كورونا.. ما بعد الحظر





بدأنا العام الجديد سعداء بالنغمة التي نسمعها حين ننطق اسمه المميز ٢٠٢٠،
وجهزنا له قائمة بالأمنيات التي نأمل أن تتحقق لنا في هذه السنة الاستثنائية. ثم ما
لبثنا أن عدنا إلى حياتنا ذات الإيقاع المنتظم، وبدأ الملل يدب من جديد. وما دار في
بال أحدنا وقتها، بأننا سنشتاق إلى أيامنا الرتيبة بشكل يوازي الشوق إلى رحلة
صيفية أو إجازة ربيعية. وذلك حين زارنا بدون دعوة فيروس كورونا الجديد، فتوقفت
الدنيا وأغلقت بلدان بأسرها لتحارب تمدده. عندها افتقدنا حياتنا الروتينية التي لم
تكن تعجب أحداً، فقد رحل يوم الأحد الذي لم يحبه أحد، وترك لنا خميساً ممتداً بلا
نهاية، توقفت الدراسة وفوجئ الطلبة بإجازة لا يُعرف لها أمد، وكأن حلمهم الدائم
بالإجازة تحول لكابوس. ثم تقبلنا واقعنا الجديد، وبتنا نحاول أن نعيش أيامنا بأفضل
طريقة ممكنة حتى تُزال الغمة، ويُرفع الحظر، ويعود لأيامنا شكلها الأول.





كان علينا أن نتعود على الجلوس في المنزل، والتنازل عن رؤية الزملاء
والأصدقاء، ثم حتى التخلي عن زيارة الأهل والأحباء. نسينا نشاطات آخر الأسبوع،
وأجلنا التسوق في المولات وتناول الوجبات في المطاعم والمنتزهات. كان علينا أن
نوكل أمر شراء كل مستلزماتنا لغيرنا عبر طلبها أونلاين، وأن نعمل عند بعد من
بيوتنا، فاختلط وقت الدوام بوقت الراحة، وأجبرنا على أن ندرس أو ندّرس أولادنا عن
بعد، فبات البيت مدرسة وجامعة وربما رياض أطفال.





تنقب الرجال قبل النساء، وارتدينا القفازات حتى نسينا ملمس الأشياء. ووجدنا
أنفسنا ننظر بريبة إلى كل ما يصلنا من خارج بيتنا، إذ يجب أن يمر بعملية تعقيم
شديدة وكأننا في مستشفى. وتنازل الكثيرون عن طلب أي وجبة جاهزة من الخارج، وعادت
المطابخ المنزلية تعمل بأقصى طاقتها لتنتج أصنافاً ما كانت تحلم بأنها ستخرج منها.





ابتدعت الأمة نمطاً جديداً من الحياة، وكأن البشرية كلها انتقلت في لحظة
واحدة إلى عالم جديد، أو حطت الرحال على كوكب آخر من كواكب مجموعتنا الشمسية. أقل
من ثلاثة أشهر ونحن على هذه الحالة، ومع ذلك نشعر ونحن قابعون في بيوتنا، بأننا قد
لبثنا دهوراً، حتى أننا توقفنا عن السؤال متى توقيت انتهاء وقررنا أن ننتظر الجواب
حين يأتي الفرج.





ورفع الحظر لا محالة آتٍ، لكن السؤال: ماذا بعد الحظر؟ كيف هل نرغب فعلاً
أن نعود لحياتنا بشكلها القديم؟





هل تعودنا على السلام “من بعيد” بحيث تغدو المصافحة، ناهيك عن
التقبيل أو الاحتضان، أمراً غير مريحاً يتجنبه معظم الناس؟





هل تعودت معدتنا على طعام الأمهات بحيث أنها قد تتعرض لعسر هضم حين تجد
فيهاً وجبة سريعة؟ هل سنتحمس لفكرة العشاء في الخارج ونعود بلهفة أم سنتردد ونحاول
التأكد من نظافة المكان والعاملين فيه بشكل أكبر بكثير مما اعتدنا عليه قبل
الأزمة؟





هل سنحرص على أن يكون هناك دائماً في بيوتنا وسيارتنا وحقائبنا: قفاز
وكمامه ومعقم يدين للاحتياط؟ فهناك دائماً أشباح كورونا وأخواتها يطوفون في الأفق.





هل سنعود إلى مكاتبنا ومدارسنا وقد اشتقنا إلى” اللمة الحلوة” أم
أننا تعودنا على جلسة البيت، فصارت هي الوضع الطبيعي، وسنجد أنفسنا متثاقلين
للخروج وتحريك أجسادنا التي نسيت جلودها إحساس مداعبة الشمس؟ هل سيبحث البعض عن
وظائف جديدة للعمل عن بعد؟ هل سيخرج البعض أولاده من المدرسة ويعتمد التعليم
المنزلي بعد أن أعجبته التجربة؟





كورونا جاءت معها دروس، ولعل أفضل ما يمكن أن نخرج به هو التخلص من العادات السلبية القديمة، والاحتفاظ بالإيجابية منها، وأن نعيش اللحظة ونقدر النعم ونرعاها، فلا نسرف ولا نهدر. فما قبل كورونا ليس كما بعدها، ولعل درسها الأهم هو أن حياتنا الحاضرة هشة أكثر بكثير مما كنا نتخيل، وأنه لا شيء دائم فعلينا أن نعتاد التكيف في عالم سمته أنه مجهول ومتغير.









The post كورونا.. ما بعد الحظر first appeared on د. مرام عبدالرحمن مكّاوي.

 •  0 comments  •  flag
Share on Twitter
Published on October 21, 2020 01:45
No comments have been added yet.


مرام عبد الرحمن مكاوي's Blog

مرام عبد الرحمن مكاوي
مرام عبد الرحمن مكاوي isn't a Goodreads Author (yet), but they do have a blog, so here are some recent posts imported from their feed.
Follow مرام عبد الرحمن مكاوي's blog with rss.