بصمتٍ واستغراب راقب زحفها البطيء وهي تكافح ضد الماء الذي اكتسحها وكاد يجرفها. كانت ضئيلة، لا تكاد تُرى لشدة بؤسها، وخُيِّل إليه أنه يسمع أنفاسها المتلاحقات وهي تسعى.
بدت له كالتائه في صحراء لا يعلم عِظَمَ اتساعها، ولم ير هدفًا معينًا قد تسعى إليه، فأدرك أن مشيها سيستنزفها حتى ترتمي ميتة، وتلفظ أنفاسها دون أن يفارقها الأمل في نجاةٍ وهمية، أو أنها ستدرك حماقتها بعد فوات الأوان، ويمزقها الذعر والوحدة في لحظاتها الأخيرة.
انصهر قلبه إشفاقًا وهو يسحقها بحذائه، ولمَّا رأى جسدها وسط الماء ساكنًا عرف أنه أراحها من عناء لا غاية له، ورحمها بموتٍ عاجل.
أمّا هي فقد تجمدت إذ هبط عليها الحذاء، وحاصرتها بروزاته المدببة وتفادت هرسها بأعجوبة، ولبثت في مكانها ساكنة بضع دقائق حتى زال الخطر، فواصلت كفاحها ضد الماء، حتى بلغت الخط الفاصل بين البلاطتين المميزتين، وانسلت من شقٍ دقيقٍ لتغادر العالم الخارجي.
لبثت برهةً تستعيد أنفاسها، ثم تهادت نافضة الماء عنها، وسرعان ما بلغت حفرةً باتساع رأس الدبوس، فاطمأنت لوجود حبّة الأرز المقضوم نصفها، وسكنت وسط الظلام مرتاحة، وتنفست إذ عادت إلى جنتها أخيرًا.
،
#طباخة_الحواديت