“ حسب رأي علماء علم الأجناس " Anthropology " كان الإنسان في بدايته بسيطاً في تفكيره, و في استيعابه للظواهر الطبيعية مثل الليل و النهار, و المطر و الرعد و البرق و ما شابه ذلك ,ثم ارتقى بتفكيره في خط مستقيم من الأدنى إلى الأعلى !!! و هذه الفكرة الساذجة هي في الحقيقة مجرد نظريات قديمة ظهرت في أواسط القرن التاسع عشر . لكن مع تقدم الأنثروبولوجيا , و المراجعات التي تمت للمفاهيم القديمة حول المجتمعات التي تسمى بدائية, أدى ذلك إلى ظهور جيل من الأنثروبولوجيين في الغرب أخذ يرى بوضوح أن المجتمعات التي ندعوها بدائية ليست مرحلة طفولية من مراحل تطور البشر ,بل هي شكل تام من أشكال الحياة الإنسانية الناضجة و المكيفة بنفسها . أشهر الكتب التي تجد فيها هذا المعنى واضحاً هو كتاب " البدائية " لـ " أشلي مونتاغيو " و هو يضم عدة بحوث ممتازة كتبها أنثروبولوجيون معاصرون حول إعادة مصطلح البدائية .في هذا الكتاب يستعرض أحد الباحثين و هو " فرانسيس ك.ل.هسو " ثلاثين كتاباً في الأنثروبولوجيا , و يخلص إلى أن استخدامات مصطلح البدائية تتسم بالغموض و التضارب ,و يؤكد أن مفهوم البدائية غدا من النواحي التجريبية , و التطورية , و العلمية مفهوماً بالياً , و إن كان لا يزال يتمتع بدرجة عالية من الشيوع بشكل يتصف بالغموض و التضارب! و انعدام المعنى من الناحية العلمية .
و يشير "مونتاغيو" إلى أن معظم الثقافات التي تدعى بدائية بعيدة عن البدائية و عن البساطة. فهذه الثقافات في العديد من النواحي أعقد من أي ثقافة غربية . و يشير أيضاً إلى أن مصطلحاً بهذا القدر من الغموض و عدم التحديد إما أن يعاد تحديد معناه أو أن يشطب , إذا أمكن , من قاموس العالم ,و أنا أعتقد – يقول- أن المصطلح يستحق الحل الثاني . و في الكتاب نفسه ينبه " إدوارد ب.دوزيير " إلى الفهم الخاطئ عند جمهور القراء من غير المختصين الذين قبلوا المعاني السلبية التي توحي بها المصطلحات الأنثروبولوجية عن المجتمعات اللاكتابية , لذا فإن الافتراض الشائع بين الناس العاديين عندما يستخدم اصطلاح البدائية ليصف مجتمعاً لا كتابياً معيناً, هو أن مثل هذا المجتمع متخلف عرقياً و عقلياً و ثقافياً . ”
―
إيهاب عويص,
الهروب إلى العاصفة