محمود المحادين محمود’s Comments (group member since Jun 07, 2018)



Showing 1-7 of 7

Sep 20, 2018 03:39AM

50x66 ((رسالة من مجهول))

قصة قصيرة
محمود فلاح المحادين

إنتهت من رسم لوحتها التي إستمرت تعمل عليها لأسابيع، تنفست بعمق كأن حملاً ثقيلاً انزاح عن روحها، صنعت لنفسها فنجاناً من القهوة، ليس فنجاناً بل كوباً أسوداً عليه خفاش بارز كأنه حقيقي …لونه الأصلي أبيض ولكنها تحب التواصل مع الأشياء بريشتها، ليست تعرف لغة أخرى سوى الألوان،،، عندما اشترته في إحدى المرات القليلة التي تغادر فيها مشغلها الذي يحتل نصف بيتها بينما تحتل لوحاتها النصف الثاني منه كان أبيضاً ناصعاً وكان أول ما قامت به أن كسرت مقبضه ثم أعادت صنعها من الفخار ثم صبغته باللون الأسود ثم صنعت خفاشاً من المعجون وألصقت به وانتظرته حتى جف وبدأت بإستخدامه حتى أصبح كوبها الرئيسي الملازم لها دائماً…

فتحت شاشة الحاسوب ودخلت إلى حسابها الشخصي المهمل على الفيسبوك، لديها طقوسها الخاصة! لا تخجل من الإعتراف بأنها فاشلة في التواصل مع الآخرين، كانت تغيب لأشهر عن حسابها الشخصي ثم تعود لتجد مئات الرسائل، لا ترد عليها فهي لا ترد على الإتصالات في العالم الواقعي وتجد مشكلة في الإبتسام في وجه من تكره من منافقين وأوغاد كما تسميهم، فكيف ستكترث لمن يحاول التواصل معها في العالم الإفتراضي؟! تأخذ جولة سريعة في الأخبار، قتل، تدمير، تهنئة، تخريج، خطوبة زواج، نعي، ولادة، نثر ممزق يكتب صاحبه في نهايته أنه شعر، صور كاذبة لحالات تبرع لفقراء، كلام أجوف من أكاديمي يدعي أنه مثقف يطالب فيه الناس بعدم الخروج إلى الشارع، فتاة مهووسة بخطيبها فتلوث أبصارنا بصوره أينما حل،فيديوهات بث مباشر لأطفال يدخنون الأرجيلة بملابسهم الداخلية، اقتتالات تسمى جزافاً بأنها نقاشات حول الانتماءات الدينية،سيدة تنشر صور احتفالها بالطلاق من زوجها، تفاهة، تفاهة، تفاهة، تردد هذه الكلمة بينما ترتشف المزيد من قهوتها متصفحة المزيد من الأخبار…

تفتح صندوق الرسائل، لا تضغط على الرسائل التي تعرف مرسليها كي لا يعرفوا أنها قرأتها ولم ترد… تضغط على المزيد بينما تتمتم، كاذب،كاذبة، كاذب،منافق،منافقة، متملق، انتهازي، مقرفة، مملة، تافهة، مغرورة، وصولي،متسلق، من هذا؟!

توقفت فهي لا تعرف من يكون صاحب هذه الرسالة،كلمة واحدة تظهر لها من الخارج، هيا أحبيني! عليها أن تفتح الرسالة لتقرأها كاملة، الإسم مألوف لديها،سمير أحمد، لا بد أنها إلتقت به في أحد معارضها أو ربما في حفل أو مهرجان،ليست متأكدة تماماً ولكنها ستقرأ الرسالة…بجميع الأحوال هي في فترة إستراحة من العمل فما المانع من بعض التسلية… ضغطت على الرسالة ولم تتوقع بأنها بهذا الطول…

الحقيقة أن المفاجأة لم تكن فقط في طول الرسالة، بل بأسلوبها الذي لم تعتد أن يستخدمه معها أحد، بالعادة وعندما تصلها رسائل من المتطفلين والأغبياء والأطفال فهي تحذفها مباشرة وتحظر مرسلها كي لا يتمكن من التواصل معها مرة أخرى، هي تؤمن بأن فتاة بعمرها ومزاجها المتقلب وعنجهيتها وتطرفها الفكري لا تصلح للحب والألاعيب، هي لا تطيق نفسها أحياناً، لطالما فكرت بأنها خطر على كل من يفكر بالإقتراب منها،،،،أصدقائها أو ما تبقى منهم يسمونها نور الثورية وأحياناً المتمردة ولكنها لا تحب أن يناديها أحد سوى شادية تيمناً بشادية أبو غزالة التي استشهدت بإنفجار قنبلة يدوية كانت تصنعها في منزلها لتزود بها المقاتلين في حزب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،كانت تقول بأنها تشبهها لأنها ولدت بعد النكبة وماتت بعد النكسة فحياتها كانت بين نكبة ونكسة… حاولت نور أن تنضم إلى أحزاب سياسية وخرجت مرات عدة في اعتصامات ولطالما تعرضت للمضايقات من الجهات الأمنية ولطالما واجهت صعوبات في إتمام إجراءات معاملة حكومية بسيطة فقط بسبب نشاطها السياسي… بل حتى صورها الشخصية وصور أخواتها وأمها كانت تنشر بعد تعديلها عبر مواقع التواصل مرفقة بعناوين مقززة… كل هذا لم يكن ليهدئ من حماسة نور وعنادها الذي لا تتقن سواه،،،لم تكن تتذمر من هذا كله، بل إنها كانت ترفع من معنويات أصدقائها وتذهب لزيارتهم في أماكن اعتقالهم وبعد أن يخرجوا… ولكنها بعد تجربة ليست باليسيرة شعرت بإحباط عام خاصة أن التشرذم هو ما كان يسيطر على المشهد،،، وجدت أننا مهما بلغنا من عمرنا في التجربة السياسية فنحن لم نرتق بعد لما يمكن تسميته معارضة حقيقية… أيقنت أن قرارها كان سليماً بعد أن تراجعت وانقطعت زيارات بعض أصدقائها القدامى الذين عملوا معها لسنوات في النشاط السياسي،على مشارف الثلاثين من عمرها تعيش وحيدة وسعيدة بين لوحاتها بعد أن تركت منزل أهلها بعد عدة محاولات لتزويجها إنتهت آخر واحدة منها نهاية ملحمية عندما خرجت نور حاملة ملعقة كبيرة تدق بها على المقلاة الحديدية لتوهم القادمين لخطبتها بأنها مجنونة….

هيا أحبيني!بسرعة! بدون مقدمات وبالطريقة الكلاسيكية التي لم يعد أحد يستخدمها! ليس بالضرورة أن أسلك طرقاً ملتوية أو أبدأ بالتلميح أو التورية! أو لا تفعلي! ولكنك ستفعلين! وما الذي يمنعك؟ ستحبيني رغماً عنك! أتعتقدين أنك مجنونة وعصية على الحب؟! أنا مختل أيضاً! هيا ليس لدي الوقت كله لأسمع إجابتك! دعينا ننتهي من هذا الأمر بسرعة، أحبيني أو اكرهيني، لدي الكثير من الأمور لقضائها،وسيكون من الأفضل أن ترفضي حبي فالوقت الذي إستهلكته لكتابة الرسالة كان يكفيني لإلتهام إفطاري، فأرجو أن لا تكوني سبباً في خسارتي لوجبة أخرى!

نظرت إلى تاريخ الرسالة فإذا به يعود لخمسة أشهر ماضية، في أيلول تحديداً، لا تعرف لماذا انقبض قلبها، تألمت لأنها لم تقرأها حينها فقد كانت في حالة يرثى لها وكانت رسالة مجنونة كهذه لتعيد لها إتزانها! ولكن لماذا لا تتعامل مع هذه الرسالة كبقية رسائل الإزعاج الأخرى!

يالجنونه! هل يعرف كيف كانت نهاية آخر شخص حاول أن يتحدث معي بهذه الطريقة! لماذا تضحكني هذه الرسالة؟! هل أميل للمجانين أمثالي؟! هل كنت بحاجة لهزة قوية تذكرني بإنسانيتي! لماذا يدغدغني هذا الكلام الفج؟! هل تشوهت فطرتي كأنثى تحب كلمات الغزل والدلال؟! لست ساذجة لأقع في حب شخص يداهم خصوصيتي ويطالبني بأن أحبه بالقوة! ولكن هناك سراً في هذه الكلمات تجعلني أتقبلها بطريقة عادية ولا أرى فيها انتقاصاً من قدري… ولماذا لا أعترف أنها حركتني كأنثى! ولكن لحظة، ما هي الأنثى؟! إنها المرة الأولى التي أتحدث مع نفسي بهذه الطريقة! لنترك تعريف الأنثى جانباً الآن فلست في مزاج جيد لمناقشته ولكن هل هذه الرسالة أسعدتني؟ نعم بالتأكيد! منذ متى لم أجرب هذا الشعور؟ منذ زمن بعيد!هل كنت على صواب؟ يا إلهي! من هذا الأحمق الذي اقتحم خلوتي وسلامي الداخلي وبعثره هكذا وجعلني أراجع الماضي كله؟؟؟!!

ضغطت على زر الرد وكتبت بلا تردد :فعلاً أنا لا أحب المماطلة ولا أحب التردد وبما أنه يبدو عليك أنك صريح وتحب إنجاز مهامك بسرعة فيسرني إبلاغك بأنني أحبك أنا أيضاً، ما الخطوة التالية؟ ثم أرسلتها وهي تضحك كما لم تضحك منذ
زمن بعيد…

خلال فترة إنتظارها للرد ذهبت لصفحته الشخصية، لم تستطع تذكر الوقت الذي قبلت فيه طلب صداقته أو من منهما أرسل للآخر بداية! بدأت تتصفح معلوماته الشخصية،العمل والتعليم :درس في مدرسة الحياة! قالت لنفسها :ها قد بدأنا نختلف فأنا درست في مدرسة الموت!
أماكن أقام بها :الأرض، المريخ، الزهرة!يا إلهي لقد تورطت للتو بحب كائن فضائي!
الإتصال والمعلومات الأساسية :تاريخ الميلاد 3-4-1996 هذا بالضبط ما كان ينقصني! طفل بحاجة إلى الحنان والرعاية! ألن تتوقفي يا نور؟! ما الذي تفعلينه بنفسك؟!
العائلة والعلاقات: العلاقة :ليس من شأنك… لماذا يراودني شعور أنه سيصبح شأني؟!
أفراد العائلة: لا يوجد أفراد عائلة لعرضهم،،،،هكذا أنت إمتلكت نصف قلب نور أيها الغريب…

تفاصيل حول سمير: المقولات المفضلة :((وأقول :ما دمت أنا لا أحب أن أرحل وأنت لا تحبين أن أرحل فلماذا أرحل؟ وتقول :لست أدري!))زياد الرحباني…هكذا إمتلكت النصف الثاني، بقي أن أعلمك مقادير قهوتي وسأذهب لخطبتك من أبيك…

مناسبات شخصية :درس في مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان، عاد إلى مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان،تخرج من مدرسة فلان، وقع في حب نفسه، صادق نفسه، ولد من جديد، التحق بمدرسة الحياة، تخرج من مدرسة الحياة برتبة فاشل،،،، حسناً يا حبيبي المستقبلي هذه ليست مناسبات شخصية،،، هذه مناسبات عامة! أنت لست ضفدع!

هل إختيار الوقت يعتبر نصف المهمة في محاولة ممارسة الحياة؟! هل نجح هذا الأحمق بإقتحام هدوئي ودفعي للتفكير بجدية بأمور لم أكن أتعامل معها إلا بسخرية وإستهزاء؟!
سمعت صوت إشعار فجفلت وحركت السهم بسرعة تجاه صندوق الوارد

-هل إحتاج الأمر منك خمسة أشهر لتعرفي إن كنت أنا الشخص المناسب للحب؟!
-أنا آسفة ولكنني لا أفتح حسابي كثيراً ولو قرأت رسالتك في وقتها لكنت انتظرت الفترة ذاتها لأتخذ قراراً مشابهاً! أنت محظوظ لأنني قرأتها اليوم…

ما الذي حدث للتو؟! هل اعتذرت من شخص لا أعرفه عن خطأ لم أرتكبه؟!
-حسناً كفاك غروراً، لقد أرسلتها بالخطأ فهذه طريقتي بإصطياد الفتيات، لقد أرسلت هذه الرسالة لمئة فتاة أخرى بشكل عشوائي، وعلقت الصنارة بمجموعة كبيرة منهن،وبناءً على جدولي الحالي فليس لك مكان، أرجو أن لا تزعجيني مرة أخرى…

يالها من مفاجأة! اللحظة الوحيدة التي جربت فيها لذعة فرح كانت وهمية! ولكن كيف سقطت وأنا الخبيرة؟! كيف ضعفت وأنا القوية؟! هل أفرح؟ هل أغضب؟ هل أعود إلى معتكفي وأكف حتى عن فتح حسابي مرتين في العام؟! لن يصدق أصدقائي أنني وقعت بفخ كهذا؟! سأكون قصة جلساتهم الساخرة لأشهر… هل أنا غير صالحة للحب؟! هل نسيته؟ هل نسيت كيف يكون وما المشاعر التي تنتابنا إذا جربناه؟! هل أنا مشوهة روحياً أو جسدياً؟!

اتجهت إلى المرآة الواقفة في وسط المشغل ونظرت إلى نفسها وبدأت تحرك يدها على جسدها بريبة :ما الغريب في جسدي؟! شعري طبيعي؟ شفتاي عاديتان! لست جميلة ولكنني أمتلك جسد أنثى… المشكلة ليست في جسدي بالتأكيد! وليست في روحي فثقتي بنفسي تجعلني أناقش أكبر القضايا بضحكة هستيرية… خسرت الكثير في حياتي ولم أبالي… حاولت أن أنتحر عدة مرات وهذا الأمر لوحده كفيل بأن يجعلني أطمئن لشجاعتي… أعيش لوحدي وأعيلها ولست بحاجة لأحد… ما الأمر إذن؟!

فتحت رسالة فارغة لترد وكتبت فيها :ولكن أرجوك امنحني دقيقة واحدة فقط! لا تغادر قبل أن تسمح لي بالدفاع عن نفسي…

ولكنه كان قد أضافها إلى قائمة المحظورين فلم تغادر الرسالة صندوق رسائلها وظهرت لها ملحوظة تقول: لا يمكنك الرد على هذه المحادثة…
Sep 19, 2018 01:48AM

50x66 ((رسالة من مجهول))

قصة قصيرة
محمود فلاح المحادين

إنتهت من رسم لوحتها التي إستمرت تعمل عليها لأسابيع، تنفست بعمق كأن حملاً ثقيلاً انزاح عن روحها، صنعت لنفسها فنجاناً من القهوة، ليس فنجاناً بل كوباً أسوداً عليه خفاش بارز كأنه حقيقي …لونه الأصلي أبيض ولكنها تحب التواصل مع الأشياء بريشتها، ليست تعرف لغة أخرى سوى الألوان،،، عندما اشترته في إحدى المرات القليلة التي تغادر فيها مشغلها الذي يحتل نصف بيتها بينما تحتل لوحاتها النصف الثاني منه كان أبيضاً ناصعاً وكان أول ما قامت به أن كسرت مقبضه ثم أعادت صنعها من الفخار ثم صبغته باللون الأسود ثم صنعت خفاشاً من المعجون وألصقت به وانتظرته حتى جف وبدأت بإستخدامه حتى أصبح كوبها الرئيسي الملازم لها دائماً…

فتحت شاشة الحاسوب ودخلت إلى حسابها الشخصي المهمل على الفيسبوك، لديها طقوسها الخاصة! لا تخجل من الإعتراف بأنها فاشلة في التواصل مع الآخرين، كانت تغيب لأشهر عن حسابها الشخصي ثم تعود لتجد مئات الرسائل، لا ترد عليها فهي لا ترد على الإتصالات في العالم الواقعي وتجد مشكلة في الإبتسام في وجه من تكره من منافقين وأوغاد كما تسميهم، فكيف ستكترث لمن يحاول التواصل معها في العالم الإفتراضي؟! تأخذ جولة سريعة في الأخبار، قتل، تدمير، تهنئة، تخريج، خطوبة زواج، نعي، ولادة، نثر ممزق يكتب صاحبه في نهايته أنه شعر، صور كاذبة لحالات تبرع لفقراء، كلام أجوف من أكاديمي يدعي أنه مثقف يطالب فيه الناس بعدم الخروج إلى الشارع، فتاة مهووسة بخطيبها فتلوث أبصارنا بصوره أينما حل،فيديوهات بث مباشر لأطفال يدخنون الأرجيلة بملابسهم الداخلية، اقتتالات تسمى جزافاً بأنها نقاشات حول الانتماءات الدينية،سيدة تنشر صور احتفالها بالطلاق من زوجها، تفاهة، تفاهة، تفاهة، تردد هذه الكلمة بينما ترتشف المزيد من قهوتها متصفحة المزيد من الأخبار…

تفتح صندوق الرسائل، لا تضغط على الرسائل التي تعرف مرسليها كي لا يعرفوا أنها قرأتها ولم ترد… تضغط على المزيد بينما تتمتم، كاذب،كاذبة، كاذب،منافق،منافقة، متملق، انتهازي، مقرفة، مملة، تافهة، مغرورة، وصولي،متسلق، من هذا؟!

توقفت فهي لا تعرف من يكون صاحب هذه الرسالة،كلمة واحدة تظهر لها من الخارج، هيا أحبيني! عليها أن تفتح الرسالة لتقرأها كاملة، الإسم مألوف لديها،سمير أحمد، لا بد أنها إلتقت به في أحد معارضها أو ربما في حفل أو مهرجان،ليست متأكدة تماماً ولكنها ستقرأ الرسالة…بجميع الأحوال هي في فترة إستراحة من العمل فما المانع من بعض التسلية… ضغطت على الرسالة ولم تتوقع بأنها بهذا الطول…

الحقيقة أن المفاجأة لم تكن فقط في طول الرسالة، بل بأسلوبها الذي لم تعتد أن يستخدمه معها أحد، بالعادة وعندما تصلها رسائل من المتطفلين والأغبياء والأطفال فهي تحذفها مباشرة وتحظر مرسلها كي لا يتمكن من التواصل معها مرة أخرى، هي تؤمن بأن فتاة بعمرها ومزاجها المتقلب وعنجهيتها وتطرفها الفكري لا تصلح للحب والألاعيب، هي لا تطيق نفسها أحياناً، لطالما فكرت بأنها خطر على كل من يفكر بالإقتراب منها،،،،أصدقائها أو ما تبقى منهم يسمونها نور الثورية وأحياناً المتمردة ولكنها لا تحب أن يناديها أحد سوى شادية تيمناً بشادية أبو غزالة التي استشهدت بإنفجار قنبلة يدوية كانت تصنعها في منزلها لتزود بها المقاتلين في حزب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،كانت تقول بأنها تشبهها لأنها ولدت بعد النكبة وماتت بعد النكسة فحياتها كانت بين نكبة ونكسة… حاولت نور أن تنضم إلى أحزاب سياسية وخرجت مرات عدة في اعتصامات ولطالما تعرضت للمضايقات من الجهات الأمنية ولطالما واجهت صعوبات في إتمام إجراءات معاملة حكومية بسيطة فقط بسبب نشاطها السياسي… بل حتى صورها الشخصية وصور أخواتها وأمها كانت تنشر بعد تعديلها عبر مواقع التواصل مرفقة بعناوين مقززة… كل هذا لم يكن ليهدئ من حماسة نور وعنادها الذي لا تتقن سواه،،،لم تكن تتذمر من هذا كله، بل إنها كانت ترفع من معنويات أصدقائها وتذهب لزيارتهم في أماكن اعتقالهم وبعد أن يخرجوا… ولكنها بعد تجربة ليست باليسيرة شعرت بإحباط عام خاصة أن التشرذم هو ما كان يسيطر على المشهد،،، وجدت أننا مهما بلغنا من عمرنا في التجربة السياسية فنحن لم نرتق بعد لما يمكن تسميته معارضة حقيقية… أيقنت أن قرارها كان سليماً بعد أن تراجعت وانقطعت زيارات بعض أصدقائها القدامى الذين عملوا معها لسنوات في النشاط السياسي،على مشارف الثلاثين من عمرها تعيش وحيدة وسعيدة بين لوحاتها بعد أن تركت منزل أهلها بعد عدة محاولات لتزويجها إنتهت آخر واحدة منها نهاية ملحمية عندما خرجت نور حاملة ملعقة كبيرة تدق بها على المقلاة الحديدية لتوهم القادمين لخطبتها بأنها مجنونة….

هيا أحبيني!بسرعة! بدون مقدمات وبالطريقة الكلاسيكية التي لم يعد أحد يستخدمها! ليس بالضرورة أن أسلك طرقاً ملتوية أو أبدأ بالتلميح أو التورية! أو لا تفعلي! ولكنك ستفعلين! وما الذي يمنعك؟ ستحبيني رغماً عنك! أتعتقدين أنك مجنونة وعصية على الحب؟! أنا مختل أيضاً! هيا ليس لدي الوقت كله لأسمع إجابتك! دعينا ننتهي من هذا الأمر بسرعة، أحبيني أو اكرهيني، لدي الكثير من الأمور لقضائها،وسيكون من الأفضل أن ترفضي حبي فالوقت الذي إستهلكته لكتابة الرسالة كان يكفيني لإلتهام إفطاري، فأرجو أن لا تكوني سبباً في خسارتي لوجبة أخرى!

نظرت إلى تاريخ الرسالة فإذا به يعود لخمسة أشهر ماضية، في أيلول تحديداً، لا تعرف لماذا انقبض قلبها، تألمت لأنها لم تقرأها حينها فقد كانت في حالة يرثى لها وكانت رسالة مجنونة كهذه لتعيد لها إتزانها! ولكن لماذا لا تتعامل مع هذه الرسالة كبقية رسائل الإزعاج الأخرى!

يالجنونه! هل يعرف كيف كانت نهاية آخر شخص حاول أن يتحدث معي بهذه الطريقة! لماذا تضحكني هذه الرسالة؟! هل أميل للمجانين أمثالي؟! هل كنت بحاجة لهزة قوية تذكرني بإنسانيتي! لماذا يدغدغني هذا الكلام الفج؟! هل تشوهت فطرتي كأنثى تحب كلمات الغزل والدلال؟! لست ساذجة لأقع في حب شخص يداهم خصوصيتي ويطالبني بأن أحبه بالقوة! ولكن هناك سراً في هذه الكلمات تجعلني أتقبلها بطريقة عادية ولا أرى فيها انتقاصاً من قدري… ولماذا لا أعترف أنها حركتني كأنثى! ولكن لحظة، ما هي الأنثى؟! إنها المرة الأولى التي أتحدث مع نفسي بهذه الطريقة! لنترك تعريف الأنثى جانباً الآن فلست في مزاج جيد لمناقشته ولكن هل هذه الرسالة أسعدتني؟ نعم بالتأكيد! منذ متى لم أجرب هذا الشعور؟ منذ زمن بعيد!هل كنت على صواب؟ يا إلهي! من هذا الأحمق الذي اقتحم خلوتي وسلامي الداخلي وبعثره هكذا وجعلني أراجع الماضي كله؟؟؟!!

ضغطت على زر الرد وكتبت بلا تردد :فعلاً أنا لا أحب المماطلة ولا أحب التردد وبما أنه يبدو عليك أنك صريح وتحب إنجاز مهامك بسرعة فيسرني إبلاغك بأنني أحبك أنا أيضاً، ما الخطوة التالية؟ ثم أرسلتها وهي تضحك كما لم تضحك منذ
زمن بعيد…

خلال فترة إنتظارها للرد ذهبت لصفحته الشخصية، لم تستطع تذكر الوقت الذي قبلت فيه طلب صداقته أو من منهما أرسل للآخر بداية! بدأت تتصفح معلوماته الشخصية،العمل والتعليم :درس في مدرسة الحياة! قالت لنفسها :ها قد بدأنا نختلف فأنا درست في مدرسة الموت!
أماكن أقام بها :الأرض، المريخ، الزهرة!يا إلهي لقد تورطت للتو بحب كائن فضائي!
الإتصال والمعلومات الأساسية :تاريخ الميلاد 3-4-1996 هذا بالضبط ما كان ينقصني! طفل بحاجة إلى الحنان والرعاية! ألن تتوقفي يا نور؟! ما الذي تفعلينه بنفسك؟!
العائلة والعلاقات: العلاقة :ليس من شأنك… لماذا يراودني شعور أنه سيصبح شأني؟!
أفراد العائلة: لا يوجد أفراد عائلة لعرضهم،،،،هكذا أنت إمتلكت نصف قلب نور أيها الغريب…

تفاصيل حول سمير: المقولات المفضلة :((وأقول :ما دمت أنا لا أحب أن أرحل وأنت لا تحبين أن أرحل فلماذا أرحل؟ وتقول :لست أدري!))زياد الرحباني…هكذا إمتلكت النصف الثاني، بقي أن أعلمك مقادير قهوتي وسأذهب لخطبتك من أبيك…

مناسبات شخصية :درس في مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان، عاد إلى مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان،تخرج من مدرسة فلان، وقع في حب نفسه، صادق نفسه، ولد من جديد، التحق بمدرسة الحياة، تخرج من مدرسة الحياة برتبة فاشل،،،، حسناً يا حبيبي المستقبلي هذه ليست مناسبات شخصية،،، هذه مناسبات عامة! أنت لست ضفدع!

هل إختيار الوقت يعتبر نصف المهمة في محاولة ممارسة الحياة؟! هل نجح هذا الأحمق بإقتحام هدوئي ودفعي للتفكير بجدية بأمور لم أكن أتعامل معها إلا بسخرية وإستهزاء؟!
سمعت صوت إشعار فجفلت وحركت السهم بسرعة تجاه صندوق الوارد

-هل إحتاج الأمر منك خمسة أشهر لتعرفي إن كنت أنا الشخص المناسب للحب؟!
-أنا آسفة ولكنني لا أفتح حسابي كثيراً ولو قرأت رسالتك في وقتها لكنت انتظرت الفترة ذاتها لأتخذ قراراً مشابهاً! أنت محظوظ لأنني قرأتها اليوم…

ما الذي حدث للتو؟! هل اعتذرت من شخص لا أعرفه عن خطأ لم أرتكبه؟!
-حسناً كفاك غروراً، لقد أرسلتها بالخطأ فهذه طريقتي بإصطياد الفتيات، لقد أرسلت هذه الرسالة لمئة فتاة أخرى بشكل عشوائي، وعلقت الصنارة بمجموعة كبيرة منهن،وبناءً على جدولي الحالي فليس لك مكان، أرجو أن لا تزعجيني مرة أخرى…

يالها من مفاجأة! اللحظة الوحيدة التي جربت فيها لذعة فرح كانت وهمية! ولكن كيف سقطت وأنا الخبيرة؟! كيف ضعفت وأنا القوية؟! هل أفرح؟ هل أغضب؟ هل أعود إلى معتكفي وأكف حتى عن فتح حسابي مرتين في العام؟! لن يصدق أصدقائي أنني وقعت بفخ كهذا؟! سأكون قصة جلساتهم الساخرة لأشهر… هل أنا غير صالحة للحب؟! هل نسيته؟ هل نسيت كيف يكون وما المشاعر التي تنتابنا إذا جربناه؟! هل أنا مشوهة روحياً أو جسدياً؟!

اتجهت إلى المرآة الواقفة في وسط المشغل ونظرت إلى نفسها وبدأت تحرك يدها على جسدها بريبة :ما الغريب في جسدي؟! شعري طبيعي؟ شفتاي عاديتان! لست جميلة ولكنني أمتلك جسد أنثى… المشكلة ليست في جسدي بالتأكيد! وليست في روحي فثقتي بنفسي تجعلني أناقش أكبر القضايا بضحكة هستيرية… خسرت الكثير في حياتي ولم أبالي… حاولت أن أنتحر عدة مرات وهذا الأمر لوحده كفيل بأن يجعلني أطمئن لشجاعتي… أعيش لوحدي وأعيلها ولست بحاجة لأحد… ما الأمر إذن؟!

فتحت رسالة فارغة لترد وكتبت فيها :ولكن أرجوك امنحني دقيقة واحدة فقط! لا تغادر قبل أن تسمح لي بالدفاع عن نفسي…

ولكنه كان قد أضافها إلى قائمة المحظورين فلم تغادر الرسالة صندوق رسائلها وظهرت لها ملحوظة تقول: لا يمكنك الرد على هذه المحادثة…
Jul 07, 2018 11:59AM

50x66 صديقي النبيل,كيف أصبحت؟هل صحتك جيدة؟هل أنت بخير؟هل يمكنني ان أسألك عن آخر الأفكار التي جالت في خاطرك قبل ان تصلك رسالتي هذه؟أسمح لنفسي بأن أتجرأ على هذا الطلب لأنك صديقي الذي أعرفه جيداً واخاف عليه من ان تحيط به أفكار سوداوية قد تدفعه لإيذاء نفسه او روحه...بماذا تفكر الآن؟؟أخبرني عن الشيء الذي يشغل بالك الآن؟شاركني أفكارك يا صديقي فهذا سيخفف عنك ثقل أحمالك وسيجعلني سعيداً بالإنصات لما يقلق صديقي النبيل الذي يتأثر بما حوله بطريقة مختلفة عن الآخرين,طريقة يدفع وحده ثمن اتباعها....

اعلم يا صديقي أن لا احد يجيد قراءة ملامح وجهك مثلي!واعلم أنني الوحيد القادر على رؤية القلق فيما تكتب حتى لو كان ظاهره يوحي بأنه مليئ بالفرح!فمنذ كنا صغاراً وأنت تختار المهام الأصعب وتنهك جسدك وروحك في انجازها,كنت ترهق نفسك وتستمتع في بذل أقصى طاقتك لتحقيق ما تريد!كنت تصر دائماً أن لا تتخلى عن حلم وضعته نصب عينيك قبل أن تناله بكلتا يديك ولو استنزف القتال جميع طاقتك واسلحتك,كنّا جميعاً نخبرك بأن هذا الإصرار متعب وشاق ولكن هيهات أن يوقفك هذا النصح عن الإستمرار حتى آخر رمق حيث كنت بعد كل نجاح تحدّق في عيوننا مباشرة وبريق مميز يشع من وجهك كأنك تقول:رغماً عنكم فعلت ما أريد وانتزعته انتزاعاً وسأخوض النزال التالي دون استراحة أو فترة نقاهة....أنا كنت مختلفاً عنهم بأنني فعلاً كنت أخاف على صحتك وروحك وكنت اخشى عليك الإستمرار بنفس الحماسة مع أنني كنت افرح لنجاحك كأنه لي ولم اتخلى عنك أبداً وكنت دائماً إلى جانبك لأنني ببساطة كنت مؤمناً بك وصدقني أن ايماني بك لم يتزعزع ولم تطله يد الزمان التي هزّت ايماني بالكثير الكثير من الأشخاص... اذن كف عن الإدعاء بأنك بخير فما ينطلي على عامة الناس لا ينطلي علّي!ومحاولاتك لإخفاء حزنك واضحة لي كأنني ألمسها بيدي ,فمعي لست مجبراً على ان تكابر وتخادع نفسك وتتظاهر بأن كل شيء على ما يرام,معي أنت تحدث نفسك فأخبرها بسرّ شحوب وجهك واكشف لها ماذا يقبع خلف ذلك الصمت العميق الذي احطت نفسك به مؤخراً...

اذن هيا ننفض معاً غبار الحزن عن وجهك الذي كان يشعل كل شيء تطاله نظراتك الملتهبة!حزنك النبيل مثلك الذي تخبئه بإحترافية عالية كأن كشفه أمام أي أحد كفر وجريمة نكراء تتنافى مع مبادئك ومعتقداتك التي تتشبث بها بشراسة وتدافع عنها كوحش كاسر,والتي أقسمت أن لا تتنازل عنها ولو كشطو جلدك عن عظمك ومارسوا فوق جسدك النحيل أشد أنواع التعذيب… لطالما أخبرتك -على الأغلب أنني لم أفعل -بأنك متهور ومنطلق واندفاعي تغلب العاطفة على العقل وترى أنك قادر لوحدك على انقاذ العالم من بؤسه وتحويله إلى مكان يعج بالسلام والرحمة،كنت تتحدث عن خططك بحرقة قلب وصدق وطهر، كنت توصل الليل بالنهار حتى نال السهر من جسدك وأنت تقرأ وتخطط وتفكر، وتدفع من جيبك الخاص كل ما تملك مقابل أي فكرة ترى أنها تستحق الدفاع عنها وكانت كل أهدافك سامية رفيعة من أجل الإنسانية والوطن….

هون على نفسك يا صديقي فما هكذا تورد الإبل، لا يكفي أن تكون الفكرة صادقة حتى نضحي من أجلها، فالوضوح مهم أيضاً، وهنا أعتقد أن أغلب مشاكلك تبدأ،فأنت كنت ترى كل انسان يبكي هو مظلوم بحاجة إلى مد يد العون، وكنت تعتقد أنك قادر على مساعدتهم أجمعين، وكنت ترى أنك تستطيع أن تغني الفقراء والمساكين وتجد فرص عمل لجميع المواطنين، بل كان طموحك الذي لا يؤمن بالحدود يقنعك بأنك قادر على اصلاح المجتمع واحداث شرخ في منظومته المتماسكة التي عشش فيها الفساد عبر أجيال من الخونة والعملاء… أفكار سامية ولكن الأمور ليست دائماً كما تبدو لنا بهذه البساطة والعفوية، والحروب من هذا النوع تحتاج إلى صبر وجلد وقوة بأس، أعرف أنها لم تكن تنقصك ولكن ما كان ينقصك هو الخصم الشريف….

لم يكن خصمك شريفاً ولم يلتزم بقواعد الحرب وأصولها، وإلا لكنت هزمته شر هزيمة، ولكنه بارزك بما لم تقوى على الصمود أمامه أو مجاراته!وجرك إلى معارك جانبية غير شريفة،معارك قذرة لا تشبهك، هكذا فقط استطاعوا ايقاف أنفاسك الثائرة…

يكفيك شرفاً أنك قاومت بل كنت نداً في أغلب الجولات،كثر كانوا ينتظرون سقوطك وأكثر منهم كانوا يراقبون من بعيد تملأهم الرغبة بأن يكونوا مثلك ولكن جبنهم كان يمنعهم فكانوا يتمنون لك النصر بالخفاء… ولكن أيا منهم لم يكن يشعر بك كإنسان له طاقة إحتمال،لم يفكر أحدهم ماذا تفعل عندما تغلق غرفتك على نفسك وحيداً في المساء! كيف تواجه يأسك وإحباطك؟! كيف تتزود بالطاقة كي تعود إليهم في اليوم التالي مليئاً بالحيوية والنشاط… وأنت لم تكن تبوح ولم تكن ترضى بأن يشاركك أحد ضعفك ولحظات حاجتك…

هكذا يقتل الحزن جذوة النار في أعماقنا ويقضي القهر على آخر معاقل الأمل في نفوسنا التي كانت تشتعل حماسة،وفوق هذا كله أنت عاجز عن نقل هذه الصورة المؤلمة لمن ينظرون إليك كقدوة! يا إلهي! ما أضيق هذه الأرض على رجل قوي مقهور…

هل كان علينا أن ندخل هذه المعارك بالتدريج إذا كنا نريد أن نصمد لفترات أطول؟ على العكس فخوضها في وقت واحد جعلنا نخوض تجربة فريدة في سن مبكرة وأيقنا منذ البداية أن طريقتنا خاطئة في البدء من الأكبر إلى الأصغر وأن الأسلم أن نأخذ جزءاً فرعياً صغيراً جداً ونحاول إصلاحه وعندها ربما نتمكن من تقديم شيء بسيط للبشرية قبل أن نموت…

دعني آتيك بملخص هذه الرسالة في هذه الجمل القصيرة المباشرة، توقف عن طرح الأسئلة على نفسك وارفق بها، لا تجلس لفترات طويلة مع نفسك ولا تبحثا معاً عن العدالة ولا تحاولا فهم أي شيء من متناقضات هذا العالم،انسى من آذوك تماماً ولا تحاول أن تنجح نكاية بهم… ليس ذنبك أن صديقاً لك مات مقهوراً لأنه لم يستطع أن يقدم شيئاً لمن حوله…توقف عن استخدام كلمة لماذا حول أي شيء… لا أدعوك لأن تصبح جباناً،فقط غير من أسلوبك كي تتمكن من الصمود فترة أطول…. والآن إلى النصيحة الأصعب :روض روحك الجامحة وعلمها أن بإمكانكما تقديم شيئ جميل لتغيير بشاعة هذا العالم ولكن عبر طريق طويلة يكون السير فوقها بطيئاً جداً….
Jun 13, 2018 05:59AM

50x66 Really nice words...its full of feelings...keep going write something beautifull like this...good luck
إلى أمي (1 new)
Jun 10, 2018 07:39AM

50x66 أكتب إليكي يا أمي هذا السطور مستشعرآ وجودك إلى جانبي في ذكرى مولدك الذي يصادف الثامن عشر من أوكتوبر في كل عام...رحمك الله يا من بغيابها تشققت روحي وأصبح كل الكلام يهوي من شفتي بلا معنى أو جدوى أو هدف,ليس لأن لغتي ضعيفة فقد تعلمتها منك!وليس لأن مصطلحاتي قليلة فقد جمعتها من عينيك,وليس لأن عباراتي خائفة فقد بنيتها من قوتك,ولكن لأنني منذ رحلت فقدت الإلهام والشجاعة والدعم,وأهم من ذلك كله فقدت الشخص الوحيد الذي لا يرى أخطائي أخطاء ولا تقصيري عجزآ ولا يحبطني ولا يثبطني ولا يوقفني, فقدت الشخص الوحيد الذي لا يراني ولا يعاملني ولا ينظر إلي ولا يحتضنني ولا يكلمني إلا كالأطفال...

لعلك لم تتوقفي يومآ في حياتك عن الإصغاء إلّي سواء كان ما أقوله مهمّآ أو سخيفآ,فلا ضير إذآ من أن تسمعينني الآن وقد باتت كلماتي لا تصلك وصوت نحيبي لا يتعب جسدك النحيل المسجّى تحت التراب...في السابق كنت أحدثك لأنني أحتاجك والآن أحتاج الحديث إليك أكثر وأكثر وان اختلفت الأسباب,فتبادل أطراف الحديث معك ممتع وقضاء الساعات أمام ناظريك نعمّة من نعم الله التي أكرمني بها قبل أن يختارك إلى جواره,ولو حاولت تذكر هذه الساعات الجميلة لخانتني الذاكرة في المواضيع التي كنا نطرحها ولبقيت خالدة تلك اللذة في تبادل النظرات والضحكات البريئة بسبب أو بدون...

القلب متعب يا أمّاه والجسد بحاجة لإرتماءة طويلة فوق صدرك,وان كنت في حياتك أخجل من الشكوى والتذمر بين يديك حتى لا تشعري بالقلق أو الحزن وهو ما كنت متأكدة منه بغريزة الأمومة الطاغية على كل حواسك الأخرى,فأنا الآن لا أخجل من البوح بتعبي وحزني بين يدي طيفك الذي لم يغادرني يومآ منذ رحيلك في السادس والعشرين من شهر شباط من عام ألفين وأربعة عشر.

ما هذه الفوضى التي حدثت بعد رحيلك؟؟وما هذا الفراغ الهائل الذي تركه غياب جسدك الذي كان يشغل سريرآ صغيرآ في بيتنا الذي فقد صوتك ووقع قدميكي الطاهرتين منذ خمس سنوات او يزيد كانت تمثل رحلتك الموجعة في مواجهة المرض الذي لم يقوى على النيل من عزيمتك سواه!!اذن فوجودك الحسي غاب قبل موتك بعدّة سنوات فكيف كان لغياب روحك المتوقع منذ أن أنهكك المرض ونهش جسدك هذا الوقع المزلزل على كل من كانوا يعيشون بجوارك؟؟!أنا سأجيب عنك هذا السؤال فأنت لا تستطعين الرد وإلّا لقلت:والله يا بني لم أفعل شيء سوى أنني قطّعت قلبي إلى قطع متساوية وأعطيت كل واحد منكم قطعة منه وكنت أجعل كل واحد منكم يظن أنني أحبه أكثر من البقية وهكذا لم يشعر أي منكم بالغيرة نحو الآخر وكلكّم نلتم الحب الكامل....أمّا اجابتي فهي يا من اتمنى أن يبدلك الله قبرك بروضة من رياض الجنّة أننا كنا نمرّ بسريرك كل يوم,نقترب منك,نعرف أنك لا تعرفين من نحن,نرفع يدك التي لا تستطيعين تحريكها,نقبّلها,نرفعها إلى جبيننا,نعيدها إلى مكانها,نسمع منك تمتمات غير مفهومة,نسألك ان كنت بخير فتومئين بأن نعم وانت لست كذلك,نسألك ان كنت تريدين شيئآ فتجيبين بأن لا وأنت لست كذلك,ثم يمضي كل واحد منا إلى مشاغله اليومية متسلحآ بقوة هائلة استمدّها من أصابعك التي ان مددتها تحتاجين إلى مساعدة في إعادة ضمها مرة أخرى!!!هذه هي الحقيقة يا أمي،لقد كان وجودك المعنوي بيننا وحولنا ووسطنا أشبه بالخيمة التي كنا نجتمع تحتها لنشعر بالأمان والدفء والطمأنينة والسكينة والحنان،كنت تحيطيننا من كل الجوانب!كنت سقفنا والجدران،كنت الأعمدة والبنيان،كنت النوافذ والأضواء،فكان أحدنا يشعر بالإختناق كل ما غادر حجرتك ولا يستعيد قدرته على التنفس إلا إذا عاد في المساء إليك حيث تكونين كما غادرك في الصباح إلا إن كان أبي رحمه الله قد ساعدك بالإنقلاب إلى الجانب الآخر من السرير...

بعد هذا الوصف المختصر لمشهد خاطف واحد من مشاهد حضورك كيف تتوقعين أن يكون غيابك؟!كيف تتوقعين أن يكون بإمكان قلبي الصغير أن يطيقه؟حاولت أن أتكيف وفشلت،حاولت أن أتأقلم فسقطت،حاولت أن أتعلم أو أتغير أو أتطور فكانت النتيجة سلبية دائمآ،فربما كنت بحاجة لجسد وروح جديدين بالكلية، أما إن استمرت حياتي بهذين الجسد والروح فلا أظن أن إستمرار المحاولة سيجدي نفعآ،إن من الإستحالة أن ينطفئ لهيب شوقي إليك ما دمت حيآ...

إن الكتابة إليك تواسيني بالرغم من أنني لا أستطيع استحضار وجهك أمامي بكل تفاصيله دون أن أبكي،إذن!فليكن!مهما كانت خسائري فصفقتي رابحة!فدموعي ولو انهمرت أنهارآ فهي لا تساوي انشقاقة شفتيك لتبتسمين،فكيف ان كنت سأتخيل أنك تضحكين!!يا امرأة لا تتكرر،يا كل عناقيد الفرح،يا جداولآ من الأمل،يا غابة من الأزهار،يا أسطولآ من الألوان،يا مواسم الزيتون والقمح،يا وجه أبي الأسمر،الرجل الوحيد الذي أحبك أكثر مني وكان مخلصآ في حبه فلم يصبر على فراقك سوى عام واحد!!لو لم تكن مصيبتي سوى أنني لم أعد قادرآ على مناداتك ب(يما)لكانت تلك وحدها كفيلة بقصم ظهري...

في ذكرى ميلادك الخامسة والستين أستذكر أمام العالم أجمع أعظم امرأة عرفها قلبي،واعيد قراءة محطات حياتها لأجد نفسي خجولآ من ذكر أفضالها وخصالها،فلم تكن فقط الأجيال التي تخرجت على يديها هي فحسب من تشهد لها بفضلها واخلاصها وعلمها وثقاقتها،بل كل من تعامل معها أو جاورها أو زاملها،أما أنا ابنها الأصغر فترتجف يداي ويعجز لساني اذا ما فكرت للحظة أن بإمكاني إنصافها بالعبارات والجمل،ولكنني رغم ذلك أجبر نفسي ومن باب البر بها بعد وفاتها أن أحاول قدر المستطاع استجماع قواي ووضعها في كلمات تتلكأ بخجل على بوابة قصر ذكرياتها المشيد في قلبي....

ذهبت في منتصف الطريق واختارك الله ولا اعتراض على اختياره ولا نملك بعد افتراق الأجساد إلا الدعاء بأن يجمعني الله بك في مقعد صدق عند مليك مقتدر،إنه ولي ذلك والقادر عليه...رحمك الله وغفر لك وجعل مثواك الفردوس الأعلى
50x66 أطال كل منهما النظر في وجه الآخر دون أن ينطقا بكلمة واحدة...نظرات متتالية كأنهما يريدان اكتشاف بعضهما البعض دون أن يطرحا أسئلة تفضح قلقهما من القادم...نظرات تحد وكبرياء تخفي تحتها الكثير من الإمتعاض!أيقن كل منهما أن التجربة قائمة لا محالة وأنهما سيخوضانها بغض النظر عن كونها ستكون خالية من المتعة والفائدة...لم يعتادا على الإستسلام ،هي المرة الأولى التي يكونان فيها مجبران على القيام بشيئ على غير قناعة...ربما جرب الشيخ هذا الشعور في صغره ولكن أحمد كان يشعر بنار تشتعل داخله والشيئ الوحيد الذي كان يهدئه هو أن لا أحد يعرف بهذه التجربة من أصدقاءه فهو لم يعتد على الظهور أمامهم بمظهر الضعيف بل انه كان دائماً يتقدمهم لخوض أكثر المغامرات تهوراً...كل واحد منهما ينظر إلى التجربة من زاويته الخاصة فالإنسان عندما يجبر على شيئ يحاول مواساة نفسه بأنه كان الخيار الأفضل…
كسر الشيخ هذا الصمت فقد كان يبدو أن أحمد قادر على الإستمرار دون كلام بقية النهار...

-اسمع أيها الفتى أرى أنك إذا كنت ستبقى معي طول هذه المدة فعلينا أن نتفق على مجموعة من القواعد
-لم أعتد على الإلتزام بالقواعد
همس الشيخ بنبرة احباط: حماسة الشباب وتهورهم!!ثم أضاف بصوت مسموع وحاد:ألا يكفيك أنني قلت نتفق ولم أقل أن عليك أن تنفذها لوحدك؟!سأسمح لك بوضع قواعدك ومناقشة قواعدي حتى نصل معاً إلى منطقة محايدة نلتزم بالبقاء بها حتى نصل معاً إلى نهاية ترضينا معاً….
-اسمع أيها العجوز لا يوجد أي شيئ مشترك بيني وبينك،ولا أفهم ما الذي كان يفكر فيه أبي عندما أحضرني إلى هنا!وسبب بقائي الوحيد هو أنني وعدته أنني سأنفذ طلبه،أما أنت فسيكون من دواعي سروري لو أخبرتني بسبب موافقتك فالشكوك تدور برأسي منذ أن قابلتك حول موافقتك الغامضة ودون شروط!!أما القاعدة الوحيدة التي عليك أن تلتزم بها هي أنك بنهاية الشهر ستخبر أبي بأنني كنت مطيعاً وأنها كانت تجربة مفيدة وممتعة وغنية...وأحذرك أن يتسرب الشك إلى والدي بصحة هذه الأقوال…
-ان شاء الله ستكون كذلك فعلاً...وماذا ستخسر لو توقعت ذلك؟ان أكبر خطأ يقع فيه الإنسان هو اطلاق الأحكام المسبقة على تجارب لم يمر بها بعد أو على أشخاص من ظاهرهم أو جماعة قبل التعامل معهم...وقعت في هذا الخطأ عشرات المرات ودائماً ما كان يحدث عكس ما أتوقع خاصة أنني اعتدت وأنا في سنك وعندما أقابل شخصاً جديداً أن أسمح لنفسي بكرهه أو حبه من النظرة الأولى!و فيما بعد أصبح الذين أطلقت عليهم أحكاماً متسرعة بالكره أعز أصدقائي...لا تدري فقد نصبح بنهاية هذا الشهر من أفضل الأصدقاء…

أطلق أحمد ضحكة كبيرة :أنا وأنت؟ههههههه!أصدقاء؟!

-البعض يتجنبون خوض المعارك السهلة ظناً منهم أنها مضمونة النتائج متى قرروا خوضها...إلى ذلك الحين يحق للفريق الثاني الإدعاء بأنه انتصار بالرعب…(3(

-لن تستطيع بكلامك هذا استفزازي فأنا حقاً لا أرى فيك معركة حقيقية بالنسبة لي وعليه فأنا أقر لك بالإنتصار وبإمكانك أن تعلن في الأرجاء أنك هزمتني دون أي قطرة دماء!وبالرعب وحده!

-ماذا ان اعترفت لك بأنني بحاجتك؟!

-لا أستغرب ذلك!لا بد أنك تعرف من يكون أبي وتعرف أنه سيكون هناك جائزة كبيرة ان نجحت في تغييري...اطمأن يا عم ستحصل على جائزتك وسأحرص على أن تتمكن من الهرب قبل أن يعرف أبي أنك لم تنجح في تغييري...ستعطيني ما أريد وسأعطيك ما تريد ...وأنا سأتصرف بطريقتي مع أبي عندما يكتشف فشله ،فأنا أيضاً حريص على تعليم أبي بعض الدروس القاسية...فلنجعلها صفقة سهلة على كلينا….
-ما تتحدث عنه اسمه مقايضة والمقايضة لا تعتمد على قيمة السلعة الحقيقية بقدر ما تعتمد على حاجتنا إليها في لحظة التبادل،وإلا لما رضينا لمشاعرنا الصادقة من بديل أبدآ…(4( فربما ليس لي قيمة في نظرك ولكنك الآن بحاجتي وعندما أسلمك حاجتك في نهاية هذا الشهر ستعرف أن حاجتي لم تكن الجائزة….

-لا يمكنك تخيل مدى شوقي لتلك اللحظة…
-اذن عليك أن تبدأ بتعلم الصبر…فلا يمكنك التنبؤ بما قد يواجهك في قادم الأيام…
-تعلمنا في المدرسة أن عملية الهضم لا تتم إلا في المعدة وللوصول إلى المعدة لا بد من المرور بالمريء!مشاكلنا مع المريء ثانوية ومهما كلفتنا من خسائر فإنها لا تذكر أمام نجاح عملية الهضم(5(

-أنت تعتقد أن الأمر لعبة والحقيقة أننا نسمي بعض الأمور بالألعاب لنزيل عن عقولنا التوتر الذي يعترينا لخطورة التعامل معها(6(

-أغلب إرهاقاتنا النفسية سببها إعتقادنا الخاطئ بأن المشاكل الكبيرة لا يمكن تجاوزها إلا بحلول بنفس حجمها (7(

-بدأت أشعر بالغيرة من تلميذي...قالها الشيخ مع ابتسامة خفيفة

-لست تلميذك وما أراه الآن هو أننا نتبادل المعرفة وحتى لو كنت تلميذك وهو الشيئ الذي لم ولن يحدث ف الشعور الذي يجب أن يتولد عند الأستاذ إذا حاول تلميذه العبقري أن يخرج عن مبادئه هو الشعور بالفخر وليس الشعور بالغيرة!!(8(

-اذن لننتظر حتى نهاية الشهر لنرى ان كنت سأكون فخوراً بك أم أنك ستكون فخور بي لسرعة تعلمي،فأنا وان رأيتني عجوزاً طاعناً في السن فإنني أؤمن بأن المعرفة لا تتوقف حتى لو كان الإنسان على حافة قبره بل تتوقف اذا ظن الإنسان أنه تعلم كل شيئ…

-ولكن منطق مجتمعنا الأعوج يقول بأنك لا تستطيع أن تتعلم مني شيئاً! فمن لم يسقط مئة مرة ولم يتعثر ألف مرة ولم ينجو مئة مرة من الموت لا يمكنه أن يسدي النصائح لأحد...هذه شروط الإنضمام إلى فئة الحكماء في عالمنا الغريب!!(9(

-أولاً ليس هناك شيئ اسمه الحكماء،هناك شيئ اسمه الحكمة وقد تصدر من أي شخص وأنا أميل إلى تعريف الحكيم بأنه الشخص البارع في الحصول على الحكمة وجمعها وهذا يتطلب ذكاءً وسرعة بديهة وسعة اطلاع وصبراً وحلماً وصفاء ذهن...الحكيم لا يجب أن يكون متقدماً في السن أو صاحب تجربة متنوعة ،قد تصبح حكيماً من مراقبة المجانين فهم يتفوهون بالحكمة أحياناً ولكن كبريائنا يرفض أن نستفيد من مجنون!!ثانياً:العالم اليوم ليس بحاجة إلى الحكماء،انه بحاجة إلى الإنسانية!علينا أن نتعلم كيف نصنع الإنسان كما نصنع الفخار ولكن هل تعرف ما الفرق بينهما؟! صناعة الإنسان ليست كصناعة الفخار،،،فالمادة الخام ليست المعيار،،،فقد تستطيع أن تصنع كأسآ زجاجية جميلة من مادة أساسية جميلة مع بعض التعديلات،،،بينما قد تحاول صناعة إنسان جيد من شخص بذرته حسنة لكنك تفشل،والسبب واضح،في صناعة الزجاج لا تتدخل ظروف أخرى سوى درجة الحرارة!!(10(

هل خطر ببالك أن تفكر كم جرب والدك من حلول قبل أن يجد أن وضعك مع شيخ زاره في الحلم هو الحل الأمثل؟؟؟ نحن نرتب الحلول في رؤوسنا قبل أن نلجأ إليها وكلما جربنا إحداها ولم ينجح شعرنا بالخطر لإقترابنا من الحل الأخير…(11(

لا بد أن والدك لم يعد يبالي بالخطر المتوقع من تجربة الحل الأخير وهذا ان دل على شيئ فإنه يدل على أنه قد يخسر أي شيئ مقابل أن يكتسب ابناً صالحاً
-أنت لا تعرف أبي أيها الشيخ…
-علمتني التجارب الكثير عن الآباء…
-لا أقصد الإساءة ولكن العالم أكبر من قريتك ،ربما لم تصادف في حياتك شخصاً كأبي ،و حتى لو كنت قارئاً جيداً فلن تصادف شخصاً كأبي في الكتب ...أبي من نوع الرجال الذين يعيشون حياة صاخبة ثم يندثرون فجأة ...فلا التاريخ يذكرهم في الكتب ولا الرجال تتحدث عنهم في المجالس...
-لا يوجد شخص بلا أخطاء...ربما ستجد يوماً تفسيراً لتصرفات والدك
-أنا لا أنتقد فيه ارتكابه للأخطاء...أنا أنتقد ارتكابه لها بعد هذا العمر والتجارب!!(12(

-التجارب تغيرنا كيميائيآ والتغير الكيميائي ينتج مادة جديدة ولا يمكن الرجوع بعده إلى الحالة الأصلية...والأهم من ذلك أن أهم علامات نجاحه إختفاء المواد المتفاعلة…(13( وهذا يعني أن والدك قد مر بمجموعة من التجارب قد جعلته شخصاً آخر تماماً فهو لن يعود إلى ما كان عليه ونحن لا نعرف الظروف التي رافقت هذا التغير...تعامل مع والدك كما هو الآن…

-أبي شريك في قتل حلمي!قد تستغرب ذلك، ولكنه أعطاني نقوداً لشراءه ولم يعلمني كيف أحارب من أجله...لطالمني حرمني لذة القتال من أجل الأشياء التي أحبها...لا نكهة للشيئ اذا جاء بسهولة...لطالما اشتهيت أن أتنافس مع الآخرين على شيئ محدود أو نادر...حرمني ذلك الشعور طوال حياتي وهو يظن أنه بهذه الطريقة من العطاء يحميني من أن أتعرض للحرمان فأوقعني في حرمان أقسى بسبب أنانيته!كل الميزات التي كان يمنحني اياها كانت من أجله هو...من أجل اشباع حاجة نفسية في أعماقه...كل عقده النفسية انعكست على ابنه الوحيد...يريد تصحيح كل أخطاءه من خلالي!أن ينسخ نفسه بصورة محسنة خالية من الأخطاء عبر أحمد الذي عليه أن يكون بلا استقلالية،بلا شخصية،عليه أن يكون عبدالله الجديد الخالي من الأخطاء…

-كل ما قلته صحيح ولكن ماذا فعلت أنت لتقاوم هذا حتى الآن؟!
-لم أفعل الكثير ولكن في رأسي أفكار تنتظر فقط المكان والزمان المناسبين لتطبيقها…
-هل ستخبرني بها هنا الآن أم نكمل حوارنا في الخيمة لأريك أين ستنام؟!
-لن أنام في منزلك!
-ولكن والدك طلب مني حمايتك!
-وهل أنت قادر على حماية نفسك حتى تحميني!
-ربما يكون منزلي ليس بفخامة منزلك ولكنك مجبر على الإقامة به حتى نهاية الشهر…
-لا أعتقد أنني سأنام ليلة واحدة معك ولكنك ستجدني عندما يعود أبي لأخذي…
-أنت لا تريد وضعي في مأزق مع والدك،أليس كذلك؟!
-لن يتعرض أحد للمشاكل يا سيدي...عد إلى خيمتك واحذر أن تموت بعضة أحد الزواحف فجسدك لا يحتمل...علي أن أكون حريصاً على سلامتك لتسعة وعشرين يوماً آخر ….
Jun 07, 2018 05:40PM

50x66 لماذا لا يكتب الناس كلهم أجمعون؟! يخطر ببالي هذا السؤال كثيراً وأحاول دائماً اجابته أو على الأقل اشباعه تفكيراً لما لإجابته إن وجدت أهمية كبيرة في كثير من المجالات أولها أن الكتابة تعكس المستوى الحضاري لأي جماعة أو وطن، وثانيها وثالثها ورابعها أن الكتابة توثق الحالة الإنسانية والتاريخية والوجدانية الموجودة في حقبة محددة حتى اذا ما جاءت الأجيال القادمة عرفت ما الذي كان يجري وكيف كان يجري سواء أقصد الكاتب وصف ذلك أم لم يقصد وسواء أجاد ذلك أم لم يفعل… وقبل أن أبدأ بتوضيح الأسباب من وجهة نظري وجب أن أشير أن حديثي هنا مقتصر على الكتابة الشخصية الإنسانية التي تعكس تجربة كل فرد في محيطه وليست الكتابة الإحترافية -ان صح التعبير-والتي تجني لصاحبها الكثير من الأموال مقابل أن يكون مجبراً كل ليلة سبت على تسليم مقاله لرئيس التحرير لينقحه ويزيد عليه ما يشاء وينقص منه ما يشاء ليصبح ملائماً لتوجهات الصحيفة الملائمة لتوجهات جهة ما التابعة لجهة ما المنتمية لجهة ما الموالية لجهة ما المحسوبة على جهة ما، والغير قادرة على تجاوز الخطوط الحمراء أو الصفراء أو السوداء لجهة ما…. لا أتحدث أيضاً عن سجناء قراءهم الذين اعتادوا كل صيف على رواية تحقق نسبة مبيعات هائلة ويعاد طباعتها عشرات المرات، الذين ان حادوا عن الطريق التي عرفهم من خلالها قراءهم عوقبوا بالهجر والجلد الإعلامي والطلاق البائن بينونة كبرى و التراجع عن الميثاق الغليظ الذي أخذه منهم قراءهم بأن يستمروا بنفس الأسلوب ولا يخونوهم بمحاولات الغزل والتقرب من أسلوب أدبي آخر!بل وصل الجنون ببعضهم حتى أصبح تغيير اسم البطل في السلسلة ذنباً لا يغتفر….لا أتحدث أيضاً عن بعض كتاب المواقع الإلكترونية الذين لا يستطيعون الخروج عن توجهات صاحب الموقع الذي يتلقى دعماً نقدياً مجزياً من جهات ترغب في أن تضل أسهمها مرتفعة وسط سعار إلكتروني لا يحترم لغة عربية ولا تخصصية ولا إحتراف ولا مهنية… أما الرابطة وما يحدث كل عام في انتخاباتها فيكفي للتيقن بأنها ليست في مرمى حروفي على الأقل في هذه المقال…

حديثي يدور حول الناس البسطاء أمثالي الذين لا يبتغون وراء كلماتهم سوى التعبير عن مشاعرهم وأحاسيسهم بجمل شبه مترابطة خارجة من القلب إذا لم تخرج كتمت أنفاسهم وجثمت على صدورهم،يخاطبون فيها أرواحاً شفافة موجوعة تشاركهم الإنسانية ووحدة الإحساس… فيطفئون لهيب النار التي تشتعل في أعماقهم ويخففون من أوجاع من مروا بتجارب مماثلة أو ولدوا بذاكرة قوية وقلب مرهف وعقل مفرط التفاؤل… لا يبحثون عن شهرة أو مكسب مادي بل أنهم لا يساومون على بيع كلماتهم ولو بماء الذهب ليس لأنها مميزة أو نادرة أو تشير إلى موهبة عظيمة، بل لأنها جزء منهم تطلب خروجها إلى الورق ألماً أشد من آلام المخاض فتخيل يا رعاك الله أن البعض يريد منك أن تعرض نفسك لهذه الآلام متى يشاء هو حتى لا يتراجع عدد القراء لمجلته أو لصحيفته أو موقعه أو دار نشره!!!

اذن لماذا لا يكتب الناس كلهم أجمعون؟ ؟ ؟ هما سببان بنظري، الأول :أن البعض يحدث نفسه دائماً بأنه عاش تجربة مقدسة لم يسبق لأحد أن عاش مثلها وأن الآخرين الذين يكتبون قد قدموا ما فيه الكفاية وليس هناك داع لكتابة تجربته التي اذا خرجت منه أصبحت مشاعاً للجميع وهذا من وجهة نظره يهينها ويقلل من قيمتها في نظر نفسه، خاصة أنه لن يأتي بكلمات جديدة لوصفها فميزتها أنها تعني له ولقلبه ولعقله ولجسده ما لا تعني لأي انسان آخر لم يتذوقها ولم يشعر بآلامها لحظة بلحظة… مثلاً لو أنه فقد قريباً في حادثة قتل فإن كلمة السكين وكلمة الدم وكلمة الطعن وكلمة الغدر كلها تعني له شيئاً خاصاً مرتبطاً بهذه الحادثة فإنه يعتبر استخدام الآخرين ابتذالاً لها ولأنه عاجز عن ابتكار كلمات أخرى جديدة تصف المشهد كما يحسه هو فيبتعد بالكلية عن المحاولة ويستسلم لهذا الموقف وذكراه ويتركها تمزقه يوماً بعد يوم على أن يشاركها مع آخرين قد يبدون تعاطفاً وشفقة يهينان مشاعره ويقللون من قيمتها ويحقرونها…. فهو خائف من آراء الناس وان ادعى سوى ذلك من الأسباب!انه في لا وعيه يسخر من جروح الآخرين وآلامهم وفي الوقت ذاته يخشى أن يؤلمه الآخرون بسخريتهم لو أخبرهم قصته ثم قالوا له بأنها عادية… يستخف بجروح الآخرين وينسى كم عانوا حتى يبوحوا بها! لا يعرف كم تطلبت هذه الكلمات من جرأة حتى تتحول من أوجاع داخلية إلى عبارات قد لا تصف معشار الإحساس الحقيقي الذي يسكن أغوار الروح و غرف الذاكرة المظلمة…

أما السبب الثاني: فالكتابة تشبه ازالة الحواجز عن انسان يقف وسط الغابة وهذه الحواجز كما أنها تحميه من تغيرات الطقس فإنها تمنحه نوعاً من الأمان والحماية!فإذا استمر الإنسان بالكتابة عن كل شيء يحدث معه ويذكر تفاصيل لا تعني أحداً سواه بأي شكل من الأشكال فإنه يعري نفسه!والعاري مكشوف العيوب الجسدية والنفسية!سهل ايذاءه!لا أحد يخشاه أو يعطيه قيمة!اذن فالناس لا تكتب لأنها لا تريد أن تكشف نقاط ضعفها فتكون معرضة للإتيان من خلالها!هذا ليس محصوراً في أصحاب القلوب الرقيقة بل كذلك أصحاب القلوب القاسية الذين يتجنبون الحديث عن بطولاتهم حتى لا يكونوا صيداً سهلاً لأعداءهم في المرات القادمة، اذن وبعبارة موجزة نحن نحتمي بالصمت حتى تبقى هناك مساحة من الخشية بيننا وبين الناس تجعلهم يترددون في الإعتداء علينا وعلى مشاعرنا لأنهم لا يتوقعون ردود أفعالنا….

ما دون ذلك من الأسباب لا أراه كافياً لمنع شخص من الكتابة، كإدعاء البعض عدم بلاغتهم وقدرتهم على صياغة الجمل بحيث تكون صحيحة وتعبر عما يجول بخاطرهم، أو بأنهم ليس لديهم وقت كاف لكتابة خواطر لا تقدم في حياة أحد ولا تؤخر فيها،أو لرؤيتهم بأن استغلال الوقت بالبحث العلمي هو أجدى من الكتابة الإنسانية التي تجعل الإنسان يتشبث بالماضي ويعيش على أطلاله على عكس ما هو مطلوب من الماضي بأن يمدنا فقط بالإلهام لنصنع المستقبل ونواجه مشاكلنا بطريقة عملية تقنية بعيداً عن المشاعر والعاطفة التي تؤثر في اتخاذ القرار وتزعزعه….

هناك تجارب جميلة كثيرة تهدم هذه النظريات وهي لأشخاص ناجحين ومتصالحين مع ذواتهم، ليس لأي منهم خبرة كتابية مسبقة ولم يتخصص أي منهم تخصصاً لغوياً يجعله بارعاً في انتقاء الكلمات،كل ما الأمر أنهم كانوا يحملون معهم دائماً أينما ذهبوا ورقة وقلماً ويسجلون ويدونون ما يمرون به من مواقف مع ردود أفعالهم وأحاسيسهم التي راودتهم في تلك المواقف… ليس من المفترض ولا حتى من المتوقع أن الكتابة ستخرج في شكلها النهائي مدبجة ومنمقة ففي هذا النوع من البوح الإنساني الخالي من النفاق والإدعاء ستكون التلقائية هي اليد الذهبية التي ستطرق أبواب قلوبنا لتدخلها دون استئذان…

في النهاية بقي أن أقول أن أثر الكتابة على الكاتب نفسه هو أعمق وأوسع ذلك أنه يفرغ من خلالها طاقات هائلة لو ضلت مكبوتة لتراكمت وتحولت لمشاكل عضوية ونفسية،كما أن الكتابة ترسل رسائل عن الحالة التي يمر فيها الإنسان وكثير منها تعلن صراحة أن صاحبها بحاجة للمساعدة خاصة الأطفال فمن الممكن للمقربين أن يتدخلوا لإنقاذ هذا الشخص من خلال الإستماع إليه ومحاورته…الكتابة فن راق علينا أن لا نخجل من ممارسته سواء أبدعنا بالتعبير أم لم نبدع فالإنجاز بما تجرأنا على مشاركته مع الآخرين برغم ادراكنا أنهم لا يشاركوننا المعاناة ولكننا فعلنا ذلك من أجل أنفسنا أولاً ولنتخلص من سيطرته علينا ومنعنا من ممارسة حياتنا بشكل اعتيادي… هذا ما جال بخاطري عن الكتابة أما القراءة فلم يتسع المجال للحديث عنها هنا فلعلي أفرد لها في قادم الأيام مقالاً يفيها حقها….