عابر السبيل ووجه الأرض
عابر السبيل ووجه الأرض
عبدالله المطيري
تتعاطف الثقافات مع عابر السبيل وتحنّ عليه. فكما تكون الأرض بسيطة له، تبسط له الثقافات أيديها. عابر السبيل غريب على وجه الأرض رغم أنه أكثر الناس اتصالا بوجهها. عابر السبيل في حالة من الوجود المفتوح، وجود بلا بيت. البيوت أغطية عن انفتاح الوجود وقلق المغامرة. البيت استراحة من السفر على وجه الأرض لذا من يسافرون في بيوتهم لا بيوت لهم. البيت بقاء واستقرار ومد للجذور. في السفر، وعابر السبيل يعرف ذلك جيدا، تضيق المسافة بين السلام والوداع وبين اللقاء والفراق. حينها يصبح الوجود بلا تاريخ إلا تاريخ الأرض.
السبيل واحد وله عابرون كثر. لن تكون إلا عابرا للسبيل. عابرٌ للسبيل بلا هوية إضافية. لا حاجة لوصف آخر غير وصف العبور. عابر السبيل كالوليد الجديد الذي لا أرض له إلا كلّ الأرض. عابر السبيل في حالة بين الضحك والبكاء، بين السكون والارتجاف. أن تغلق بابك أمام عابر سبيل يعني أن تغلق بابك أمام طفل صغير. عابر السبيل بلا جذور وبالتالي بلا عنف. العنف رفض للحركة واحتكار للمكان. عابر السبيل يصافح المكان وفي كفه عبارات الوداع. أن تفتح بابك لعابر السبيل يعني أن تتوقف الأبواب عن الوجود ويصبح وجودك سبيلا للعبور.
تتشابه وجوه عابري السبيل كما تتشابه وجوه الأطفال حديثي الولادة. وجوه بلا تاريخ. أدرك كانت أن الضيافة استجابة لحق الحركة على وجه البسيطة. أي أن الضيافة استجابة لعابري السبيل تحديدا. لأولئك الذين نرى فيهم بساطة الأرض وأن الحركة حقيقة وأن الولادة والموت ليست سوى خطوات. لذا فالضيافة ليست سوى عودة أخرى لرعاية الأطفال الصغار. عودة للأمومة وحين يكون الرجل أما فهو يولد من جديد، كأم هذه المرة. الضيافة حدث جديد على الذكور حين يحرمهم عالم الوحدة من أمومتهم. وكما أنه لا شيء يبهج الأم مثل سعادة طفلها فإنه لا شيء يبهج المضيف مثل سعادة ضيفه. الطفل الذي لا يستجيب للرعاية يربك الأم ويحيلها إلى سؤال. يجعلها في حالة من الفراغ والعدم، حالة من الفشل والتلاشي. الضيف الذي لا يتيح ذاته للرعاية يوقف التناغم الذي تحدثه الضيافة في العالم. الضيافة في الأخير ليست سوى إعداد مهدٍ لعابر السبيل. مهدٌ في سبيله. لذا فالضيافة عون على السفر والرحيل ولذا يُثقل عليها البقاء. حين لا ينام الوليد في المهد الذي صنعناه، وحين لا يبتهج الضيف في المكان الذي أعددناه، حينها يرتد علينا الباب الذي حاولنا فتحه.
قد نشكوا من الأطفال الصغار ولكننا لا نعاتبهم. وقد نشكوا من الضيوف ولكننا لا نعاتبهم. من يعاتب عابري السبيل؟ حين لا ينعم الطفل برعاية أمه ترتد عليها الشكوك في أعمق أعماقها: هل أنا أم؟ لأنه لا معنى للأمومة بدون أن يسكن الوليد في حضنك، أن يدفأ ويلعب وينام. وحين يفشل المضيف في رعاية ضيفه ترتد عليه الشكوك في أعمق أعماقه: هل أنا مضياف؟ لأنه لا معنى للضيافة بدون أن ينعم الضيف في بيتك. الضيف الذي يأكل ويشرب ويتحدث نعمة من نعم الوجود. والضيف الصامت الصائم يدفعنا للدعاء ويجعل البيت معبدا. وحين تعجز الأم عن الرعاية تصلّي.
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers

