قررتُ أن أتخلى عن كل اعتباراتي السابقة وانخرطت في عملي وضِعتُ في المدينة الكبيرة (مونتريال) على أمل أن أنسى أو أن أجد حياة جديدة كما كنت ولازلتُ أحلم.
أحيانًا علينا أن نتمسك بالحلم مهما كان ضعيفًا، ونُصرُّ على أن نعيشه رغم كل شيء. ثمة نواميس لا ندركها. فقد يتغير الحال كله في لحظة واحدة، وهذا ما حدث.
توقفت سيارة "أودي" موديل A6 حديثة أمام باب المطعم وأنزلت زجاجها سيدةٌ في أوائل العشرينات ترتدي بلوزة بيضاء شفافة جدًا تظهر صدريتها ثم أشارت بيدها نحوي.
كنت في هذه اللحظة أحمل دفتر الطلبات متوجهًا إلى المطبخ لأعطيها للشيف قبل أن أسمع صوت احتكاك العجلات بأسفلت الشارع وبحركة غريزية التفتت نحو الباب أنظرنحو الخارج فإذا بها تلوّح بيدها لي.
لم أتردد وأسرعت باتجاهها:
ـ "هل ثمة مشكلة تواجهك"
قلتُ بعد أن رأيت على وجهها ملامح التوتر. رمقتني بنظرة رجاء خرج بعدها صوتُها مبحوحًا وهي تقول بأدب جم: "آسفة، ولكني لا أستطيع أن أجد مكانًا في المزراب كي أضع سيارتي. هل يمكنك المساعدة؟".
فغرتُ فاهي: "المزراب .. ماذا تقصدين؟"
اندهشت جدًا وهي ترفع صوتها: "أي مزراب؟ أنا لم أقل مزراب .. قلتُ لم أجد مكانًا في المرآب. ألم تسمع؟
ابتسمت وأنا أجيبها: "آه آه .. آسف. ظننتك قلتِ المزراب. بكل سرور". ترجلَتْ من السيارة وأعطتني المفتاح فأدرتُها للخلف وأركنها أسفل نافذة المطعم. أعطيتها المفتاح غير أنها بادرتني بتحدٍ :"ما الذي فعلته؟. وهل كنتُ عاجزة على أن أفعل ذلك بنفسي؟. السيارة لا تزال بالشارع. لقد طلبتُ أن تجد لي مكانًا بالمرآب وليس بالشارع."
قلت بلا مبالاة: "المرآب .. أي مرآب؟. لا يوجد هنا مرآب."
تأففَتْ وهي تخفض رأسها وترفعها في عصبية ثم قالت: "هل أنت حديثُ عهدٍ هنا؟. المرآب هناك بعد محطة الوقود." ثم أشارت بيدها إلى اليافطة الموضوعة بعد بنايتين من المطعم. لم أدرِ ما أقوله للحظة. اعتذرتُ منها وودتُ لو أني أخبرها بأنها مُحقّة، وأنّي حديثُ عهدٍ هنا وأنَّها جميلةٌ لحدٍ لا معقول ولدرجة أربكتني وجعلتني لا أعرف ماذا أقول. تنحنت ثم قلتُ بعد دقيقة من الصمت: "لم أكن أعرف أن ثمة مرآب بالقرب." لم تصر على موقفها وكانت لطيفة. كانت لطيفة حقًا. ابتسمت وهي ترمقني بنظرة صفح لا بأس بها: "لا عليك بكل ذلك .. آسفة لأني أضعت وقتك". ثم همّت بالدخول إلى المطعم في حين بقيتُ أنا مُتسمّرًا في مكاني للحظات قبل أن تلتفت للخلف وتجدني كما أنا فضحكت، لكني بقيت في غفلتي اللذيذة.
يا إلهي كانت ساحرة جدًا. لا أعرف لماذا انجذبت لها هكذا. بالتأكيد كانت ساحرة جدا ولكن ليس لهذا السبب. أخذتُ أفكر في السبب وأنا بالخارج قبل أن يأتي "صفوان" ويلكزني في كتفي لأفيق:
"لقد بُحَّ صوتي وأنا أصيح بك .. أين أنت. انطلق بالطلبات الآن. لقد تذمر المدير."
#مرال
#جمال_سليمان
Published on
January 14, 2017 02:49
•
Tags:
مرال