تحديات الفانتازيا العربية
تواجه الفانتازيا العربية الوليدة سلسلة من التحديات التي يجب عليها أن تتخلص منها بأسرع وقت ممكن حتى ترسخ من نفسها داخل الجسد الأدبي العربي الكبير . وتتلخص تلك التحديات في سيطرة الأدب الاجتماعي الواقعي على الأدب العربي الحديث في الحقبة الماضية , مما يجعل بداية طريق الفانتازيا ليس مفروشا بالورود .
تتمثل تلك التحديات في أمور كثيرة , مثلا هناك دور النشر المختلفة , ثم المجتمع النقدي , ثم القراء , ثم المسابقات الأدبية , وتحديات الكتاب أنفسهم , من التخلص من وهم الواقعية على الفانتازيا , مرورا بعدم وجود نماذج نتبعها عربيا , و نهاية بالمفهوم الخاطئ و النظرة المجحفة عن الفانتازيا لدى المجتمع العربي .
بالنسبة للأدب الفانتازي , فالتحديات المتعلقة بدور النشر تتمثل في عدم وجود نماذج تم نشرها للأعمال الفانتازية العربية الحديثة من قبل . لذا فدور النشر قد ترى أن عملية النشر للأدب الوليد قد تصبح مجازفة غير مأمونة العواقب , خاصة أن الأعمال الفانتازية تتسم بالضخامة و التشعب و التسلسل .
وعلى الرغم من أن تجربة هاري بوتر في الوسط الثقافي العربي قد تسببت في حدوث حالة من التساؤل حول سبب وجود مبيعات بمثل تلك الضخامة لعمل ليس عربيا و ليس واقعيا , لكنها ليست كافية لتحريك دور النشر نحو تجربة النشر للأعمال الفانتازية الجديدة , هذا إضافة إلى أنه لا توجد آلية واقعية لدى لجان القراءات بدور النشر المختلفة لتستطيع أن تحكم على العمل المقدم للدار , و من ثم فقد تظلم لجان القراءات أعمالا تستحق النشر , في حين قد تجيز بنشر أعمال لا ترقى للنشر . وبعد تجربة رانمارو الناجحة قد تبدأ بعض الدور في الانتباه لهذا الفن الوليد , ولكن مع قصور في آليات التقييم المختلفة لدى دور النشر فقد نجد أعمالا لا تستحق عوضا عن أعمالا تستحق , و بالتالي قد يتسبب ذلك في خسارة دور النشر المختلفة للكثير من الأموال , فتتسبب في حالة من التردد لدى دور النشر خوفا من تكرار الخسارة مجددا , و هذا قد يتسبب في حدوث حالة من الشلل في الجسد الثقافي الفانتازي لفترة قد تمتد لسنوات حتى تظهر أعمال أدبية قوية تثبت أن تجربة رانمارو لم تكن مجرد تجربة فردية , مثلها مثل تجربة هاري بوتر , بل هي دلالة على وجود أدب عربي وليد يستحق الدعم و النشر , ووجود جمهور متعطش لمثل تلك الأعمال , شريطة أن ترقى لمستوى القارئ .
أتوقع أن تكون تلك السنوات من أصعب الفترات على الأدب الفانتازي العربي , وأتمنى من زملائي أن يصبروا و أن يثقوا في أنفسهم ما دامت كتاباتهم قوية و راسخة . وكلما ظهرت كتابات قوية مبكرا , كلما قلت نسبة حدوث مثل تلك الفترة و ربما لن تحدث قط , و هي أمنيتي الخاصة .
أما عن المجتمع النقدي , فلدي وجهة نظر قد تغضب البعض , لكني مؤمن بها على أي حال , أنا أعمل طبيبا , و تعلمت من الطب أمور كثيرة مهمة , من أبرزها التخصص , أي أنني حين أمرض بمرض في الكبد أذهب لطبيب الباطنة , ولا أذهب للجراحة , و حين يمرض ابني أذهب به لطبيب الأطفال , وليس طبيب النساء و التوليد . التخصص ثم التخصص ثم التخصص . كل شخص مميز في تخصصه , ليس أكثر ولا أقل . وهنا الأمر كذلك .
فالمجتمع النقدي العربي موجه – و فقط – نحو الأدب العربي الواقعي , وهذا أمر منطقي بالطبع , فمن المعلوم أن الحركة النقدية تابعة للحركة الأدبية , و على اختلاف أهدافها فهي تكون تابعة للتطورات و التغيرات التي تطرأ على الساحة الأدبية , لتطوير الكاتب و وضع أسس للأدب و تقييما للأعمال الأدبية , وبالنظر إلى أنه لا توجد أعمال فانتازية عربية حديثة على حد علمي إلا محاولات فردية متناثرة هنا و هناك , فبالتالي من المنطقي ألا تظهر حركة نقدية عربية موجهة خصيصا لأدب الفانتازيا العربي . ولأن النقد روح الأدب , و المطور الهام للكتابة , فاختفاء المجتمع النقدي العربي الخاص بالفانتازيا سيتسبب في مشاكل كثيرة , منها ظهور أعمال لا ترقى للنشر دون أن تكون هناك ضوابط خاصة لها , مرورا بتخبط الكتاب الجيدين في طرقات الفانتازيا و التجارب الشخصية , نهاية بمحاولة النقاد الواقعيين خوض تجارب النقد في الأدب الفانتازي , كل ذلك يمثل تحديات جمة سيواجهها من يكتب في الفانتازيا , فالتخبط ليس بالأمر الجيد , و هجوم النقاد المعروفين على العمل الفانتازي قد يدمر كاتبا رغم عدم أهليتهم للحكم على العمل , و ظهور أعمال لا تستحق ستظلم أعمالا أخرى تستحق .
أما تحديات القراء فببساطة القارئ ليس على اطلاع بالأدب الفانتازي الأجنبي و تشعباته , و كل ما يمتلكه من خبرات حياتية في الفانتازيا أتت إما من الروايات العالمية المترجمة , و على رأسها هاري بوتر بالطبع , مرورا بالأفلام الأجنبية المتخصصة في الفانتازيا . و بعيدا عن خلط القراء الواضح بين آداب الفانتازيا و الخيال العلمي , فالمشكلة الأكثر أهمية تكمن في أن القارئ العربي لا يدرك أن النماذج التي يقرأها أو يشاهدها على الشاشة الكبيرة ليست إلا نماذج تابعة لاتجاهات أدبية فرعية داخل الجسد الفانتازي الكبير , لذا فحين يقرأ أي شيء يشبه ما قد قرؤه من قبل أو شاهده فسيجد في عقليته اتهاما موجها نحو الكاتب بالاقتباس من تلك الأعمال و قد يصل الاتهام إلى حد السرقة الأدبية . لذا فالصبر ثم الصبر ثم الصبر على القراء , و عدم الهجوم عليهم , فهم لا يمتلكون بعد الذخيرة الأدبية التي تمنحهم المرونة في الحكم على الأعمال الفانتازية . لكن بعد عدة سنوات من الىن ستلاحظ أن هؤلاء الذين كانوا يهاجمونك سيقفون يهللون لك . ولا تتعجب , فتلك ستكون مهمتنا في المرحلة القادمة .
المسابقات الأدبية ربما يراها البعض أنها حكرا على كتاب بأعينهم , أو أعمال بعينها , لكن ما أرغب بالحديث عنه –بعيدا عن أية أفكار أخرى – هي المسابقات الأدبية المتخصصة في أدب الفانتازيا , بالطبع خارجيا هناك العديد من المسابقات الأدبية المعروفة الموجهة لأدب الفانتازيا , و هناك المزيد غيرها غير مشهورين بعد . لكن لا يحتوي الوسط الثقافي العربي على مسابقات أدبية موجهة للفانتازيا بعد , ولا أتوقع ظهورها إلا بعد ظهور سلسلة من الأعمال صاحبة النجاح المدوي مما يجذب الانتباه بقوة إلى هذا الكنز الدفين , فستظهر سلسلة من المسابقات الخاصة لتقوم باكتشاف الأعمال المميزة باكرا و يتم نشرها تبعا لدور نشر بعينها و التي – بالطبع – ستكون راعية لتلك المسابقات .
أما عن الكتاب أنفسهم , فعلى عاتقهم يقع عبء كبير , فما بين الأصوات التي ستتصاعد هجوما على الأدب الوليد رافعين لافتات الابتعاد عن العربية و الهوية القومية , مرورا بعدم وجود من يتبعه أو يسير على دربه أو يتعلم من أخطائه أو يتعرف على أنماط و أساليب كتابية في الفانتازيا , نهاية بنظرة الوسط العربي للفانتازيا .
فالهيمنة الواقعية على الأدب العربي لن تكون سهلة المراس , لكنها لن تطول كما أعتقد , أما عن النماذج فربما من يكتب حاليا هذا اللون سيكون رائدا من رواده في المستقبل و نمطا يتبعه الكتاب القادمين من بعدنا , ودائما ما تكون الصدارة صعبة على الجميع . تتبقى نقطة واحدة .. المفهوم الخاطئ عن الفانتازيا و النظرة المجحفة للمجتمع العربي للفانتازيا .
ما تصنيف الأدب الفانتازي حاليا في الوسط الثقافي العربي ؟
بكل أسف تصنيفه يقع ضمن أدب الطفل . ربما ينظر القارئ لكلماتي باندهاش , لكني أريد أن أوضح نقطة مهمة .. أي كاتب في أي لون أدبي حين يكتب فإنه يقصد أن يوجه كتاباته صوب فئة عمرية معينة , و قد يتطور الأمر ليشمل فئة جنسية معينة كذلك . وبالنظر إلى ذلك سنجد أن هناك كتابات تكون مقصورة على العمر من سن خمسة سنوات حتى سن عشرة سنوات فقط , أي أنه من يحاول قراءة مثل تلك الأعمال في سن أحد عشر سنة لن يشعر بانجذاب نحوها ولن تعجبه , وهذا منطقي بالطبع , لأن عقلية الإنسان في تطور مستمر , و كل عام يمر على الفرد تختلف قناعاته و رؤيته للحياة و معها تتطور عقليته و خبراته الحياتية و بالتالي احتياجاته ستختلف عن احتياجاته منذ عام مضى . لذا فهناك كتابات موجهة للأطفال , و كتابات موجهة للشباب , و كتابات موجهة للبالغين , و هذا بالحديث بصفة عامة بالطبع .
لذا فحكر الفانتازيا على عمر الأطفال فقط فيه إجحاف شديد لها , نعم هناك كتابات تستهدف الفئة العمرية الخاصة للأطفال , لكن هناك أخريات تستهدف الفئات العمرية الخاصة بالمراهقين , والشباب , و البالغين , فلماذا نضعهم في فئة أدب الطفل ؟ وقياسا على ذلك هناك الفانتازيا التي تستهدف شرائح عمرية معينة , و هناك الفانتازيا التي تتطور تبعا لتطور الأجزاء داخلها , فربما تبدأ في فئة عمرية , و تنتهي في فئة عمرية مختلفة عما استهدفته في البداية .
هذا عن ربط الأدب الفانتازي بأدب الطفل , نأتي للنظرة المجحفة للمجتمع العربي نحو كتاب الفانتازيا .. باختصار هناك اتهام واجهته مرات و مرات حتى مللت من الرد عليه : أنت تكتب هراءا , مجرد خيال بعيدا عن الواقع , وليس ذو أهمية قط , و من السهل جدا جدا كتابة الفانتازيا !
بالطبع هو رأي يستخف بالفانتازيا و بالمجهود المضني الذي يبذله أي كاتب فيها , فالهراء أبعد ما يكون عن الفانتازيا , و تلك النظرة المجحفة للغاية لمن يكتبها شيء يعبر عن مدى رفض القارئ للكتابة الفانتازية , وهنا نعود لجملة لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع , فربما ما لا يعجبك قد يعجب غيرك , وما يعجبك قد لا يعجب غيرك , لذا يجب التفرقة جيدا بين الرأي الشخصي و التعميم , أي عوضا من اتهام الأدب الفانتازي ككل بأنه لا فائدة منه , لماذا لا تعترف بأنك لا تحب الأدب الفانتازي ؟ شيء طبيعي ألا تحب الأدب الفانتازي , هناك من سألني يوما عما سأفعل مع من لا يحبون الفانتازيا , حينها أجبته ببساطة وتلقائية أن في مصر وحدها أكثر من ثمانين مليون مواطن , لست أكتب الفانتازيا كي يقرؤها الثمانين مليون , أنا أكتب الفانتازيا كي يقرؤها من يحب الفانتازيا داخل الثمانين مليون , أما من لا يحبها فلا مشكلة عندي في ذلك .
وأما عن سهولة الفانتازيا و سهولة كتابتها .. ممم , أعتقد أن أبسط إجابة على مثل هذا الاتهام هو أن أدعو من يقول ذلك لقراءة الكتاب , و حينها سيدرك مدى صعوبة كونك كاتبا فانتازيا .
وأخيرا أتمنى ألا تدوم مثل هذه الصعوبات و التحديات لأنها ستعرقل كثيرا من مسيرة الأدب الفانتازي العربي الوليد.
Published on January 28, 2013 21:11
No comments have been added yet.
ثورة الفانتازيا
مدونة تهتم بكل ما يتعلق بالفانتازيا من نقاط بداية من شرح معناها البسيط نهاية إلى تعقيداتها النقدية العالمية
- أحمد خشبة's profile
- 67 followers
