وداعاً صديق الياسمين
وداعاً صديق الدرب الطويل، ويا له من طريق يا عبدالله قارب النصف قرن، نصف قرن وأنت تحمل أعباءه بين جناحين وتحلق بها بعيداً في آفاق دربك الأدبي، بدأت بأنين البحارة والفقراء والمساكين – الهيرات-، الذين لم يكفك أن تدافع عنهم وتعرض على العالم معاناتهم، منتهياً بكدح العمال في وقت الطفرة الاقتصادية. وطول نصف قرن كان أفقك يتنوع ويتعدد بين النضال الوطني السياسي، والكدح والحفر في القصة والرواية، وبهذا التنوع الثري أمضيت كل حياتك رفيقاً للجميع، متألماً معهم، ومفكراً في قضاياهم، لذا أحبوك في مجالات متنوعة، ومن شرائح متعددة. كنا نتمنى أن يستمر عطاؤك بضع سنين أخرى فمعارك التنوير ما زالت في حاجة إليك. كنت قلماً ذا مبادئ لا تهادن الظلام، سنتذكرك دائماً رفيقاً مخلصاً للأفكار المستنيرة، عقلانياً وثاقباً في النظر إلى التاريخ مصاحباً للمشاريع الحضارية الأكثر فائدة للناس، بهذا استبشرت الأمل بعد عقود من الصبر والكفاح. ولم تكتف برواياتك الكثيرة المتعددة التي وضعت البحرين في مصاف الرواية العربية.عملت بصدق وتفانٍ لتكون الرواية البحرينية في موقع منظور وبارز.كوكب تنويري مشتعل أنت..
ذكرتنا بفولتير، وطه حسين والعقاد. مفكرُ أنت يشغل بالك عثرات الفكر العربي، كاتب أنت في مقال يومي طابعه الفكر والتحليل، متعدد الخبرات ثقافياً، مسافراً إلى أعماق الروح ولجتها، مسترسلاً في معاناة الناس الذين في القاع، أنت الذي نشأت في بؤرة جغرافية ساخنة بين حي العدامة والقضيبية مع طبقات المضطهدين في الأرض.
صديقي عبدالله سنتذكرك دائماً ونستعيد صوتك الدافئ الهادئ. ولقد عرفتك مناضلا تسهم في الانتفاضة الوطنية التي أشعلتها مع أصحابك أصدقاء الطريق والمحنة والفاجعة. عرفتك صديقاً للكادحين. كنت مفتوناً بسحر الكتابة يشغلك الوطن في محنه وانتفاضاته الكثيرة. لقد اخترت العقلانية منهجاً، ورأيت أن أشكال النضال تتنوع في مختلف المراحل، ولكن الهدف البعيد لا يتغير: مجتمع العدالة والحرية. صقلتك التجارب السياسية المريرة فعرفت أن جوهر النضال في فاعليته ومردوده على الناس، بذلك تركت الشعارات وتوجهت إلى الواقع. أذكرك يا صديق الدرب الوعر والكلمة الصادقة.
عزيزي عبدالله لم تكن عابراً في الطريق، وستبقى مشعلاً يضيء الطرقات المظلمة. ان المعارك التنويرية لم تنته، وأصدقاؤك لن يكلوا عن التنوير. يا صديق الناس، سيرتك عطرة وأنا أرويها والحزن يكبل نفسي على مصابك. فوجئت يا صديقي وفُجعت برحيلك وعطائك في قمة حيويته وبهائه، لذا كان ذهابك سريعاً ومفاجئاً وأنت في قمة عطائك: الكثير من الروايات ومن الدراسات الأدبية النقدية، الكثير من الكتب الفكرية والسياسية. لقد جئت إلى الحياة لتعيش وتكتب وتتعذب، وتسخر من ضعفاء الإيمان. اتصفت يا صديقي بتنوع الإنتاج الروائي من مرحلة «الهيرات» التي تشير إلى تضحيات الغواصين أيام صيد اللؤلؤ، إلى توهجات عمال بابكو، ثم عدت الى التاريخ فغصت فيه باحثاً عن ضوء العدالة، وبريق الحرية. الأسماء التي اخترتها كانت شبيهة بروحك، ومتفائلة مع أملك أن يُنصف الفقراء.
وداعاً صديق القلب.
وداعاً صديق الأفكار النبيلة.
وداعاً صديق الإبداع والخلق.
وداعاً صديق المضطهدين.
وداعاً عاشق الحرية.
وداعاً .. وداعاً.بقلم: محمد عبدالملكاخبار الخليج
8 نوفمبر 2014
Published on August 30, 2025 00:06
No comments have been added yet.


