بلغنى ايها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد انه عندما مات الملكُ الطيِّب العجوز الذي حكم طوال عُمره بالعدل و أحبَّه كافةُ الناس، لم يكن قد ترك سوى ابنةٍ صغيرةٍ ليس بوسعها أن تكون ملكة، و لكنَّ الملك كان قد ترك وصيةً لابنته الصغيرة: "كي تُصبحي ملكةً يجب أن تحملي الشمس إلى القصر، و إن لم تستطيعي عَمل ذلك خلال أربعين يوماً فإنك ستقضين حياتَكِ في صُندوق خشبي مُغلق عقاباً لك!" و بعد أن قرأتِ الأميرةُ الوصيةَ استدعَتْ حكيمَ القصر و طلبت مشورته، فأخبرها بأنه على علم بالوصية و أنه يجب عليها تنفيذها دون مساعدته. و في صباح اليوم التالي قررت الأميرة أن تتسلَّق الجبل العالي الذي تمرُّ من جانبه الشمسُ في كلِّ يومٍ، و بالفعل قامت الأميرة بتسلقُ الجبل، و لكنها حين وصلت إلى قمة الجبل اكتشفت أن الشمس ما تزالُ بعيدةً و أنه لا يُمكنُ لإنسانٍ أن يُمسكَ الشَّمس، فعادت إلى القصر حزينةً و أغلقت غرفتها بالمفتاحِ، و أخذت تبكي. و بعد يومين شاهدت الأميرةُ الحزينةُ ورقةً صغيرةً تحت باب غرفتها، فتناولتها و وجدت فيها الجملة التالية: "لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفةٍ مغلقة". و لهذا قررت أن تُواصل بحثها عن الشمس و لو اضطُرَّتْ لتسلُّقِ الجبل كلَّ يومٍ، و في الوقت نفسه بعثت منادياً في المدينة أنَّ أيَ شخصٍ يستطيعُ أن يُساعدها في حَمْلِ الشمس إلى القصر سينالُ مكافأةً كبيرة. و عندما سمع الناس بهذا النداء انقسموا إلى فريقين، فمنهم من ظن أنّ الأميرة مجنونةٌ لأنها تطمعُ في شيء مستحيل، و منهم من رأى أنّها أميرةٌ حكيمةٌ لأنّها تريد أن تُحقِّق شيئاً "مستحيلاً"، و لكنّ الجميع عجز عن مساعدتها.. و مع مرور الأيام، بدأ اليأس يستولي عليها، و بدأت تفقد الأمل في تحقيق وصية أبيها، و في أحد الأيام بينما كانت الأميرة غارقة في تفكير عميق من أجل إيجاد حل لمشكلتها، لاحظت من خلال نافذة غرفتها رجلاً عجوزاً يحاول أن يَدخُل إلى القصر، ولكنَّ الحُرّاس كانوا يمنعونه من الدُّخول ويحاولون طرده بشتّى الوسائل، إلا أنّ العجوز كان عنيداً، فاقتربت من النافذة و سمعت العجوز يصيحُ بالحرس: "أُريدُ أن أدخل لأُساعد الأميرة." ثم جاء صوت قائد الحرس متهكماً: "أوهل تستطيعُ أن تساعدها أنت أيُّها العجوز الهرِمُ؟" فصاح العجوزُ قائلاً: "حسناً.. قولوا لها إنه إذا لم يكن بوسع إنسانٍ عجوز أن يدخل إلى قصرها فكيف تطمعُ أن تُدخل الشمس إليه؟" و أدار العجوز ظهره و مضى، و حاولت الأميرة أن تُناديه إلاّ أنّه كان قد ابتعد، فطلبت من الحرس أن يأتوا به، لكن العجوز كان قد اختفى... أخذت الأميرةُ تفكر فيما قاله العجوزُ للحرّاس، ثم نادت قائد الحرس و سألته عن الرجل العجوز ، فقال قائدُ الحرس: "إنّ العجوز رجلُ فقيرٌ يأتي كلّ مساءٍ حاملاً قنديلاً صغيراً، إلا أن الحراس يمنعونه من الدخول لأنهم يعتقدون أنه رجلٌ مجنونٌ." قالت الأميرة: "إذا جاء الرجلُ العجوزُ غداً، فاسمحوا له بالدخول." إلا أن الرجل العجوز لم يأت في الغد، ولا في الأيام التالية، فعادت الأميرة إلى حزنها و يأسها خاصة و أن المهلة أصبحت على وشك الإنقضاء. و لكنها تمالكت نفسها لأنها تُدرك أن البكاء و الحزنَ لا يحلاّن المشاكل، و بدأت تُفكر من جديد، و فجأة استدعت قائد الحرس، وطلبت منه بأن يأتي بكلّ رجلٍ يسير حاملاً قنديلاً صغيراً إلى القصر لمقابلتها!" و في الصباح الباكر وزّع قائدُ الحرس كلَّ الحراس في جميع أرجاء المدينة، و أمرهم أن ينتظروا حتى حلول الظلام، ثم يبدأوا بإلقاء القبض على كل رجلٍ يحملُ قنديلاً صغيراً، و أن يُرسلوه فوراً إلى القصر. و عند المساء جلست الأميرة أمام النافذة تنظر إلى الشارع، وتنتظر قدوم الرجال الذين يحملون القناديل الصغيرة، و فجأة شاهدت في الأُفق المظلم البعيد آلافَ الرجال يحملون القناديل، و يتقدمون نحو القصر من كافة النواحي، و عندما وصلوا إلى أبواب القصر التي لم تكن كافية لدخولهم معاً، فازدحموا أمامها، فطلبت الأميرة من الخدم أن يهدموا أسوار القصر العالية التي تحول دون دخولهم، لكي يُوسِّعوا الأبواب و يتيسَّرَ للجميع الدخول إلى باحة القصر. و عندما نزلت الأميرة من غرفتها إلى باحة القصر، طلبت من قائدِ الحرس أن يدلّها على الرجل العجوز، و لكن ضوء القناديل مجتمعة كان ساطعاً جداً لدرجة أن قائد الحرس عجز عن رؤية وجوه الرجال. و هنا تدخل حكيم القصر قائلاً: "حين يحل الظلام، يحمل كلّ رجلٍ قنديله الصغير ليتعرف على طريقه، ولكن عندما تجمعت هذه القناديل الصغيرة معاً توهجت كأنها الشمس، فأنت أيتها الأميرة لا تستطيعين أن تحملي الشمس، ولكن شعبك يستطيع أن يُساعدك في حمل القناديل لتقوم بعمل الشمس في الإنارة." و كانت الشمسُ قد بدأت بالشروق، فأشار الحكيمُ باتجاهها قائلاً: "أنظري إلى هناك!" فصاحت الأميرة: "شيءٌ عجيبٌ، هذا يحدث لأول مرة!" فَردّ الحكيم: "نعم هذا يحدثُ لأول مرة لأنك هدمت الأسوار و الأبواب التي كانت تحجُبُ أشعة الشمس و تمنعها من دخول القصر، فتذكري أن تزيلي الحواجز بينك و بين الشعب ليدخل نور محبتهم إلى قلبك."
ثم ألبسها تاج المُلك وقال لها: "أصبحتِ الآن ملكةً لأنك نفّذت وصيّة والدك."
و بعد أن قرأتِ الأميرةُ الوصيةَ استدعَتْ حكيمَ القصر و طلبت مشورته، فأخبرها بأنه على علم بالوصية و أنه يجب عليها تنفيذها دون مساعدته.
و في صباح اليوم التالي قررت الأميرة أن تتسلَّق الجبل العالي الذي تمرُّ من جانبه الشمسُ في كلِّ يومٍ، و بالفعل قامت الأميرة بتسلقُ الجبل، و لكنها حين وصلت إلى قمة الجبل اكتشفت أن الشمس ما تزالُ بعيدةً و أنه لا يُمكنُ لإنسانٍ أن يُمسكَ الشَّمس، فعادت إلى القصر حزينةً و أغلقت غرفتها بالمفتاحِ، و أخذت تبكي.
و بعد يومين شاهدت الأميرةُ الحزينةُ ورقةً صغيرةً تحت باب غرفتها، فتناولتها و وجدت فيها الجملة التالية: "لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفةٍ مغلقة". و لهذا قررت أن تُواصل بحثها عن الشمس و لو اضطُرَّتْ لتسلُّقِ الجبل كلَّ يومٍ، و في الوقت نفسه بعثت منادياً في المدينة أنَّ أيَ شخصٍ يستطيعُ أن يُساعدها في حَمْلِ الشمس إلى القصر سينالُ مكافأةً كبيرة.
و عندما سمع الناس بهذا النداء انقسموا إلى فريقين، فمنهم من ظن أنّ الأميرة مجنونةٌ لأنها تطمعُ في شيء مستحيل، و منهم من رأى أنّها أميرةٌ حكيمةٌ لأنّها تريد أن تُحقِّق شيئاً "مستحيلاً"، و لكنّ الجميع عجز عن مساعدتها..
و مع مرور الأيام، بدأ اليأس يستولي عليها، و بدأت تفقد الأمل في تحقيق وصية أبيها، و في أحد الأيام بينما كانت الأميرة غارقة في تفكير عميق من أجل إيجاد حل لمشكلتها، لاحظت من خلال نافذة غرفتها رجلاً عجوزاً يحاول أن يَدخُل إلى القصر، ولكنَّ الحُرّاس كانوا يمنعونه من الدُّخول ويحاولون طرده بشتّى الوسائل، إلا أنّ العجوز كان عنيداً، فاقتربت من النافذة و سمعت العجوز يصيحُ بالحرس: "أُريدُ أن أدخل لأُساعد الأميرة."
ثم جاء صوت قائد الحرس متهكماً: "أوهل تستطيعُ أن تساعدها أنت أيُّها العجوز الهرِمُ؟"
فصاح العجوزُ قائلاً: "حسناً.. قولوا لها إنه إذا لم يكن بوسع إنسانٍ عجوز أن يدخل إلى قصرها فكيف تطمعُ أن تُدخل الشمس إليه؟"
و أدار العجوز ظهره و مضى، و حاولت الأميرة أن تُناديه إلاّ أنّه كان قد ابتعد، فطلبت من الحرس أن يأتوا به، لكن العجوز كان قد اختفى...
أخذت الأميرةُ تفكر فيما قاله العجوزُ للحرّاس، ثم نادت قائد الحرس و سألته عن الرجل العجوز ، فقال قائدُ الحرس: "إنّ العجوز رجلُ فقيرٌ يأتي كلّ مساءٍ حاملاً قنديلاً صغيراً، إلا أن الحراس يمنعونه من الدخول لأنهم يعتقدون أنه رجلٌ مجنونٌ."
قالت الأميرة: "إذا جاء الرجلُ العجوزُ غداً، فاسمحوا له بالدخول."
إلا أن الرجل العجوز لم يأت في الغد، ولا في الأيام التالية، فعادت الأميرة إلى حزنها و يأسها خاصة و أن المهلة أصبحت على وشك الإنقضاء. و لكنها تمالكت نفسها لأنها تُدرك أن البكاء و الحزنَ لا يحلاّن المشاكل، و بدأت تُفكر من جديد، و فجأة استدعت قائد الحرس، وطلبت منه بأن يأتي بكلّ رجلٍ يسير حاملاً قنديلاً صغيراً إلى القصر لمقابلتها!"
و في الصباح الباكر وزّع قائدُ الحرس كلَّ الحراس في جميع أرجاء المدينة، و أمرهم أن ينتظروا حتى حلول الظلام، ثم يبدأوا بإلقاء القبض على كل رجلٍ يحملُ قنديلاً صغيراً، و أن يُرسلوه فوراً إلى القصر.
و عند المساء جلست الأميرة أمام النافذة تنظر إلى الشارع، وتنتظر قدوم الرجال الذين يحملون القناديل الصغيرة، و فجأة شاهدت في الأُفق المظلم البعيد آلافَ الرجال يحملون القناديل، و يتقدمون نحو القصر من كافة النواحي، و عندما وصلوا إلى أبواب القصر التي لم تكن كافية لدخولهم معاً، فازدحموا أمامها، فطلبت الأميرة من الخدم أن يهدموا أسوار القصر العالية التي تحول دون دخولهم، لكي يُوسِّعوا الأبواب و يتيسَّرَ للجميع الدخول إلى باحة القصر.
و عندما نزلت الأميرة من غرفتها إلى باحة القصر، طلبت من قائدِ الحرس أن يدلّها على الرجل العجوز، و لكن ضوء القناديل مجتمعة كان ساطعاً جداً لدرجة أن قائد الحرس عجز عن رؤية وجوه الرجال.
و هنا تدخل حكيم القصر قائلاً: "حين يحل الظلام، يحمل كلّ رجلٍ قنديله الصغير ليتعرف على طريقه، ولكن عندما تجمعت هذه القناديل الصغيرة معاً توهجت كأنها الشمس، فأنت أيتها الأميرة لا تستطيعين أن تحملي الشمس، ولكن شعبك يستطيع أن يُساعدك في حمل القناديل لتقوم بعمل الشمس في الإنارة."
و كانت الشمسُ قد بدأت بالشروق، فأشار الحكيمُ باتجاهها قائلاً: "أنظري إلى هناك!"
فصاحت الأميرة: "شيءٌ عجيبٌ، هذا يحدث لأول مرة!"
فَردّ الحكيم: "نعم هذا يحدثُ لأول مرة لأنك هدمت الأسوار و الأبواب التي كانت تحجُبُ أشعة الشمس و تمنعها من دخول القصر، فتذكري أن تزيلي الحواجز بينك و بين الشعب ليدخل نور محبتهم إلى قلبك."
ثم ألبسها تاج المُلك وقال لها: "أصبحتِ الآن ملكةً لأنك نفّذت وصيّة والدك."
غسان كنفاني - بتصرف
المصدر