“حين اعتنق المصريون فى غالبيتهم الإسلام لم يحتفظوا لا بلغتهم القبطية ولا حتى بجنسهم تمام الإحتفاظ، فيما عدا القلة التى تمسكت بالمسيحية وجاهدت فى الإبقاء على لغتها حية حتى قرون متأخرة. ولكن هذه اللغة انتهت بعد القرن السادس عشر أو السابع عشر، إلى أن تكون لغة الطقوس الكنسية فحسب، بل آلت إلى أن تكتب بحروف عربية، ويتعلمها من يحرص على تعلمها فى كتب مؤلفة بالعربية.
أما المصريون المسلمون فقد اختلطوا بالعرب وبغير العرب من المسلمين الذين توافدوا على مصر فى مختلف العصور واستقروا بها.
مع أن الباحثين فى علم الأجناس يرون أن الشعب المصرى لم يتأثر فى غالبيته بذلك الاختلاط. وبرغم ما يقوله وهو على صواب - المؤرخ إرمان- من "أن الشعب الذى سكن مصر القديمة يعيش حتى الآن فى السكان الحاليين لهذه البلاد"، فإن الحقيقة الواقعة، وما نراه من إحساس المصريين بعروبتهم، تدل على تام بين مصر الإسلامية وما سبقها. فالمصرى المسلم ينظر إلى الإسلام كأساس لحضارته؛ ويعتبر العصور السابقة على الإسلام كأنها تاريخ شعب آخر انتهى أمره. والمصرى غير المسلم يعتبر اللغة العربية وما تحمله من ثقافة كأساس لحضارته. وإذا أردنا تقسيماً أدق، فإننا نرى المصريين عن بكرة أبيهم أحد اثنين : إما مسلم حس إحساساً شديداً بالجامعة الإسلامية، بحكم اقتصار دراسته وفهمه على التاريخ الإسلامى، والدور الذى أداه الإسلام الحضارة، وإما مسلم أو مسيحى يشعر بجامعة اللغة والتراث الحضارى، وهى التى تجمع شمله بالشعوب التى تتكلم اللغة العربية.
والنتيجة العملية لكل هذا، هى أن سكان مصر، من المسلمين يبدأون تاريخهم الحضارى بالفتح الإسلامى، ومن غير المسلمين، يبدأون تاريخهم الحضارى بكرازة مرقس الرسول، ثم يشاركون مواطنيهم المسلمين فى ثقافتهم العربية.
ولكن مصر لم تبق ولا يمكن أن تبقى، بمعزل عن العالم الذى تطور منذ القرون الوسطى، وأنشأ فى أوربا حضارة نبتت أصولها من حضارة اليونان والرومان والتوراة والإنجيل، وأخصبتها عناية العرب ببعض معالم الفكر اليونانى. فإذا أضفنا إلى هذا أن حضارى اليونان تعترف لمصر القديمة ببعض الفضل، وأن الحضارة العربية تأثرت فى بعض نواحيها الفنية بالفن البيزنطى، فإن السلسلة الحضارية التى تجمع بين مصر القديمة، ومصر المسيحية، ومصر الإسلامية، والحضارة الأوربية الحديثة، سوف اضيق حلقاتها.
وما إن تتيقظ مصر، وتفتح عيونها علي حضارة أوروبا، حتي تكتشف أمراً عجيباً، هي التي نسيت تاريخها القديم: ستكتشف أن لتاريخها الذي نسيته، حساباً أكبر حساب، عند أصحاب الحضارة الأوروبية الحديثة. ستكتشف أن هؤلاء يعتبرون الحضارة الفرعونية أقدم يقظة للفكر الضمير والإحساس الإنسانى، عرفها التاريخ. فلم يعد مقبولاً أن يظل المصريون على جهلهم بحضارة أجدادهم المنسيين منهم وحدهم. ويتنبه المصريون إلى هذه الحقيقة، وبخاصة فى عهد التحرر. وعقب ثورة 1919، كان هذا منشأ المدرسة التى نادت بالفرعونية فى عشرينات هذا القرن. ولم تكن تلك المدرسة لتتنكر للعروبة. فما عرفنا من أقطابها إلا كتاباً فى صدارة كتاب العربية. ومفكرين من أعرف الناس بتاريخهم الإسلامى. إنما حركة تحاول أن تمحى عن المصريين سبة وعاراً، سبة جهلهم بتاريخهم، وعار ازدرائهم بأمجد حقبة من أحقاب هذا التاريخ. فإذا كنا قد صححنا إلى حد ما موقفنا من الحضارة المصرية القديمة، فإننا ما زلنا مع شديد الأسف ننكر ونتجاهل حقبة هامة من حقبات التاريخ المصرى وهى الحقبة المسيحية، ونكتفى منها بكلمة أو كلمتين عن اضطهاد دقلديانوس ثم نقفز فجأة إلى التاريخ الإسلامى.”
―
سندباد مصري: جولة في رحاب التاريخ
Share this quote:
Friends Who Liked This Quote
To see what your friends thought of this quote, please sign up!
2 likes
All Members Who Liked This Quote
This Quote Is From
Browse By Tag
- love (101782)
- life (79787)
- inspirational (76198)
- humor (44483)
- philosophy (31149)
- inspirational-quotes (29018)
- god (26978)
- truth (24819)
- wisdom (24766)
- romance (24454)
- poetry (23414)
- life-lessons (22739)
- quotes (21216)
- death (20616)
- happiness (19110)
- hope (18642)
- faith (18509)
- travel (18490)
- inspiration (17463)
- spirituality (15799)
- relationships (15735)
- life-quotes (15658)
- motivational (15445)
- religion (15434)
- love-quotes (15430)
- writing (14978)
- success (14221)
- motivation (13343)
- time (12905)
- motivational-quotes (12657)


