السيرياليه (surrealism1) يمكن ترجمتها بـ (ما فوق الواقع). ومن هذا المعنى، يمكن القول، أن ما كتب تحت هذا يعبر عن رفض للواقع أو الهروب منه، وأن هذا الرفض، وذاك الهروب يستدعي اللاعقلانية واللاوعي في التعامل مع الأشياء، خاصة إذا عرفنا أن الشاعر، كما يعبر عنه سقراط: ((ضوء، شيء مجنح مقدس، وهو لا يبدع ما لم يلهم ويفقد وعيه، ويبطل فيه عمل العقل)). يقول احد مؤسسي السريالية، وأهم أقطابها في فرنسا، الشاعر ”بريتون“، بأن السريالية: (( اسم مؤنث، آلية نفسية ذاتية خالصة تستهدف بواسطتها التعبير، ان قولاً، وان كتابة، وان بأية طريقة اخرى، عن السير الحقيقي للفكر، هي إملاء من الذهن في غياب كل رقابة من العقل، وخارج اهتمام جمالي أو أخلاقي )).
عرف العرب فى شعرهم القديم السيرياليه حتى قبل ان يعرف هذا الاسم الشاعر ابوليينير 1917 بعشرات القرون وظهرت بدايات ذلك فى لاميه الشنفرى وتطورت عند المتنبى .
اتابع الشاعر عزت الطيرى من بدايات ثمانينات القرن الماضى ووجدت فى شعره لمحات سيرياليه قديمه منذ ديوانه الثانى لكن فى اشعاره الحديثه خلال الاعوام الثلاثه الماضيه لا يخلو نص شعرى له من صوره سيرياليه واضحه الملامح بالتعاريف العلميه التى حددناها سابقا وساعرض بعض هذه النصوص فيما يلى :
من قديم اشعاره وديوانه المنشور فى عام 1986 (فصول الحكايه) *بدا بصوره سيرياليه جميله: سيدتى الشمس انا زهره عباد الشمس ان غبت امت نمر الان بجديده وقد جمعت امثلتى من قصائد نشرت حديثا غير محدده تاريخ النشر.
فى قصيده العاشقان: امرأة عمياءُ تطلُّ من النافذةِ على الرجلِ الأعمى وتسائلُ في وجعٍ تباً للرجلِ الساهرِ هل لا يبصرني ؟ والرجلُ الأعمى يصغي لدبيب العطرِ القادم من نافذةٍ ساهرةٍ ويتمتمُ بحنينٍ لامرأةِ العطرِ وهب أني لا أبصرُ روعتها هل لا تبصرني ؟
هنا عمياء تطل على اعمى وكلاهما يدعى الابصار وصوره الاصغاء لدبيب العطر هى صوره سيرياليه بامتياز .
ثم نمر الى صوره اخرى سيرياليه وصوفيه وهى السير على الماء : تخيلتُ أنِّى أسير على الماءِ فى مركبٍ من لجين شراعاهُ من ورقٍ للقصائد مبثوثةٌ فى النسيمِ مجاديفهُ قلمى ومراود كُحلِ حبيبى
وفى اخر دواوينه زاد الميل للسيراليه : (من ديوان الوشم) لقد كان وشمًا على كتفيها وحين سما العطرُ باللونِ وامتزجا فى سكونِ البنفسجِ صار الحقيقةَ طارت فراشاتُهُ فى فضاءٍ من النورِ والشفق الساحلىِّ. وحطت على كتفى
ومثال اخر اظنه من اجمل الصور : الغيمةُ حينَ رأت صورتَها فى الماءِ ارتعشت خافت ألقت مافيها وتخلت.
...... جاءوا بالضوضاءِ وفرشوا الأرضَ بدمعِ الموسيقى وبكاءِ الأوتارِ الجرحى وانطَلَقَتْ كاسحةُ الأنغامْ ، ناتى هنا لصور تجسد الرومانسيه فى قمتها وكانك ترى لوحات زعيم السيرياليه فى الفن التشكيلى الإسباني سلفادور دالي (1904-1989). يقول الطيرى : كالأعمى أتلمسُ عطركِ بأصابعِ أنفى .. ، الفراشاتُ دمعُ البناتِ تُحَلِّقُ فوقَ وجوهِ الأحبّه ، أنتِ النونُ الأجملْ وانا النقطةُ وبدونىَ فارغةٌ أنتِ كصحنٍ وكفنجانٍ خاوٍ وكأى ّ إناءٍ مُهمَلْ. ، وعلى أهدابكِ تقفُ فراشاتٌ تمتصُ رحيقَ الكحلِ وتهديهِ إلى أزهار المسكِ وأقلام العشاق ، قلتُ لزوجىَ ثمَّ حصانٌ أشهبُ ينظرُ لى من قعرِ الفنجانِ ويستصرخنى كى أركب قالت ْهل مسَّكَ جنٌّىٌّ هل؟ لمْ أمسحْ دمعتها أسرجتُ حصان الفنجانِ خطفتُ امرأتى َ طرنا نحوَ بساتينِ الحلمِ قُبيلَ قدوم الطوفانِ وغادرْنا الكوكبْ ، الرسام المسكين ----------- رسمتُ قارباً فتاهَ بى أوصلنى إلى جزيرةٍ عجفاءَ فى خرائطِ العرب رسمت وردةً فاستنْشَقَتْ نسيمَ غيرنا وبالغَت فى اللومِ فى مقالة العَتَبْ رسمتُ نخلةً وبعد أن تركتها تساقطَ الرُطبْ رسمت غادةً زوَّجْتها لعاشق فسافرا ودون أن تعودنى مواكب ُ الطربْ رسمتُ قطةً فاستسلمتْ لفأرِها وارتبكَ المجازُ خالفَ المألوفَ فى القصيدةِ العجَبْ رسَمْتَنى فخُنْتَنى ولمْ أجدْ سيارةً تخرُجُنى من بئر أخوتى تنقذنى تبيعنى لتاجر الذهبْ وضاع فى هجير غربتى قميص دهشتى الذى رشوا على أطلالهِ دماً كذبْ تبت يدا أبى لهبْ ---------- حين تمرِّينَ على ضاحيةِ الروحِ ولا تلقينَ سلاماً أنصهرُ كسكينٍ فى نارِ الحَدَّادِ وأتصببُ حزناً ، اظن ان الميل للسيرياليه عند عزت الطيرى يتجلى اكثر فى مايسمى بقصيده الومضه او القصيده القصيره جدا فى القصيده التاليه نرى اربع وعشرين صوره سرياليه اخترت منها ثلاثه صور: 24 دمعة قصيرة 1 (تأخير) نام متأخرا فوجد الأحلام قد سبقته وبدأتْ الرواية 2 (صهيل) الحصان الذى أرّقه البرد ارتدى صهيله ونام ٢٤ خلع الصباح خفيّهِ ودخل القرية العصافيرفضحته بغنائها -------- ثم لوحات سيرياليه تترى تكاد تتلاحق مجموعها جميل ، فى الشعر كما فى الفن التشكيلى هناك موجات من السيرياليه تعلو وتختفى واظن ان الطيرى نجح جدا فى جولته هذه فى تقديم لوحات متتابعه جميله ولنرى تاليا بعض هذه الصور.
الورقةُ خانتنى فى الليلِ مع الأقلامِ الأخرى حتى أنتِ... ياابنةَ قشِّ الأرزِ.. .وآخر مايتبقى من قصب السكِّر ، واجتثوا بعض أصابعهِ كى لايكتب دفنوها فنَمَتْ وازدهَرَتْ شجرةُ أقلامْ ، ولففنا الأسماكَ الحيةَ فى ورقِ الِشعرِ فلم نجد الشعرَ فهل قرأتهُ الأسماكَ وهل كان الشعرُ الطيبُ مكتوباً بِلغاتِ الأمواجِ ولهجاتِ البحرِ
كما اسلفت فى العامين السالفين تكتظ قصائد الطيرى بالصور السيراليه واظنها تتطور جديد فى شعره يحتاج المزيد من القاء الضوء .
المصادر : ١-داود سلمان الشويلي الدادائية و السيرياليه فى الشعر العربى القديم ، مجله رساله الشعر العدد الاول يناير 2015 ٢-عصر السريالية – والاس فاولي – ت : خالدة سعيد – منشورات نزار قباني – بيروت – 1967 ٣* فصول الحكايه ( الاعمال الكامله الجزء الاول ص 105) ٤* الاعمال الشعريه الكامله الجزء الاول - الهيئه العامه لقصور الثقافه - القاهره 2013 د سيد طنطاوى
السيرياليه (surrealism1)
يمكن ترجمتها بـ (ما فوق الواقع). ومن هذا المعنى، يمكن القول، أن ما كتب تحت هذا يعبر عن رفض للواقع أو الهروب منه، وأن هذا الرفض، وذاك الهروب يستدعي اللاعقلانية واللاوعي في التعامل مع الأشياء، خاصة إذا عرفنا أن الشاعر، كما يعبر عنه سقراط: ((ضوء، شيء مجنح مقدس، وهو لا يبدع ما لم يلهم ويفقد وعيه، ويبطل فيه عمل العقل)).
يقول احد مؤسسي السريالية، وأهم أقطابها في فرنسا، الشاعر ”بريتون“، بأن السريالية: (( اسم مؤنث، آلية نفسية ذاتية خالصة تستهدف بواسطتها التعبير، ان قولاً، وان كتابة، وان بأية طريقة اخرى، عن السير الحقيقي للفكر، هي إملاء من الذهن في غياب كل رقابة من العقل، وخارج اهتمام جمالي أو أخلاقي )).
عرف العرب فى شعرهم القديم السيرياليه حتى قبل ان يعرف هذا الاسم الشاعر ابوليينير 1917 بعشرات القرون وظهرت بدايات ذلك فى لاميه الشنفرى وتطورت عند المتنبى .
اتابع الشاعر عزت الطيرى من بدايات ثمانينات القرن الماضى ووجدت فى شعره لمحات سيرياليه قديمه منذ ديوانه الثانى لكن فى اشعاره الحديثه خلال الاعوام الثلاثه الماضيه لا يخلو نص شعرى له من صوره سيرياليه واضحه الملامح بالتعاريف العلميه التى حددناها سابقا وساعرض بعض هذه النصوص فيما يلى :
من قديم اشعاره وديوانه المنشور فى عام 1986
(فصول الحكايه) *بدا بصوره سيرياليه جميله:
سيدتى الشمس
انا زهره عباد الشمس
ان غبت
امت
نمر الان بجديده وقد جمعت امثلتى من قصائد نشرت حديثا غير محدده تاريخ النشر.
فى قصيده العاشقان:
امرأة عمياءُ
تطلُّ من النافذةِ
على الرجلِ الأعمى
وتسائلُ في وجعٍ
تباً للرجلِ الساهرِ
هل لا يبصرني ؟
والرجلُ الأعمى يصغي لدبيب العطرِ القادم
من نافذةٍ ساهرةٍ
ويتمتمُ بحنينٍ
لامرأةِ العطرِ
وهب أني لا أبصرُ روعتها
هل لا تبصرني ؟
هنا عمياء تطل على اعمى وكلاهما يدعى الابصار وصوره الاصغاء لدبيب العطر هى صوره سيرياليه بامتياز .
ثم نمر الى صوره اخرى سيرياليه وصوفيه وهى السير على الماء :
تخيلتُ
أنِّى أسير على الماءِ
فى مركبٍ من لجين
شراعاهُ
من ورقٍ للقصائد
مبثوثةٌ
فى النسيمِ
مجاديفهُ
قلمى
ومراود كُحلِ حبيبى
وفى اخر دواوينه زاد الميل للسيراليه :
(من ديوان الوشم)
لقد كان وشمًا
على كتفيها
وحين سما العطرُ باللونِ
وامتزجا فى سكونِ البنفسجِ
صار الحقيقةَ
طارت فراشاتُهُ
فى فضاءٍ
من النورِ
والشفق الساحلىِّ.
وحطت على كتفى
ومثال اخر اظنه من اجمل الصور :
الغيمةُ
حينَ رأت
صورتَها فى الماءِ
ارتعشت
خافت
ألقت مافيها وتخلت.
......
جاءوا
بالضوضاءِ
وفرشوا الأرضَ
بدمعِ الموسيقى
وبكاءِ الأوتارِ الجرحى
وانطَلَقَتْ
كاسحةُ الأنغامْ
،
ناتى هنا لصور تجسد الرومانسيه فى قمتها وكانك ترى لوحات زعيم السيرياليه فى الفن التشكيلى الإسباني سلفادور دالي (1904-1989).
يقول الطيرى :
كالأعمى
أتلمسُ عطركِ
بأصابعِ أنفى ..
،
الفراشاتُ
دمعُ البناتِ
تُحَلِّقُ
فوقَ وجوهِ الأحبّه
،
أنتِ النونُ الأجملْ
وانا النقطةُ
وبدونىَ
فارغةٌ
أنتِ
كصحنٍ
وكفنجانٍ
خاوٍ
وكأى ّ إناءٍ
مُهمَلْ.
،
وعلى أهدابكِ
تقفُ فراشاتٌ
تمتصُ رحيقَ الكحلِ
وتهديهِ إلى أزهار المسكِ
وأقلام العشاق
،
قلتُ لزوجىَ
ثمَّ حصانٌ أشهبُ
ينظرُ لى من قعرِ الفنجانِ
ويستصرخنى كى أركب
قالت ْهل مسَّكَ جنٌّىٌّ
هل؟
لمْ أمسحْ دمعتها
أسرجتُ حصان الفنجانِ
خطفتُ امرأتى َ
طرنا نحوَ بساتينِ الحلمِ
قُبيلَ قدوم الطوفانِ
وغادرْنا الكوكبْ
،
الرسام المسكين
-----------
رسمتُ قارباً
فتاهَ بى
أوصلنى
إلى جزيرةٍ
عجفاءَ
فى خرائطِ العرب
رسمت وردةً
فاستنْشَقَتْ
نسيمَ غيرنا
وبالغَت
فى اللومِ
فى
مقالة العَتَبْ
رسمتُ
نخلةً
وبعد أن تركتها
تساقطَ الرُطبْ
رسمت غادةً
زوَّجْتها لعاشق
فسافرا
ودون أن
تعودنى
مواكب ُ الطربْ
رسمتُ قطةً
فاستسلمتْ
لفأرِها
وارتبكَ المجازُ
خالفَ المألوفَ
فى القصيدةِ العجَبْ
رسَمْتَنى
فخُنْتَنى
ولمْ أجدْ سيارةً
تخرُجُنى
من بئر أخوتى
تنقذنى
تبيعنى
لتاجر الذهبْ
وضاع فى هجير غربتى
قميص دهشتى الذى
رشوا على أطلالهِ
دماً كذبْ
تبت يدا
أبى لهبْ
----------
حين تمرِّينَ
على ضاحيةِ الروحِ
ولا تلقينَ سلاماً
أنصهرُ كسكينٍ
فى نارِ الحَدَّادِ
وأتصببُ
حزناً
،
اظن ان الميل للسيرياليه عند عزت الطيرى يتجلى اكثر فى مايسمى بقصيده الومضه او القصيده القصيره جدا فى القصيده التاليه نرى اربع وعشرين صوره سرياليه اخترت منها ثلاثه صور:
24 دمعة قصيرة
1
(تأخير)
نام متأخرا
فوجد الأحلام قد سبقته
وبدأتْ الرواية
2
(صهيل)
الحصان الذى أرّقه البرد
ارتدى صهيله
ونام
٢٤
خلع الصباح خفيّهِ
ودخل القرية
العصافيرفضحته
بغنائها
--------
ثم لوحات سيرياليه تترى تكاد تتلاحق مجموعها جميل ، فى الشعر كما فى الفن التشكيلى هناك موجات من السيرياليه تعلو وتختفى واظن ان الطيرى نجح جدا فى جولته هذه فى تقديم لوحات متتابعه جميله ولنرى تاليا بعض هذه الصور.
الورقةُ
خانتنى فى الليلِ
مع الأقلامِ الأخرى
حتى أنتِ...
ياابنةَ قشِّ الأرزِ..
.وآخر مايتبقى من قصب السكِّر
،
واجتثوا بعض أصابعهِ
كى لايكتب
دفنوها
فنَمَتْ
وازدهَرَتْ
شجرةُ أقلامْ
،
ولففنا الأسماكَ الحيةَ
فى ورقِ الِشعرِ
فلم نجد الشعرَ
فهل قرأتهُ الأسماكَ
وهل كان الشعرُ الطيبُ
مكتوباً
بِلغاتِ الأمواجِ
ولهجاتِ البحرِ
كما اسلفت فى العامين السالفين تكتظ قصائد الطيرى بالصور السيراليه واظنها تتطور جديد فى شعره يحتاج المزيد من القاء الضوء .
المصادر :
١-داود سلمان الشويلي الدادائية و السيرياليه فى الشعر العربى القديم ، مجله رساله الشعر العدد الاول يناير 2015
٢-عصر السريالية – والاس فاولي – ت : خالدة سعيد – منشورات نزار قباني – بيروت – 1967
٣* فصول الحكايه ( الاعمال الكامله الجزء الاول ص 105)
٤* الاعمال الشعريه الكامله الجزء الاول - الهيئه العامه لقصور الثقافه - القاهره 2013
د سيد طنطاوى