المختار السالم.. الشاعر والذاكرة الثقافية
المختارالسالم.. الشاعر والذاكرة الثقافية
ليسمن السهل أن تكتب عن رجل يعيش الحرف ويتنفسه. وحين يكون هذا الرجل صديقا لك، فإنالكتابة عنه تصبح واجبا وامتنانا.
المختار السالم أحمد سالم ليس مجرد شاعر موريتاني بارز، بل هو ذاكرة ثقافية تمشيبيننا، تفتح دروبا وتضيء أخرى، وتترك أثرا لا يزول في مسيرة الكتابة العربيةالحديثة.
منذبداياته الأولى، حين أطلت مجموعته الشعرية سراديب في ظلال النسيان، كان واضحا أنهلا يكتب ليملأ فراغا، بل ليشق لنفسه ولنا دربا خاصا، يزاوج فيه بين لغة متينةونَفَسٍ إنساني عميق. ومن ثم مضى، كما يليق بالشاعر الذي يعرف أن الشعر لا يقيم فيبيتٍ واحد، ليقدم القيعان الدامية، وليفتح باب الرواية الموريتانية الحديثةبروايته اللافتة موسم الذاكرة، ثم وجع السراب التي وضعت بصمتها في وجدان القارئ.ولم يكتفِ بهذا المسار المزدوج، بل راح يُجدّد صلته بالشعر عبر دواوين مثلالتغريبة وزمن الأنفاس المهجورة، ويتمرّد في قرن القافية، ويعانق الرمز والأسطورةفي ملحمته السالمية، ويحدثنا بدفء اعتراف إنساني في ظلال الحروف حيث نتفيأ الشعوروالشعر معا.
إنالحديث عن المختار السالم لا يقتصر على نتاجه الأدبي، على غزارته وتنوعه فحسب.فالرجل صديق نادر، يمد يده بسخاء للكتّاب الشباب، يفتح لهم أبواب النشر والظهور،ويشجّعهم بحفاوة صادقة. هو من ذلك النوع من المثقفين الذين لا تغرّهم الأضواء، بليرون في نجاح الآخرين جزءا من نجاحهم الشخصي، عرفته دائم المبادرة، يسعى لترسيخصوت موريتانيا الثقافي في المنابر العربية، ويدافع عن حرية الكلمة وعن ضرورة أنيكون للأدب مكان في قلب الحياة العامة.
إنهشاعر، نعم، لكنه أيضا كاتب مقالة لامع، وصوت صحفي ظل يكتب بجرأة في قضايا الثقافةوالفكر والسياسة، ويربط الأدب بالواقع دون أن يفرّط في جماليات اللغة. وقد أسهم فيإثراء المكتبة العربية بأعمال تجاوزت حدود موريتانيا، لتجد صداها في المشرقوالمغرب، ولتثبت أن بلاد شنقيط قادرة على أن تُجدد صوتها وتقدّم للعالم أسماء تضافإلى سجلها العريق.
المختارالسالم، في النهاية، ليس فقط صديقا عزيزا؛ إنه مدرسة في الوفاء للكلمة، في الجمعبين الجرأة والإبداع، وفي الإيمان بأن الأدب رسالة لا تقل شأنا عن أي فعل من أفعالالتغيير. وددتُ لو كنت حاضرا في تلك الأمسية الأخيرة التي جمعت محبيه في بيت الشعرمع تجاربه المثمرة، لكنني مطمئن أن التواصل والاتصال بيننا لا يحتاج إلى مكان ولازمان، فنحن على البعد مقتربون، ورسُل القلم بينا تترى، ثم إنني أجده في كل روحألهمها، وفي كل يد شجعها على حمل القلم والمضي في طريقه.
حيِّ عني يا شعرُ بالتنويهِ
سادنَ الحرفِ ذا المقام النبيه
في سراديبه معانٍ تجلّت
وتجلى الإبداعُ إذْ بانَ فيه
وتجلى فهمٌ سديدٌ سريعُ
راكبٌ متنَ لاحقٍ ووجيهِ
في ظلالِ الحروفِ نبعٌ من الضو-
ءِ وفيها بـــــدائعُ التـــشــــبـــيهِ
محمد ولد إمام.. أغسطس 2025.. الدوحة - قطر


