“الأمثلة كثيرة وكلها تؤكد -بصراحة- أن هناك في الشخصية المصرية ما يمكن تسميته بمركب الإذعان؛ ذلك الميل المتوارث للسكوت عن الحق إيثاراً للسلامة والتعايش مع الظلم، وممالأة السلطة، ربما يكون السبب أن المصريين فلاحون تعودوا أن يتمسكوا بالأرض مهما كان الثمن، أو مهما يكن السبب تواكلهم الناتج عن فهم خاطئ للإسلام، أو ربما طول عهدهم بالاستبداد.. لكن مركب الإذعان هذا كامن فينا جميعاً وليس من المفيد-في رأيي-إنكاره.. ليس معني هذا بالطبع أن تاريخ مصر كله ذل ومهانة، فهناك لحظات مضيئة ثار فيها الشعب المصري وناضل بشجاعة وقدم الشهداء من أجل حرية وإستقلال بلاده.. لكننا المصريين في كل لحظة فارقة في تاريخنا، تتنازعنا قوتان متساويتان: حب الحق من جانب، ومركب الإذعان من الجانب الآخر.. فإذا إنتصر حب الحق ثار المصريون وانتزعوا حقوقهم كما حدث في كل الثورات المصرية، أما إذا تملكهم مركب الإذعان فإنهم يلوذون بالصمت ويتركون الطغاة يعيثون فيهم فساداً. إن إذعان المصريين السبب الأصيل في تخلفهم.. فمصر تمتلك إمكانات هائلة يمكن أن تضعها في مقدمة الأمم لكن صبرنا الذي لا ينتهي علي الاستبداد، هو الذي أوصلنا إلي الحضيض.”