Amr Sief's Blog
April 15, 2019
رسالة
على غير العادة في ذلك التوقيت من العام كان الجو جميلاً رغم إضطرابه خلال الأيام القليلة الماضية، دخل أدهم الكافيه المملوك له المفعم برائحة القهوة الذكية ، جلس في كرسيه المعتاد بالقرب من الشباك المطل على الشارع السكندري ، طالما كان يرى الجمال في الشارع و حركة الناس و أن ما يميز الإسكندرية دونا عن كل المدن التي زارها هو الروح الحقيقية للشوارع ، فلكل شارع شخصية و حكاية.
دون أن يطلب شيئاً قام النادل بإنزال القهوة السادة مصحوبة بقطعة من الشيكولاتة الداكنة أمام أدهم ، و الذي أبتسم للنادل و أخرج علبة سجائره الغير معتادة للناس في هذا المكان و أعطى له سيجارة منها.
كان كل شئ يسير وفق خطته اليومية المعتادة، حتى دخل ذلك الثنائي إلى المقهى، شاب و فتاه يبدون في غاية الحب و الاندماج، الشاب مهندم و طويل ، بجسد صحي و ثياب بسيطة ، أما الفتاة فكانت بسيطة و جميلة ، لا تضع الكثير من مستحضرات التجميل او بمعنى أدق لا تضع إطلاقا هذه المساحيق ، ربما وضعت الماء فقط فوق وجهها و لربما تستيقظ بهذه الصورة ، شعرها القصير الفاحم يزيدها قوة و بريقا.
جلسا أمام أدهم تقريباً و شرعوا في الحديث الهامس، كم كان هذا جميل ، طالما أحب أن يراقب قصص الحب في المقهى خاصته، كانت تلك القصص هي عزاءه الوحيد في فشله السابق في زواجه و فشل علاقاته اللاحقة لما بعد الطلاق، لكن داخله كان هناك شيئا ما يقول له أنه هناك شيئا خاطئ في ذلك، بعد تدقيق بسيط ستجد أن الفتاة غير مرتاحة في الجلوس ، تضم ذراعيها و كأنها تحتمي ، قدمها تشير ألى باب الخروج و كأنها تستعد للرحيل في أي لحظة، بينما كان الشاب يبدو أنه يفرض السيطرة بشكل ما عن طريق ضم يديه على المنضدة مع فتح ذراعيه و رجله المفتوحه بشكل ما بحيث تكون من أمامه في حيز السيطرة الحركية أيضاً اذا ما قامت بالهرب.
كان حديثهم في البداية هادئا و ما لبث ان تصاعدت الوتيرة ، لم يتبين أدهم حديثهم بشكل كبير و لكن كان هناك رفض لشئ ما ، و حتى إنطلقت تلك الجملة التي تعبر عن كل شئ: إما أختيارك لهذا الموضوع أو اختيارك لي أنا شخصياً. هذه تقنية معروفة في علم الإجتماع، عندما تفرض نفسك كملاذ وحيد و أخير للأمان فإنك تستطيع فرض كل شئ على من يلوذ بالفرار أليك، هذه القاعدة رغم بساطتها إلا إنها تحمل في طياتها الكثير و الكثير من التفاصيل المهمة،
قرر أدهم أن يحاول أن يتدخل بشكل لطيف، نادى على النادل و طلب منه تحضير أثنين من الكب كيك و ورقة صغيرة من الورق الخاص بالمقهى.
أحضر النادل ما يريده منه مديره و تركه، و أمسك أدهم القلم لأول مرة منذ فترة طويلة ليكتب شيئاً مختلفا عن الأرقام و الإيراد اليومي و مختلفا ايضا عن إمضاء الشيك الذي تاخذه منه زوجته السابقة شهرياً و شرع في كتابة عبارات صغيرة:
" و ما الحياة الا مجموعة إختيارات صغيرة ، إختيارك للمكان الذي تجلسين فيه لربما يضعك في طريق مختلف، فكري كثيرا في اختياراتك الصغيرة ، فهي من تصنع حياتك كلها. أنت روح قوية بما يكفي"
أنهى تلك الرسالة الصغيرة و وضعها تحت احد الكب كيك و توجه لهم قائلاً:
صباح الخير يا فندم، الكافيه الصغير خاصتنا يرحب بكم و بيقدم لكم الكب كيك ده هدية.
قدمه أدهم لهم و حرص على أن يتاكد من انها رأت الورقة.
لم تستطع ان تخفي دهشتها او ان تدسها في شنطتها دون ان يلاحظ المرافق لها، ببساطة قراتها و ابتسمت ، خطفها منها الشخص الاخر بعصبية و عيناه تطلق شررا ، ظن انها رسالة بها رقم او موعد، و لكن عندما اخذها و قرأها أدرك أنها عبارة تحفيزية، قد تتواجد في اي مطعم مصاحبة لبعض انواع الوجبات السريعة.
بتلقائية سحب أدهم ورقة أخرى شبيهة و توجه بها لهم قائلاً: أسف على عدم وجود النصيحة اليومية في الكيك خاصتك.
ابتسم ذلك الشخص ببرود و أخذها، كل ما لاحظه أدهم بعد ذلك هو بقايا الورقتين و عدم الاكتراث، يلوم نفسه بشدة لما أقحم نفسه في قصة ليس له فيها ناقة و لا جمل و عرض نفسه للاحراج بدون داعي.
خرجوا من المقهى و كانت المرة الاخيرة التي يراها فيها لمدة عامين.
بعد عامين كانت الامور تغيرت، تراكمت الديون عليه و اصبح بلا هدف، تحول أدهم من الشعلة المضيئة إلى الخفوت الدائم، كان يوماً عصيبا يوم قرر الانتحار، جمع كل ديونه و وضعها في طبق و اخرج ورقة بيضاء و مسدسه العتيق، كتب في الورقة:
لقد كانت حياة صعبة، اختياراتي الصغيرة خذلتني ، لم اعد انتمى لهذا العالم.
وضع تلك الورقة في نفس الإناء و فتح التلفاز و أختار رقم 16 ، رقم عشوائي لا يعرف لما اختاره، قام بجعل الصوت على الدرجة الاعلى حتى لا يسمع الجيران صوت اختراق الرصاصة لرأسه التي أتعبته طوال حياته، وضع المسدس على جبهته و أستعد أن يطلق النار و لكنه رأي شيئاً جعله يتراجع فجأة، كانت هي التي رأاها في المقهى منذ سنوات، تستضيفها احد القنوات المحلية، ترتدي ميدالية ذهبية و تبتسم، و مكتوب تحت صورتها: هايدي منتصر الزيات بطلة العالم في الإسكواش، بشكل ما أبتسم أدهم و نسى فكرته عن الانتحار، و تابع البرنامج و المذيعة تسألها و ما هو سر نجاحك يا هايدي؟ قالت : ربما هي رسالة صغيرة قرأتها مرة ، أرسلها لي الله عن طريق شخص ما و أختفى ، أنا أحمل وشما يذكرني بها، و اشارت الى عضلة ذراعها و التي كتب عليها بخط عربي جميل: روح قوية.
تحول اليأس الى أمل و دبت طاقة داخل تلك الروح اليائسة و بما انه سحب زر الامان في المسدس فقرر عدم التراجع عن الاطلاق، وجه المسدس بدقة هذه المرة و بكل ثقة اطلق النار، تحطم الإناء بكل ما فيه، لقد كان اختيارا صائبا يوم كتب الرسالة، ها هي تنقذه كما حاول إنقاذها.
دون أن يطلب شيئاً قام النادل بإنزال القهوة السادة مصحوبة بقطعة من الشيكولاتة الداكنة أمام أدهم ، و الذي أبتسم للنادل و أخرج علبة سجائره الغير معتادة للناس في هذا المكان و أعطى له سيجارة منها.
كان كل شئ يسير وفق خطته اليومية المعتادة، حتى دخل ذلك الثنائي إلى المقهى، شاب و فتاه يبدون في غاية الحب و الاندماج، الشاب مهندم و طويل ، بجسد صحي و ثياب بسيطة ، أما الفتاة فكانت بسيطة و جميلة ، لا تضع الكثير من مستحضرات التجميل او بمعنى أدق لا تضع إطلاقا هذه المساحيق ، ربما وضعت الماء فقط فوق وجهها و لربما تستيقظ بهذه الصورة ، شعرها القصير الفاحم يزيدها قوة و بريقا.
جلسا أمام أدهم تقريباً و شرعوا في الحديث الهامس، كم كان هذا جميل ، طالما أحب أن يراقب قصص الحب في المقهى خاصته، كانت تلك القصص هي عزاءه الوحيد في فشله السابق في زواجه و فشل علاقاته اللاحقة لما بعد الطلاق، لكن داخله كان هناك شيئا ما يقول له أنه هناك شيئا خاطئ في ذلك، بعد تدقيق بسيط ستجد أن الفتاة غير مرتاحة في الجلوس ، تضم ذراعيها و كأنها تحتمي ، قدمها تشير ألى باب الخروج و كأنها تستعد للرحيل في أي لحظة، بينما كان الشاب يبدو أنه يفرض السيطرة بشكل ما عن طريق ضم يديه على المنضدة مع فتح ذراعيه و رجله المفتوحه بشكل ما بحيث تكون من أمامه في حيز السيطرة الحركية أيضاً اذا ما قامت بالهرب.
كان حديثهم في البداية هادئا و ما لبث ان تصاعدت الوتيرة ، لم يتبين أدهم حديثهم بشكل كبير و لكن كان هناك رفض لشئ ما ، و حتى إنطلقت تلك الجملة التي تعبر عن كل شئ: إما أختيارك لهذا الموضوع أو اختيارك لي أنا شخصياً. هذه تقنية معروفة في علم الإجتماع، عندما تفرض نفسك كملاذ وحيد و أخير للأمان فإنك تستطيع فرض كل شئ على من يلوذ بالفرار أليك، هذه القاعدة رغم بساطتها إلا إنها تحمل في طياتها الكثير و الكثير من التفاصيل المهمة،
قرر أدهم أن يحاول أن يتدخل بشكل لطيف، نادى على النادل و طلب منه تحضير أثنين من الكب كيك و ورقة صغيرة من الورق الخاص بالمقهى.
أحضر النادل ما يريده منه مديره و تركه، و أمسك أدهم القلم لأول مرة منذ فترة طويلة ليكتب شيئاً مختلفا عن الأرقام و الإيراد اليومي و مختلفا ايضا عن إمضاء الشيك الذي تاخذه منه زوجته السابقة شهرياً و شرع في كتابة عبارات صغيرة:
" و ما الحياة الا مجموعة إختيارات صغيرة ، إختيارك للمكان الذي تجلسين فيه لربما يضعك في طريق مختلف، فكري كثيرا في اختياراتك الصغيرة ، فهي من تصنع حياتك كلها. أنت روح قوية بما يكفي"
أنهى تلك الرسالة الصغيرة و وضعها تحت احد الكب كيك و توجه لهم قائلاً:
صباح الخير يا فندم، الكافيه الصغير خاصتنا يرحب بكم و بيقدم لكم الكب كيك ده هدية.
قدمه أدهم لهم و حرص على أن يتاكد من انها رأت الورقة.
لم تستطع ان تخفي دهشتها او ان تدسها في شنطتها دون ان يلاحظ المرافق لها، ببساطة قراتها و ابتسمت ، خطفها منها الشخص الاخر بعصبية و عيناه تطلق شررا ، ظن انها رسالة بها رقم او موعد، و لكن عندما اخذها و قرأها أدرك أنها عبارة تحفيزية، قد تتواجد في اي مطعم مصاحبة لبعض انواع الوجبات السريعة.
بتلقائية سحب أدهم ورقة أخرى شبيهة و توجه بها لهم قائلاً: أسف على عدم وجود النصيحة اليومية في الكيك خاصتك.
ابتسم ذلك الشخص ببرود و أخذها، كل ما لاحظه أدهم بعد ذلك هو بقايا الورقتين و عدم الاكتراث، يلوم نفسه بشدة لما أقحم نفسه في قصة ليس له فيها ناقة و لا جمل و عرض نفسه للاحراج بدون داعي.
خرجوا من المقهى و كانت المرة الاخيرة التي يراها فيها لمدة عامين.
بعد عامين كانت الامور تغيرت، تراكمت الديون عليه و اصبح بلا هدف، تحول أدهم من الشعلة المضيئة إلى الخفوت الدائم، كان يوماً عصيبا يوم قرر الانتحار، جمع كل ديونه و وضعها في طبق و اخرج ورقة بيضاء و مسدسه العتيق، كتب في الورقة:
لقد كانت حياة صعبة، اختياراتي الصغيرة خذلتني ، لم اعد انتمى لهذا العالم.
وضع تلك الورقة في نفس الإناء و فتح التلفاز و أختار رقم 16 ، رقم عشوائي لا يعرف لما اختاره، قام بجعل الصوت على الدرجة الاعلى حتى لا يسمع الجيران صوت اختراق الرصاصة لرأسه التي أتعبته طوال حياته، وضع المسدس على جبهته و أستعد أن يطلق النار و لكنه رأي شيئاً جعله يتراجع فجأة، كانت هي التي رأاها في المقهى منذ سنوات، تستضيفها احد القنوات المحلية، ترتدي ميدالية ذهبية و تبتسم، و مكتوب تحت صورتها: هايدي منتصر الزيات بطلة العالم في الإسكواش، بشكل ما أبتسم أدهم و نسى فكرته عن الانتحار، و تابع البرنامج و المذيعة تسألها و ما هو سر نجاحك يا هايدي؟ قالت : ربما هي رسالة صغيرة قرأتها مرة ، أرسلها لي الله عن طريق شخص ما و أختفى ، أنا أحمل وشما يذكرني بها، و اشارت الى عضلة ذراعها و التي كتب عليها بخط عربي جميل: روح قوية.
تحول اليأس الى أمل و دبت طاقة داخل تلك الروح اليائسة و بما انه سحب زر الامان في المسدس فقرر عدم التراجع عن الاطلاق، وجه المسدس بدقة هذه المرة و بكل ثقة اطلق النار، تحطم الإناء بكل ما فيه، لقد كان اختيارا صائبا يوم كتب الرسالة، ها هي تنقذه كما حاول إنقاذها.
Published on April 15, 2019 07:01


