ النّاسِ كخبزٍ ساخن
يتقاسمونهُ بصدقٍ و سخاء
كم أحتاجُ للكتابةِ عن الأحلامِ المُرّةِ / الحلوة ..
حينَ تسيلُ في شقوقِ الليلِ كعطرٍ يصعبُ إمساكه
وعن البُكاء حينَ يصيرُ جميلاً ...
كمدفئةٍ عتيقةٍ في شتاءِ المشاعرِ
كضوءِ القطاراتِ يومضُ من بعيدٍ
يشُدنا للمجهول ..
جميلاً كوجهِ فتاةٍ تتظاهرُ بالفَرح
وفي صدرها يتنهدُ حزنٌ خفي
جميلاً كقصيدةٍ لن تُكتب / لن تُقرأ
ولن يبكي فوقَ سُجادها الأخضر عاشق !
كم أحتاجُ للكتابةِ عن الوجوهِ القديمة ..
عن الصباحاتِ المنتعشةِ بالضَوء
عن أحلامِ العصافيرِ
عن الحاراتِ الدافئةِ ..
والأزقةِ التي لونها ضحكاتُ الصغار
عن الأغاني القديمة حين تتمايلُ الأمهاتُ صباحاً ..
قُربَ ألحانها كسنابلِ الأرض
عن القلوب حين كانت ترتدي البساطةَ والفَرح
تمرُّ من فوقِ جسرِ الحياةِ راضيةً رغُم الوجع
عن هذا العالم حين كانَ كبيراً وكنّا نتسعُ له
فلمَّا صار صغيراً وقريباً .. ضاق بنا وضقنا به !
كم أحتاجُ للكتابةِ عن كُلِّ شيء وعن أي شيء
يعيدُّ رائحةَ الفجر لدّمي .. يعيدُّ اللونَ لكلماتي
يعيدُّ الإنسانَ .. إنساناً في عيني
أحتاجُ لنصٍ غزير..
غزير كصوتِ المطر في الشوارعِ الخالية ..