همسات كاتب discussion

4 views
جاك العظيم

Comments Showing 1-1 of 1 (1 new)    post a comment »
dateUp arrow    newest »

message 1: by محمد (new)

محمد التواب (mohammedabdeltawab-goodreadscom) | 50 comments Mod
الجزء الأول
في طفولتنا نحتفظ ببعض الذكريات التي قد تكون مثل النقوش الفرعونية الصامدة التي تعيش بداخلنا حتي الموت ونتذكرها دائماْ بسبب الحنين المطلق لها فلدي الكثير من الذكريات ربما تعود إلي فترة بدايات طفولتي والتي أتذكرها جيداً كأنها حدثت بالأمس وكلما تذكرتها تذكرت الإبتسامة والضحكة التي أفتقدها كثيراً في تلك الأيام مثل حكايتي مع أول وآخر كلب في حياتي.
كنت في بداية المرحلة الإبتدائية وكان للبيت فناء خلفي به عدة حجرات وكل حٌجرة تمثل شيء أساسي في حياة والدتي مثل حجرة الغسيل وحجرة الفرن الطيني وكان في منتصف الفناء شجرة توت رائعة ضخمة كبيرة مٌحملة بالكثير من التوت بلونة الحمر الداكن, كانت تلك الشجرة هي منزلي وسكني الدائم حيث كنت أقضي معظم وقتي اتسلقها لكي ألتقط التوت وأكلةُ بدون غسيل بما عليه من أتربة حتي كنت أحياناْ أشعر أنني أكل الغُبار والتراب أكثر من التوت نفسه, كم تمزقت ثيابي تلك من أغصان تلك الشجرة و من كثرة السقوط الحر المتكرر من تلك الشجرة حتي أن أمي كانت تلقبني بقرد الشجرة وتندب حظها أنها قد أنجبت طفل أهبل أو ربما أنها في الحمل قد توحمت علي قرد أو موز مثلاً.
في تلك الفترة كانت هنالك فتاة تساعد أمي في المنزل تدعي ( حلاوتهم ) بالرغم أن إسمها يدل علي علاقتها الوثيقة بالجمال الباهر والفاتن إلا إن جمالها جمال أفريقي أصيل لم يعرف اللون الأبيض طريقة إلي بشرتها كذلك شعرها أحياناً كنا نستخدمه كسلك مواعين من النوع الممتاز لكنها في الحقيقة كانت تحبني وتدللني كثيراً وتلبي أوامري بدون أن تعرف أمي أي شيء عن ذلك لأنني كنت أتسكع مثل حياة البوهيمين أو يمكن القول متشرد من الدرجة الأولي.
ليست حلاوتهم فقط هي التي كانت تلازمني بل كل إخواتها البنات كانوا يأتون إلي بيتنا لمساعدة أمي لأنهم كانوا يشعروا أن أمي مثل الأخت الكبيرة لهم فكنت في صغري أري الكثير من النساء داخل بيتنا حيث حلاوتهم وخالاتي اللاتي كانوا تقريباْ في نفس العمر والكل يقدر دور أمي ويجلها لأنها كانت صاحبة ذكاء ودهاء وشخصية قوية لا غبار عليها. في يوم من الأيام أتت حلاوتهم إلي المنزل ومعها ضيف جديد غريب عن المنزل عبارة عن كلب صغير أبيض اللون هدية لي لكي ألهو به وأمنحه حنان الأب الذي فقده منذ الصغر, لكن والدتي رفضت ذلك رفضاْ باتاْ ولكن أخبرتها حلاوتهم أن هذا الكلب من عائلة ملكية عريقة صاحبة جاه ومال وأن هذا الكلب كان ولي العهد وأن أختها قد سرقته لكي تحميه من أعدائه ولكن والدتي أصرت علي رفضها وأنا صممت أن أحتفظ بولي العهد هذا ربما لإحساسي بأنني أيضاً من عائلة ملكية عريقة وأنني أخُتطفت منذ الصغر مثل هذا الكلب وربما أعود يوم ما إلي مملكتي مع هذا الكلب واتنكر لكل هؤلاء الحُثالة وأتذكر مافعلوه معي في طفولتي من حرمان من اللهو والتسكع في الشوارع طوال الوقت. كان دائماْ لدي هذا الشعور أنني لا أنتمي إلي تلك الأسرة وأنني صاحب شأن عظيم وكنت دائماْ أخبر أصدقائي أنني في الأصل ليس مصري بل ألماني المولد والجنسية وأنني أمتلك شعر ذهبي اللون وعيون زرقاء مثل لون البحر وأمتد هذا الشعور معي لفترة طويلة ربما لأنني لم أكن أنظر في المرآة كثيراً أو أن هذا التغيير سببة أنني عندما أعود إلي ألمانيا سوف أسترد شعر الذهبي ولوني الأبيض وعيوني الزرقاء وأن تلك التغييرات التي حدث بسبب أنني كنت أكرهه الإستحمام والنظافة عموماً حيث كان بيني وبينه ثأر ولم أكن أستحم سوي في الأعياد فقط بسبب الثياب الجديدة ومن أجل الحصول علي العيدية , كنت مقتنعاً تماماً بتلك النظرية حتي عندما قررت في يوم ما أن أستحم لمدة أسبوع كامل لكي أستعيد جمالي الأوربي مرة أخري وهنا كانت الصدمة فبرغم كل المعاناة والعذاب الذي عانيت منه خلال هذا الأسبوع فأنا لم أتغير في شيء نفس الملامح الصعيدية الرائعة المتضخمة في بعض الأجزاء الغير مُتناسقة تماماً كأن والدتي قد إستعارتها من ملامح أخوتي وصنعت مني هذا الفتي لكنني في نهاية الأمر أقنعت نفسي بأن ملامحي الحقيقة هي أوروبية المنشأ.
بعد مباحثات متعثرة أعتقد أن مباحثات اليهود والفلسطينين كانت أسهل من تلك المباحثات مع أمي حيث في بداية الأمر خيرتني ما بين أن أعيش أنا داخل المنزل والكلب خارج المنزل أو العكس الكلب داخل المنزل وأنا خارج المنول فإختلات أن أكون انا والكلب داخل المنزل والدتي خارج المنزل ولكن بعد مفاوضات عنيفة إنتهت بثيابي ممزقة وجنتي ملتهبتان من كثرة مُصافحة والدتي لهما وبكائي الشديد من آثر التعذيب إتفقنا أن هذا الكلب يبقي في الفناء ولا يدخل المنزل ولو حدث هذا مصيرنا نحن الأثنين الرجم بالشباشب حتي الثمالة.
وأنا أعلم جيداً أن أمي لن ترحمني وتنتظر تلك اللحظة لكي تطردنا نحن الأثنين أنا وجاك خارج البيت لأنها غير مقتنعة بالمرة بوجود كلب أو بوجودي أنا أيضاً في البيت.
كان صغير الحجم مازال رضيع لونه أبيض ببقع صفراء صغيرة متناثرة علي أجزاء من جسده ,كان يبكي لشعوره بالغُربة و إحساسه أن مستقبله قد ضاع منذ البداية عندما علم أنه سوف يعيش مع صبي ضايع من عامة الشعب صعلوك يتسلق الشجرة طوال اليوم يقتات علي حبات التوت الممزوجة بالغبار وأشياء أخري
وهو يأكلها وملامح البلاهة ترتسم علي ملامحه, طفل مثلي حافي القدمين ويبدو من ثيابه أنه متشرد طوال اليوم.
عندما قذفت الكُرة له أخذ يلعب بها كأنه ملك يلهو مع عامة الشعب وشعرت أن هذا الكلب ربما يكون أذكي من كثير من أصدقائي فأطلقت علية لقب (جاك) وواجهتني أول مشكلة مع جاك وهي ما نوعية الغذاء المناسب له؟!! فسألت حلاوتهم سؤال غبي قائلاً :
ــ حلاوتهم هو بيحب سندوتشات الحلاوة ولا الجبنة بجرجير وشوية مخلل ؟!!!!
تطلعت حلاوتهم لي لبرهة ثم قالت لي :
ــ بذمتك فيه كلب صغير إبن ناس ياكل سندوتشات جبنة ومخلل ؟!!!!
نظرت لها بتعجب شديد قائلاً :
ــ أوعي تقولي عاوز ساندوتشات بطنجان وعجة مثلاً
وعندما لم تجد أن هنالك فرصة أنني أفكر مثل باقي البشر وأنها ندمت للحظات أنها أحضرت هذا الكلب ليعيش مع طفل يمتاز بغباوة تتساوي مع غباء جحش صغير لذلك في نهاية الأمر أخبرتني أنه مازال صغيراً ويحتاج إلي لبن فقط.
هنا كانت المشكلة كيف أقنع أمي أن تعتبر هذا الجرو فرد من العائلة لكي تمنحه القليل من الطعام ولو علي حساب والدي أو تشتري لبن من أجله لأن الإتفاق لم يشمل تلك المصاريف الجديدة , في الواقع لم أستطع أن أتجئر وأصارح والدتي في ذلك الأمر.
كنت مازلت صغيراً لم أتحمل مسؤلية أي شيء من قبل وخاصةً حيوان صغير رضيع فكل مافكرت فيه هو أن أمتلك هذا الكلب ويكون بجواري مثل باقي ألعابي ولكن من الآن فصاعد فأنا مسؤل عنه في كل شيء أنا وليس شخص آخر معي.
تفتق ذهني بفكرة جهنمية عندما رأيت برام الأرز الفخاري والذي يمتلأ باللبن وتعده والدتي للغذاء فقمت بإستبدال اللبن بالماء وأخذت اللبن لجاك العظيم ولم تشعر والدتي بتلك الكارثة حيث تجمعنا وقت الغذاء ووجدت والدتي برام الأرز مثل العجينة البيضاء أو بمعني أصح مثل الغراء الأبيض وأتذكر أن أخي الأكبر لم يستطع أن يفتح فمه لمدة يومين بسبب ذلك الأرز العجيب وتسببت في مٌشكلة عظيمة حيث أننا لم نأكل يومها وفي تلك اللحظة تصنعت دور الملاك الصغيرة وأعلنت تعاطفي مع والدتي ضد والدي وأخوتي وأنهم يجب أن ياكلوا هذا الأرز تضامناً مع والدتي وأكلت هذا الأرز علي مضض وأنا أبتسم لوالدتي وأضحك ضحكات هيستيرية والدتي تظن أنني سعيد بهذا الأرز وأنا في واقع الأمر أتالم بشدة من معدتي التي كادت أن تنهار


back to top