إنتهت من رسم لوحتها التي إستمرت تعمل عليها لأسابيع، تنفست بعمق كأن حملاً ثقيلاً انزاح عن روحها، صنعت لنفسها فنجاناً من القهوة، ليس فنجاناً بل كوباً أسوداً عليه خفاش بارز كأنه حقيقي …لونه الأصلي أبيض ولكنها تحب التواصل مع الأشياء بريشتها، ليست تعرف لغة أخرى سوى الألوان،،، عندما اشترته في إحدى المرات القليلة التي تغادر فيها مشغلها الذي يحتل نصف بيتها بينما تحتل لوحاتها النصف الثاني منه كان أبيضاً ناصعاً وكان أول ما قامت به أن كسرت مقبضه ثم أعادت صنعها من الفخار ثم صبغته باللون الأسود ثم صنعت خفاشاً من المعجون وألصقت به وانتظرته حتى جف وبدأت بإستخدامه حتى أصبح كوبها الرئيسي الملازم لها دائماً…
فتحت شاشة الحاسوب ودخلت إلى حسابها الشخصي المهمل على الفيسبوك، لديها طقوسها الخاصة! لا تخجل من الإعتراف بأنها فاشلة في التواصل مع الآخرين، كانت تغيب لأشهر عن حسابها الشخصي ثم تعود لتجد مئات الرسائل، لا ترد عليها فهي لا ترد على الإتصالات في العالم الواقعي وتجد مشكلة في الإبتسام في وجه من تكره من منافقين وأوغاد كما تسميهم، فكيف ستكترث لمن يحاول التواصل معها في العالم الإفتراضي؟! تأخذ جولة سريعة في الأخبار، قتل، تدمير، تهنئة، تخريج، خطوبة زواج، نعي، ولادة، نثر ممزق يكتب صاحبه في نهايته أنه شعر، صور كاذبة لحالات تبرع لفقراء، كلام أجوف من أكاديمي يدعي أنه مثقف يطالب فيه الناس بعدم الخروج إلى الشارع، فتاة مهووسة بخطيبها فتلوث أبصارنا بصوره أينما حل،فيديوهات بث مباشر لأطفال يدخنون الأرجيلة بملابسهم الداخلية، اقتتالات تسمى جزافاً بأنها نقاشات حول الانتماءات الدينية،سيدة تنشر صور احتفالها بالطلاق من زوجها، تفاهة، تفاهة، تفاهة، تردد هذه الكلمة بينما ترتشف المزيد من قهوتها متصفحة المزيد من الأخبار…
تفتح صندوق الرسائل، لا تضغط على الرسائل التي تعرف مرسليها كي لا يعرفوا أنها قرأتها ولم ترد… تضغط على المزيد بينما تتمتم، كاذب،كاذبة، كاذب،منافق،منافقة، متملق، انتهازي، مقرفة، مملة، تافهة، مغرورة، وصولي،متسلق، من هذا؟!
توقفت فهي لا تعرف من يكون صاحب هذه الرسالة،كلمة واحدة تظهر لها من الخارج، هيا أحبيني! عليها أن تفتح الرسالة لتقرأها كاملة، الإسم مألوف لديها،سمير أحمد، لا بد أنها إلتقت به في أحد معارضها أو ربما في حفل أو مهرجان،ليست متأكدة تماماً ولكنها ستقرأ الرسالة…بجميع الأحوال هي في فترة إستراحة من العمل فما المانع من بعض التسلية… ضغطت على الرسالة ولم تتوقع بأنها بهذا الطول…
الحقيقة أن المفاجأة لم تكن فقط في طول الرسالة، بل بأسلوبها الذي لم تعتد أن يستخدمه معها أحد، بالعادة وعندما تصلها رسائل من المتطفلين والأغبياء والأطفال فهي تحذفها مباشرة وتحظر مرسلها كي لا يتمكن من التواصل معها مرة أخرى، هي تؤمن بأن فتاة بعمرها ومزاجها المتقلب وعنجهيتها وتطرفها الفكري لا تصلح للحب والألاعيب، هي لا تطيق نفسها أحياناً، لطالما فكرت بأنها خطر على كل من يفكر بالإقتراب منها،،،،أصدقائها أو ما تبقى منهم يسمونها نور الثورية وأحياناً المتمردة ولكنها لا تحب أن يناديها أحد سوى شادية تيمناً بشادية أبو غزالة التي استشهدت بإنفجار قنبلة يدوية كانت تصنعها في منزلها لتزود بها المقاتلين في حزب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،كانت تقول بأنها تشبهها لأنها ولدت بعد النكبة وماتت بعد النكسة فحياتها كانت بين نكبة ونكسة… حاولت نور أن تنضم إلى أحزاب سياسية وخرجت مرات عدة في اعتصامات ولطالما تعرضت للمضايقات من الجهات الأمنية ولطالما واجهت صعوبات في إتمام إجراءات معاملة حكومية بسيطة فقط بسبب نشاطها السياسي… بل حتى صورها الشخصية وصور أخواتها وأمها كانت تنشر بعد تعديلها عبر مواقع التواصل مرفقة بعناوين مقززة… كل هذا لم يكن ليهدئ من حماسة نور وعنادها الذي لا تتقن سواه،،،لم تكن تتذمر من هذا كله، بل إنها كانت ترفع من معنويات أصدقائها وتذهب لزيارتهم في أماكن اعتقالهم وبعد أن يخرجوا… ولكنها بعد تجربة ليست باليسيرة شعرت بإحباط عام خاصة أن التشرذم هو ما كان يسيطر على المشهد،،، وجدت أننا مهما بلغنا من عمرنا في التجربة السياسية فنحن لم نرتق بعد لما يمكن تسميته معارضة حقيقية… أيقنت أن قرارها كان سليماً بعد أن تراجعت وانقطعت زيارات بعض أصدقائها القدامى الذين عملوا معها لسنوات في النشاط السياسي،على مشارف الثلاثين من عمرها تعيش وحيدة وسعيدة بين لوحاتها بعد أن تركت منزل أهلها بعد عدة محاولات لتزويجها إنتهت آخر واحدة منها نهاية ملحمية عندما خرجت نور حاملة ملعقة كبيرة تدق بها على المقلاة الحديدية لتوهم القادمين لخطبتها بأنها مجنونة….
هيا أحبيني!بسرعة! بدون مقدمات وبالطريقة الكلاسيكية التي لم يعد أحد يستخدمها! ليس بالضرورة أن أسلك طرقاً ملتوية أو أبدأ بالتلميح أو التورية! أو لا تفعلي! ولكنك ستفعلين! وما الذي يمنعك؟ ستحبيني رغماً عنك! أتعتقدين أنك مجنونة وعصية على الحب؟! أنا مختل أيضاً! هيا ليس لدي الوقت كله لأسمع إجابتك! دعينا ننتهي من هذا الأمر بسرعة، أحبيني أو اكرهيني، لدي الكثير من الأمور لقضائها،وسيكون من الأفضل أن ترفضي حبي فالوقت الذي إستهلكته لكتابة الرسالة كان يكفيني لإلتهام إفطاري، فأرجو أن لا تكوني سبباً في خسارتي لوجبة أخرى!
نظرت إلى تاريخ الرسالة فإذا به يعود لخمسة أشهر ماضية، في أيلول تحديداً، لا تعرف لماذا انقبض قلبها، تألمت لأنها لم تقرأها حينها فقد كانت في حالة يرثى لها وكانت رسالة مجنونة كهذه لتعيد لها إتزانها! ولكن لماذا لا تتعامل مع هذه الرسالة كبقية رسائل الإزعاج الأخرى!
يالجنونه! هل يعرف كيف كانت نهاية آخر شخص حاول أن يتحدث معي بهذه الطريقة! لماذا تضحكني هذه الرسالة؟! هل أميل للمجانين أمثالي؟! هل كنت بحاجة لهزة قوية تذكرني بإنسانيتي! لماذا يدغدغني هذا الكلام الفج؟! هل تشوهت فطرتي كأنثى تحب كلمات الغزل والدلال؟! لست ساذجة لأقع في حب شخص يداهم خصوصيتي ويطالبني بأن أحبه بالقوة! ولكن هناك سراً في هذه الكلمات تجعلني أتقبلها بطريقة عادية ولا أرى فيها انتقاصاً من قدري… ولماذا لا أعترف أنها حركتني كأنثى! ولكن لحظة، ما هي الأنثى؟! إنها المرة الأولى التي أتحدث مع نفسي بهذه الطريقة! لنترك تعريف الأنثى جانباً الآن فلست في مزاج جيد لمناقشته ولكن هل هذه الرسالة أسعدتني؟ نعم بالتأكيد! منذ متى لم أجرب هذا الشعور؟ منذ زمن بعيد!هل كنت على صواب؟ يا إلهي! من هذا الأحمق الذي اقتحم خلوتي وسلامي الداخلي وبعثره هكذا وجعلني أراجع الماضي كله؟؟؟!!
ضغطت على زر الرد وكتبت بلا تردد :فعلاً أنا لا أحب المماطلة ولا أحب التردد وبما أنه يبدو عليك أنك صريح وتحب إنجاز مهامك بسرعة فيسرني إبلاغك بأنني أحبك أنا أيضاً، ما الخطوة التالية؟ ثم أرسلتها وهي تضحك كما لم تضحك منذ زمن بعيد…
خلال فترة إنتظارها للرد ذهبت لصفحته الشخصية، لم تستطع تذكر الوقت الذي قبلت فيه طلب صداقته أو من منهما أرسل للآخر بداية! بدأت تتصفح معلوماته الشخصية،العمل والتعليم :درس في مدرسة الحياة! قالت لنفسها :ها قد بدأنا نختلف فأنا درست في مدرسة الموت! أماكن أقام بها :الأرض، المريخ، الزهرة!يا إلهي لقد تورطت للتو بحب كائن فضائي! الإتصال والمعلومات الأساسية :تاريخ الميلاد 3-4-1996 هذا بالضبط ما كان ينقصني! طفل بحاجة إلى الحنان والرعاية! ألن تتوقفي يا نور؟! ما الذي تفعلينه بنفسك؟! العائلة والعلاقات: العلاقة :ليس من شأنك… لماذا يراودني شعور أنه سيصبح شأني؟! أفراد العائلة: لا يوجد أفراد عائلة لعرضهم،،،،هكذا أنت إمتلكت نصف قلب نور أيها الغريب…
تفاصيل حول سمير: المقولات المفضلة :((وأقول :ما دمت أنا لا أحب أن أرحل وأنت لا تحبين أن أرحل فلماذا أرحل؟ وتقول :لست أدري!))زياد الرحباني…هكذا إمتلكت النصف الثاني، بقي أن أعلمك مقادير قهوتي وسأذهب لخطبتك من أبيك…
مناسبات شخصية :درس في مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان، عاد إلى مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان،تخرج من مدرسة فلان، وقع في حب نفسه، صادق نفسه، ولد من جديد، التحق بمدرسة الحياة، تخرج من مدرسة الحياة برتبة فاشل،،،، حسناً يا حبيبي المستقبلي هذه ليست مناسبات شخصية،،، هذه مناسبات عامة! أنت لست ضفدع!
هل إختيار الوقت يعتبر نصف المهمة في محاولة ممارسة الحياة؟! هل نجح هذا الأحمق بإقتحام هدوئي ودفعي للتفكير بجدية بأمور لم أكن أتعامل معها إلا بسخرية وإستهزاء؟! سمعت صوت إشعار فجفلت وحركت السهم بسرعة تجاه صندوق الوارد
-هل إحتاج الأمر منك خمسة أشهر لتعرفي إن كنت أنا الشخص المناسب للحب؟! -أنا آسفة ولكنني لا أفتح حسابي كثيراً ولو قرأت رسالتك في وقتها لكنت انتظرت الفترة ذاتها لأتخذ قراراً مشابهاً! أنت محظوظ لأنني قرأتها اليوم…
ما الذي حدث للتو؟! هل اعتذرت من شخص لا أعرفه عن خطأ لم أرتكبه؟! -حسناً كفاك غروراً، لقد أرسلتها بالخطأ فهذه طريقتي بإصطياد الفتيات، لقد أرسلت هذه الرسالة لمئة فتاة أخرى بشكل عشوائي، وعلقت الصنارة بمجموعة كبيرة منهن،وبناءً على جدولي الحالي فليس لك مكان، أرجو أن لا تزعجيني مرة أخرى…
يالها من مفاجأة! اللحظة الوحيدة التي جربت فيها لذعة فرح كانت وهمية! ولكن كيف سقطت وأنا الخبيرة؟! كيف ضعفت وأنا القوية؟! هل أفرح؟ هل أغضب؟ هل أعود إلى معتكفي وأكف حتى عن فتح حسابي مرتين في العام؟! لن يصدق أصدقائي أنني وقعت بفخ كهذا؟! سأكون قصة جلساتهم الساخرة لأشهر… هل أنا غير صالحة للحب؟! هل نسيته؟ هل نسيت كيف يكون وما المشاعر التي تنتابنا إذا جربناه؟! هل أنا مشوهة روحياً أو جسدياً؟!
اتجهت إلى المرآة الواقفة في وسط المشغل ونظرت إلى نفسها وبدأت تحرك يدها على جسدها بريبة :ما الغريب في جسدي؟! شعري طبيعي؟ شفتاي عاديتان! لست جميلة ولكنني أمتلك جسد أنثى… المشكلة ليست في جسدي بالتأكيد! وليست في روحي فثقتي بنفسي تجعلني أناقش أكبر القضايا بضحكة هستيرية… خسرت الكثير في حياتي ولم أبالي… حاولت أن أنتحر عدة مرات وهذا الأمر لوحده كفيل بأن يجعلني أطمئن لشجاعتي… أعيش لوحدي وأعيلها ولست بحاجة لأحد… ما الأمر إذن؟!
فتحت رسالة فارغة لترد وكتبت فيها :ولكن أرجوك امنحني دقيقة واحدة فقط! لا تغادر قبل أن تسمح لي بالدفاع عن نفسي…
ولكنه كان قد أضافها إلى قائمة المحظورين فلم تغادر الرسالة صندوق رسائلها وظهرت لها ملحوظة تقول: لا يمكنك الرد على هذه المحادثة…
قصة قصيرة
محمود فلاح المحادين
إنتهت من رسم لوحتها التي إستمرت تعمل عليها لأسابيع، تنفست بعمق كأن حملاً ثقيلاً انزاح عن روحها، صنعت لنفسها فنجاناً من القهوة، ليس فنجاناً بل كوباً أسوداً عليه خفاش بارز كأنه حقيقي …لونه الأصلي أبيض ولكنها تحب التواصل مع الأشياء بريشتها، ليست تعرف لغة أخرى سوى الألوان،،، عندما اشترته في إحدى المرات القليلة التي تغادر فيها مشغلها الذي يحتل نصف بيتها بينما تحتل لوحاتها النصف الثاني منه كان أبيضاً ناصعاً وكان أول ما قامت به أن كسرت مقبضه ثم أعادت صنعها من الفخار ثم صبغته باللون الأسود ثم صنعت خفاشاً من المعجون وألصقت به وانتظرته حتى جف وبدأت بإستخدامه حتى أصبح كوبها الرئيسي الملازم لها دائماً…
فتحت شاشة الحاسوب ودخلت إلى حسابها الشخصي المهمل على الفيسبوك، لديها طقوسها الخاصة! لا تخجل من الإعتراف بأنها فاشلة في التواصل مع الآخرين، كانت تغيب لأشهر عن حسابها الشخصي ثم تعود لتجد مئات الرسائل، لا ترد عليها فهي لا ترد على الإتصالات في العالم الواقعي وتجد مشكلة في الإبتسام في وجه من تكره من منافقين وأوغاد كما تسميهم، فكيف ستكترث لمن يحاول التواصل معها في العالم الإفتراضي؟! تأخذ جولة سريعة في الأخبار، قتل، تدمير، تهنئة، تخريج، خطوبة زواج، نعي، ولادة، نثر ممزق يكتب صاحبه في نهايته أنه شعر، صور كاذبة لحالات تبرع لفقراء، كلام أجوف من أكاديمي يدعي أنه مثقف يطالب فيه الناس بعدم الخروج إلى الشارع، فتاة مهووسة بخطيبها فتلوث أبصارنا بصوره أينما حل،فيديوهات بث مباشر لأطفال يدخنون الأرجيلة بملابسهم الداخلية، اقتتالات تسمى جزافاً بأنها نقاشات حول الانتماءات الدينية،سيدة تنشر صور احتفالها بالطلاق من زوجها، تفاهة، تفاهة، تفاهة، تردد هذه الكلمة بينما ترتشف المزيد من قهوتها متصفحة المزيد من الأخبار…
تفتح صندوق الرسائل، لا تضغط على الرسائل التي تعرف مرسليها كي لا يعرفوا أنها قرأتها ولم ترد… تضغط على المزيد بينما تتمتم، كاذب،كاذبة، كاذب،منافق،منافقة، متملق، انتهازي، مقرفة، مملة، تافهة، مغرورة، وصولي،متسلق، من هذا؟!
توقفت فهي لا تعرف من يكون صاحب هذه الرسالة،كلمة واحدة تظهر لها من الخارج، هيا أحبيني! عليها أن تفتح الرسالة لتقرأها كاملة، الإسم مألوف لديها،سمير أحمد، لا بد أنها إلتقت به في أحد معارضها أو ربما في حفل أو مهرجان،ليست متأكدة تماماً ولكنها ستقرأ الرسالة…بجميع الأحوال هي في فترة إستراحة من العمل فما المانع من بعض التسلية… ضغطت على الرسالة ولم تتوقع بأنها بهذا الطول…
الحقيقة أن المفاجأة لم تكن فقط في طول الرسالة، بل بأسلوبها الذي لم تعتد أن يستخدمه معها أحد، بالعادة وعندما تصلها رسائل من المتطفلين والأغبياء والأطفال فهي تحذفها مباشرة وتحظر مرسلها كي لا يتمكن من التواصل معها مرة أخرى، هي تؤمن بأن فتاة بعمرها ومزاجها المتقلب وعنجهيتها وتطرفها الفكري لا تصلح للحب والألاعيب، هي لا تطيق نفسها أحياناً، لطالما فكرت بأنها خطر على كل من يفكر بالإقتراب منها،،،،أصدقائها أو ما تبقى منهم يسمونها نور الثورية وأحياناً المتمردة ولكنها لا تحب أن يناديها أحد سوى شادية تيمناً بشادية أبو غزالة التي استشهدت بإنفجار قنبلة يدوية كانت تصنعها في منزلها لتزود بها المقاتلين في حزب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين،كانت تقول بأنها تشبهها لأنها ولدت بعد النكبة وماتت بعد النكسة فحياتها كانت بين نكبة ونكسة… حاولت نور أن تنضم إلى أحزاب سياسية وخرجت مرات عدة في اعتصامات ولطالما تعرضت للمضايقات من الجهات الأمنية ولطالما واجهت صعوبات في إتمام إجراءات معاملة حكومية بسيطة فقط بسبب نشاطها السياسي… بل حتى صورها الشخصية وصور أخواتها وأمها كانت تنشر بعد تعديلها عبر مواقع التواصل مرفقة بعناوين مقززة… كل هذا لم يكن ليهدئ من حماسة نور وعنادها الذي لا تتقن سواه،،،لم تكن تتذمر من هذا كله، بل إنها كانت ترفع من معنويات أصدقائها وتذهب لزيارتهم في أماكن اعتقالهم وبعد أن يخرجوا… ولكنها بعد تجربة ليست باليسيرة شعرت بإحباط عام خاصة أن التشرذم هو ما كان يسيطر على المشهد،،، وجدت أننا مهما بلغنا من عمرنا في التجربة السياسية فنحن لم نرتق بعد لما يمكن تسميته معارضة حقيقية… أيقنت أن قرارها كان سليماً بعد أن تراجعت وانقطعت زيارات بعض أصدقائها القدامى الذين عملوا معها لسنوات في النشاط السياسي،على مشارف الثلاثين من عمرها تعيش وحيدة وسعيدة بين لوحاتها بعد أن تركت منزل أهلها بعد عدة محاولات لتزويجها إنتهت آخر واحدة منها نهاية ملحمية عندما خرجت نور حاملة ملعقة كبيرة تدق بها على المقلاة الحديدية لتوهم القادمين لخطبتها بأنها مجنونة….
هيا أحبيني!بسرعة! بدون مقدمات وبالطريقة الكلاسيكية التي لم يعد أحد يستخدمها! ليس بالضرورة أن أسلك طرقاً ملتوية أو أبدأ بالتلميح أو التورية! أو لا تفعلي! ولكنك ستفعلين! وما الذي يمنعك؟ ستحبيني رغماً عنك! أتعتقدين أنك مجنونة وعصية على الحب؟! أنا مختل أيضاً! هيا ليس لدي الوقت كله لأسمع إجابتك! دعينا ننتهي من هذا الأمر بسرعة، أحبيني أو اكرهيني، لدي الكثير من الأمور لقضائها،وسيكون من الأفضل أن ترفضي حبي فالوقت الذي إستهلكته لكتابة الرسالة كان يكفيني لإلتهام إفطاري، فأرجو أن لا تكوني سبباً في خسارتي لوجبة أخرى!
نظرت إلى تاريخ الرسالة فإذا به يعود لخمسة أشهر ماضية، في أيلول تحديداً، لا تعرف لماذا انقبض قلبها، تألمت لأنها لم تقرأها حينها فقد كانت في حالة يرثى لها وكانت رسالة مجنونة كهذه لتعيد لها إتزانها! ولكن لماذا لا تتعامل مع هذه الرسالة كبقية رسائل الإزعاج الأخرى!
يالجنونه! هل يعرف كيف كانت نهاية آخر شخص حاول أن يتحدث معي بهذه الطريقة! لماذا تضحكني هذه الرسالة؟! هل أميل للمجانين أمثالي؟! هل كنت بحاجة لهزة قوية تذكرني بإنسانيتي! لماذا يدغدغني هذا الكلام الفج؟! هل تشوهت فطرتي كأنثى تحب كلمات الغزل والدلال؟! لست ساذجة لأقع في حب شخص يداهم خصوصيتي ويطالبني بأن أحبه بالقوة! ولكن هناك سراً في هذه الكلمات تجعلني أتقبلها بطريقة عادية ولا أرى فيها انتقاصاً من قدري… ولماذا لا أعترف أنها حركتني كأنثى! ولكن لحظة، ما هي الأنثى؟! إنها المرة الأولى التي أتحدث مع نفسي بهذه الطريقة! لنترك تعريف الأنثى جانباً الآن فلست في مزاج جيد لمناقشته ولكن هل هذه الرسالة أسعدتني؟ نعم بالتأكيد! منذ متى لم أجرب هذا الشعور؟ منذ زمن بعيد!هل كنت على صواب؟ يا إلهي! من هذا الأحمق الذي اقتحم خلوتي وسلامي الداخلي وبعثره هكذا وجعلني أراجع الماضي كله؟؟؟!!
ضغطت على زر الرد وكتبت بلا تردد :فعلاً أنا لا أحب المماطلة ولا أحب التردد وبما أنه يبدو عليك أنك صريح وتحب إنجاز مهامك بسرعة فيسرني إبلاغك بأنني أحبك أنا أيضاً، ما الخطوة التالية؟ ثم أرسلتها وهي تضحك كما لم تضحك منذ
زمن بعيد…
خلال فترة إنتظارها للرد ذهبت لصفحته الشخصية، لم تستطع تذكر الوقت الذي قبلت فيه طلب صداقته أو من منهما أرسل للآخر بداية! بدأت تتصفح معلوماته الشخصية،العمل والتعليم :درس في مدرسة الحياة! قالت لنفسها :ها قد بدأنا نختلف فأنا درست في مدرسة الموت!
أماكن أقام بها :الأرض، المريخ، الزهرة!يا إلهي لقد تورطت للتو بحب كائن فضائي!
الإتصال والمعلومات الأساسية :تاريخ الميلاد 3-4-1996 هذا بالضبط ما كان ينقصني! طفل بحاجة إلى الحنان والرعاية! ألن تتوقفي يا نور؟! ما الذي تفعلينه بنفسك؟!
العائلة والعلاقات: العلاقة :ليس من شأنك… لماذا يراودني شعور أنه سيصبح شأني؟!
أفراد العائلة: لا يوجد أفراد عائلة لعرضهم،،،،هكذا أنت إمتلكت نصف قلب نور أيها الغريب…
تفاصيل حول سمير: المقولات المفضلة :((وأقول :ما دمت أنا لا أحب أن أرحل وأنت لا تحبين أن أرحل فلماذا أرحل؟ وتقول :لست أدري!))زياد الرحباني…هكذا إمتلكت النصف الثاني، بقي أن أعلمك مقادير قهوتي وسأذهب لخطبتك من أبيك…
مناسبات شخصية :درس في مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان، عاد إلى مدرسة فلان، ترك مدرسة فلان،تخرج من مدرسة فلان، وقع في حب نفسه، صادق نفسه، ولد من جديد، التحق بمدرسة الحياة، تخرج من مدرسة الحياة برتبة فاشل،،،، حسناً يا حبيبي المستقبلي هذه ليست مناسبات شخصية،،، هذه مناسبات عامة! أنت لست ضفدع!
هل إختيار الوقت يعتبر نصف المهمة في محاولة ممارسة الحياة؟! هل نجح هذا الأحمق بإقتحام هدوئي ودفعي للتفكير بجدية بأمور لم أكن أتعامل معها إلا بسخرية وإستهزاء؟!
سمعت صوت إشعار فجفلت وحركت السهم بسرعة تجاه صندوق الوارد
-هل إحتاج الأمر منك خمسة أشهر لتعرفي إن كنت أنا الشخص المناسب للحب؟!
-أنا آسفة ولكنني لا أفتح حسابي كثيراً ولو قرأت رسالتك في وقتها لكنت انتظرت الفترة ذاتها لأتخذ قراراً مشابهاً! أنت محظوظ لأنني قرأتها اليوم…
ما الذي حدث للتو؟! هل اعتذرت من شخص لا أعرفه عن خطأ لم أرتكبه؟!
-حسناً كفاك غروراً، لقد أرسلتها بالخطأ فهذه طريقتي بإصطياد الفتيات، لقد أرسلت هذه الرسالة لمئة فتاة أخرى بشكل عشوائي، وعلقت الصنارة بمجموعة كبيرة منهن،وبناءً على جدولي الحالي فليس لك مكان، أرجو أن لا تزعجيني مرة أخرى…
يالها من مفاجأة! اللحظة الوحيدة التي جربت فيها لذعة فرح كانت وهمية! ولكن كيف سقطت وأنا الخبيرة؟! كيف ضعفت وأنا القوية؟! هل أفرح؟ هل أغضب؟ هل أعود إلى معتكفي وأكف حتى عن فتح حسابي مرتين في العام؟! لن يصدق أصدقائي أنني وقعت بفخ كهذا؟! سأكون قصة جلساتهم الساخرة لأشهر… هل أنا غير صالحة للحب؟! هل نسيته؟ هل نسيت كيف يكون وما المشاعر التي تنتابنا إذا جربناه؟! هل أنا مشوهة روحياً أو جسدياً؟!
اتجهت إلى المرآة الواقفة في وسط المشغل ونظرت إلى نفسها وبدأت تحرك يدها على جسدها بريبة :ما الغريب في جسدي؟! شعري طبيعي؟ شفتاي عاديتان! لست جميلة ولكنني أمتلك جسد أنثى… المشكلة ليست في جسدي بالتأكيد! وليست في روحي فثقتي بنفسي تجعلني أناقش أكبر القضايا بضحكة هستيرية… خسرت الكثير في حياتي ولم أبالي… حاولت أن أنتحر عدة مرات وهذا الأمر لوحده كفيل بأن يجعلني أطمئن لشجاعتي… أعيش لوحدي وأعيلها ولست بحاجة لأحد… ما الأمر إذن؟!
فتحت رسالة فارغة لترد وكتبت فيها :ولكن أرجوك امنحني دقيقة واحدة فقط! لا تغادر قبل أن تسمح لي بالدفاع عن نفسي…
ولكنه كان قد أضافها إلى قائمة المحظورين فلم تغادر الرسالة صندوق رسائلها وظهرت لها ملحوظة تقول: لا يمكنك الرد على هذه المحادثة…