محمد علي الفارس > Recent Status Updates

التشابه غريب بين الحكيم المحمجلي والصاحب هاملتون!

هذا الجزء لابد أن يوصلنا لنتيجة هي أن الرواية تعريضية في مجملها وبخاصة هذا الجزء (التاريخي) فأنت بلا ذرة شك في المملكة !
ولا أدري إن كان هذا يسرق من جمال الرواية ورونقها، ويحيل طابعها لشيء آخر، وإن كنت في حيرة من أمري هل أكملها أولا أم أقرأ التاريخ المكتوب أولا لأفهم أكثر، فإني مع هذا أهديها هذا اللقب:
"أجمل هجاء في التاريخ"
..

.... لذا سأكمل ما بدأت على أن تكون فاتحة خير لي في قراءة تاريخ المملكة ..

قرأت ما يشبه المقال أن الرواية بعامة وبخاصة هذا الجزء (تقاسيم الليل والنهار) والجزء السابق له (الأخدود) ما هو إلا رسم روائي لأحداث ولشخوص حقيقية تاريخية من العائلة السعودية، وأن موران ما هي إلا الرياض مثلًا، وبالرغم من قبولي للكلام أو استعدادي لتصديقه بشكل كامل حتى، إلا أن تصديقه يحتاج لقراءة التاريخ، ولا أعتقد أن هناك كتاب تاريخ يتناول ما تتناوله هذه الراوية، إن هذا الأحداث في مجملها لا يمكن أن تخطر ببال أي مؤرخ....

في البداية وحتى المنتصف، ظننت أن هذا الجزء ليس كسابقه، والآن أؤكد أن لا شيء تغير على الإطلاق، فقط هو الفارق بين الروحين! روح وادي العيون فحران، ثم موران ..

هل يمكن للاحداث الكبيرة في (عالمنا!) أن تكون بهذه السذاجة الشديدة؟!
إنها كذلك ببساطة!
إن دوافع الرجال هي محرك العالم، هي مجرى التاريخ، هذا ما يقوله لنا منيف...

إن البناء (الأفقي)) لشخوص الرواية هو سمتها الرئيس أو على الأقل أحد أهم سماتها، لكن البناء الرأسي هنا أقرب لأن يكون غير محسوس على الإطلاق! وهذا جانب من براعة الكاتب في الحقيقة، براعة يحسد عليها، براعة من يرسم (الإنسان) ويجعله مركزًا لعمله، براعة من يفهم ويدرك أن (العقلية العربية) تدور في فلك الشخص، وبراعة من يعمل وفق هذا القول!
إن الأحداث هنا والأفكار وحتى الأدوات التقليدية من عقد ولحظات تنويير، جميعها يتزحزح للشخص!!

مدن الملح ليست رواية بالشكل أو تحديدًا بحكم القالب الأدبي المتعارف عليه (عالميًا) ولكنها (ثورة) عربية!

إن القصص هنا لا يتلزم بالقالب الأدبي الشهير للرواية مطلقًأ، ومع هذا فهو حي وله تلك الروح السحرية، رواية لها عبق، هي حكايات العرب، هي أسلوبهم، هي شخوصهم المتجذرة، هي ينابع الماء في هذا القفر من (الأدب!))

مدرسة مابعد الكولونيالية لها مقولة أن الاستعار بشكل عام ومباشر يتدخل في (تغيير) البلد المحتل ثقافيًا وسياسيًا وبالطبع اقتصاديًا، إما مباشرة وبوضوح وإما من خلال أقلية (نائبة) تنوب عن الاستعمار في فعله وتستطيع تمثيل (شعبها) أمامه .. ونحن في هذه الرواية لا نجد مستعمر ولا ممثل، فقط: الحكيم صبحي المحملجي! وهذا أخذني لسؤال أراه وجوديًا وحتميًا: نحن المصابون بجرثومة الحداثة الاستعمارية هل لنا أن نصلح مكانًا نقيًا لم يتلوث؟!

المدينة تطحن الغرباء، ولكن الجميع في المدينة غرباء، ولا سيما أصحاب الديرة أو أصحاب التجارة!!

تذكر رسائل حماد المطوع من أمريكا لمطيع وللحكيم برسالة نابوليون لكليبر حيث حثه على ابتعاث بعض المشايخ والشباب المصريين لفرنسا ليرون بأم أعينهم العظمة الفرنسية، وأكد له أن سيرسل جوقة للغرض ذاته! لهذا أقول أن السؤال الذي طرحته مدارسة ما بعد الكولونيالية يحتاج لإعادة الطرح في هذه الحالة من جديد وبشكل مغاير تمامًا، إنه سؤال نفسي للحد الأقصى لمعنى كلمة نفسي ..
إن سؤال الهوية لا يطرحه عاقل يعرف هويته!!

لابد من القول قبل أي شيء أن الرواية ليست مصدرًا للتاريخ ولا محاولة للتأريخ، وإن بقيت مع هذا مفتاحًا لفهمه، بل والأهم مدخلًا له وللسؤال عنه وحوله. إن اتفقنا على هذا فهذه الرواية خير مدخل لسؤال جوهري كبير عن "الحداثة في جزيرة العرب". إن النمط السائد لعملية التحديث أو ولادة الحداثة هذه فسرت في بلدان كثيرة مثل وسوريا والعراق، فسرت جيدًا من خلال مدرسة "مابعد الكولونيالية:" أما هنا فالوضع جد مختلف والوضع لابد من دراسته

(البناء الأفقي) أو رسم الشخصيات بدقة أو مركزية (الإنسان) في الرواية هو من أهم سمات العمل وأبرزها على الإطلاق، ومنيف في هذا كالراقص على حبل مشدود فوق هاوية، عن يمينه الإملال والحشو الزائد، وعن شماله تداخل الشخصيات وملامحها في عقل القارئ، لكنه وبنسبة عالية جدًا ينجح في رسم شخصيات حقيقية ذات أبعاد، تكاد تعرفها حين تراها! وقد صدق القائل أن أعمال منيف ثورية حتى في قالبه الروائي اختار أن يثور على القالب الأوروبي الشائع!

إن منيف بسيط جدًا بساطة الحياة والموت! هذا هو الأمر بكل بساطة ...
وعلى جانب آخر أستغرب كيف لقوم يحرمون كل أشكال الرسم والتصوير ولا يحرمون هذا النوع الخاص الخالص من الخلق المبدع؟! ! إن منيف شبيه جدًا في عمله بعمل الساحر أو قول المجانين أو بدائع الشعراء لكنه ليس من هذا كله في شيء! لقد وهب الحياة لكلمات ...
أمتع ما قرأت وأقرأ على الإطلاق