“رامبو وزمن القتلة
هنري ميللر
ترجمة: سعدى يوسف
آفاق الترجمة، 12
الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1996
عانى رامبو أزمته العظمى عندما كان في الثامنة عندما كان في الثامنة عشرة ، حينها بلغ حد الجنون، ومنذ ذلك الحين غدت حياته صحراء لا تنتهي. أما أنا فبلغت الحد بين السادسة والثلاثين والسابعة والثلاثين ... العمر الذي مات فيه رامبو. ومنذ ذلك الحين بدأت حياتي تزدهر. رامبو تحول من الأدب إلى الحياة. أنا فعلت العكس. رامبو هرب من السعالي التي خلقها، أما أنا فقد عانقتها. لقد صحوت على حماقة وضياع الممارسة المجردة للحياة. هكذا توقفت، وجهت طاقتي كلها وجهة الإبداع.
واندفعت في الكتابة، بنفس اللهفة والحرارة اللتين وسمتا اندفاعي في الحياة. وربحت الحياة بدل أن أضيعها، وحدثت المعجزات، واحدة إثر الأخرى، وبدَّل كل حظ عاثر خيرًا، أما رامبو، فبالرغم من اندفاعه في أرض مناخات ومشاهد لا تصدَّق... في عالم فانتازيا غريب وبهيّ كقصائده، إلا أنه غدا أكثر مرارة وانغلاقًا وفراغًا وأسى.
رامبو أعاد الأدب إلى الحياة. أنا أردت أن أعيد الحياة إلى الأدب. ولدينا نحن الاثنين تقوى الخاصية الاعترافية، والانشغالات الأخلاقية والروحية. كما أن التلذذ باللغة والموسيقى أكثر من الأدب، صفة مشتركة بيننا. مع رامبو أحسست بطبيعة بدائية تعبر عن نفسها بطرق غريبة. وصف كلوديل رامبو بأنه "صوفيٌّ في حالة متوحشة"، وهو وصف ليس له مثيل. إن رامبو لا "يعود" إلى أي مكان. وكان لديَّ هذا الإحساس ذاته إزاء نفسي.
التناظرات لا تنتهي، وسوف أتناولها ببعض التفصيل، ذلك لأنني في قراءة السير والرسائل رأيت وجوه الشبه واضحة إلى حد جعلني لا أقاوم تدوين ملحوظات عنها. ولا أظنني فريدًا ... في هذا، بل أعتقد أن في العالم، الكثير من رامبو، وأن عددهم يزداد مع الزمن، وأرى أن النمط الرامبوي سيحل في المستقبل محل النمط الهاملتي أو الفاوستي.
إن الاتجاه سائر نحو انشطار أعمق. وإلى أن يموت العالم القديم نهائيًا، فإن الفرد "الشاذ" سيكون، أكثر فأكثر، هو النموذج. ولن يجد الإنسان الجديد نفسه إلا حين تنتهي الحرب بين الجماعية والفردية. آنذاك سوف نرى النمط الإنساني بكل امتلائه وبهائه.”
―
هنري ميلر,
The Time of the Assassins: A Study of Rimbaud