عبدالرحمن محمد الإبراهيم's Blog
September 3, 2019
فاشينيستات التاريخ
الفاشينيستا هي كلمة اخذناها من اللغة الإنجليزية وتعني الشخص الذي لديه قدرة على عدم المشي على الموضة التي يمشي عليها الناس من خلال شركات الملابس والعطور والأزياء وغيرها. ظهور مواقع التواصل الاجتماعي أظهر لنا مجموعات من هؤلاء الفشينيستات وصار لهم قوة وتأثير على حياة الكثيرين ممن يشاهدونهم وكذلك على توجيه رأيهم واختياراتهم في الحياة حتى أنه انتشرت في السنوات الأخيرة عبارة " لا تجعلوا من الحمقى مشاهير". لم يقتصر دور الفاشينيستا على مجال العطور والأزياء بل تعداها لمجالات كثيرة منها مجال التاريخ.
عندما نذكر في هذا المقال كلمة "الفاشينيستا" فإننا نعني كلا الجنسين الرجال والنساء الذين دخلوا مجال التاريخ وجعلوا منه موضة وعرضا للمعلومات بسطحية بمساعدة من يتابعهم وكذلك بعض وسائل الإعلام التي ترعاهم وتنميهم. هؤلاء الفاشينيستات في مجال التاريخ بعضهم حاصل على درجة الدكتوراه وبعضهم من أصحاب اللحى والتدين وبعضهم ممن يحارب التدين ويميل لليبرالية والعلمانية وآخرون عنصريون وغيرهم مناطقيون (نسبة إلى منطقة جغرافية معينه) ومعظمهم أصحاب أبحاث وكتب منشورة!
الفاشينيستات الذين رصدتهم وقد يكونون أكثر مما رصدت وشاهدت يشتركون في خمس صفات: (١) الحديث في كلِ شيء دون احترام لعقل المتلقي، (٢) محاولة البقاء تحت الأضواء مهما كلف الأمر، (٣) التحليل السطحي للأحداث، (٤) النشر والحديث لأجل العائد المادي أو الشهرة المؤقتة وأخيرا (٥) الانتصار للنفس مهما كان الدليل قويا!
عندما يتحدث الإنسان في أي مجلس حتى بين أولاده في كل شيء دون علمٍ راسخ وفهم جيد قد ينبهر به أولاده في المرة الأولى والعاشرة لكن بعد ذلك يسمعون ما يقول دون أن يأخذوا منه شيئاً لكن الاحترام والدين والعادات والتقاليد والأخلاق وغيرها من الأمور الحسنة تمنعهم من أن يمتنعوا عن السماع فما بالكم بشخص لا تمنع هذه الأمور الحسنة التوقف عن سماعه؟ الفاشينيستات في هذه النقطة من السهل اكتشافهم فتجده متخصصا في التاريخ الحديث مثلا، سواءً كان حاصلاً على شهادة عليا أو أنه قضى حياته يقرأ في هذا المجال حتى تشربه، لكن يتحدث في كل شيء في التاريخ. فعندما يكون الحديث حول التاريخ الإسلامي نجده ممسكا بمكبر الصوت متحدثا وفي الاكتشافات الأثرية الجديدة نجده يحلل تاريخ العظام وبقايا القِرب وفي حياته لم يدخل معملاً. هذا الفاشينيستا ذاته يتكلم في النظريات العلمية ويحللها تحليل الخبير ثم ينتقل للحديث عن تاريخ اللغة ونشأتها وبعدها يكون خبيراً في التاريخ الجغرافي والسياسي والاقتصادي وغيرها من فروع التاريخ المختلفة.
وما المانع أن يكون هناك شخص مطلع وعنده معلومات في هذه الجوانب؟ أليس من الواجب علينا دعمه وتشجيعه لكونه يحاول أن يطور ذاته؟ هذا السؤال من الممكن الحوار حوله في حال كان صديقنا الفاشينيستا لا يتقاضى أجرا مقابل ما يفعل أو يسعى للشهرة التي تفتح له أبوابا موصده لا يستحق أن يدخلها. في مجتمعاتنا الوعي التاريخي وثقافة القراءة في التاريخ بشكله العام ليست منتشرة بحيث يكون للمتلقي القدرة على تمييز الغث من السمين فيما يُطرح. الأمر الآخر وهذا أزعم أنني لاحظته بكثرة مجتمعاتنا في الكثير من الأحيان عندها كسل فكري فهي تفضل تلقي المعلومة بالسماع والمشاهدة دون الدخول في متاهات المكتبة والبحث على الشبكة العنكبوتية ولعل أحد أسباب هذا الكسل هو النظام التعليمي الذي لا يحث الطالب على البحث وإنما يجبره على التلقي.
النقطة الأولى تقودنا بالضرورة للنقطة الثانية إذ أنهما متلازمتان بشكل كبير فالحديث والتخصص في فرع واحد من فروع التاريخ يبعد الفاشينيستا عن الأضواء ولذلك عليه الحديث في كل شيء كل حين. وحتى لا نظلم الفاشينيستات وننصفهم غالبهم يتمتع بالذكاء عنده ذهن حاضر لكن استخدامه لذكائه يكون للكسب السريع. نعطي مثالين لتتضح هذه النقطة: الأول هو فيما يتعلق بالوثائق والمخطوطات ونشرها في تويتر والانستغرام تجده ينسب الوثيقة أو المخطوط لنفسه ويضع عليها ختمه رغم أن الأصل موجود في مكان آخر. مثال تجد من ينشر من الأرشيف البريطاني أو العثماني ويضع على الوثيقة التي نشرها اسمه أو ختمه، ألا يدفعنا هذا للتساؤل لماذا؟ أليس من مبادئ العلم أن ننسب الأمر لأهله وإلا ندخل في شبه السرقة العلمية والتزوير؟
المثال الثاني ركوب الموجة الاجتماعية أو السياسية من خلال اقتطاع الدليل وتركيبه على ما يريده المستمعون والمشاهدون! فعلى سبيل المثال حادثة قتل المصليين رحمهم الله في نيوزيلاندا انتفض الفاشينيستات بحرقة يدافعون عن الشهداء رحمهم الله برحمته وينسبون ويسبون العقل المسيحي المريض ويحللون الرموز التي كانت على بندقية القاتل وهذا أمر محمود برأيي. لكن هم ذاتهم عندما قتل حزب الله أو ايران أو ميليشيات الحشد الشعبي الأبرياء في العراق وسوريا أو عندما قتلت جبهة النصرة وداعش أو ميليشيات الأبرياء في سوريا والعراق لم نجد التحليل ف الفاشينيستا الشيعي في الغالب برر ودار وحاور ومثله فعل الفاشينيستا السني.
هذا التبرير يقودنا للنقطة الثالثة إذ أن أصدقائنا الفاشينيستات يشتهرون بالتحليل السطحي والأخذ من مصدر وربما مصدرين وبعدها الحديث بثوب الخبير في المجال ولذلك يقعون في تناقضات كثيرة وينسون بسرعة ماذا قالوا قبل شهور وأسابيع. لست هنا أعيب عليهم تغيير آرائهم فمن تغيرت آراؤه بعد أن قرأ واقتنع بالدليل نرفع له القبعة وإن اختلفنا معه بالرأي لكن الفاشينيستات في الغالب هو يغير رأيه لأن لم يعد يذكر ما قال أو أن المصدر الذي يستقي منه معلوماته قد تغير! النقطة الثالثة هي توأم النقطة الرابعة فالنشر عند الفاشينيستات سريع وذلك من أجل المنافسة على البقاء تحت الأضواء ولذلك نشرهم وكتبهم في الغالب ما تموت لضعفها أو لوصول الفاشينيستا لما يريد من مال ومنصب وشهره.
الفاشينيستا يشتهر بأنه كثير التعريف بإنجازاته لكل أحد وفي الغالب تكون هذه الإنجازات هي في حقيقة الأمر جزء من عمله. للتوضيح أنا هنا لا أقصد بكل تأكيد الإعلان عن كتاب أو مقال أو حتى محاضرة فكاتب هذا المقال سيفعل ذلك حال انتهائه من الكتابة. المقصود أن الفاشينيستا يجعل مما كتب أو قال أو بحث اعجاز العصر وحجته وأن نتيجته هي اضافه للحقل العلمي وأن ما وصل إليه سيكون فاتحه خير على العلم والباحثين. هذا الإحساس لدى الفاشينيستا التاريخي يقودنا للنقطة الأخيرة وهي الانتصار للذات فالحوار العلمي معه صعب ومحاولة نقده نقداً بناء أيضا فيه مشقة إذ أن أذنه لا تسمع سوى المديح أو النقد الذي لا يمسح جوهر إنجازه ومن هنا تجده كثير إعادة التغريد للمدح الذي يناله وبعضهم لا يعيد تغريد المدح لكنه في ذات الوقت يلمح لفلان وعلان عن هذا المدح وينشره عند من يعيد نشره ولذا فهو يتحايل للوصول لما يريد.
الفاشينيستات التاريخية بدأت تظهر بشكل كبير في المجتمع الخليجي عموما والكويتي خصوصا وبعضهم صار أداة لفكر أو تيار معين يدافع عنه ويقتطع التاريخ من أجل أن يصل لما يريد. يتساءل البعض ما الحل؟ لا أدري ما هو الحل لكنني أعرف أن الحديث عنهم ومقارعتهم بالحجة أمام الملأ ونقدهم وتوعية الناس بوجودهم يجعل تأثيرهم أقل وكنت ولا زلت مؤمنا بمثل كويتي "ما يصح إلا الصحيح".
شوارد:
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
سورة الرعد آية ١٧
عندما نذكر في هذا المقال كلمة "الفاشينيستا" فإننا نعني كلا الجنسين الرجال والنساء الذين دخلوا مجال التاريخ وجعلوا منه موضة وعرضا للمعلومات بسطحية بمساعدة من يتابعهم وكذلك بعض وسائل الإعلام التي ترعاهم وتنميهم. هؤلاء الفاشينيستات في مجال التاريخ بعضهم حاصل على درجة الدكتوراه وبعضهم من أصحاب اللحى والتدين وبعضهم ممن يحارب التدين ويميل لليبرالية والعلمانية وآخرون عنصريون وغيرهم مناطقيون (نسبة إلى منطقة جغرافية معينه) ومعظمهم أصحاب أبحاث وكتب منشورة!
الفاشينيستات الذين رصدتهم وقد يكونون أكثر مما رصدت وشاهدت يشتركون في خمس صفات: (١) الحديث في كلِ شيء دون احترام لعقل المتلقي، (٢) محاولة البقاء تحت الأضواء مهما كلف الأمر، (٣) التحليل السطحي للأحداث، (٤) النشر والحديث لأجل العائد المادي أو الشهرة المؤقتة وأخيرا (٥) الانتصار للنفس مهما كان الدليل قويا!
عندما يتحدث الإنسان في أي مجلس حتى بين أولاده في كل شيء دون علمٍ راسخ وفهم جيد قد ينبهر به أولاده في المرة الأولى والعاشرة لكن بعد ذلك يسمعون ما يقول دون أن يأخذوا منه شيئاً لكن الاحترام والدين والعادات والتقاليد والأخلاق وغيرها من الأمور الحسنة تمنعهم من أن يمتنعوا عن السماع فما بالكم بشخص لا تمنع هذه الأمور الحسنة التوقف عن سماعه؟ الفاشينيستات في هذه النقطة من السهل اكتشافهم فتجده متخصصا في التاريخ الحديث مثلا، سواءً كان حاصلاً على شهادة عليا أو أنه قضى حياته يقرأ في هذا المجال حتى تشربه، لكن يتحدث في كل شيء في التاريخ. فعندما يكون الحديث حول التاريخ الإسلامي نجده ممسكا بمكبر الصوت متحدثا وفي الاكتشافات الأثرية الجديدة نجده يحلل تاريخ العظام وبقايا القِرب وفي حياته لم يدخل معملاً. هذا الفاشينيستا ذاته يتكلم في النظريات العلمية ويحللها تحليل الخبير ثم ينتقل للحديث عن تاريخ اللغة ونشأتها وبعدها يكون خبيراً في التاريخ الجغرافي والسياسي والاقتصادي وغيرها من فروع التاريخ المختلفة.
وما المانع أن يكون هناك شخص مطلع وعنده معلومات في هذه الجوانب؟ أليس من الواجب علينا دعمه وتشجيعه لكونه يحاول أن يطور ذاته؟ هذا السؤال من الممكن الحوار حوله في حال كان صديقنا الفاشينيستا لا يتقاضى أجرا مقابل ما يفعل أو يسعى للشهرة التي تفتح له أبوابا موصده لا يستحق أن يدخلها. في مجتمعاتنا الوعي التاريخي وثقافة القراءة في التاريخ بشكله العام ليست منتشرة بحيث يكون للمتلقي القدرة على تمييز الغث من السمين فيما يُطرح. الأمر الآخر وهذا أزعم أنني لاحظته بكثرة مجتمعاتنا في الكثير من الأحيان عندها كسل فكري فهي تفضل تلقي المعلومة بالسماع والمشاهدة دون الدخول في متاهات المكتبة والبحث على الشبكة العنكبوتية ولعل أحد أسباب هذا الكسل هو النظام التعليمي الذي لا يحث الطالب على البحث وإنما يجبره على التلقي.
النقطة الأولى تقودنا بالضرورة للنقطة الثانية إذ أنهما متلازمتان بشكل كبير فالحديث والتخصص في فرع واحد من فروع التاريخ يبعد الفاشينيستا عن الأضواء ولذلك عليه الحديث في كل شيء كل حين. وحتى لا نظلم الفاشينيستات وننصفهم غالبهم يتمتع بالذكاء عنده ذهن حاضر لكن استخدامه لذكائه يكون للكسب السريع. نعطي مثالين لتتضح هذه النقطة: الأول هو فيما يتعلق بالوثائق والمخطوطات ونشرها في تويتر والانستغرام تجده ينسب الوثيقة أو المخطوط لنفسه ويضع عليها ختمه رغم أن الأصل موجود في مكان آخر. مثال تجد من ينشر من الأرشيف البريطاني أو العثماني ويضع على الوثيقة التي نشرها اسمه أو ختمه، ألا يدفعنا هذا للتساؤل لماذا؟ أليس من مبادئ العلم أن ننسب الأمر لأهله وإلا ندخل في شبه السرقة العلمية والتزوير؟
المثال الثاني ركوب الموجة الاجتماعية أو السياسية من خلال اقتطاع الدليل وتركيبه على ما يريده المستمعون والمشاهدون! فعلى سبيل المثال حادثة قتل المصليين رحمهم الله في نيوزيلاندا انتفض الفاشينيستات بحرقة يدافعون عن الشهداء رحمهم الله برحمته وينسبون ويسبون العقل المسيحي المريض ويحللون الرموز التي كانت على بندقية القاتل وهذا أمر محمود برأيي. لكن هم ذاتهم عندما قتل حزب الله أو ايران أو ميليشيات الحشد الشعبي الأبرياء في العراق وسوريا أو عندما قتلت جبهة النصرة وداعش أو ميليشيات الأبرياء في سوريا والعراق لم نجد التحليل ف الفاشينيستا الشيعي في الغالب برر ودار وحاور ومثله فعل الفاشينيستا السني.
هذا التبرير يقودنا للنقطة الثالثة إذ أن أصدقائنا الفاشينيستات يشتهرون بالتحليل السطحي والأخذ من مصدر وربما مصدرين وبعدها الحديث بثوب الخبير في المجال ولذلك يقعون في تناقضات كثيرة وينسون بسرعة ماذا قالوا قبل شهور وأسابيع. لست هنا أعيب عليهم تغيير آرائهم فمن تغيرت آراؤه بعد أن قرأ واقتنع بالدليل نرفع له القبعة وإن اختلفنا معه بالرأي لكن الفاشينيستات في الغالب هو يغير رأيه لأن لم يعد يذكر ما قال أو أن المصدر الذي يستقي منه معلوماته قد تغير! النقطة الثالثة هي توأم النقطة الرابعة فالنشر عند الفاشينيستات سريع وذلك من أجل المنافسة على البقاء تحت الأضواء ولذلك نشرهم وكتبهم في الغالب ما تموت لضعفها أو لوصول الفاشينيستا لما يريد من مال ومنصب وشهره.
الفاشينيستا يشتهر بأنه كثير التعريف بإنجازاته لكل أحد وفي الغالب تكون هذه الإنجازات هي في حقيقة الأمر جزء من عمله. للتوضيح أنا هنا لا أقصد بكل تأكيد الإعلان عن كتاب أو مقال أو حتى محاضرة فكاتب هذا المقال سيفعل ذلك حال انتهائه من الكتابة. المقصود أن الفاشينيستا يجعل مما كتب أو قال أو بحث اعجاز العصر وحجته وأن نتيجته هي اضافه للحقل العلمي وأن ما وصل إليه سيكون فاتحه خير على العلم والباحثين. هذا الإحساس لدى الفاشينيستا التاريخي يقودنا للنقطة الأخيرة وهي الانتصار للذات فالحوار العلمي معه صعب ومحاولة نقده نقداً بناء أيضا فيه مشقة إذ أن أذنه لا تسمع سوى المديح أو النقد الذي لا يمسح جوهر إنجازه ومن هنا تجده كثير إعادة التغريد للمدح الذي يناله وبعضهم لا يعيد تغريد المدح لكنه في ذات الوقت يلمح لفلان وعلان عن هذا المدح وينشره عند من يعيد نشره ولذا فهو يتحايل للوصول لما يريد.
الفاشينيستات التاريخية بدأت تظهر بشكل كبير في المجتمع الخليجي عموما والكويتي خصوصا وبعضهم صار أداة لفكر أو تيار معين يدافع عنه ويقتطع التاريخ من أجل أن يصل لما يريد. يتساءل البعض ما الحل؟ لا أدري ما هو الحل لكنني أعرف أن الحديث عنهم ومقارعتهم بالحجة أمام الملأ ونقدهم وتوعية الناس بوجودهم يجعل تأثيرهم أقل وكنت ولا زلت مؤمنا بمثل كويتي "ما يصح إلا الصحيح".
شوارد:
فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ
سورة الرعد آية ١٧
Published on September 03, 2019 11:07
July 4, 2017
فلسفة ومناهج أم استعراض عضلات؟
فلسفة ومناهج أم استعراض عضلات؟
منذ دخول تويتر إلى حياتنا كخليجيين وأنا أفكر فيه كمصدر رئيسي لتطوير فكر الشعب العربي والخليجي بشكل خاص. لكنني مع مرور الوقت بدأ الإيمان عندي يزيد بأن تويتر صار انعكاسا للواقع الخليجي الذي نعيشه في كل يوم. في هذا المقال ، وهذه نصيحة للقارئ المندفع، أنا أناقش وجهة نظري في مؤرخي الخليج تحديدا والعالم العربي بشكل أقل. أعيد هدف المقال بعبارة أخرى، أنا هنا لا أحاول التنظير إنما أحاول وضع اصبعي على الجرح الذي قد يؤلم البعض كما أنني أحاول تشجيع الفلاسفة والمنظرين على نقد العقل الخليجي!
قبل أيام شاهدت حوارا بين رجلين لهما اهتمام بالتاريخ، كلاهما حافظ للوثائق وأماكن المعلومات وكلاهما أيضا له اطلاع لا بأس به على المخطوطات والكتب لكن يعيب الرجل الأول أنه بدأ في مرحلة دراسة الماجستير. نعم أعني ما أقول بداية الدراسة والعلم قد تكون أمرا سيئا لمن لا يدرك قيمة العلم لذاته. حتى أفسر أكثر هناك ثلاث أنواع من الباحثين الخليجين والعرب وغيرهم قابلتهم في حياتي حتى اللحظة النوع الأول الذي يريد أن يحصل على الشهادات العليا للوظيفة فهو يحصل على الماجستير والدكتوراه من أجل راتب أعلى وساعات عمل أسهل. أما النوع الثاني فهو نوع صاحبنا وهو الذي يريد العلم حتى يتميز عن غيره، وغيره هنا تعني عوام الناس والمهتمين لا أهل التخصص فهو يريد جذب الأضواء لنفسه من أجل أغراض خاصة به وهنا قد يجمع صاحب النوع الثاني طموح النوع الأول بالاضافة إلى ما ذكرنا.
النوع الثالث وهو قليل في المشرق والمغرب هو الذي يبحث عن العلم لأجل العلم ويفتش في المعرفة ليزداد يقينا بأن ما يجعله أكثر مما يعرفه. قد كنت أظن أن مفهوم التواضع عند العلماء محصور في حضارتنا الإسلامية وجزء من ديننا حتى شاهدت محاضرة لأحد أعظم علماء وفلاسفة هذا القرن نعوم تشومسكي يقدم فيها نصائح ومن ضمن النصائح قوله بتصرف " ثق تماما أنك كلما علمت كلما زادت معرفتك بأن جهلك أكبر!". والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا في حضارتنا الإسلامية وعلمائنا اليوم في الأمتين العربية والإسلامية وهذا الإستدراك لمن يرفض أي شيء قادم من الغرب!
نعود لأصحاب القصة، صاحبنا الأول الذي بدأ دراسة الماجستير يبدو أن قد أخذ محاضرة عن منهجيات التاريخ قبل أن يبدأ نقاشه مع الطرف الآخر فكان مما قاله لخصمه ما هي المنهجية التي تفترضها؟ وهل استخدمت منهجية معينة في رفضك؟ هذه الكلمة شدت انتباهي فأنا متابع للرجل منذ فترة وما عهدته إلا وصفيا ناقلا من بطون الكتب وفي أحيان يخفي بعض المعلومات التي يمكن أن تؤدي بالمتابعين له للإنسحاب لأنها مست قبائلهم أو دولهم أو بعض من مات من حكامهم. رجعت فقرأت كامل الحوار بينها ووجدت أن اقحام المنهجية في خلاف على صحة معلومة أمر غير دقيق. كلا الرجلين متمسك بحقيقة تاريخية قرأها ويعتقد صوابها وكلاهما أيضا استقى معلوماته من كتب مطبوعة حديثا وكلاهما أيضا يتهم الآخر بعدم الموضوعية في الطرح فأي منهجية يجب أن تناقش هنا؟
لمحمد عابد الجابري رحمه الله هذا الفليسوف العظيم مقولة جميلة "نحن "أي العرب" تحولنا من كائنات لها تراث إلى كائنات تراثية" معنى ذلك أننا نقلنا التاريخ من أساسه الصحيح الذي بنت عليه مدارس تاريخية كثيرة فلسفاتها منذ عصر هيرودوت المؤرخ الاغريقي إلى يومنا هذا إلى اساس هش. جعلنا التاريخ الذي وإن اختلفنا في تفسيره وتحليله ، فلن نختلف أننا لا نعيش فيه! الرجلين تحولا إلى كائنات تراثية تدافع عن التاريخ وكأنه واقعها اليوم بل أكثر من ذلك تستدعي النصوص التاريخية لمساندة خلاف سياسي طارئ ! نعم لا أنكر أن استخدام التاريخ في استشراف المستقبل وتحليل الحاضر أمر أنا مؤمن به ومارسته ، لكن أن نستدعي النصوص فقط ونعيشها وكأننا جزء منها فهذا الذي يستغرب منه العقلاء!
قلة قليلة في الخليج العربي تمارس التاريخ عن فلسفة ومنهجية ، نعم أقولها وأنا ممن يعاني من نقص في هذا المجال أحاول ستره بتعلم ما ينفعني وتطوير ذاتي في المجال النقدي والفلسفي والمنهجي التاريخي وغيره. هناك من الأصدقاء الحاصلين على شهادات الدكتوراه حينما تناقشه في المنهجيات المتعلقة في بحثه يجيبك بوضوح وشفافية لكن حينما تسأله سؤالا نقديا أو استشكاليا خارج اطار المدرسة أو المنهجية التي يستخدمها تجده يتلعثم ويحاول الإجابة بإجابات عامه أو يتفلسف عن جهل! أنا مدين لأصدقائي الدكتور بدر القلاف والدكتور حامد السهو بالكثير في قضايا المنهجية رغم اختلاف تخصصاتنا. هذان الرجلان كانا يسألاني أسئلة دقيقة في منهجيتي البحثية وكنت انحرج ولا أجد جوابا حتى دفعوني دفعا للبحث عن اجابات ترد على تساؤلاتهم. وقد قرأت مرة "المؤرخ مطالب بالخروج من ضيق التخصص إلى عام المعرفة".
حتى نفهم التاريخ علينا أن نفهم الفلسفة وعلم الاجتماع وفي أحيان الاقتصاد وعلم النفس وربما اللغة والفقة والفكر! البشر الذين عاشوا في زمانهم لم يكونوا فقط كما نقل لنا! ولو كان الأمر كذلك لما تنوعت المدارس التاريخية بين مركز على الأفراد وساع للبحث في الثقافة وتقليدي يؤرخ للثالوث المقدس حتى اليوم الاقتصاد والسلطان والدين!
كنت أجهل أهمية الفلسفة في فهم التاريخ حتى بدأت اقرأ في كتب الفلسفة التاريخية والمناهج البحثية فوجدت أن الفلسفة في التاريخ دورها التعرف على الذات المفكرة وليس الموضوع المفكر فيه فقط، يقول المؤرخ التونسي الهادي التيمومي " المؤرخ ليس بإمكانه التعرف على المنطق الموضوعي للظواهر الإجتماعية وإنما على العقل البشري بواسطة ذاتيته".
بدأت في القراءة في فلسفة التاريخ قبل عدة أشهر وكنت أحسب أنني بعد حصولي على شهادة الدكتوراه سأتصدر المجالس لأنني دكتور في التاريخ! لكنني اكتشفت من قراءة سير فلاسفة التاريخ ورواده أن التصدر لا يزال بعيدا وأن من أراد التصدر والبقاء في الصدارة عليه أن يحفر كرسيه في صخور المعرفة والحفر لا يأتي دون تركيز وجهد وعرق! النظرة للتاريخ الخليجي تحديدا والعربي بشكل عام يجب أن تتغير، لن اتفاءل وأقول لنؤسس مدرسة جديدة في الفلسفة والنقد التاريخي ولكني أقول لنمهد للأجيال القادمة مثل هذه المدرسة وليتنا نخرج من تقديس التاريخ والأشخاص والأحداث ونستعيض بدلا عنها بالحوار معها في البداية ثم تحليلها ونقدها وربما تطويرها! ولنتعلم المصطلحات العميقة دون الاعتماد على ويكيبيديا أو المعاجم لكن لنقرأ أصول المصطلحات حتى ندركها ونستدرك عليها، فما ساد الجهل المركب في أمة إلا أصبحت مثلنا!
شوارد:
"يولد الرجال متساوين مهما اختلف تاريخ ميلادهم ، لكن الفضائل تصنع الفروق فيما بينهم"
تنسب لفولتير!
منذ دخول تويتر إلى حياتنا كخليجيين وأنا أفكر فيه كمصدر رئيسي لتطوير فكر الشعب العربي والخليجي بشكل خاص. لكنني مع مرور الوقت بدأ الإيمان عندي يزيد بأن تويتر صار انعكاسا للواقع الخليجي الذي نعيشه في كل يوم. في هذا المقال ، وهذه نصيحة للقارئ المندفع، أنا أناقش وجهة نظري في مؤرخي الخليج تحديدا والعالم العربي بشكل أقل. أعيد هدف المقال بعبارة أخرى، أنا هنا لا أحاول التنظير إنما أحاول وضع اصبعي على الجرح الذي قد يؤلم البعض كما أنني أحاول تشجيع الفلاسفة والمنظرين على نقد العقل الخليجي!
قبل أيام شاهدت حوارا بين رجلين لهما اهتمام بالتاريخ، كلاهما حافظ للوثائق وأماكن المعلومات وكلاهما أيضا له اطلاع لا بأس به على المخطوطات والكتب لكن يعيب الرجل الأول أنه بدأ في مرحلة دراسة الماجستير. نعم أعني ما أقول بداية الدراسة والعلم قد تكون أمرا سيئا لمن لا يدرك قيمة العلم لذاته. حتى أفسر أكثر هناك ثلاث أنواع من الباحثين الخليجين والعرب وغيرهم قابلتهم في حياتي حتى اللحظة النوع الأول الذي يريد أن يحصل على الشهادات العليا للوظيفة فهو يحصل على الماجستير والدكتوراه من أجل راتب أعلى وساعات عمل أسهل. أما النوع الثاني فهو نوع صاحبنا وهو الذي يريد العلم حتى يتميز عن غيره، وغيره هنا تعني عوام الناس والمهتمين لا أهل التخصص فهو يريد جذب الأضواء لنفسه من أجل أغراض خاصة به وهنا قد يجمع صاحب النوع الثاني طموح النوع الأول بالاضافة إلى ما ذكرنا.
النوع الثالث وهو قليل في المشرق والمغرب هو الذي يبحث عن العلم لأجل العلم ويفتش في المعرفة ليزداد يقينا بأن ما يجعله أكثر مما يعرفه. قد كنت أظن أن مفهوم التواضع عند العلماء محصور في حضارتنا الإسلامية وجزء من ديننا حتى شاهدت محاضرة لأحد أعظم علماء وفلاسفة هذا القرن نعوم تشومسكي يقدم فيها نصائح ومن ضمن النصائح قوله بتصرف " ثق تماما أنك كلما علمت كلما زادت معرفتك بأن جهلك أكبر!". والأمثلة كثيرة وكثيرة جدا في حضارتنا الإسلامية وعلمائنا اليوم في الأمتين العربية والإسلامية وهذا الإستدراك لمن يرفض أي شيء قادم من الغرب!
نعود لأصحاب القصة، صاحبنا الأول الذي بدأ دراسة الماجستير يبدو أن قد أخذ محاضرة عن منهجيات التاريخ قبل أن يبدأ نقاشه مع الطرف الآخر فكان مما قاله لخصمه ما هي المنهجية التي تفترضها؟ وهل استخدمت منهجية معينة في رفضك؟ هذه الكلمة شدت انتباهي فأنا متابع للرجل منذ فترة وما عهدته إلا وصفيا ناقلا من بطون الكتب وفي أحيان يخفي بعض المعلومات التي يمكن أن تؤدي بالمتابعين له للإنسحاب لأنها مست قبائلهم أو دولهم أو بعض من مات من حكامهم. رجعت فقرأت كامل الحوار بينها ووجدت أن اقحام المنهجية في خلاف على صحة معلومة أمر غير دقيق. كلا الرجلين متمسك بحقيقة تاريخية قرأها ويعتقد صوابها وكلاهما أيضا استقى معلوماته من كتب مطبوعة حديثا وكلاهما أيضا يتهم الآخر بعدم الموضوعية في الطرح فأي منهجية يجب أن تناقش هنا؟
لمحمد عابد الجابري رحمه الله هذا الفليسوف العظيم مقولة جميلة "نحن "أي العرب" تحولنا من كائنات لها تراث إلى كائنات تراثية" معنى ذلك أننا نقلنا التاريخ من أساسه الصحيح الذي بنت عليه مدارس تاريخية كثيرة فلسفاتها منذ عصر هيرودوت المؤرخ الاغريقي إلى يومنا هذا إلى اساس هش. جعلنا التاريخ الذي وإن اختلفنا في تفسيره وتحليله ، فلن نختلف أننا لا نعيش فيه! الرجلين تحولا إلى كائنات تراثية تدافع عن التاريخ وكأنه واقعها اليوم بل أكثر من ذلك تستدعي النصوص التاريخية لمساندة خلاف سياسي طارئ ! نعم لا أنكر أن استخدام التاريخ في استشراف المستقبل وتحليل الحاضر أمر أنا مؤمن به ومارسته ، لكن أن نستدعي النصوص فقط ونعيشها وكأننا جزء منها فهذا الذي يستغرب منه العقلاء!
قلة قليلة في الخليج العربي تمارس التاريخ عن فلسفة ومنهجية ، نعم أقولها وأنا ممن يعاني من نقص في هذا المجال أحاول ستره بتعلم ما ينفعني وتطوير ذاتي في المجال النقدي والفلسفي والمنهجي التاريخي وغيره. هناك من الأصدقاء الحاصلين على شهادات الدكتوراه حينما تناقشه في المنهجيات المتعلقة في بحثه يجيبك بوضوح وشفافية لكن حينما تسأله سؤالا نقديا أو استشكاليا خارج اطار المدرسة أو المنهجية التي يستخدمها تجده يتلعثم ويحاول الإجابة بإجابات عامه أو يتفلسف عن جهل! أنا مدين لأصدقائي الدكتور بدر القلاف والدكتور حامد السهو بالكثير في قضايا المنهجية رغم اختلاف تخصصاتنا. هذان الرجلان كانا يسألاني أسئلة دقيقة في منهجيتي البحثية وكنت انحرج ولا أجد جوابا حتى دفعوني دفعا للبحث عن اجابات ترد على تساؤلاتهم. وقد قرأت مرة "المؤرخ مطالب بالخروج من ضيق التخصص إلى عام المعرفة".
حتى نفهم التاريخ علينا أن نفهم الفلسفة وعلم الاجتماع وفي أحيان الاقتصاد وعلم النفس وربما اللغة والفقة والفكر! البشر الذين عاشوا في زمانهم لم يكونوا فقط كما نقل لنا! ولو كان الأمر كذلك لما تنوعت المدارس التاريخية بين مركز على الأفراد وساع للبحث في الثقافة وتقليدي يؤرخ للثالوث المقدس حتى اليوم الاقتصاد والسلطان والدين!
كنت أجهل أهمية الفلسفة في فهم التاريخ حتى بدأت اقرأ في كتب الفلسفة التاريخية والمناهج البحثية فوجدت أن الفلسفة في التاريخ دورها التعرف على الذات المفكرة وليس الموضوع المفكر فيه فقط، يقول المؤرخ التونسي الهادي التيمومي " المؤرخ ليس بإمكانه التعرف على المنطق الموضوعي للظواهر الإجتماعية وإنما على العقل البشري بواسطة ذاتيته".
بدأت في القراءة في فلسفة التاريخ قبل عدة أشهر وكنت أحسب أنني بعد حصولي على شهادة الدكتوراه سأتصدر المجالس لأنني دكتور في التاريخ! لكنني اكتشفت من قراءة سير فلاسفة التاريخ ورواده أن التصدر لا يزال بعيدا وأن من أراد التصدر والبقاء في الصدارة عليه أن يحفر كرسيه في صخور المعرفة والحفر لا يأتي دون تركيز وجهد وعرق! النظرة للتاريخ الخليجي تحديدا والعربي بشكل عام يجب أن تتغير، لن اتفاءل وأقول لنؤسس مدرسة جديدة في الفلسفة والنقد التاريخي ولكني أقول لنمهد للأجيال القادمة مثل هذه المدرسة وليتنا نخرج من تقديس التاريخ والأشخاص والأحداث ونستعيض بدلا عنها بالحوار معها في البداية ثم تحليلها ونقدها وربما تطويرها! ولنتعلم المصطلحات العميقة دون الاعتماد على ويكيبيديا أو المعاجم لكن لنقرأ أصول المصطلحات حتى ندركها ونستدرك عليها، فما ساد الجهل المركب في أمة إلا أصبحت مثلنا!
شوارد:
"يولد الرجال متساوين مهما اختلف تاريخ ميلادهم ، لكن الفضائل تصنع الفروق فيما بينهم"
تنسب لفولتير!
Published on July 04, 2017 06:02
June 6, 2017
النقد والتطوير لماذا ننفر منه؟
في يوليو من عام ٢٠١٦ قدمت ورقة في مؤتمر جامعة اكستر حول العلاقات الكويتية الزبيرية
وكان نموذجي هو عبدالعزيز الرشيد رحمه الله. وقد قرر القائمون على المؤتمر طباعة كتاب يحتوي على الورقات العلمية التي قدمت فيه على شكل فصول لهذا الكتاب.
تحمست كثيرا لفكرة الكتاب خصوصا وأن لغة الكتاب هي اللغة الإنجليزية وقليلة هي الكتابات التخصصية في تاريخ الكويت وأقصد بالكتابات التخصصية هي الكتابات في مواضيع ثقافية واجتماعية تتعلق بتاريخ الكويت أما ما كتب عن تاريخ السياسة في الكويت فهو كثير جدا. لعلك عزيزي القارئ تتساءل وما شأننا نحن بقضية نشرك ومشاركتك في المؤتمر أم هي دعاية مجانية لنفسك؟ والحقيقة أن هذا الفصل هو الذي أتى بفكرة المقال لأنه بعد اعادة الفصل لي من مُحكميّن وجدت اشاده لكنني أيضا وجدت الكثير من الملاحظات التي وضعها هذان المحكمان بعضها جوهري وبعضها شكلي لكن المهم أنني وجدت ثقلا كبيرا في نفسي وحسنا فعلوا عندما لم يظهروا أسماء من راجع الفصل.
عندما قرأت النقد لأول مره شعرت بنوع من الحنق والضيق، كيف لهؤلاء الذين انتقدوا أن يفهموا هذا البحث الدقيق في تاريخ الكويت وكيف لهم أن يقيموا عملي؟ في الكثير من الأحيان كانت تعليقاتهم نرجو التوضيح هنا أو من هو هذا العالم أو ذاك. قررت بعد قراءة الرد لأول مرة ألا أرسل الفصل من جديد لهم بعد التعديل فكيف لي أن اتعامل مع من لا يحسن فهم عملي؟ بعد يومين بدأت أفكر وأراجع نفسي هل فعلا كان عملي كاملا؟ وهل رأي الذين اعطوا ملاحظاتهم لا يهم؟ ولماذا يكتبون بطريقة نقدية وأنا اعتبرها هجومية؟ ولماذا يهاجمونني هل يعرفونني أصلا؟
بدأت الفكرة تكبر في عقلي وصرت أتتبع طريقة كتابتي لبحثي هذا ووجدت أنني فعلا كنت مقصرا! في الحقيقة رغم معرفتي بأن الموضوع ليس واضحا في ذهنية الغرب وفيه صعوبة على المتخصص منهم لأنه يتحدث عن زاوية من زوايا تاريخ الكويت لكنني في حقيقة الأمر كتبته دون توضيحات كثيره. ما أقصده مثلا عندما أتكلم عن الفروقات في العقيدة الإسلامية بين الأشاعره وأهل الحديث وغيرهم لا أوضح لغير المتخصص ما أقصد بالضبط ولا أوضح ما هي الفروقات بشكل دقيق. وهذا مثال من أمثلة أخرى خصوصا في عدم التعريف بالكثير من الأعلام عندي والمجهولين عند القارئ! فمثلي كمثل الطاهي الذي أحضر مكونات الوجبة وطبخها على نار هادئة لكنه لم يحسن عرضها وتزيينها وكان ذلك سببا في عدم اقبال الزبائن عليها، فالأفكار كالأطباق متى ما أحسنا تقديمها وعرضها وجدنا إقبالا أكثر عليها.
الأمر الثاني الذي لم أحسن فعله هو أنني كتبت باللغة الإنجليزية لكن بعقلية الأكاديمي العربي. فنحن في التاريخ نميل كعرب لسرد الأحداث وحشد المصادر والنصوص وبعضها ليس له علاقة مباشرة في موضوع البحث بينما طريقة الكتابة الأكاديمية الغربية هو كتابة ما يتعلق بالفكرة دون اسهاب مقل أو ايجاز مضر. لذلك كانت كثرة التعليقات كانت لعدم فهمهم ما هو الرابط بين هذه الفقرة والفكرة العامة أو هذا الاستطراد والفصل بذاته. عندما قرأت الملاحظات شعرت بأن النقد يقول "أنت لست عميقا" لكنني اكتشفت أن مفهوم العمق مختلف بين المدارس الفكرية والتاريخية ومكان ومحل نشر العمل الأكاديمي!
مفهوم العمق في ذهني على الأقل هو أن أكتب شيئا مختلفا وأن أصل لفكرة فريدة لم يسبقني لها أحد أو ربما سبقني لها قله قليلة! لكن مفهوم العمق عند الكثيرين شيء مختلف نوعا ما فقد يكون العمق في ربط الأفكار بطريقة منهجية واضحة وفي أحيان أخرى شرح المفاهيم بصورة أوضح ومرات كثيرة في تبرير سبب اختيار الموضوع وطريقة ربطه بأحداث، أفكار، مواضيع سابقة. هذا العمق وجدت أن الكثيرين من الباحثين في التاريخ الخليجي الذين درسوا ويرغبون في نشر مقالات أو كتب باللغة الانجليزية يعانون منه، وأنا منهم، فمن كان مثل حالتي درس البكالوريوس والماجستير في بلاد العرب ثم ذهب ليدرس في الغرب الدكتوراه يجد هذه الصعوبة لاختلاف طرق التدريس والمنهجيات في التعليم.
في عالمنا العربي اعتدنا على تقديم أقل الجهد والحصول على أكبر المدائح في الكثير من الأحيان، بل أذكر عندما كنت في مرحلة البكالوريوس كان بعض الطلاب يشترون بحوثا مكتوبه ويحصلون على درجات مرتفعه وهذا أصل عند البعض أن نقدك لعملي يعني هجومك الشخصي علي. في الغرب الأمر مختلف نوعا ما هم يدفعون الطالب لتعلم ثقافة النقد ويطالبونه بأن ينتقد ويوضح القصور في الأفكار السابقة ويحلل أسباب ذلك ويربط ما بين فكرة وأخرى بل هم يحاربون السرد محاربة كبيرة. مثل هذه الخطوات أخرجت منهم أشخاص طردوا فكرة التقديس من عقولهم وصاروا يتمردون بشكل علمي وعملي على أفكار سبقتهم ويطورون تلك الأفكار وفي بعض الأحيان يخرجون بمدارس فكرية جديدة. بكل تأكيد أنا لا أعمم أن الغرب كلهم على هذه الشاكله! لكنني أقول أن مثل هذه الثقافة موجودة عندهم في المدارس والجامعات وفي حياتهم الخاصة.
النقد شيء رائع إذا كان من متخصص وكان من أجل تطوير وتنمية وتعديل الأفكار أو السلوك، في أحيان كثيرة أفكر في فكرة النصيحة في ديننا الإسلامي وأراها مشابهه للنقد فالنصيحة تكون هدية للأخرين لتطوير أنفسهم وهي كذلك من وسائل تطور المجتمع لأن الإسلام أوجبها للجميع ومن الجميع.
شوارد:
"رحم الله من أهدى إلي عيوبي"
عمر بن الخطاب
وكان نموذجي هو عبدالعزيز الرشيد رحمه الله. وقد قرر القائمون على المؤتمر طباعة كتاب يحتوي على الورقات العلمية التي قدمت فيه على شكل فصول لهذا الكتاب.
تحمست كثيرا لفكرة الكتاب خصوصا وأن لغة الكتاب هي اللغة الإنجليزية وقليلة هي الكتابات التخصصية في تاريخ الكويت وأقصد بالكتابات التخصصية هي الكتابات في مواضيع ثقافية واجتماعية تتعلق بتاريخ الكويت أما ما كتب عن تاريخ السياسة في الكويت فهو كثير جدا. لعلك عزيزي القارئ تتساءل وما شأننا نحن بقضية نشرك ومشاركتك في المؤتمر أم هي دعاية مجانية لنفسك؟ والحقيقة أن هذا الفصل هو الذي أتى بفكرة المقال لأنه بعد اعادة الفصل لي من مُحكميّن وجدت اشاده لكنني أيضا وجدت الكثير من الملاحظات التي وضعها هذان المحكمان بعضها جوهري وبعضها شكلي لكن المهم أنني وجدت ثقلا كبيرا في نفسي وحسنا فعلوا عندما لم يظهروا أسماء من راجع الفصل.
عندما قرأت النقد لأول مره شعرت بنوع من الحنق والضيق، كيف لهؤلاء الذين انتقدوا أن يفهموا هذا البحث الدقيق في تاريخ الكويت وكيف لهم أن يقيموا عملي؟ في الكثير من الأحيان كانت تعليقاتهم نرجو التوضيح هنا أو من هو هذا العالم أو ذاك. قررت بعد قراءة الرد لأول مرة ألا أرسل الفصل من جديد لهم بعد التعديل فكيف لي أن اتعامل مع من لا يحسن فهم عملي؟ بعد يومين بدأت أفكر وأراجع نفسي هل فعلا كان عملي كاملا؟ وهل رأي الذين اعطوا ملاحظاتهم لا يهم؟ ولماذا يكتبون بطريقة نقدية وأنا اعتبرها هجومية؟ ولماذا يهاجمونني هل يعرفونني أصلا؟
بدأت الفكرة تكبر في عقلي وصرت أتتبع طريقة كتابتي لبحثي هذا ووجدت أنني فعلا كنت مقصرا! في الحقيقة رغم معرفتي بأن الموضوع ليس واضحا في ذهنية الغرب وفيه صعوبة على المتخصص منهم لأنه يتحدث عن زاوية من زوايا تاريخ الكويت لكنني في حقيقة الأمر كتبته دون توضيحات كثيره. ما أقصده مثلا عندما أتكلم عن الفروقات في العقيدة الإسلامية بين الأشاعره وأهل الحديث وغيرهم لا أوضح لغير المتخصص ما أقصد بالضبط ولا أوضح ما هي الفروقات بشكل دقيق. وهذا مثال من أمثلة أخرى خصوصا في عدم التعريف بالكثير من الأعلام عندي والمجهولين عند القارئ! فمثلي كمثل الطاهي الذي أحضر مكونات الوجبة وطبخها على نار هادئة لكنه لم يحسن عرضها وتزيينها وكان ذلك سببا في عدم اقبال الزبائن عليها، فالأفكار كالأطباق متى ما أحسنا تقديمها وعرضها وجدنا إقبالا أكثر عليها.
الأمر الثاني الذي لم أحسن فعله هو أنني كتبت باللغة الإنجليزية لكن بعقلية الأكاديمي العربي. فنحن في التاريخ نميل كعرب لسرد الأحداث وحشد المصادر والنصوص وبعضها ليس له علاقة مباشرة في موضوع البحث بينما طريقة الكتابة الأكاديمية الغربية هو كتابة ما يتعلق بالفكرة دون اسهاب مقل أو ايجاز مضر. لذلك كانت كثرة التعليقات كانت لعدم فهمهم ما هو الرابط بين هذه الفقرة والفكرة العامة أو هذا الاستطراد والفصل بذاته. عندما قرأت الملاحظات شعرت بأن النقد يقول "أنت لست عميقا" لكنني اكتشفت أن مفهوم العمق مختلف بين المدارس الفكرية والتاريخية ومكان ومحل نشر العمل الأكاديمي!
مفهوم العمق في ذهني على الأقل هو أن أكتب شيئا مختلفا وأن أصل لفكرة فريدة لم يسبقني لها أحد أو ربما سبقني لها قله قليلة! لكن مفهوم العمق عند الكثيرين شيء مختلف نوعا ما فقد يكون العمق في ربط الأفكار بطريقة منهجية واضحة وفي أحيان أخرى شرح المفاهيم بصورة أوضح ومرات كثيرة في تبرير سبب اختيار الموضوع وطريقة ربطه بأحداث، أفكار، مواضيع سابقة. هذا العمق وجدت أن الكثيرين من الباحثين في التاريخ الخليجي الذين درسوا ويرغبون في نشر مقالات أو كتب باللغة الانجليزية يعانون منه، وأنا منهم، فمن كان مثل حالتي درس البكالوريوس والماجستير في بلاد العرب ثم ذهب ليدرس في الغرب الدكتوراه يجد هذه الصعوبة لاختلاف طرق التدريس والمنهجيات في التعليم.
في عالمنا العربي اعتدنا على تقديم أقل الجهد والحصول على أكبر المدائح في الكثير من الأحيان، بل أذكر عندما كنت في مرحلة البكالوريوس كان بعض الطلاب يشترون بحوثا مكتوبه ويحصلون على درجات مرتفعه وهذا أصل عند البعض أن نقدك لعملي يعني هجومك الشخصي علي. في الغرب الأمر مختلف نوعا ما هم يدفعون الطالب لتعلم ثقافة النقد ويطالبونه بأن ينتقد ويوضح القصور في الأفكار السابقة ويحلل أسباب ذلك ويربط ما بين فكرة وأخرى بل هم يحاربون السرد محاربة كبيرة. مثل هذه الخطوات أخرجت منهم أشخاص طردوا فكرة التقديس من عقولهم وصاروا يتمردون بشكل علمي وعملي على أفكار سبقتهم ويطورون تلك الأفكار وفي بعض الأحيان يخرجون بمدارس فكرية جديدة. بكل تأكيد أنا لا أعمم أن الغرب كلهم على هذه الشاكله! لكنني أقول أن مثل هذه الثقافة موجودة عندهم في المدارس والجامعات وفي حياتهم الخاصة.
النقد شيء رائع إذا كان من متخصص وكان من أجل تطوير وتنمية وتعديل الأفكار أو السلوك، في أحيان كثيرة أفكر في فكرة النصيحة في ديننا الإسلامي وأراها مشابهه للنقد فالنصيحة تكون هدية للأخرين لتطوير أنفسهم وهي كذلك من وسائل تطور المجتمع لأن الإسلام أوجبها للجميع ومن الجميع.
شوارد:
"رحم الله من أهدى إلي عيوبي"
عمر بن الخطاب
Published on June 06, 2017 13:59
April 24, 2017
بيني وبين هند!
بيني وبين هند!
أي هند أعلم انك لن تسمعيني وموقنٌ أن تراب النسيان قد حجب بصرك وغابت عنك صورتي ، ليتك تعلمين أنني اليوم بحاجةٍ للحديث لقد نُحر طموحي بسكين قوانينهم يا هند ، أو تعلمين أن لا أحد أكترث لأمري الكل واساني مجاملةً لم أشعر بنظرةٍ فيها دفء تخترق جليد قلبي.
هند قلبي الذي كان مروجا خضراء صار اليوم جليدا قاسيا هل علمتي أنني غريب وسط أكوام من البشر سلواي هي وحدتي وتلفازي وخيالي ، ادمنت الشعور بالوحدة حتى صرت لهم كمجنون يهرب من مناسباتهم.
أهند مهلا فالقلب موجوعُ والنفس خائرة العزم مهمومه وصل الحال للمحال وانمحت الآمال وعاد الأمر حُلما بعد أن أقترب من الواقع ، إن أعلم أنك تحزنين مما تسمعين فكيف أصنع أنا وقد صرت ينبوع الحزن الدافق ونهر الألم المندفع وشلالات الفشل الساقطة من القمة.
اعذريني على سلبيتي فلم تتعودي عليها مني فالحال انقلب والعقل طار وذهب والنفس مكلومةٌ من العجب والعين ماعادت ترى سوى المقابر والتُرب ، زرعنا سبع سنين عجاف فكان حصادنا أعواد من اليبسّ لا تصلح الى للحرق والتلف لكن لا يزال في النفس فسحةٌ ضيقة للأمل نقش عليها (اللهم كما منعتني ما أريد لحكمة أنت تعلمها ، أعطني ما أريد بكرم أرجوه منك) . وداعا يا سلوى خاطري وداعا يا ملاذي عند حزني وداعا يا كانت للدنيا دنيا وداعا يا من تسمعني فتريحني وتزيل عني همي وداعا يا هند.
انقطع الوصل بيني وبين هند ولم اعرف كيف سبيل الوصول لها فهي تأتي دون ميعاد تزورني في نومي وفي يقظتي، هند تلك الصديقة التي على كثر ما التقيها إلا أنني لا أعرف عنها شيئا. أذكر أنني ناجيتها يوما فقلت وليعذرني القارئ فأنا لا أجيد الشعر ولا اتقن العروض ولا الوزن لكنها كلمات شعرت بأنها تكتب كما يُكتب الشعر! قلت لهند يوم داهمني الخطب:
همي وغمي والبلية أجمعوا // في يوم نحس قد أصاب كياني
فذكرت هندا علها بتذكري // تضفي السعادة في سما وجداني
هند يا أعزائي القراء حكيمة ذكية تدرك أن الوقت كفيل بتغيير العديد من الأمور فهي عندما تحتجب عني إنما هي تقصد أن تتركني أفهم الحياة بطبيعتها ، فالحياة يا سادتي فيها الكدر وفيها السعادة وهي ما بين الألم الأمل. اعتادت هند أن ترسل لي بعض الكتب التي تعينني على فهم الحياة بصورة أعمق وهذه احدى طرقها كذلك في ايصال الرسائل. الغريب هذه المره أنها لم تكترث أبدا بما أرسلت رغم أني غلفت حروفي وكلماتي بعصارة مشاعري وسطرت حرفي بإحساسي لكن قسى قلب هند فأصبح كالحجر!
أحدق في السماء.. أطيل النظر.. تمر سحابة فأرجو وأستبشر خيراً.. أرجو أن تكون هند من ضمن قطرات أمطارها ، أو أنها في جوف خيراتها، هذه الخيرات التي تهل على العالم كلما مرت سحابة فيعم الفرح والسرور , يشع في الأفق شعاع يكبر ، ينتشر ، يضيء ، ألمح طرفاً منها.. يكبر يكبر.. يسرع يظهر.. أفرح أصرخ .. هي عادت هي عادت ، أشعر بقطرات الندى تسقط على وجهي.. النشوة تسري في جسدي وعلامات الفرح تخطف الحزن من قلبي فيشرق حينها وجهي ..
تمشي مقتربةً مني بخطوات واثقة تبتسم تقول : أعلم أنك تنتظر جوابي ، ولكن لن يكون جوابي كما تريد ، فنحن نعيش في عالم الواقع ولا نستطيع البقاء أبداً في دنيا العجائب ، فلنجعل من النظرات لغة حوارنا لا يفقهها أحد سوانا ، لن أطيل فما تطلبه مني مستحيل .
الحياة يا صديقي قاسية على الخاوي الذي لا طموح له أما صاحب الهمة والصبر فقسوة الحياة معه تجعله أقوى. إن كنت سأنصح هذه المره فسأقول لك :لا أحد يشعر بك سوى نفسك فلا تبح بسرك ألمك لأحد إلا اذا تأكدت من ثلاث بينها لي ولك بشار بن برد حين قال:
ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة ٍ يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع
وهؤلاء في زمانهم كانوا قلة فما بالك بزماننا! كن أنت كما تريد ولا تجعل للآخرين على عقلك سبيل ابحث عما ينفعك وجالد حتى تصل لغايتك فإن الصبر مفتاح الفرج كما قالت العرب ولم ولن تغلب شدة صبرا! تذهب ، تختفي .. أفكر لماذا لا نتمرد على القيود ؟! لماذا لا نضع أبواباَ في السدود ، هي من يفهمني ، هي من يقرأ أفكاري ، هي من أحتاج إليه في وقت اتخاذ قراري ..
لماذا لا تكون معي! حُرمت مَن يفهمني، يا ليتنا نسكنك يا دنيا العجائب دائماً.. يا ليتنا لم نخلق إلا فيكِ، يسكن خاطري.. يتحرك عقلي.. يحاول إقناعي بأن لغة العيون حل وسط بينكما ولن يفهمها أحد غيركما.. أقتنع بعقلي.. أحس بغصةٍ ، ولكن لا ألبث إلا أن أشتاق لحوار العيون الذي لن أتركه معها ، ولن أرضى بغير هذا الحوار بديلاً ولكن سأطلب منها أن تكون لغة العيون أيضاً كما أريد لا كما تريد ، لأني أنا من يحتاج تمتمة العيون .
هذي هي يا سادتي أختي وصديقتي التي لم تلدها أمي.. صديقتي الموجودةُ في عالم غير عالمي.. قد نلتقي في الأحلام، أو عبر أفلاك الخيال ، أو عبر التمتمات فوق العقلية.. وكل لقاء يحمل في ثناياه بقاء لعقلي وقلبي ومشاعري .. دمت بخير أختي ودامت لنا بلاد العجائب.
ومني لكل من يعيش في بلاد العجائب!!
شوارد:
“أما أنك فرطت فنعم، ولكننا نستوفي صحبتك الطويلة ومآثرك القديمة وماأنا بالذي ينزع يده حتى ينزع الآخر ولكل صحبة مقام ومقام صحبتك جليل”
عبدالرحمن الداخل - صقر قريش
أي هند أعلم انك لن تسمعيني وموقنٌ أن تراب النسيان قد حجب بصرك وغابت عنك صورتي ، ليتك تعلمين أنني اليوم بحاجةٍ للحديث لقد نُحر طموحي بسكين قوانينهم يا هند ، أو تعلمين أن لا أحد أكترث لأمري الكل واساني مجاملةً لم أشعر بنظرةٍ فيها دفء تخترق جليد قلبي.
هند قلبي الذي كان مروجا خضراء صار اليوم جليدا قاسيا هل علمتي أنني غريب وسط أكوام من البشر سلواي هي وحدتي وتلفازي وخيالي ، ادمنت الشعور بالوحدة حتى صرت لهم كمجنون يهرب من مناسباتهم.
أهند مهلا فالقلب موجوعُ والنفس خائرة العزم مهمومه وصل الحال للمحال وانمحت الآمال وعاد الأمر حُلما بعد أن أقترب من الواقع ، إن أعلم أنك تحزنين مما تسمعين فكيف أصنع أنا وقد صرت ينبوع الحزن الدافق ونهر الألم المندفع وشلالات الفشل الساقطة من القمة.
اعذريني على سلبيتي فلم تتعودي عليها مني فالحال انقلب والعقل طار وذهب والنفس مكلومةٌ من العجب والعين ماعادت ترى سوى المقابر والتُرب ، زرعنا سبع سنين عجاف فكان حصادنا أعواد من اليبسّ لا تصلح الى للحرق والتلف لكن لا يزال في النفس فسحةٌ ضيقة للأمل نقش عليها (اللهم كما منعتني ما أريد لحكمة أنت تعلمها ، أعطني ما أريد بكرم أرجوه منك) . وداعا يا سلوى خاطري وداعا يا ملاذي عند حزني وداعا يا كانت للدنيا دنيا وداعا يا من تسمعني فتريحني وتزيل عني همي وداعا يا هند.
انقطع الوصل بيني وبين هند ولم اعرف كيف سبيل الوصول لها فهي تأتي دون ميعاد تزورني في نومي وفي يقظتي، هند تلك الصديقة التي على كثر ما التقيها إلا أنني لا أعرف عنها شيئا. أذكر أنني ناجيتها يوما فقلت وليعذرني القارئ فأنا لا أجيد الشعر ولا اتقن العروض ولا الوزن لكنها كلمات شعرت بأنها تكتب كما يُكتب الشعر! قلت لهند يوم داهمني الخطب:
همي وغمي والبلية أجمعوا // في يوم نحس قد أصاب كياني
فذكرت هندا علها بتذكري // تضفي السعادة في سما وجداني
هند يا أعزائي القراء حكيمة ذكية تدرك أن الوقت كفيل بتغيير العديد من الأمور فهي عندما تحتجب عني إنما هي تقصد أن تتركني أفهم الحياة بطبيعتها ، فالحياة يا سادتي فيها الكدر وفيها السعادة وهي ما بين الألم الأمل. اعتادت هند أن ترسل لي بعض الكتب التي تعينني على فهم الحياة بصورة أعمق وهذه احدى طرقها كذلك في ايصال الرسائل. الغريب هذه المره أنها لم تكترث أبدا بما أرسلت رغم أني غلفت حروفي وكلماتي بعصارة مشاعري وسطرت حرفي بإحساسي لكن قسى قلب هند فأصبح كالحجر!
أحدق في السماء.. أطيل النظر.. تمر سحابة فأرجو وأستبشر خيراً.. أرجو أن تكون هند من ضمن قطرات أمطارها ، أو أنها في جوف خيراتها، هذه الخيرات التي تهل على العالم كلما مرت سحابة فيعم الفرح والسرور , يشع في الأفق شعاع يكبر ، ينتشر ، يضيء ، ألمح طرفاً منها.. يكبر يكبر.. يسرع يظهر.. أفرح أصرخ .. هي عادت هي عادت ، أشعر بقطرات الندى تسقط على وجهي.. النشوة تسري في جسدي وعلامات الفرح تخطف الحزن من قلبي فيشرق حينها وجهي ..
تمشي مقتربةً مني بخطوات واثقة تبتسم تقول : أعلم أنك تنتظر جوابي ، ولكن لن يكون جوابي كما تريد ، فنحن نعيش في عالم الواقع ولا نستطيع البقاء أبداً في دنيا العجائب ، فلنجعل من النظرات لغة حوارنا لا يفقهها أحد سوانا ، لن أطيل فما تطلبه مني مستحيل .
الحياة يا صديقي قاسية على الخاوي الذي لا طموح له أما صاحب الهمة والصبر فقسوة الحياة معه تجعله أقوى. إن كنت سأنصح هذه المره فسأقول لك :لا أحد يشعر بك سوى نفسك فلا تبح بسرك ألمك لأحد إلا اذا تأكدت من ثلاث بينها لي ولك بشار بن برد حين قال:
ولابُدَّ من شَكْوَى إِلى ذي مُروءَة ٍ يُوَاسِيكَ أَوْ يُسْلِيكَ أو يَتَوَجَّع
وهؤلاء في زمانهم كانوا قلة فما بالك بزماننا! كن أنت كما تريد ولا تجعل للآخرين على عقلك سبيل ابحث عما ينفعك وجالد حتى تصل لغايتك فإن الصبر مفتاح الفرج كما قالت العرب ولم ولن تغلب شدة صبرا! تذهب ، تختفي .. أفكر لماذا لا نتمرد على القيود ؟! لماذا لا نضع أبواباَ في السدود ، هي من يفهمني ، هي من يقرأ أفكاري ، هي من أحتاج إليه في وقت اتخاذ قراري ..
لماذا لا تكون معي! حُرمت مَن يفهمني، يا ليتنا نسكنك يا دنيا العجائب دائماً.. يا ليتنا لم نخلق إلا فيكِ، يسكن خاطري.. يتحرك عقلي.. يحاول إقناعي بأن لغة العيون حل وسط بينكما ولن يفهمها أحد غيركما.. أقتنع بعقلي.. أحس بغصةٍ ، ولكن لا ألبث إلا أن أشتاق لحوار العيون الذي لن أتركه معها ، ولن أرضى بغير هذا الحوار بديلاً ولكن سأطلب منها أن تكون لغة العيون أيضاً كما أريد لا كما تريد ، لأني أنا من يحتاج تمتمة العيون .
هذي هي يا سادتي أختي وصديقتي التي لم تلدها أمي.. صديقتي الموجودةُ في عالم غير عالمي.. قد نلتقي في الأحلام، أو عبر أفلاك الخيال ، أو عبر التمتمات فوق العقلية.. وكل لقاء يحمل في ثناياه بقاء لعقلي وقلبي ومشاعري .. دمت بخير أختي ودامت لنا بلاد العجائب.
ومني لكل من يعيش في بلاد العجائب!!
شوارد:
“أما أنك فرطت فنعم، ولكننا نستوفي صحبتك الطويلة ومآثرك القديمة وماأنا بالذي ينزع يده حتى ينزع الآخر ولكل صحبة مقام ومقام صحبتك جليل”
عبدالرحمن الداخل - صقر قريش
Published on April 24, 2017 05:29
عبدالرحمن محمد الإبراهيم's Blog
- عبدالرحمن محمد الإبراهيم's profile
- 120 followers
عبدالرحمن محمد الإبراهيم isn't a Goodreads Author
(yet),
but they
do have a blog,
so here are some recent posts imported from
their feed.

