محمد الحداد
Born
Tunisia
Genre
More books by محمد الحداد…
“لذلك بادر الإمبراطور كاراكلاّ (211- 217) بإصدار مرسوم سنة 212 يمنح بموجبه المواطنة الرومانية لكلّ سكان الإمبراطورية غير العبيد والنساء، وشمل ذلك الحقّ في الملكية والتصويت والترشّح للمناصب المدنية والمشاركة في الحروب والاعتراض على الأحكام القضائية. ويذهب المؤرخون إلى أنّ الدافع الرئيسي لقراره كان ماليا لتنمية مداخيل الدولة من الضرائب. كما برز جانب آخر جدير بالذكر في مسألة المواطنة هو التزام المواطنين بطقوس شبه تأليهية تجاه الإمبراطور. وهذا أمر رفضه المسيحيون لاحقا وكان أحد أسباب نكبتهم، فلما بدأ قسطنطين تحوّله إلى المسيحية سنة 313، أصبح مفهوم المواطنة مرتبطا بتلك الممارسات الوثنية وبدأ الآباء المسيحيون يفكّرون في موضوع الحكم تفكيرا دينيا، إلى أن كتب لهم القديس أوغسطين (354- 430) كتابه الشهير «مدينة الله» فأصبح هذا الكتاب المرجع الرئيسي للفكر السياسي المسيحي فترة طويلة، ولم تزاحمه إلاّ أفكار القديس توما الإكويني الذي ظهر بعده بقرون، وتحديدا في القرن الثالث عشر ميلادي(19). ولقد حجبت المسيحية التفكير الروماني السابق في مفهوم المواطنة. ولئن كان التراث الروماني ثريّا في مستوى الممارسة السياسية لإمبراطورية طبعت عصرها وسيطرت على جزء هائل من العالم القديم، فإنّه كان محدود القيمة في مستوى التنظير وتوليد المفاهيم ولم يضف جديدا على ما كان قد سطّره الفلاسفة الإغريق وخاصة منهم أرسطو، وإليه عاد الإكويني بعد قرون طويلة ليقدّم محاولة تأليفية بين بعض نظرياته الأخلاقية والسياسية ومبادئ المسيحية ومثلها العليا، متأثرا فيها، من الناحية الفلسفية، بما طوّره المسلمون من التراث الفلسفي والعلمي للإغريق. ولقد احتفظ الفكر السياسي الحديث من الإمبراطورية الرومانية في عهدها الأوّل بخاصيتين إيجابيتين هما التعددية وكونية القوانين. إلاّ أنّ هاتين الخاصيتين كانتا، كما رأينا، محدودتي الأثر بحكم السلطة الفردية للحكّام، بينما تراجع مفهوم المواطنة في العهد المسيحي للإمبراطورية ولم يعد له أثر يذكر.”
― الدولة العالقة
― الدولة العالقة
Is this you? Let us know. If not, help out and invite محمد to Goodreads.