صالون الجمعة discussion

«أعتقد أني حتى لو عملت فيلما عن كلب أو كرسي لكان سيرة ذاتية إلى حد ما»

بكلمات مثل هذه، يلخص المخرج الإيطالي الكبير فيدريكو فيلليني بكل صراحة الأربعة وعشرين فيلما التي أخرجها طوال مشواره السينمائي الذي امتد لـ 45 سنة، لن تكون السيرة الذاتية للمخرج المؤلف كما يصطلح على فيلليني وغيره من المخرجين الذين يغردون خارج السرب ويصنعون سينما المختلف، لن تكون سوى فيلما آخر من أفلامه وسيستمتع القارئ بالبحث في زوايا حياة فنان خارج العادة غير مسيرة السينما الإيطالية وازعج أصحاب الواقعية كثيرا بإتجاهه لعرض عوالمه الخاصة ونزعاته الشخصية

فهو يصنف أفلامه بالمقابلات الذاتية ليتماهى مع ما يصنعه فلا انكاد نميز بين شخصياته وكادراته وبين فيلليني كمخرج وهو نفس الشعور الذي سيتأكد لنا أثناء قراءة هذه المذكرات، وهي مذكرات سوف تعرفنا على الخلفيات التي جعلت من فيلليني مخرجا قادرا على فرض رؤياته الشخصية




إن هذا الكتاب مقسَّم إلى ثلاثة أقسام هي: «فديريكو» و«فديريكو فيلليني» و«فيلليني». يحكي القسم الأول عن فيلليني الفتى والشاب وتأثير السيرك والمهرجين على ذهنيته المتحولة، وسينما فولجور وأفلامها الهوليودية، والقصص الأميركية المصورة التي طوَّر منها رؤيته للعالم. وكيف ارتحل إلى روما ووقع هذه المدينة عليها، وانتهى من كتابة المقالات ورسم الصور الكاريكاتورية إلى الكتابة للإذاعة والكتابة للسينما، ثم إلى الإخراج، وفي روما لقي المرأة التي لم تصبح فقط رفيقة عمره، بل السيدة الأولى في أفلامه وحياته

ويروي القسم الثاني قصة تحولِّ المعجب بالسينما إلى مخرج، واكتشافه هدف حياته

أما القسم الثالث فيتحدث عن الرجل الذي تحول إلى أسطورة في حياته، وكان أشهر من الأفلام التي صنعت شهرته، وكيف اشتُقت من اسمه صفة فيلليني
(Felliniesque)
وأصبحت كلمة مألوفة حتى عند من لم يشاهد فيلماً فيللينياً. إن أهم شخصية في ما أخرج من أفلام هي الشخصية التي قلما تظهر في الفيلم، ومع ذلك فهي موجودة على الدوام، وهذه الشخصية هي فيلليني نفسه. لقد كان نجم أفلامه جميعاً، وفي الحياة اليومية كان شخصاً آسراً. أتذكره كريماً مراعياً مشاعر الآخرين، شاكراً لي اصطحابي له إلى وجبة، أو قضائي وقتاً معه، أو هدية قدمتها إليه. قال لي: إن الإنسان يواصل الحياة مادام هناك أحياء يعرفونه ويهتمون به. وأظنُّ أنه على حق. لقد كان فيلليني أكثر اهتماماً بالأفلام الخالدة منه بالخلود الشخصي