محمد الهاشمي's Blog
April 20, 2018
قصيدة: جن السكون – محمد الهاشمي

والأمسُ بات لعُرْفِ ناظرِهِ غدا
أدميتَ قلبا قد حباكَ بِدَفْقِهِ
وقطعْتَ أوردةً سَقَتْكَ بِلا مدى
وحَبَسْتَ أنفاساً تنفّسَتِ الهوى
ثم استرقت السمع والقلبُ شدا
ما بالُ عاشقِكَ الذي قد لُمْتَهُ
ما بارحَ الأحلامَ فيكَ وإن حَدا
قد قلتَ فيه بما شَناهُ فعِبْتَهُ
ثم استرَقْتَ السَمْعَ مِن شَدْوي سُدى
غفرانُ ذنبِكَ أنني مُتورّطٌ
في عشقِ ذنبِكَ حينَ يتلوهُ الهُدى
وأُحبك الحبَّ الذي لو عِشْتَهُ
لوجدت أنكَ فيهِ عُدْتَ مُخَلدا
The post قصيدة: جن السكون – محمد الهاشمي appeared first on موج بلا شاطئ.
December 1, 2015
ريادة الإمارات عالمياً في جهود حفظ التراث
*مقال منشور في صحيفة الرياض السعودية في ملحقها الصادر بمناسبة اليوم الوطني للإمارات ٤٤
منذ أن قام اتحاد دولة الإمارات عام 1971 للميلاد، أخذ باني ومؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان (رحمه الله) على عاتقه مهمة إبراز الوجه الأصيل لشعوب المنطقة، وشجع كل ما من شأنه الإبقاء على الملامح التي عرف بها شعب الإمارات قبل ظهور ثروة النفط، وبذلك فقد أرسى زايد مبكرا شرطا مهما للنظر إلى المستقبل، وهو أن يتذكر المواطن ماضيه وبيئته وهويته الأصيلة، فقال مقولته الشهيرة: “من ليس له ماضٍ لا حاضر له ولا مستقبل”. وتلك وصية لا يزال يحملها الجيل الثاني من قادة دولة الإمارات، ويحرصون على العمل بها ودعمها.
وفي الوقت الذي تنطلق فيه الدولة إلى آفاق الحداثة والتطور التقني، وتفعيل مفاصل الدولة الحديثة في جوانبها الاقتصادية والسياسية والإدارية، فإنها لا تدخر جهدا في دعم الحفاظ على الأسس الأولى التي كان عليها الآباء والأجداد، بل إنها تحتل مراكز الصدارة بين دول العالم في الاهتمام بالموروث المحلي، كما أقامت شراكات كبرى مع منظمة اليونسكو ومنظمات عالمية كبرى مهتمة بهذا الشأن. ويقع بند “حفظ الموروث والعادات والهوية الوطنية” في قلب التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات الدولة التعليمية والثقافية والتنموية.
وبعد (44) عاما من الانطلاق نحو الحداثة، لا تزال الدولة تشجع وتدعم ماديا واجتماعيا ذوي الحرف الأصيلة، وفرق الفنون الشعبية، وترعى البحوث والدراسات التي من شأنها تدوين التراث المادي والمعنوى لمنطقة الخليج، بل إنها تقود جهود حفظ التراث العالمي وترعى أنشطتها ورزنامة أعمالها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تحتفل الإمارات سنويا باليوم العالمي للتراث وتنظم مهرجان تراث الإمارات، ومجموعة أخرى من المهرجانات التراثية الضخمة، من حيث التنظيم وعدد الزوار والمشاركين، كمهرجان الحصن ومهرجان الصيد والفروسية في أبوظبي، ومهرجانات مزاينة الإبل، وسباقات الهجن العربية الأصيلة، ومهرجانات جمال الخيول العربية الأصيلة محليا ودوليا، ومهرجان التمور في المنطقة الغربية بأبوظبي، فضلا عن مهرجانات الشعر ومسابقاته الكبرى في أبوظبي ودبي، والأجندة الثرية التي تلتزم بها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع سنويا لدعم حفظ التراث والهوية الوطنية. وتقدم الدولة دعما مباشرا لمراكز التراث في المدن والقرى، حيث توجد اليوم (31) جمعية للفنون والتراث في مختلف الإمارات، تتنوع أنشطتها بين البحر والحضر والبادية. وفي الشارقة افتتح أخيرا معهد الشارقة للتراث بتعاون مع مشروع “إيكروم” العالمي الذي اختار الشارقة مركزا إقليميا لنشاطاته في صون وترميم الممتلكات الثقافية حول العالم، عدا عن اختيار الشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية العام الماضي. وتترأس الإمارات عبر المركز الوطني للوثائق والبحوث جدول أعمال مشروع “ذاكرة العالم” المعني بإنقاذ التراث العالمي وحفظه من الاندثار.
وفي السياق نفسه، تلعب الإمارات الدور الأكبر عالميا في جهود حفظ التراث غير المادي، وتجدد بشكل مستمر دعمها لجهود حفظه، سواء على صعيد الحكومة الاتحادية أو الحكومات المحلية لكل إمارة، كما أسست مع الجزائر لاتفاقية بهذا الشأن عام 2003، وأطلقت مبادرة دولية لصون التراث عام 2009 شاركت فيها (114) دولة، ومنذ انطلاقها وهي تعقد المؤتمرات وترعى الأنشطة المختلفة المعنية بزيادة الوعي حول أهمية التراث الثقافي غير المادي والحفاظ عليه من الاندثار، محليا ودوليا.
November 30, 2015
لقاء في برنامج اتجاهات مع نادين البدير على روتانا خليجية
بمشاركة ناعمة الشرهان عضو المجلس الوطني الاتحادي المنتخب لعام ٢٠١٥
حلقة حول منجزات دولة الإمارات العربية المتحدة وطموحاتها وتحديات نهضتها، في حلقة خاصة بمناسبة العيد الوطني الرابع والأربعين لدولة الإمارات وتم بثها في ٢٩-نوفمبر-٢٠١٥
November 29, 2015
في الشهيد نعزّي أنفسنا أولاً
*إعادة نشر للمقال المنشور على موقع 24.ae
إن الناس الذين نحبهم عندما يموتون، يموت فينا من حب الحياة من بعدهم غصن. أما شهيد الوطن إذا مات، أحيا وأوقد في قلوب كل المواطنين نارا من الحب والغيرة على الوطن لا تنظفئ.
إننا عندما يموت لنا من نعرفه جيدا، نقول عنه بعد رحيله أجمل ما عرفناه عنه، أما الشهيد إذا مات، يصبح لا معرّفاً، إلا أنه من مات من أجل أن يعيش أبناؤنا حياة أفضل، فنصبح ومن يخلفنا مدينين له للأبد أفرادا وجماعات. وهكذا يزرع الشهيد فينا ديَناً لا يسدد إلا بمثله.
إننا عندما نحزن لوفاة عزيز، نجد العزاء في مواساة الآخرين لنا، أما الشهيد إذا مات، فإننا نعزي أنفسنا فيه أولاً.
يستنكر البعض أن يفرح أهل الشهيد ببطولته، ويعدّون ذلك تكلفاً منهم، وهم مخظئون تماما. لا أحد يحب الموت، لا لنفسه ولا من يحب، لكن من منا –باعتبار أنه سيذوق الموت لا محالة- لا يتمنى لو أن رحيله يكون ذا قيمة عظيمة، أو مجد خالد،
من منا لم يفكر أو يتساءل عما سيقال عنه بعد رحيله؟
أن نموت شهداء شيء لا يمكن إلا أن نتمناه، حتى لو أجمعنا أن الموت شيء لا نتمناه –ما دام الأمل يعتمر قلوبنا. إن الجندي الذي يحارب من أجل وطنه وأحبابه لا يذهب للموت، إنه يذهب للمجد، فإن أصيب أو مات تخلّدت أمجاده وصارت دَينا على كل من أنقذ موته حياتهم ورخاءهم. هذا الدين يحملنا مسؤولية ما هو أبعد من سداده، وهو أن نحافظ على كل ما ضحى الشهيد من أجله، بأرواحنا وعملنا وتفكيرنا.
يقدم الشهيد حين يموت تضحية عظيمة لا تقاس ولا تقدر بثمن، فهو حينما يضع حياته على المحك من أجل وطنه وأمن أبناء وطنه، فإنه يعير لباس الأمل الذي يجعل البشر متمسكين بالحياة لأحب من وما يملك، هويته وولاءه، ومن ثم خوفه على أحبابه. إن الشهيد يزرع فينا إدراك فضل ما نحن فيه، وإدراك من يجب أن ينسب إليه في ذلك. ليس النفط أو الاقتصاد الناجح ما يجعلنا سعداء، إنه الأمن والأمان الذي ننعم به، لأن أحدا في زاوية ما منيرة أو مظلمة، قريبا أو بعيدا، سهر وتعب من أجل ضمان أن نكون آمنين.
لا أتمنى أن أموت، لكن لأنني سأموت دون شك، فإنني أسأل الله حينما تحين اللحظة التي لا أنتظرها، أن يقسم لي من مجد الشهداء الذين فارقونا نصيبا، وأن يعينني على العرفان لتضحيتهم ما حييت.
November 4, 2015
قولوا لها إنني ما زلت أهواها – بصوت: محمد الهاشمي
قولوا لها إنني مازلت أهواها
مهما يطول النوى لا أنسى ذكراها
هى التى علمتنى كيف أعشقها
هى التى قد سقتنى شهد ريّاها
نور من الله سواها لنا بشراً
كساها حُسناً وجملها وحلاها
October 30, 2015
جزيرة الكنز – بصوت: محمد الهاشمي
للذكريات الجميلة
هذه أغنية مسلسل الكارتون الكلاسيكي الجميل المقتبس عن رواية “جزيرة الكنز” للكاتب روبرت لويس ستيفنسون.
الأغنية غناها لمقدمة المسلسل الفنان اللبناني الأمريكي سامي كلارك
October 25, 2015
رسالة “الدمية” – جوني ويلش – بصوت:محمد الهاشمي

مقتطفات من رسالة – أو قصيدة – لكاتب مكسيكي ومحرك دمى اسمه “جوني ولش” كتبها على لسان دمية لماركيز سنة 1999 وقت أن كان ماركيز يصارع السرطان
October 16, 2015
لقاء مع سليمان الهتلان في برنامج حديث الخليج على قناة الحرة
الكاتبان السعودي عبدالله حميد الدين والإماراتي محمد الهاشمي يناقشان في “حديث الخليج” أيديولوجيا تنظيم “داعش” وعلاقة التطرف بالجماعات الدينية وخطابات مكافحة الإرهاب.. كما يحللان الجذور الهامشية المؤدية للإرهاب في الثقافة الإسلامية، والمشاكل الموجودة في الخطاب الديني، وفكرة رفض الحدود كجزء من محاربة البعض للدولة. تم بث الحلقة في ١٧-أكتوبر-٢٠١٥
July 2, 2015
قصص مع مسلمين بلا إسلام

أحيانا نتوتر ونغضب وننفجر أو نقف عن الاعتراف بحقيقة ما، لا لشيء سوى خوفنا من الإذعان لوجود تلك الحقيقة. السبب في ذلك في نظري أننا حين ندرك حقيقة شيء ما، فإننا مضطرون لتغيير أشياء كثيرة في قناعاتنا وأسلوب حياتنا تبعا لذلك. وما أصعب أن يذعن المرء لفكرة التغير بعد أن جلس سنينا يدافع عن الكذبة التي كانت تخفي الحقيقة تلك وراءها. ولذا فإنه غالبا يلجأ لإقناع نفسه أنه لم ير شيئاً. والفرق فيمن يتغيرون، تماما كما تغير المناضل مالكوم إكس عندما قال: أنا مع الحقيقة، بغض النظر عمن قالها، ومهما كانت فائدتها أو مضرتها.
كنت أرتحل من وقت لآخر لأسابيع أسافر في بقاع أوروبا بحثا عما لم تكشف عنه كتب التاريخ من أسرار. وكما ذكرت سابقا عدة مرات، كان هذا هوسي، خليط من نظريات المؤامرة والإعجاب بكتاب قرأته بعنوان “دماء مقدسة، كأس مقدسة”، تؤيد ادعاءاته كتب أومبرتو إيكو وقراءاتي في تراث المسيحية، زاد من أثر ذلك كله النجاح منقطع النظير لرواية “شفرة دافنشي” لدان براون، لكن ذلك كله توقف عندما أمسكت أول خيط الحقيقة، وسأحتفظ بالأسباب والتفاصيل للوقت المناسب.
خلال رحلة من تلك الرحلات، كنت متجها من العاصمة الإيطالية روما إلى ميلان على متن طائرة “أليتاليا” لحضور حفل أوبرا في مسرح السكالا الشهير. جلس إلى جواري في الصف الأول لدرجة رجال الأعمال رجل تبدو عليه الفضيلة، يرتدي غطاء للرأس وجلبابا طويلا يذكر بالرداء الذي يرتديه شيوخ الأزهر، وفي يده مسبحة من مرمر كأنه اشتراها من أحد المحلات المحيطة بالحرم المكي أو المدني، لكن الشيء الوحيد الذي منعني من الاقتناع أن هذا الرجل شيخ إسلامي هو ذلك الصليب الذهبي الذي كان معلقا على صدره، ولأن الشمس كانت تشع علينا من نافذة الطائرة الصغيرة، تصورت أن الحمرة التي تلون رداءه كانت أغمق مما أرى فكان الشبه الأزهري أكثر إقناعا منه في الواقع خصوصا أن ملامح الرجل الخمسيني أو الستيني لاتينية وفيه سمرة خفيفة كتلك التي تخلفها الشمس فينا نحن العرب. كانت إحدى المضيفات تظهر إجلالا كبيرا للرجل وتسأله كل دقيقة إن كان يحتاج شيئا.
جلس الرجل وربط حزام الأمان، وجلس يتمتم بصوت خافت. قلت له بالانجليزية: أتمنى لك رحلة سعيدة، فنظر نحوي بإيماءة وابتسامة لطيفة،وتابع النظر نحو النافذة انتظارا لإقلاع الطائرة. شككت أنه لا يجيد الإنجليزية وعندها آثرت ألا أكمل محاولتي الفضولية لخلق حوار معه.
منذ لحظة جلوس الرجل إلى جواري استشعرت أنه شخص مهم من رجال الفاتيكان، لم يكن من الصعب إدراك أن الرداء الأحمر الذي كان يرتديه والقبعة الحمراء التي كان يضعها على حجره طوال الرحلة كانت رداء “كاردينال” وهي إحدى أعلى درجات السلم الرهباني في المسيحية، وهي درجة أميرية ذات امتيازات دينية وروحانية كبيرة، حيث أن الكاردينالات مؤهلون للترشح للبابوية التي تمثل القداسة الأكبر للمسيحيين في العالم. كنت أظن أن هناك حشدا في الطائرة وراء هذا الكاردينال المهم لكن الطائرة كانت شبه خالية، واستغربت أنه لم يطلب مثلا أن يكون المقعد المجاور له محجوزا لأحد مساعديه ولا أن يكون خاليا. المهم، لم تمض أربعون دقيقة إلا وكنا ننخفض تدريجيا إيذانا بالهبوط. وخلال دقائق أضاءت إشارة ربط أحزمة المقاعد مع تنبيه بوجود اضطرابات خفيفة قادمة.
سرعان ما تبين أن الاضطرابات كانت قوية إلى حد مخيف، وخلال لحظات كنت ممسكا بمسند المقعد بقوة ويداي متعرقتان وجبهتي تقطر عرقا. كانت الطائرة تقفز حرفيا، وكان راكبو الطائرة في حالة ذعر. أما الكاردينال فكان كما كان، يتمتم بهدوء وإن كانت تبدو على وجهه سمة القلق. جلست أدعو الله وأتلو الشهادتين فور ملاحظتي ملامح الخوف على وجوه مضيفي الطائرة وجلوسهم على المقاعد المخصصة لهم. لحظتها أحسست بيد باردة تمسك بيدي الشمال. فنظرت إلى الكاردينال وهو يشير إلي بعينيه إلى السماء ويهدئ من روعي. كان يقول كلاما لا أفهمه ولم أسمعه من قبل، ويبدو أنه كان باللغة اللاتينية. تصورت أنه كان يقول لي: صلِ لربك، فبكيت، فأمسك بي بقوة واحتضنني بذراعه. لم أشعر بالخوف فقد كان كل منا يدعو إلها واحدا ويتوجه بدعاءه للسماء بغطاء دافئ من الأمل. لا أذكر بعدها إلا أننا كنا سالمين على الأرض. مسح الكاردينال على رأسي متمتما مبتسما ومضى أمامي نحو سلم النزول. ولم أر وجهه بعدها إلا على شاشات التلفاز عندما تصدرت صوره الصحف والتلفزيونات يوم أن أعلن عنه بابا للفاتيكان، أو أنه شبه لي، رغم أن ذاكرة الأوجه عندي نادرا ما تخذلني بعكس ذاكرة الأسماء، ويومها لم أكن أعرف اسم الرجل الذي جلس بجواري.
لحظة الخوف تلك تكررت منذ ثلاث سنوات في تجربة أخرى في اليونان عندما أوشكت عبارة كانت تقلني إلى جزيرة سانتوريني أن تغرق بي ومن معي من ركاب. في لحظة الرعب عندما كدنا أن نموت، كان إلى جواري عازف غيتار قرر أن يودع الحياة وهو يعزف ليهدئ روعنا، وعجوزين جلسا يقبلان ويحتضنان بعضهما في وداع مؤثر، وشابة مسيحية جلست تصلي باكية وهي تسألني أن أصلي أن ينقذنا الله. أما العجوز التي كانت تناقشني حول إلحادها بالدين في الدقائق الأولى للرحلة ثم ما لبثت تسألني والفتاة أن ندعو الله أن يتقبلها في ملكوته، فإنها وعندما مرت العاصفة القاتلة علينا ونحن أحياء وحطت بنا العبارة في قرية بعيدة جرفتنا نحوها الأمواج، عادت للهجتها المتهكمة الساخرة فور أن عرفت أن الشركة مالكة العبارة ليست مستعدة لدفع قيمة نزولنا في فندق القرية، متسائلة: ألم يكن يجدر بإلهكم أن يهلك مالكي هذه الشركة بدلا منا نحن الفقراء؟! ذكّرتها ضاحكا بمنظرها عندما كان الموت أقرب لها من حبل الوريد، ومضيت بحقيبتي، وأنا أحمل الفكرة نفسها التي حملها باقي الركاب ليلتها، وهي أن الله أعطانا فرصة جديدة للحياة وجب أن نمتن لها.
في مثل تلك اللحظات، استشعرت في نفسي ومن حولي الإسلام الذي طالما بحثت عنه. إنه الإسلام الذي يشملني ويشمل كثيرين غيري دون أن يكون له قالب ملزم ودون استئذان نمطي. ما أجمله من دين ذلك الذي يرى حقيقة الأمر دون لائحة شروط تؤدي إليه. قال جل وعلا: “ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها”. أيضا، فإن الجنة التي “وسعها السماوات والأرض” لن تضيق حتى لو أدخل الله يرحمته فيها كل من اعتقدتم أنه لا يستحق الرحمة.
*مقال منشور على موقع 24 بتاريخ 26 – يونيو 2015 بعنوان: من تجاربي: معنى الإسلام “طوعا وكرها”
June 9, 2015
خاتم من فضة – قصة قصيرة جدا

كانت امرأة الحانوتي قد امتهنت تأبين زبائن زوجها بأجمل العبارات وأرق المشاعر التي من شأنها أن تخفف وطأة الفقد التي ألمت بأقرباء الميت وأحبائه.
مع ازدهار بضاعة الموت في القرية بفعل الحروب والفقر،
كثر زبائن الزوجين وازدهرت تجارة الدفن، ومعها زاد بقشيش خطب التأبين التي كانت تكتبها.
اشتهرت المرأة كثيرا بين أهل القرية والقرى المجاورة وصارت لكلماتها الشاعرية وجملها الرنانة عن الأموات ومناقبهم شهرة الشعر والأغاني-مع أن معظمها كان مبالغا فيه بحسن نية-. أما زوجها فكان دوره المتلخص في غسل الميت وإلباسه وحمله ودفنه يمر مرور الكرام بقدر ضرورته، وتلاشى صيت ذلك الدور أمام لهفة الناس لما بعد الدفن، حين يأتي دور امرأة الحانوتي.
في يوم من الأيام مل الحانوتي حتى ضاقت به نفسه،
فقرر أن يأخذ إجازة قصيرة، ويذهب في رحلة صيد بقارب صغير.
أدركت زوجته حينها أن العمل كله سيتوقف بسبب ذلك،
وغضبت عليه غضبا شديدا حتى أنها لم تكلمه صباح رحيله،
عصر ذلك اليوم، ذهبت لسوق القرية لاستئجار أحد الشبان الأقوياء ليحل محل الحانوتي في إجراءات الدفن.
مرت الأيام والعمل مزدهر كما هو وكأن شيئا لم يتغير.
واصلت امرأة الحانوتي عملها وظلت جذوة الشهرة على تألقها بقدر أتراح الناس -وما أكثرها- ولم تكن موهبتها في العزف على وتر الأحزان لتنطفئ، فهي بارعة في تلمس حزنها واستنباطه لو لزم الأمر. وهكذا، استمر العمل كما كان بل أفضل قليلا.
يوما ما، جاء أهل القرية إليها بجثة غريق تعفنت في النهر حتى جرفها التيار نحو المجاري وبقيت هناك حتى اختفت معالم صاحبها ولم تبق الفئران من ملابسه الشيء الكثير،
وطلبوا منها ومن شريكها أن يكرماه بالدفن،
فرفضت لأن أحدا منهم لم يدفع التكاليف.
لكنها اضطرت لتسلم الجثة عموما، وأوعزت إلى شريكها أن يحرقه ليلا.
عاد إليها الشريك وفي يده خاتم من فضة، وقال: هذا كل ما وجدته في جسد ذلك البائس. لعلنا نجني ببيعه بعض المال.
فور استلامها الخاتم، أدركت امرأة الحانوتي أنها أمسكت بخاتم زواجها،
لكن ودون حديث، أخذت الخاتم ووضعته في جيبها، ثم قالت: غدا يوم جديد، اذهب وخذ قسطا من النوم.
ومع تقاطر دموعها في صمت، أمسكت بقلمها وعزفت شعورها الذي لم تكن متأكدة من معناه خطبة تأبين جديدة لجارها الذي مات وهو يحاول التقاط علبة ثقاب سقطت من بين يديه بينما كان يحاول إشعال سيجارة.