الآخرية في أسمائنا
الآخرية في أسمائنا
عبدالله المطيري
بالعادة تولد أسماؤنا قبلنا. أو على الأقل تحضر لهذا العالم قبل حضورنا. قبل الولادة يتداول أهلنا قائمة بالأسماء المحتملة وأحيانا يتم هذا الأمر بنشر تصويت مفتوح على منصات التواصل الاجتماعي. أحيانا أخرى تتم تسميتنا قبل أن تحمل بنا أمهاتنا ، فهناك عادات تُلصق اسم الابن بالشخص حتى قبل أن يتزوج. على كل حال فإن أسماؤنا هي تسمية الآخر لنا. أسماؤنا الخاصة ليست سوى فعل الآخر تجاهنا. نحن نكتشف أنفسنا في حال المنادى، المدعو. هناك دائما دعوة سابقة ونداء سابق على كل استجاباتنا. الآخر هناك، قبلنا. اسماؤنا ضيوف سابقون وهدايا قدمت لنا ربما قبل أن نوجد.
الآخرية، بهذا، تسكن في أسمائنا وهذا ما يجعل بيننا وبين أسماؤنا اتصال وانفصال. اتصال باعتبار أن الاسم الشخصي يصبح تمظهرا من تمظهرات الهوية الشخصية وعلامة على حضور الذات في العالم. لكن هناك كذلك انفصال بين الذات واسمها باعتبار الآخرية الساكنة في لبّ الاسم كما تقدّم. في هذه الوجود بين الاتصال والانفصال تتم لعبة الوجود في العالم وهي لعبة تتأرجح بين الحضور والغياب والفعل والاستقبال والمباشرة والاستجابة.
المساحة بيننا وبين أسامينا، مساحة الآخرية، تؤسس لحالة من التحرر من أسامينا. في الأخير فإن اسمي هو ما اختاره ذلك الآخر لي ولست بالضرورة مجبرا على التعلق به أكثر من ذلك حتى ولو بقي اسمي. حين لا يعجبني اسمي مثلا فإنني يمكن أن أعلّق المسؤولية على من سمّاني وأمضي. وحين يكون اسمي محمّلا بمعنى أو دلالة ما لا أوافق عليها فإن ذات الاسم يحمل عدم مسؤوليتي عما فيه من معنى. باختصار الاسم في ذاته وبذاته يعني أنني غير مسؤول عن اسمي. ومن هنا نفهم الإحالة الشهير للعين باعتبارها الاسم الحقيقي كما في قصيدة أسامينا لجوزيف حرب والتي غنتها فيروز. ليس بين الانسان وبين عينه انفصال ولكن الانفصال كامن في لب علاقة الذات باسمها. لذا لا حرية من العين ولكن الحرية متحققة من الاسم.
ولكن مالذي يحدث حين يسمّي الإنسان نفسه؟ هذه العملية أصبحت ممكنة الآن ضمن إجراءات رسمية غير اجتماعية. أعني أن بإمكان الفرد اليوم الذهاب للجهات المختصة وطلب تغيير اسمه. الجهات المعنية لديها اشتراطات معينة ولكنها ليست معنية بالعلاقة الاجتماعية الناتجة عن التسمية. الآن تصبح المعادلة أن يسمي الإنسان نفسه ثم يطلب من الآخرين الالتزام بهذه التسمية. الآن، الذات تسبق اسمها. هنا تزيح الذات الآخرَ لتتولى مهمة التسمية. هنا توجد الذات قبل اسمها. يحل الاسم الجديد ضيفا على تاريخ من الذاتية. لهذا الاسم الجديد غرابة فهو يحلّ على ذات أقدم منه. هنا اسم بلا آخر، اسم بلا مرآة. اسم بلا منادٍ أول. اسم بلا استجابة، بل هو نداء يعكس العلاقة. هنا نحن أمام مشهد "هذا اسمي" بدلا من المشهد المعتاد "هذا اسمك".
مع الحالة الجديدة تختفي حالة الانفصال السابقة بين الذات واسمها. ذلك أنه مع تسمية الانسان لنفسه لم يعد هناك آخر يفصل بينه وبين اسمه. هنا يصبح الاسم هوية بعد أن كان علامة أو إشارة. هنا يصبح الاسم فعلا من الذات تجاه ذاتها ولم يعد تلبية لنداء سابق. اسأل هنا ماذا لو تغيّر موقف الذات من الاسم الذي اختارته؟ مالذي سيحميه منها الآن حيث لا آخر بينهما؟ هنا يبدو أن الذات ستدخل في مواجهة مع ذاتها حول الاسم، مواجهة قاسية ربما. هل سيغيّر الانسان اسمه من جديد وبهذا يفقد الاسم قيمته في الإشارة والدلالة؟ أم أنه سيدخل حالة من الاغتراب بينه وبين اسمه؟ أم أنه سيتقبله ليس باعتباره اسمه الذي اختاره بل باعتباره الاسم الذي اصبح متداولا اجتماعيا؟ أي باعتباره اسم الآخر من جديد؟
عبد الله المطيري's Blog
- عبد الله المطيري's profile
- 15 followers

